حديث على هامش الانتفاضة السورية
صلاح بدرالدين
كشأن أي حدث استراتيجي مؤثر من حولنا في خضم ربيع الحراك الشعبي في المشرق والمغرب لم تكد الانتفاضة الشعبية الوطنية السورية تبلغ عتبة شهرها الثالث والا ونالت القسط الأكبر من الاهتمام والمتابعة والتقييم من القريب والبعيد والمؤيد والمعارض ومن الساحة الوطنية بمشهد الصراع التناحري بين الشعب وانتفاضته من جهة والنظام وأدواته وأجهزته واعلامه المضلل من الجهة الأخرى والبعدين الاقليمي من دول الجوار وخاصة تركيا وايران ولبنان الثامن من آذار بزعامة حزب الله ومجلس التعاون الخليجي والدولي المتوج بمداولات مجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الانسان وقمة الثمانية ومما ساعد أكثر في تنوع التناول الى حدود التناقض في قراءة الحدث السوري الطابع الانتقالي من مرحلة الى أخرى التي قد تطول أو تقصر وتستدعي بطبيعة الحال المزيد من النقاش وارتهان المآل الى مختلف الاحتمالات وعدد من السيناريوهات ليس بشأن بقاء نظام الاستبداد نتيجة صفقة ما أو مقايضة اقليمية ودولية لأنه أصبح فاقدا للشرعية بعد التشبث بالسلطة ورفض الاصلاح والتغيير سلميا وعدم الاستجابة لارادة الشعب والتورط في قتل السوريين بالجملة والمفرق ومن ثم بدأ يقترب من مصيره الآيل الى السقوط منذ أمد بل في مسألة التغيير – وهي قدر محتوم – وسبل تحقيقها أمام التصعيد الرسمي وتسريع ماكينة القتل والتشريد والتدمير في مواجهة الاحتجاجات السلمية التي تعم كل المناطق والمدن والبلدات بأشكال مختلفة وأنساق متفاوتة ازاء ذلك كله أرى من المفيد مواصلة البحث والنقاش حول مختلف المسائل المثارة حول انتفاضتنا وشعبنا ووطننا وتوضيح مايشوب مسيرتها من اشكالات جلها يرد من باب الاتهامات ويصدر من مواقف مسبقة من دوائرمعادية أو جهات لاتتمنى الخير للشعب السوري وأفراد يحاولون تشويه سمعة الانتفاضة عن سابق تصميم في خدمة أجندة النظام بكل السبل والأشكال .
أولا – في مسألة مايردده النظام من اتهامات منذ اليوم الأول للحراك الشعبي بوصم الانتفاضة با ” الارهابيين والسلفيين والعصابات المسلحة ” لانكشف سرا ان أكدنا على الأسلوب السلمي للاحتجاجات والمظاهرات والاعتصمات في جميع المناطق والمدن والتي وبعكس كل مايشاع ويصدر من الأبواق الرسمية يواجه بالقمع الوحشي ومختلف أنواع الأسلحة والاليات بما فيها الدبابات والمدرعات والمدفعية والأسلحة الفردية من جهة أخرى أصبح واضحا كوضوح الشمس قيام ” كتائب الأسد ” من ألوية وقطعات موالية يقودها الأسد الأصغر وكذلك أجهزة الأمن والشبيحة وميليشيات العائلة ليس بتوجيه الرصاص الى صدور المتظاهرين فحسب بل الى ظهور من لاينفذ أوامر قتل السوريين من جهة أخرى وفقط في سبيل تذكير من لايعلم فان الأعوام السابقة وقبل اندلاع الانتفاضة قد شهدت نشاطات تسليحية وتنظيم خلايا ارهابية من مختلف الجنسيات في الداخل السوري باشراف ضباط القصر الجمهوري والأمن العسكري والأمن الجوي لاستخدامها في لبنان والعراق واستثمارها اما لصالح ايران وحزب الله أو في الصفقات مع الغرب ومع المخابرات المركزية الأمريكية بالذات ولاشك أن تلك الخلايا مازالت فاعلة وقد تنقلب على ولي نعمتها في أي وقت من جهة أخرى واذا ما تمادى النظام في قتل الناس فان الانتفاضة غير مسؤولة الى لجوء البعض من أقارب الضحايا الى الانتقام من القتلة وأكثر من ذلك اذا استمر النظام في المواجهة العنفية المسلحة ضد المنتفضين المسالمين واذا ما تزايد أعداد المنشقين المدنيين والمتمردين العسكريين من ضباط وجنود على أوامر مسؤوليهم قد يتطور الأمر الى مالايحمد عقباه وقد تدفع حقائق المعادلة المستجدة البعض الى التفكير بامكانية تطوير الانتفاضة الى ثورة وهذا مالم ترضى به الانتفاضة حتى اللحظة اعتقادا منها أن ذلك سيخدم توجهات النظام والمسؤولية الأولى والأخيرة في حدوث أي طارىء يتحمله نظام الاستبداد القاتل لشعبه .
ثانيا – في مسألة اثارة الشبهات حول نشاطات الوطنيين السوريين في الخارج واتهامهم بخدمة الأجندات الأمريكية والأوروبية والتركية والاسرائيلية أو التشكيك في نواياهم خلال حراكهم ولقاءاتهم ومؤتمراتهم في العواصم الاقليمية والأوروبية نقول أنها مردودة بالجملة فبقاء النظام حتى الآن عائد بجزئه الأكبر الى الرضا الاسرائيلي والتردد الأمريكي والبطء الغربي الأوروبي والتقاعس العربي وتركيا هي من أنقذت النظام لأعوام خلت من عزلته العربية الخانقة ومازالت ترتبط به باتفاقيات أمنية وسياسية بالرغم من اهتزازها بعد مؤتمر التغيير السوري في أنتاليا التركية بداية الشهر الجاري وهنا علينا اسماع الصوت لكل من يهمه الأمر بأننا كسوريين خارج البلاد لأسباب سياسية أمنية نتمنى أن يتضامن المجتمع الدولي مع قضية شعبنا العادلة وأن تعلن القوى العظمى والكبرى ” على الأسد أن يرحل ” وأن يعلن السيد أوكامبو عن ” توفر الأدلة لاحالة الأسد على المحكمة الجنائية الدولية ” وأن تساهم منظمة الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن في مساعدة الشعب السوري لايجاد البديل الديموقراطي واعادة بناء الدولة السورية الديموقراطية التعددية فهل تتنافى هذه الأمنيات مع مبادىء العدل أو تتناقض مع المشاعر الوطنية .
ثالثا – من المتعارف عليه أن الممثليات التنسيقية الشبابية للانتفاضة تتشاور في مابينها حول العديد من الأمور من بينها تسمية كل جمعة بشكل رمزي والاجماع عليها بحسب الرأي الغالب وقد تمت التسمية هذه المرة بجمعة العشائر وبالرغم من أن المسألة شكلية وأن المهم هو الجوهر أي قيام التظاهرات في كل المناطق فقد حاول البعض الاستخفاف بتسمية العشائر والطعن بتقدمية ووطنية الشباب وليسمح لنا هذا البعض بالقول أن الاسم لايدل على المضمون دائما فمثلا هل الرئيس الأسد كذلك فعلا وهل جمعة آزادي دلت على أن الانتفاضة كردية خالصة وهل تسمية العشائر تعني أن الانتفاضة عشائرية وليست وطنية شاملة لاتتوقف على طبقة وفئة وجماعة وقومية ودين ومذهب مع التأكيد على اصالة عشائرنا الوطنية التي انضمت الى الانتفاضة وقدمت الضحايا من الشهداء وعلى توفر قدر كبير من الأخلاق النبيلة لدى أهلنا من عشائر بلادنا واذا كان هناك من يسعى الى احياء كل مظاهر ماقبل الحداثة بجانبها الرجعي الظلامي فانه نظام البعث الحاكم وهو من قام على العائلية والقبلية فهل بوسع أحد ايجاد شخص واحد في مؤسسة الرئاسة السورية من غير العائلة والعشيرة وكذلك الأمر في قيادات الأجهزة الأمنية وقادة الفرق والقطاعات العسكرية ومراكز القوة الاقتصادية وجميع مراكز القرار ألم يلتقي رأس النظام ومازال برؤساء العشائر والوجهاء من الموالين بدلا من الاعتراف بالانتفاضة والمعارضة وطلب التحاورمع ممثليها الميدانيين وحتى لو ارتد البعض نحو العشيرة والطائفة فمرده الى فقدان الثقة بدولة نظام الاستبداد .