جيش على الورق.. حكاية الجيش السوري الحر
ما كان لاي جندي أن يرغب في أن يقف الى جانب العقيد رياض الاسعد، قائد الجيش السوري الحر. فبينما آلاف السوريين بل وحتى الصحافيون الاجانب قتلوا في دمشق وفي حمص، فان العقيد الاسعد محم في مخيم لاجئين منعزل قرب مدينة انطاكيا، على مسافة غير بعيدة من الحدود السورية، برفقة 100 من جنود، 25 حارسا شخصيا سوريا مدربين على الحماية، تعززهم المخابرات التركية وضباط الشرطة الاتراك، مساعد شخصي وفريق من نصف دزينة مستشارين اعلاميين ينقلون البلاغات للصحافة عن الخطر الكبير الذي يحدق بالاسعد في المعسكر في تركيا.
الحراسة حوله مشددة. لا أحد يخرج أو يدخل الى المعسكر. صحافي من البي.بي.سي يرغب في أن يقابل الاسعد يضطر الى ان يدير معه حديثا على السكاي بي من خارج المعسكر. صحافي من ‘النيويورك تايمز’ نجح في أن يقابله في مكتب صغير خارج المعسكر، يعود للحكومة التركية. الاسعد، الذي يحرص على ان يظهر في البث التلفزيوني بالبزة المرقطة، وصل الى اللقاء وهو يلبس بدلة عمل مع عشرة جنود أتراك مسلحين، بينهم قناص واحد. ‘اشتريت له البدلة هذا الصباح فقط’، اعتذر رجل وزارة الخارجية التركية الذي نظم المقابلة لـ ‘النيويورك تايمز’.
نحو تسعة أشهر مرت منذ اقام الاسعد الجيش السوري الحر. في مقابلات نادرة تحدث عن عشرين الف جندي فروا من الجيش السوري وانضموا اليه. احد معارضيه قال لمجلة ‘التايم’ ان الاسعد مسؤول عن خمسة جنود في افضل الاحوال. التقديرات هي أن تحت تصرفه يوجد بضعة آلاف من الجنود. في الجيش السوري، لغرض المقارنة، يوجد 200 الف جندي.
الجيش السوري الحر ليس سوى صندوق كرتون مخروق، قال المعارض لـ ‘التايم’. ‘لا يمكن وصف جيشه بالجيش وهو لا يمكنه أن يوزع الاوامر لانه لا يوجد لديه جنود حقيقيون’، يضيف بزيل ايستوود، السفير البريطاني السابق في سورية في حديث خاص مع ‘معاريف’. ويتابع ايستوود الاحداث في سورية ويعرف بعضا من النفوس العاملة هناك ويشرح فيقول ان ‘جيش رياض الاسعد هو جيش فقط حسب اسمه وليس حسب أفعاله’.
‘هذا ليس جيدا رغم أنه بالعربية يسمى جيشا’، يقول د. يرون فريدمان، المستشرق من دائرة الدراسات الانسانية في التخنيون وكاتب كتاب ‘العلويون، التاريخ، الدين والهوية’. يمكن القول ان هذا جيش قيد الانشاء ولكن لا يزال ليس جيشا حقيقيا’. تقرير ‘هيومن رايتس ووتش’، الذي نشر قبل نحو ثلاثة اسابيع كشف النقاب عن سلوك غير عسكري للمنظمة. حسب التقرير، الجيش بقيادة الاسعد ينفذ أعمال اختطاف وتعذيب.
ليس واضحا كيف وصل الاسعد الى رئيس الهرم في الجيش السوري الحر. في شهر حزيران الماضي أعلن العقيد حسين حرموش عن انشقاقه عن الجيش السوري احتجاجا على قتل المدنيين، وانضم اليه بعض الجنود واعلن حرموش الذي هرب الى تركيا عن اقامة حركة للضباط المعارضين للحكومة السورية.
لا يخرج من المعسكر
على مدى بضعة أسابيع حاول حرموش ان ينظم حوله مؤيدين وان يجري مفاوضات مع المخابرات التركية التي وعدت بالمساعدة، ولكن في نهاية تموز أعلن الاسعد، الذي كان لا يزال في سورية، عن تأسيس الجيش السوري الحر احتجاجا على الامر باطلاق النار على المدنيين. ولم يتمكن حرموش من التعقيب. في شهر آب اختفى وفي ايلول ظهر في التلفزيون السوري وقال ان عصابات مسلحة تقتل المدنيين السوريين.
خيانة العقيد حرموش جعلت الاسعد لاعب المعارضة المركزي، غير أنه خلافا لضباط كبار فضلوا البقاء في سورية وتعريض حياتهم للخطر في صراع مضرج بالدماء، فر الاسعد الى تركيا في آب، بعد بضعة اسابيع من اعلانه عن اقامة الجيش السوري الحر. وقال الاسعد لـ ‘نيويورك تايمز’ انه اضطر الى الهرب بعد أن قتل، في اثناء المظاهرات في قرية مولده أبديتا في إدلب، بعض من اقربائه وقصف منزل شقيقته.
‘عرفت أن لدي طاقة كامنة أكبر لادارة العمليات في المكان الذي أكون فيه حرا’، شرح. وهو ليس حرا. جون سيمبسون كتب في بي.بي.سي بانه وصل الى المنطقة بعد شهر من ذلك، فوجد الاسعد محصنا في معسكر في قرية افيدين، على مسافة 14كم من انطاكيا. الاسعد لا يخرج من المعسكر ولا يحق لاحد أن يزوره. فريق البي.بي.سي الذي صور المعسكر من مسافة بعيدة اعتقله جنود أتراك. في نهاية المطاف نجحوا في اجراء اتصال مع الاسعد. ‘كان هذا حدثا غريبا’، كتب سيمبسون في موقع البي.بي.سي. ‘في الظلمة أعددنا الحاسوب وصحن القمر الصناعي في ساحة بيت مجاور للمعسكر، والحديث مع العقيد أجريناه عبر السكايب’.
ليس جيشا، بل علامة تجارية
الاسعد، مسلم سني، ابن 50، عاش في مدينة أبديتا السورية. وعمل كمهندس في سلاح الجو السوري على مدى 31 سنة، الى أن اندلع الربيع العربي ونظام الرئيس بشار الاسد بدأ يطارد أناسا مثله، خوفا من تنظيم ثورة مشابهة لتلك التي وقعت في تونس. ‘كنا تحت رقابة مستمرة’، قال في مقابلة نادرة مع وكالة ‘رويترز’ للانباء قبل نحو نصف سنة. وعلى حد قوله، استدعته مخابرات سلاح الجو في مدينة حلب حيث اجبر على الاعتراف بان جنودا من معارفه نظموا مجموعة مسلحين للحرب ضد النظام. بعد ذلك فر. ووعد بالعودة الى سورية فور ايجاد مكان يمكن أن يشكل قاعدة للقيادة. حتى اليوم لم يتوفر مكان كهذا.
في المقابلات القليلة التي منحها لوسائل الاعلام الغربية وفي البيانات التي يصدرها فريق الناطقين بلسانه، فان الاسعد يظهر مكافحا ومفعما بالكليشيهات: ‘الامة السورية مصممة على اسقاط الدكتاتور، انشاء الله، الحكم السوري سيسقط قريبا، النظام فاسد من حيث الاساس، ربما يظهر كقوي من الخارج ولكن قلبه ضعيف، الجميع في سورية يعرفون ذلك، وهذا سيحصل بسرعة’. قال للبي.بي.سي . ‘اذا لم يستسلموا فسنقاتلهم باظافرنا الى أن ينهار النظام. اقول لبشار الاسد الشعب اقوى منك’، اقتبس عنه في مقابلة مع ‘رويترز’. النظام لا يفهم قوة السياسة، قال لوكالة أيه.بي. هم لا يفهمون الا لغة القوة. وعلى مسمع من مراسل ‘نيويورك تايمز’ تباهى بانه يخطط لحملات عسكرية كبيرة.
كليشيهات الحرب حاولت أن تغطي على الضعف العسكري. المراسلون الغربيون يبلغون عن ان الاسعد لم ينجح في أن يجمع حوله جنودا وان الكثير من مؤيديه هم مدنيون تعوزهم كل قدرة عسكرية، ولكنهم نجحوا في أن يحصلوا على السلاح وان ليس للاسعد علاقة مباشرة مع مؤيديه في سورية. ويحاول الاسعد تكذيب هذه التقارير. فقد قال لـ ‘نيويورك تايمز’ انه يتصل مع قادته في الميدان من خلال البريد الالكتروني الذي يبعثه من حاسوبه النقال وان لديه جهاز هاتف للاتصال بالقمر الصناعي وأربعة أجهزة اخرى تلقاها هدية من مهاجرين سوريين في الغرب.
طلباته للحصول على السلاح من الدول الغربية لم تحظى باستجابة كبيرة. وعاد الاسعد ليشكو من ان الكثيرين وعدوا بتزويده بالسلاح ولكن القليلين فقط اوفوا بوعودهم. ويقول د. فريدمان ان ‘لديهم سلاح وان كان مصدره سريا ويبدو أنه يصل من دول الخليج’.
‘الجيش السوري الحر ليس جيشا بالمعنى الدارج للكلمة بل علامة تجارية ارتبطت به مجموعات من الميليشيات الصغيرة واقامت صلة محدودة بينها’، يقول ايستوود. ‘فهم ليسوا منظمين، وهم بشكل عام يهاجمون الجيش السوري في نقاط الحراسة. الاسعد لا يمكنه أن يوزع عليهم الاوامر إذ ليس لديه جيش. لا أمل في أن يهزموا الجيش السوري في المستقبل القريب’.
الجيش السوري، الذي يستخدم قوة عسكرية هائلة، طرد في شهر كانون الثاني الجيش السوري الحر من ضواحي دمشق. في شباط سيطر الجيش السوري الحر على مدينة الرستن، ودارت معارك في مدينة إدلب، ولكن قوة الجيش السوري الحر آخذة في الهزال بعد أن انكشف الفرار الكبير للضباط واعدم بضعة عشرات منهم. في بداية الشهر اضطر الجيش السوري الحر الى الانسحاب من حي بابا عمرو من مدينة حمص. الاسعد اعلن بان الحرب ستستمر الى أن ينهار النظام. وقال: ‘تركنا بابا عمرو بسبب الاعمال الوحشية للنظام ضد المدنيين’.
تقرير ‘هيومن رايتس ووتش’ الذي نشر قبل ثلاثة اسابيع وجد أن الجيش السوري الحر يعمل بنفسه بوحشية شديدة. حسب التقرير ينفذ الجيش اعمال خطف وتعذيب. سميح، النشيط السوري، روى لنشطاء المنظمة بان الجيش السوري الحر يختطف جنودا من الجيش السوري الرسمي. ‘هم يختطفون الجنود ويطلبون من اهاليهم فدية. في مدينة سيركب، اختطف عقيد من الحرس الرئاسي. وردا على ذلك اختطف الجيش فتيين من مدينة سيركب. كنت شريكا في المفاوضات من أجل تحريرهما. في عدة حالات جنود الجيش السوري الحر اختطفوا مدنيين ايرانيين’.
في 26 كانون الثاني، حسب التقرير، خطفت احدى الكتائب المرابطة في حمص سبعة ايرانيين، خمسة منهم جنود. وبزعم الناطق بلسان الكتيبة، فان المدنيين الايرانيين اعتقلوا مع الجنود لانه لم يكن في المحيط مترجم للغة الفارسية ولهذا فلم يفهموا بان الاثنين هما مدنيان. وهو لم يشرح لماذا لم يطلق سراح المدنيين بعد. في حالة اخرى اعتقل 11 ايرانيا سافروا الى دمشق في اطار جولة دينية، اطلق سراحهم بوساطة تركية. التقرير يكشف ايضا النقاب عن تعذيب قام به جنود الجيش السوري الحر. في شريط فيديو ارفق بالتقرير بدا شخص بوجه مرضوض. وعرض الفيلم على اليوتيوب واظهر رجلا معلقا على شجرة من رقبته بحضور مقاتلين مسلحين. في فيلم آخر، جندي من مخابرات سلاح الجو يرابط في حمص حقق معه واعترف باطلاق النار على المتظاهرين. وجهه مرضوض وهو يبدو مشوشا وعاصفا. وفي العنوان كتب بان الفيلم صور قبل أن يعدم الجندي ثأرا على المذبحة في حمص. مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة كشف النقاب عن أنه في شهر شباط وقعت سلسلة من أعمال التعذيب برعاية جنود الجيش السوري الحر. في مدينة حمص عذبوا ابناء عائلة اعضاء الميليشيا الحكومية الشبيحة.
جبهة موحدة
قبل نحو شهر كان يخيل أن مكانة الاسعد تهتز حين فر الجنرال مصطفى الشيخ من سورية الى تركيا واقام المجلس الثوري الاعلى. الشيخ هو الضابط الاعلى الذي فر من الجيش السوري الى تركيا. وقد أخذ معه الناطق بلسان الاسعد، الرائد ماهر النعيمي، الذي سارع الى ارسال بلاغ لوسائل الاعلام عن رغبة المجلس الجديد في تحرير سورية من العصابة الحاكمة.
في الاسبوع الماضي حاول الشيخ والاسعد عرض جبهة موحدة ووعدا بالتعاون، ولكن المراقبين الغربيين غير مقتنعين بانهما يمكنهما أن يتعايشا الواحد الى جانب الاخر. الشيخ هو الذي يقف على راس الهيئة المشتركة وهو الذي سيرسم السياسة العسكرية تجاه سورية. اما الاسد فيسعى الى اقامة جيب سوري على الحدود مع تركيا، والتحول الى الذراع العسكري للمعارضة وفي هذه الاثناء يتحدث عن حرب عصابات تلاحق الجيش السوري بلا انقطاع. معارضوه، وعلى رأسهم برهان غليون، الذي يقف على رأس المجلس الوطني السوري، منظمة المعارضة المدنية التي اقيمت في شهر آب في اسطنبول، لا يتحمسون للاستراتيجيات الجريئة الخاصة بالضابط الفني. لغليون يوجد مستشار عسكري وقد أقام مؤخرا مكتبا عسكريا سيكون المنظمة العليا لوحدات المعارضة العسكرية، يشرف على تزويد السلاح ويمنع الجلبة.
وأعلن غليون عن اقامة المكتب في مؤتمر صحافي في باريس قبل نحو شهر حين أعلن بانه سيصبح وزارة دفاع الثورة. الاسعد سبق أن اعلن بانه لن يتعاون مع المكتب الجديد وانه لن يسمح بتسلل عناصر سياسية الى الكفاح العسكري. غليون، من مواليد مدينة حمص، يقف على رأس دائرة الدراسات الشرق اوسطية في جامعة السوربون في باريس.
فور بدء الاضطرابات في سورية في شهر اذار 2011 أعرب غليون عن تأييده للمتظاهرن ودعاهم الى استبدال نظام الاسد بنظام ديمقراطي. وهو يتبنى المفاوضات والتعاون مع الغرب. المجلس الذي تشكل في الصيف الاخير، يتكون من مهاجرين سوريين مثقفين، نشطاء حقوق انسان وممثلين عن الاكراد. وأعلن غليون بانه سيضم الى صفوفه زعماء عسكريين ليست ملطخة ايديهم بالدماء وان الميليشيات العسكرية ستلزم بالخضوع للقانون. في مقابلة مع ‘وول ستريت جورنال’ في الشهر الماضي قال انه يتبنى العلاقات مع فتح ومع الشعب الفلسطيني ويريد أن يعيد الجولان الى سورية بالمفاوضات.
مع أن هيلاري كلينتون أعلنت بانها سترى بمجلس غليون شريكا في كل مفاوضات على مستقبل الشعب السوري، ولكن دبلوماسيين غربيين قالوا للبي.بي.سي ان غليون ليس قويا بما فيه الكفاية ليشكل معارضة للنظام. واقترحوا على غليون الاتحاد مع لجنة التنسيقيات الوطنية التي تأسست في ايلول الماضي من قبل حسين عبدالعظيم. خلافا لغليون، يعارضة العظيم التدخل العسكري الاجنبي في سورية ويفضل عقوبات اقتصادية.
الاسعد، الذي يرى في غليون خصمه الاساسي، وصفه بالخائن وادعى بانه نكث وعوده لتزويد الجيش السوري الحر بالسلاح. ومع أنه قال في مقابلة مع ‘ميدل ايست ويست’ انه لا يعمل وحده الا أنه اعلن بانه لا يتفق مع غليون في أي شيء. وقال الاسعد لـ ‘الجزيرة’ انني ‘لن اتعاون معه. المجلس لم ينجح في عمل أي شيء يساعد سكان سورية’.
‘الجيش السوري الحر لا يفعل أي شيء من أجل مواطني سورية’، يقول السفير السابق ايستوود. ‘الوضع الامني في سورية يتدهور والحال سيكون اسوأ بكثير. نظام الاسد سيجد صعوبة في فرض السيطرة وعندها ربما سيتوفر الحل. وفي هذه الاثناء فان من يعاني هو الشعب السوري’.