حتى في صُور المرشّح النوري.. الأسد أو لا أحد/ إيلي عبدو
لا بد من الإستعانة بكتاب الباحثة الأميركية ليزا وادين “السيطرة الغامضة – السياسة، الخطاب، الرموز في سوريا المعاصرة”، قبل الدخول إلى صفحة “الحملة الإنتخابية للدكتور حسان عبد الله النوري” في “فايسبوك”. فالمرشح المنافس لبشار الأسد، يمكن تصنيفه ضمن ظاهرة الكذب السياسي التي سعت الكاتبة وادين إلى تفسيرها عبر تحليل أدوات الماكينة البعثية (وسائل اعلام – منشورات – تماثيل – شعارات) وتأثيرها في الناس. ليصبح الكذب مشتركاً عاماً يفتعله الجميع لإظهار الولاء لقائد البلاد وحافظ كرامتها، خشية الوقوع بين أنياب الأجهزة الأمنية.
ما يقوم به النوري من حوارات وتصريحات وجولات على ما تظهر صفحته في “فايسبوك”، يردّنا إلى زمن ما قبل الثورة التي حررت السوريين من سطوة الكذب الأسدي. والتحرير لم يكن سهلاً. كل هتاف أو شعار أو أغنية مقابلها ضحية أو أكثر، على ما تشير الإحصاءات. بالدم إذاً، صنع السوريون صدقهم الرافض لحكم الأسد. ليأتي مرشح الرئاسة الطموح ويعيدهم إلى ما مضى.
والنوري يضع نفسه نموذجاً للكذب، ليس عبر دوره كمؤيد للنظام كما في السابق، وإنما بتمثيل دور المرشح. وكأن النظام اضطر بعد سقوط كذبه الإيديولوجي إلى اختراع نوع جديد من الكذب بنكهة إنتخابية. وبدلاً من المواطن المؤيد، ظهر المرشح المؤيد!
هذا الأخير الذي يتكثف رمزياً في شخص النوري، قام قبل أيام بزيارة إنتخابية إلى حي الميدان الدمشقي، حيث معقل التظاهرات الأولى المنددة بقمع النظام. الصور التي نشرت في صفحة حملته الإنتخابية، تظهره متنقلاً بين المحلات التجارية يصافح أصحابها ويضحك معهم، يأكل الحلوى هنا، ويشرب العصير هناك. قلة من الناس تجمهرت حول المرشح الممانع، لكن الحضور الأهم كان الرئيس الممانع نفسه، أو لنقل: الرئيس “المنافس” الذي ظهرت صوره في كل مكان زاره النوري في حي الميدان.
طبعاً صورة الأسد الملصقة على واجهات المحلات وزجاج السيارات، كانت أقوى من النوري نفسه. الصورة جزء من أدوات النظام التي طالما تحدثت عنها الكاتبة وادين في كتابها السابق ذكره، لتظهر فاعليتها في صناعة الكذب الأيديولوجي. لكن الصورة في حالة النوري تكتسب بُعداً إضافياً، إذ تصنع كذباً إنتخابياً أيضاً، أبرز مفرزاته مرشح مؤيد يتجول في ظل صورة “منافسه” الأبدي.. والأرجح أن النوري نفسه يخشى ألا يؤيد صاحب الصورة ويعطيه صوته.
ها هو هنا يأكل قرص فلافل، وهناك يسلّم على “مواطن”.. والأسد في الخلفية أبدي.. كالشعار تماماً.
صفحة الحملة الإنتخابية الخاصة بالنوري في فايسبوك”، لم يتعدّ عدد معجبيها الـ2500 شخص، ما يظهر أن مرشح الرئاسة يمارس وظيفة الكذب وحيداً، من دون أي قبول جمعي كان من الممكن أن يحصل قبل 15 آذار 2011. بعد الثورة أصبح من الصعب صناعة كذب عام. يمكن للنظام أن يصنع ظواهر كذبية يستفيد منها ويوظفها لصالحه، كما في حالة النوري. أما إشراك الناس في هذا، فلم يعد يصحّ.
ولم يكن مستغرباً أن يبدأ النوري حملته الإنتخابية من حي الميدان وسط دمشق، موثقاً تفاصيلها بالصور. فمن هذا الحي أيضاً، بدأ النظام روايته الكاذبة حول الثورة، فظهرت إحدى مذيعاته على شاشة “الإخبارية السورية” لتقول أن الناس خرجوا من جامع الميدان بعد صلاة الجمعة لشكر الله على هطول المطر، وليس في تظاهرة معارِضة للنظام، كما تقول الفضائيات “المغرضة”.
ما قالته تلك المذيعة يتقاطع مع زيارة النوري إلى الحي قبل أيام، ليس فقط لناحية الكذب الذي يصنعه النظام، تارة بمفعول أيديولوجي يسعى إلى تشويه الثورة، وطوراً بمفعول إنتخابي يسعى لتجميل النظام.
ثمة ما هو أبعد من الحالتين، يتمثل في إنحدار الكذب في دنيا “البعث” الأسدية إلى مستوى كاريكاتوري، لا ينجح في إقناع أحد من السوريين الذين اختبروا أساليب النظام جيداً عبر عقود. فكتب أحد المشتركين في صفحة حملة النوري الإنتخابية معلقاً: “سأصوت لك، إذا سمح لي رجال الأمن الذين يقفون عند الصندوق”.
المدن