حتى لو لم يسقط
سناء الجاك
أيّ نظام هذا الذي يجب مراعاته والسكوت عن جرائمه تجنباً لإحتمال عدم سقوطه؟ هل هناك إدانة أكبر من التعامل مع نظام يستطيع قتل 440 انساناً في مذبحة واحدة، ثم يوزع ضحاياه على المفارق وفي المساجد والمقابر، وبعد ذلك يرسل “غندورة” لتستعرض الضحايا وتستنطق الأحياء والأموات بوقاحة، لتبرهن أن القتل والكذب أسهل من شربة ماء لديها ولدى من يستخدمها لهذه المهمة القذرة؟
لا بد من طرح السؤال عندما يطالعنا بعض أتباع النظام الأسدي بتحليلات واجتهادات مفادها ان الرئيس اللبناني ارتكب خطيئة لا تغتفر عندما قال: “انتظر من الرئيس بشار الأسد اتصالاً”، ليستوضح قضية المتفجرات التي كان مكتوباً لها ان تنسف استقرار لبنان وأمنه وتحصد المزيد من ضحايا آلة القتل الأسدية. أتباع القاتل هددوا رئيس بلادهم، واعتبروا انه تجاوز الشتيمة وقلة الحياء في سؤاله، ووصل الى حد الكفر، ما يجعله مرتداً فيُهدر دمه، ويُصنَّف “ناكراً للجميل”. ذلك ان هناك من يحرّم حتى مواجهة الجريمة باللسان. اللهم الا اذا انقلبت المقاييس وأصبح الجلاّد في خبر كان. حينذاك يفكرون كيف يحفظون رؤوسهم. قبل ذلك، واجبهم المقدس حفظ ولي نعتمهم بأشفار العيون، ولأجله لا بد من التلويح بالحساب العسير لمن تسوّل له نفسه التفكير في أن الأسد سيسقط ويفقد ذاته الإلهية التي تجعل اللبنانيين كما السوريين عبيداً لجبروته.
لا يستطيع المتواطئون مع الجرائم الأسدية السماح للرئيس بالسؤال، لذا كانت هجمتهم الشرسة، والتهديد ببقاء الأسد هو احدى الوسائل التي تعكس قمة السفالة في التعاطي مع الجرائم والمذابح والاعتداء المباشر على أمن لبنان واستقراره. من الطبيعي ان يستغرب هؤلاء سؤال سليمان ويعتبرونه جنوحاً يصل الى حد التخيل ان بشار الاسد سيسقط، بينما هو في قمة الصمود ما دامت آلة القتل لديه تحصد ارقاماً قياسية كل يوم مع ارتفاعٍ يكسر أعلى المقاييس في الشر والوحشية.
فالذي يسعى بكل ما أوتيَ من قوة لنسف المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الحريري، يعتبر ان سليمان تجرّأ على سيّده، وعوضاً من طلب الطاعة ساوى نفسه به وانتظر اتصاله، ليصبح “موقف سليمان فعلاً هجومياً لا يقل من حيث مفعوله عما تتعرض له سوريا داخلياً على ايدي مجموعات ارهابية”.
فمن يرى ان اغتيال النائب الشهيد وليد عيدو مصدر راحة، على ان يُستكمل باغتيال زميله احمد فتفت، يستغرب استهتار سليمان بالمقامات ويمتعض لأن رئيس بلاده أهان سيده ولم يحسبها جيداً فسوّد له وجهه. ومن يجد ان اغتيال سمير قصير وجبران تويني مناسبة لتوزيع الحلوى، لا يفهم كيف يمكن جهة لبنانية ان توقف مجرماً لحساب نظام الاسد بالجرم المشهود، ليصبح تسريب المعلومات هو الجريمة، اما فعل القتل فجنحة مغفورة.
كأن الإرهاب هو غير ما يرتكبه النظام الاسدي الذي يرى اتباعه انه أنزل بالشعب السوري عقاباً يستحقه، تم توثيقه من خلال “نزهة” للمراسلة التلفزيونية بين جثث الضحايا المرصوصة حيث راحت “تكزدر” في نقل “مباشر” من داريا ومن دون ان تتأثر او تفاجأ، لكأنها شربت من دماء الضحايا قبل الظهور على الشاشة، أو كأنها تسير بين الورود والرياحين.
هذا الارهاب مطلوب في ذاته، حتى يخضع مَن في الداخل السوري وفي لبنان، وحتى تحافظ روسيا على مصالحها وتضمن إيران مروحة نفوذها لتخريب ما يمكن تخريبه، في حين يتابع المجتمع الدولي المذابح، الواحدة تلو الأخرى، ليندد ويهدد بالتدخل، فقط اذا دخل السلاح الكيميائي على الخط!
نعود الى السؤال الأول: أيّ نظام هذا الذي يجب مراعاته والسكوت عن جرائمه تجنباً لإحتمال عدم سقوطه؟
سقط أم لم يسقط، أيّ كائن حيّ لديه الحد الأدنى من الانسانية لا يمكنه الا ان يدين هذا النظام ويثبت على موقفه حتى لو تكالب عليه جميع المشاركين في جرائمه قولاً وفعلاً.
النهار