جمال سليمان: العسكرة والأسلمة أسقطا صوت الحق المنادي بإنهاء الاستبداد
وليد غانم
ما هي أولويات عمل منصة القاهرة في المرحلة القادمة، وهل حراككم السياسي يقتصر على المشاركة في المؤتمرات والاجتماعات، أم لديكم مشروعات خاصة لتخفيف المعاناة عن السوريين؟
في الحقيقة نحن لسنا منظمة إغاثية ولا حزبا سياسيا لديه موارد تتيح له تقديم المساعدات وإقامة مشاريع دعم. كذلك نحن لسنا جهة عسكرية تسيطر على بقعة من التراب السوري وتديرها. بالمقابل نحن جهة وطنية فاعلة في جبهة النضال السياسي من أجل الخلاص من نظام الاستبداد وإقامة الدولة الديموقراطية.
إننا تجمّع لقوى سياسية مدنية وشخصيات مستقلة نؤمن بأنه لا حل في سوريا إلا الحل السياسي عبر التفاوض وفقاً للمرجعيات الدولية وتحديداً تفاهمات جنيف والقرار ٢٢٥٤ وبناء عليه نحن ننشط ونشارك في مفاوضات جنيف، لا من باب الترف وإنما من باب القيام بالواجب الوطني لرفع المعاناة عن السوريين جميعاً وتحقيق أهداف الثورة الحقيقية، وهي كما نعرف ويعرف العالم تتلخص في الحصول على دولة القانون والمواطنة وحرية التعبير وتداول السلطة عبر صناديق انتخاب نزيهة.
ما هي رؤيتكم لمستقبل العملية السلمية السورية، وسط كل المتغيرات الأخيرة، من تراجع سيطرة داعش على الكثير من المناطق التي كان يسيطر عليها، إلى إيقاف الدعم العسكري على قسم كبير من المعارضة المسلحة؟
كل القوى والشخصيات التي شاركت في مؤتمري القاهرة في كانون الثاني وحزيران ٢٠١٥ هي قوى وشخصيات تؤمن بالحل السياسي ضمن إطار المحددات الوطنية السورية. وكما كان لها مواقف واضحة ومباشرة من النظام الاستبدادي الذي قاد البلاد الى ما هي عليه اليوم، كان لها ايضاً مواقف واضحة وصارمة من العسكرة والأسلمة، حيث اعتبرت ان هاذان التحولان اللذان طرءا على مسار الثورة أضرا بسيرورتها وحجبا صوتها الحق المنادي بسقوط الاستبداد وقيام الدولة الديموقراطية، وحولاها من ثورة تنشد الحرية والكرامة والعدل إلى حرب إقليمية ودولية تجري على الارض السورية وبدماء الشعب السوري. نحن كنا وما زلنا ملتزمين بالحل السياسي العادل. لكن ذلك يقتضي موضوعياً تفاهماً دولياً وإقليميا رأس هرمه التفاهم الروسي الأمريكي، وهذا ليس متاحاً بعد. ومعارضة سورية متحدة حول رؤية وقراءة متناغمة تخوض من خلالها العملية التفاوضية وهذا ايضاً لم ينضج بعد. لذلك مازال أمامنا طريق صعب وغامض.
ما مدى تأثير السياسات الإقليمية والدولية في تحقيق مثل هذه الرؤيا؟
كما تلاحظ ونلاحظ جميعا فإن الدروب في سوريا تتقاطع ثم سرعان ما تفترق، والأحوال تتقلب بشكل دراماتيكي أحياناً. من قال ان تركيا ستبتعد يوماً عن أمريكا وحلفائها في حلف الناتو وستقترب من روسيا كل هذا القرب بعد ان كان الطرفان على شفا حرب بعد ان اسقاط الأتراك للمقاتلة الروسية؟ ومن توقع ان الإيرانيين والأتراك سيجدون يوما ما يوحدهم على جبهة من الجبهات على الأقل؟ ومن تنبأ ان علاقة روسيا مع أمريكا بعد فوز ترامب ستكون بالسوء نفسه الذي كانت عليه ايام اوباما ان لم تكن أسوأ؟ هذا كله تجلّى في بروز قوى على الارض ثم تلاشيها لتبرز قوى اخرى ثم بدورها تضعف او تتلاشى وذلك تبعاً للتجاذبات الإقليمية والدولية. وها نحن اليوم نشهد هزائم متلاحقة لداعش (هذا التنظيم اللغز) بعد ان حققت انتصارات صاعقة وسهلة بلا معارك جدية.
أمام واقع بهذا التعقيد والصعوبة علينا كسوريين أن نكف عن الرهان على الآخرين ونستبدل ذلك بالرهان على أنفسنا ونتقارب ونوحد رؤانا ونوائمها مع ما تعطينا إياه الشرعية الدولية من خلال تفاهمات جنيف والقرار ٢٢٥٤.
أستانة وجنيف
هل ترى ان استفراد أستانة بالملف العسكري أفقد المعارضة السياسية إحدى أهم أوراقها في جنيف؟ ولماذا رفض البعض في جنيف ما أبرمه في أستانة لاحقاً؟ وهل فشل المعارضة العسكرية والسياسية أضعف قوى الثورة، هل ضعفت أيضا شرعيتها؟
صحيح أن بعض أجنحة المعارضة لوحّت بالورقة العسكرية كعنصر من عناصر قوتها، لكن مسار الأحداث أسقط هذا الوهم. في الحقيقة الفصائل المسلحة لم تقم وزناً للمعارضة السياسية ولم تثق بها، وحتى عندما أعطت بعض فصائلها تفويضاً للائتلاف أو غيره كان هذا التفويض مؤقتا سرعان ما تلاشى أو تلاشت الجهة التي منحته.
بالنسبة لنا في مؤتمر القاهرة لم تكن الورقة العسكرية يوماً ورقة سياسية نستخدمها في جنيف أو غير جنيف، ولم نعتبر مآلاتها طريقنا لإنشاء نظام ديموقراطي في سوريا. بالمقابل الفصائل العسكرية بدورها لم تعتبرنا وفقاً لمقاييسها معارضة حقيقية. كان قادة هذه الفصائل يعتبروننا خونة لمجرد زيارتنا لموسكو أو لقائنا مع أي مسؤول روسي، لكنهم اليوم وتحت ضغط الآلة العسكرية الروسية وارتباك داعميهم يبرمون اتفاقات بضمانات روسية، هذا لا يعني أبداً اننا ضد هذه الاتفاقيات، على العكس من ذلك، نحن نرحب بأي خفض للتوتر والقتل، لكننا نرى ان كل هذه الاتفاقات لا قيمة لها مالم تفض إلى الحل السياسي الشامل، ودون ذلك سنصل إلى ما يسمى استنقاع الحالة السورية من خلال مناطق وبؤر تعيش منعزلة تحت سلطة حكامها المحليين بموجب إطار مؤقت (طال أجله) في عهدة دول خارجية.
كل ذلك يقودنا الى الاستنتاج ان ما وصلت اليه الفصائل المسلحة من أسلمة وخضوع لشروط الممول والراعي ذو المصالح المتغيرة، وما وصل اليه النظام من فشل ذريع في تفهم حركة الاحتجاجات الشعبية واختياره للحلول العنفية بدلاً من الانخراط في مشروع اصلاحٍ سياسي وطني كل ذلك أضعف النظام والمعارضة وأضعف سوريا ككيان وطني قادر على التحكم بشؤونه.
روسيا قررت عقد مؤتمر سوري في حميميم 29 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بمشاركة ممثلي المصالحات، ومناطق خفض التصعيد وحكومة النظام. السؤال عندما تدعو روسيا إلى مؤتمر تصالحي سوري، هل هذا يعني أنها إنْ لم تشْطبْ فهي ستشطبْ “جنيف1” نهائياً، وأنه لا مرحلة انتقالية ولا قرار 2254، وأنه لا قرار في هذا الشأن إلا القرار الروسي طالما أن الحلّ سيكون جغرافيا في هذه القاعدة العسكرية، التي أصبحت بديلة للقصر الرئاسي في دمشق، وأصبح بشار الأسد يُستدعى إليها استدعاءً لإعطائه الأوامر والتعليمات للتنفيذ وبدون سؤال ولا جواب ولا أي استفسار؟
هذه توقعات وتخمينات وتسريبات لم تنتقل بهد آلو الحيّز الرسمي و تتوضح تفاصيلها. هل سيكون في حال حدوثه “مؤتمراً للمصالحة” أم “مؤتمراً سياسياً وطنياً للتفاوض حول الانتقال السياس وفق المرجعيات الدولية”؟ هناك فارق بين الاثنين. لا أحد لديه معلومات مؤكدة بعد. ثم أن اعتبار روسيا الوحيدة صاحبة القرار في سوريا امر غير دقيق. قد تكون صاحبة اليد الأعلى ولكنها بالتأكيد ليست اليد الوحيدة. خلافاً لكثير من التوقعات نحن نشهد اليوم وفي عصر ترامب صراعاً روسياً أمريكياً أشد مما كان عليه ايام اوباما. لكن بناء على جواب السؤال السابق وبناء على تقلبات المسارات عبر السنوات الست السابقة يصبح كل شيءٍ ممكناً وكل احتمال مهما ضعف وارد. لكننا ومهما حصل لا يمكن تجنب الحقائق وأولها انه يمكنك ان تفرض حلولا قسرية تفضي الى هدوء ما، لكنه مخادع ومؤقت، ومنظر الرماد لا يعني ابداً ان النيران قد خمدت. مهما كان المسار وإينما كان لن يكون ناجعا مالم يفضي الى حل سياسي شامل وعادل يحفظ وحدة التراب السوري ومؤسسات الدولة ويقضي على التطرّف والاٍرهاب لكنه، من قبل ومن بعد، يطوي صفحة الاستبداد ويحقق الانتقال السياسي الى الدولة الديموقراطية.
واشنطن وموسكو وطهران
هل ترى أن الولايات المتحدة تلاعب بوتين في سوريا، وأن هذا أحد أسباب إطالة النزيف، والتوريط الروسيّ، ولاسيما أن واشنطن ليس لديها ما تخسره هناك؟ أم لديك تفسيرات أخرى لما يجري؟
لا ليس لدي جواب آخر و لا أظن ان الأمريكيين سيمنحون الروس انتصاراً سهلاً ولست من المصدقين لمقولة ان أمريكا وهبت الملف السوري لروسيا. إن وضعية أمريكا في العالم ومصالحها وتقديرها لأهداف روسيا يمنعاها من فعل ذلك، أنا من الذين استوقفتهم كثيراً حكاية صواريخ التوماهوك التي أُمطرت على مطار الشعيرات، هذا ليس حدثاً عرضياً ولم يحدث ما يماثله ايام اوباما. حسب فهمي المتواضع هو طريقة الادارة الامريكية الجديدة لقرع الباب. وما تلاه من تجاذبات يؤكد صحة هذه القراءة، إنها حرب إرادات لا تتعلق باللحظة الراهنة ولا بسوريا وحدها، بل تتعلق بماضي وحاضر ومستقبل الصرع بين القوتين، لذلك لا انتصارات سهلة لأحد.
من جانب آخر، هل يملك النظام وحليفه الإيراني قدرة الوقوف بوجه رغبة موسكو إذا اندفعت نحو فرض مسودة دستورها الجاهز، وهل يلبي هذا بعض طموحات المعارضة والشعب عموماً، ويرضي الداعين إلى رحيل الأسد بعد المرحلة الانتقالية، وتقليص نفوذ طهران؟
عندما نتحدث عن القدرات يجب أن نمايز بين النظام وإيران. قدرة النظام على التحدي بشكل مستقل عن حليف او أكثر، أصبحت في حدودها الدنيا. اما إيران فهي دولة لا تزال لديها قدرات على التحدي ولكنها بالمقابل ليست قدرات بلا حدود. فإيران واي دولة إقليمية مهما كانت قوتها لا قدرة لها على تحدي قوتين عالميتين على جبهتين مختلفتين. إيران اليوم في حالة تحد مع الولايات المتحدة والجبهة بينهما ساخنة جداً مما يجعل حاجتها لروسيا مسألة وجودية، وبالتالي هي تحاول أن تحافظ على أعلى قدر من المكتسبات دون الدخول في تحدٍ مع الروس آخذة بعين الاعتبار ان روسيا ايضاً تحتاجها لإزعاج أمريكا وتعقيد حساباتها.
إنها أشبه برقصة التانغو بين اثنين ينسجمان ويتنافران في الوقت نفسه، وإذا عدنا الى مسألة الدستور الذي طرحه الروس والذي أثار كثيراً من اللغط والمواقف التي كان بعضها في إطار المزايدات أقول وكما قال الروس أنفسهم على لسان وزير خارجيتهم بأنه لا يحق لأي أحد أن يفرض على السوريين دستوراً مهما كانت صيغته، وإن هذا حقاً سيادياً للشعب السوري يمارسه ضمن آليات وطنية سورية حرة.
ونحن – كما الفصائل المسلحة في أستانة – استلمنا نسخة من الدستور بصفة الاطلاع على مقترح روسي لا أكثر. بالنسبة لنا كان وجه الأهمية في ذلك انه يدخلنا في رؤية روسيا التفصيلية للمسألة السورية وأهداف الحل السياسي فيها. وليس بهدف تبنيه. آخذين في عين الاعتبار ان كتابة الدساتير أصبحت علماً عالمياً يستند الى مفاهيم ومعايير اخترعها العقل الغربي ووضع لها اليات تقنية ومفاهيم فلسفية واجتماعية متعارف عليا كالمركزية واللامركزية، البرلمانية والرئاسية ونصف الرئاسة والى ما هنالك. في هذا الإطار ننظر للمسودة الدستورية الروسية.
إعادة الإعمار
انتهى في الأسبوع الماضي في نيويورك، وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لقاء ما يسمى أصدقاء الشعب السوري على المستوى الوزاري، وكان لافتا قول وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، عقب الاجتماع، إن بريطانيا والدول الغربية “لن تساهم في عملية إعادة إعمار سورية ما دام الأسد في السلطة، وأنها تسعى إلى تحقيق عملية انتقالية بدونه”، هل ترون أن الموقف البريطاني، ومن خلفه الغربي، ثابتاً في عدم قبول الأسد، أم أن قرار ربط دعم إعادة الإعمار بسير العملية السياسية هو كلام إعلام أم وسيلة للضغط على النظام، أم هو موقف سياسي ثابت لتلك الدول؟
لابد ان التجارب قد علمتنا انه لا شيء ثابت وأن المواقف تتحرك وتتغير وفقاً للمستجدات والمصالح. تضارب التصريحات ينبئ عن وجود خلافات حول مسألة إعادة الإعمار، ولكن أوربا -دولها الكبرى على الأقل- اتفقت على انها لن تساهم في إعادة الإعمار مالم يكن هناك حل سياسي شامل، وهو قرار منطقي، لأن اعادة الإعمار تحتاج الى سلم اجتماعي واختفاء للمظاهر المسلحة ووجود حكومة خاضعة لقوانين الشفافية والعدالة كي تدير هذه العملية الضخمة والمعقدة، كل هذه الأشياء لا تزال غير متوفرة ولن تتوفر إلا في حالة الحل السياسي القائم على تفاهمات جنيف والقرار ٢٢٥٤. ولكن هل ستلتزم أوربا بما عبرت عنه؟ هذا أمر ستبرهن عنه المرحلة القادمة.
من ناحية أخرى علينا أن نميز بين اعادة الإعمار وتقديم المساعدات الانسانية وهو تمييز منطقي وواجب فمعظم السوريين اليوم بحاجة للمساعدة كي يتدبروا أولويات حياتهم وحياة أطفالهم.
وماذا يكفل أو يضمن أن يستفيد النظام من عملية إعادة الإعمار ليصبح مكافأة للموالين له من خلال استخدام أموال إعادة الإعمار لتحسين مناطقهم؟
في الوضع الحالي لا شيء يضمن، على العكس، ففي الوضع الحالي سوف تصب عائدات اعادة الإعمار في جيوب الطبقة الفاسدة نفسها التي كانت أحد الأسباب الرئيسيّة والمباشرة للثورة.
هل تعتقدون أن الأمم المتحدة، وتحديداً المبعوث الدولي السيد ديمستورا لا يعلم ان قسما كبيرا من المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة للسوريين تذهب الى جمعيات تحولت الى تنظيمات مسلحة مثل جمعية البستان التي تحدثت تقارير عديدة انها تتلقى مساعدات من برامج الأمم المتحدة والتي أثبتت الأحداث الأخيرة في السويداء ان للجمعية تنظيمات عسكرية؟
يجب ان توجه هذا السؤال للسيد ديمستورا، أظن أنه -كما العالم كله- يعلم.
ما بعد (داعش)؟
بات إسدال الستار على وجود تنظيم داعش في المدن الكبرى وشيكاً بعد إعلان فصائل كردية حسم وجود التنظيم في الرقة المعقل الأخير له يوم الاثنين وحصار قوات النظام له في دير الزور، ما هو مستقبل المنطقة بعد داعش، أو دعنا نطرح السؤال بطريقة أخرى، كان النظام وداعميه، والكثير من الدول تقول ان الأولوية في سوريا هو القضاء على داعش وليس إيقاف جرائم بشار الأسد، السؤال، النظام دائماً يحاول أن يكون هناك موضوع يشغل العالم، ماذا بعد داعش؟
إنه السؤال الكبير “ماذا بعد داعش والنصرة واخواتهما؟” هذا سؤال ولّد اجابات عديدة معظمها غامض ومرتبك. ولابد ان يسبقه سؤال مشروع وهو: لماذا كانت داعش؟
داعش قدمت للنظام خدمة جليلة من خلال جعله بديلاً قابلاً للحياة مقابل اتساع رقعة وحشيتها وتهديها لأمن دول كثيرة. ولعل تصريح الرئيس الفرنسي ماكرون الذي قال فيه في معرض شرح استراتيجيته حول اولوية محاربة الاٍرهاب إن “بشار الاسد عدو شعبه وليس عدونا نحن”، هو خير تمثيل لهذا التمييز البراغماتي بين النظام والتنظيمات المتطرفة، كما أن داعش وباقي التنظيمات المتطرفة قدمت خدمات جليلة لدول كثيرة لأنها وفرت لها البوابة الواسعة والمسوغ الفعّال لدخول الارض السورية والتحكم في مسارات الصراع فيها بما يخدم مصالحها ويصفي حساباتها مع الآخرين.
أما سؤلك ماذا بعد داعش فالجواب المنطقي الذي بينته التجارب ان اختفاء تنظيم أصولي إرهابي شغل حيزاً واسعاً كما فعل داعش سيخلف فراغاً مؤقتاً سرعان ما يملأه تنظيم ارهابي آخر يستلهم التجربة نفسها والخبرات ذاتها ويرث من بقي حياً من التنظيم الذي سبقه. التجربة العراقية خير مثال نتعلم منه. انها مطحنة عبثية تدور رحاها وستدور مالم تتغير البيئة التي أنتجتها ويُملأ الفراغ الذي خلفته بمشروع وطني عادل وشامل يقوده نظام ديموقراطي وتعاون دولي مخلص وحقيقي ينفي مبررات وجود هكذا فكر ينتج هكذا تنظيمات.
التنظيمات الإرهابية سلاح وسيط لقوى تمولها وتدعمها، لكن التطرّف الذي هو المادة الخام التي تصنع منها التنظيمات الارهابية لا يهبط هو الآخر من السماء، بل هو نتاج ظروف عدة على رأسها انعدام الحياة السياسية الحرة والمشاركة الشعبية في صنع القرار، وتخلف التعليم، وفشل التنمية المستدامة، والاقتصاد الزبائني، وعدم التوزيع العادل للثروات التي انسكب معظمها في جيوب الفساد، دون أن نتجاهل التأثير الكارثي لقيام اسرائيل بوصفها دولة لاهوتية قامت على وعد رباني، مما استنهض التطرّف وعزز صراع الايديولوجيات الدينية في أرضنا “أرض الأنبياء ومهبط الرسائل السماوية” كما عزز مبررات قيام النظم العسكرية التي حالت دون تطور الحياة السياسية في الفضاء المدني. أن فشل العالم في فرض حل عادل لتلك القضية قوض فكرة العدالة الدولية وعزز مكانها فكرة ان “القوة لا الحق هومن يحكم العالم”، من هذا المنطلق نحن نرى ان القضاء على فصيل إرهابي لا يعني أبدا ان المعركة مع الاٍرهاب قد انتهت الى الابد، لان التاريخ القريب قد علمنا ان هذه التنظيمات ستعيد إنتاج نفسها وإن بمسميات جديدة طالما ان الظروف لم تتغير.
إن اجتثاث الاٍرهاب يتطلب اجتثاث أسباب التطرّف التي ذكرت بعضها آنفا. نحن نحتاج الى حلول جذرية تعزز مفاهيم العدالة والحرية وقدرة البشر على صنع مستقبلهم بالطرق السلمية. بكلمات أكثر تحديداً نحن نحتاج لقيام نظم ديموقراطية تقود مشروعا تنموياً شاملاً، كما نحتاج حلولاً لأسباب الصراع في المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
تجاذبات كردستان
تحول استفتاء كردستان العراق إلى أمر واقع، على الرغم من المحاولات الكثيرة لإيقافه أو حتى تأجيله، حتى بات من الواجب آخذه في الحسبان عند صوغ التطورات؟ وهل التطورات في المناطق ذات الغالبية الكردية إذا ما استمرت تفتح الباب مشرعاً إلى احتمال تعاوني تركي مع نظام بشار الأسد، ولاسيما بعد الانعطافة التركية، والتعاون الروسي التركي في سورية التي ظهرت نتائجه في التعاطي الأخير التركي في ادلب؟
الدول محكومة بمصالحها لا بمبادئها – قاعدة قديمة ومعروفة – لكننا عرباً وكرداً مع الأسف نتجاهلها. ان الاستفتاء الذي أجراه اخوتنا الأكراد في كردستان العراق انقلب وبالاً عليهم وعلى باقي العراق، أضعفهم كما أضعف خصومهم العراقيين وكان بمثابة توسعة لبوابة تدخل الآخرين وتعزيز نفوذهم على حساب العراق عربياً وكردياً. ليس الانفصال ولا الأفكار القومية المتصلبة هي ما نحتاجه اليوم، وإنما صيغة دستورية عادلة للعيش المشترك بصرف النظر عن جذورنا القومية وانتماءاتنا الطائفية. إذا لم ننجح في تحقيق ذلك فلا نتوقع إلا حروباً طويلة نفنى به جميعاً ولا يكسب منها إلا من أدارها وقدم لها السلاح والذخيرة.
الحل السياسي
إذا كانت سوريا لم تقسم هل سوف تشهد هندسة سكانية ديمغرافية مبرمجة؟ هل ستعود سوريا إلى ما كانت عليها قبل الثورة؟ وهل هناك إرادة دولية تتمثل بإعادة رسم الخارطة السكانية لسوريا بعد عمليات التهجير التي شهدتها مختلف المناطق السورية؟
إن أي عملية تهجير في أي بقعة من سوريا هي عمل لا أخلاقي ويتنافى مع القانون الدولي ويخلق مظلوميات جديدة ستعبر عن نفسها ثأرياً في يوم من الأيام، يجب علينا أن نعي ذلك ونتصدى له ونمنعه، لكن في المقابل يجب ان نتفهم جميعاً بان سوريا تغيرت وأن هذه الحرب المتوحشة لم تكن بلا دروس نتعلمها ان كنا حقاً نسعى لغدٍ افضل، و من هذه الدروس ان الدولة المركزية لن تكون الأفضل لسوريا، ونكران وجود الآخرين والتنكر لحقوقهم وصفة فعالة لمزيد من الكراهية والعنف وعدم الاستقرار، علينا ان نعترف بتنوعنا وهذا الاعتراف يجب ان يتجاوز حدوده اللغوية الانشائية وسردياته العاطفية التي لا تغني من فقر ولا تطعم من جوع. علينا ان نحول ذلك إلا مفاهيم دستورية ترعى الحقوق وتحافظ على الحدود.
هل أنت مع مقولة أن الرياضة ستوحد السوريين، بينما عجزت أنهار الدماء عن تحقيق ذلك؟
الرياضة كما أشياء كثيرة من الممكن ان توحدنا عاطفياً للحظة أو أكثر ولكنها مشاعر مؤقتة سرعان ما ستزول ان لم يكن هناك أسس وأركان تحافظ على ديمومتها.
أنتم في منصة القاهرة من الداعين الى الحل السياسي، إذا ما تم الحل السياسي بناء على صيغة ما توافقون عليها، مع وجود بشار الأسد وأجهزته الأمنية ولو لفترة محدودة، هل تعتقد أن حياتك ستكون آمنة؟
هذا يتوقف على طبيعة الحل والمناخ العام. نحن في مؤتمر القاهرة كما هو معلوم نمايز بين الدولة والأشخاص، ونحن من دعاة المحافظة على مؤسسات الدولة مع التأكيد على ضرورة إصلاحها وإخضاعها للمحددات الدستورية المأمولة، بحيث تصبح مرجعيتها وطنية دستورية وليست حزبية أو شخصية. تعمل دفاعا عن الوطن لا دفاعاً عن الحاكم. مع هكذا مؤسسات سأشعر كأي مواطن سوري بالأمان والحماية، أما إذا بقيت مؤسسات الدولة ومنها الأمن تعمل بنفس الطريقة ولها نفس المرجعيات فبالتأكيد لا أمن ولا أمان معها.
كلنا شركاء