حلب ونهاية وقف إطلاق النار: من يخدع من في سوريا؟/ سمير التقي وعصام عزيز
وقف إطلاق النار والمحادثات سوف ينتهيان إلى سقوط المدينة الأهم
خلال الأسبوع الأول من شهر إبريل/نيسان، سيطر الجيش السوي الحر وتحالف أحرار الشام والجبهة الشامية على مساحة كبيرة من الأراضي التي كانت واقعة سلفا تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية». ومع ذلك، فقد أطلق تنظيم «الدولة الإسلامية» هجوما مضادة ليلة السبت 9 إبريل/نيسان، واستعاد السيطرة على الأراضي التي فقدت. تدخلت المدفعية التركية في محاولة لمنع «الدولة الإسلامية» من استعادة السيطرة على ساحة المعركة والتمدد في الأراضي على حدودها ولكن «الدولة الإسلامية» قد واصلت تقدمها.
لم تقدم القوة الجوية للتحالف مساعدة تذكر، وإذا استمر الهجوم المضاد لتنظيم «الدولة الإسلامية» بنفس الحماس، فإن وجود جماعات المعارضة الأخرى في هذا المجال سوف يكون مهددا بشكل كبير.
وبينما تستمر هذه المعركة الشرسة، فإن قوات «الأسد» تواصل التقدم نحو حلب على جبهة أخرى. قوات «الأسد»، التي تتألف بشكل رئيسي من الميليشيات الشيعية، نجحت في السيطرة على الخالدية التي كانت واقعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة من غير «الدولة الإسلامية». وتقوم قوات «الأسد» بمواصلة التقدم باتجاه حلب من الشرق أيضا وهي تركز الآن على الباب الواقعة تحت سيطرة «الدولة الإسلامية». ومع ذلك، فإن الطريق نحو حلب مزدحم بفصائل المعارضة.
الهدف: حلب
المعارضة و«الأسد» على حد سواء ملتزمون من الناحية النظرية باتفاق وقف الأعمال العدائية الذي هو، في الواقع، غير موجود في المناطق المحيطة بحلب. الوضع في تلك المنطقة هو مماثل، إن لم يكن أسوأ، من الوضع الذي كان عليه قبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
وتقوم دمشق بتعميم قصة حول سعي قواتها لتحرير حلب بمساعدة من القوات الروسية في سوريا، رغم نفي هذه الرواية من قبل بعض المصادر الروسية. ومع ذلك، يبدو أن القوات الروسية تواصل تقديم المساعدات لعمليات «الأسد» في شمال حلب. هذه العمليات تستهدف بوضوح مدينة حلب القديمة.
من هذه الأحداث على أرض الواقع يمكننا أن نرى بوضوح أن وقف إطلاق النار ينهار، بينما يتقدم «الأسد» نحو نقطة فارقة في الحرب الأهلية السورية وتتمثل في السيطرة على حلب. وفي الوقت نفسه، فإن الديكتاتور السوري يعمل بسرعة على توجيه جميع عناصر الجهد الدبلوماسي الدولي في سوريا لمصلحته. فعل ذلك من خلال استخدام وقف إطلاق النار للمضي قدما في الشمال ومن خلال سلسلة من التحركات السياسية السطحية مثل عقد الانتخابات البرلمانية.
إذا نجح «الأسد» في السيطرة على حلب وفي تلقي الدعم الذي يتوقعه من حلفائه ومن القوى المترددة في أوروبا فإنه سوف يعلن النصر ويبدأ في سيرك العفو وكل ما يتبقى في جعبته من المناورات السياسية. إضافة إلى ذلك، فإن الهجوم المتوقع على المدينة القديمة سوف يسبب مأساة إنسانية أخرى. ولكنه قبل كل شيء، سوف يتسبب في إعادة فتح ملف الجهد الدبلوماسي الذي يبدو أنه قد يبلغ ذروته في الحصار الطويل المتوقع حلب والأهوال التي من المتوقع أن تتبعه.
وبعبارة أخرى، ما نراه الآن في جميع أنحاء حلب هي عملية انقلاب بطيء على وقف إطلاق النار والسؤال المركزي الذي يظهر في هذه اللحظة هو: هل كانت الجهود الدبلوماسية مصممة للوصول إلى هذه النهاية؟
ما تم إعلانه مررا هو أن وقف إطلاق النار وإجراء المحادثات يهدفان إلى التوصل إلى حل سياسي. ومع ذلك، فإن ما نراه في واقع الأمر هو أن أحد جانبي اتفاق وقف إطلاق النار لا يزال مشغولا في القتل ويرفض التعاون مع الجهد الدبلوماسي.
يبدو إذن أن وقف إطلاق النار وجولة المحادثات سوف ينتهيان إلى سقوط حلب. كيف يمكن أن تصير الأمور إلى هذه النهاية؟ أم أن الأمر كان مخططا له من البداية؟
حلب مهمة جدا في هذا الجدال. في حين أن هجوم «الأسد» على المدينة يعد إعلانا فعليا لانتهاء الهدنة فإنه يدعو إلى إعادة النظر في الخلل في سياق الحرب السورية واتفاق وقف إطلاق النار ويستوجب إجراء فحص شامل لهيكل المفاهيم الدبلوماسية التي أدت إلى هذا الاتفاق وما تبعه.
السؤال الرئيسي التي أثير فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، أو انهياره هو إذا ما كان هناك تعمد من البداية أن يتحول هذا الاتفاق إلى جسر لإعطاء «الأسد» فرصة لتعزيز مواقفه وتجميع قواته باستخدام المساعدة الروسية المكثفة أم أنه كان جهدا صادقا لتهدئة الصراع من أجل التوصل إلى حل سياسي.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه تم رفع قضية حلب خلال المحادثات التحضيرية بين الولايات المتحدة وروسيا والتي أدت لاحقا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. طلبت روسيا تأجيل تنفيذ وقف إطلاق النار حتى تنتهي معركة حلب، وقد رفض كيري ذلك. وكان ذلك في أوائل فصل الشتاء خلال العد التنازلي للبيان المشترك بين الولايات المتحدة وروسيا. الآن فإن الأرنب السحري يطل برأسه من قبعة معركة حلب التي يجري استئنافها من النقطة التي توقفت عندها في حين أن وقف إطلاق النار لا يزال قائما، على الأقل من الناحية الاسمية.
وبصريح العبارة، من الذي خدع من نحو الطريق إلى جلب اتفاق وقف إطلاق النار إلى النهاية التي نراها الآن في جميع أنحاء حلب؟ من الذي خدع من أجل تحويل السعي الدبلوماسي نحو حل سياسي إلى نصر دبلوماسي لأحد الطرفين؟
السيناريو الإيراني
تقوم وسائل الإعلام الإيرانية في الوقت الراهن بتدوير قصة مفادها أن الأسد قد تحدى «بوتين» ورفض القيود الروسية على قواته. صحيفة كيهان اليومية الصادرة في طهران، لسان حال المحافظين في البلاد، نشرت تحليلا يوم 11 إبريل/نيسان ادعت خلاله أن روسيا لا يمكنها أن تفرض إرادتها على «الأسد». وقد صرح كبير مستشاري «خامنئي»، «علي أكبر ولايتي»، في 3 إبريل/نيسان أن إيران عازمة على الحفاظ على «الأسد» في السلطة. وأكد ذلك بالقول: «ربما تكون واشنطن وموسكو قد اتفقتا على إلى اتفاق سري للإطاحة بالأسد في غضون أشهر. ولكن الأسد يمثل خطا أحمر بالنسبة لنا».
ما يقوله الإيرانيون هو أن «بوتين» راغب في الالتزام باتفاقه مع «كيري» والإطاحة بـ«الأسد» خلال أشهر قليلة، ولكن هذا الترتيب قد تم إجهاضه بفضل الخط الأحمر الإيراني. لذلك، فإن الرسالة الإيرانية يمكن ترجمتها على النحو التالي: «نحن (الأسد وإيران) قمنا بخداع كيري ولافروف وإفساد اتفاقهما بعد الاستفادة إلى أقصى حد من المساعدة العسكرية الروسية ومن تنحية المعارضة عبر اتفاق وقف إطلاق النار».
ولكن القصة الإيرانية لا تبدو مستساغة. لذا دعونا نحاول وضع الأحداث في سياق مختلف.
هيكل صفقة «كيري – لافروف»؟
باختصار: لدينا صورة مميزة تبرز الآن في هذا الصدد: يتقدم «الأسد» بسرعة ويحاول ترسيخ مكاسبه العسكرية من خلال سلسلة من الخطوات السياسية أحادية الجانب (الانتخابات البرلمانية على سبيل المثال)، في حين تساعده روسيا في حملته للسيطرة على حلب تحت حجة قصف جبهة النصرة، في حين تواصل إيران التأكيد أن واشنطن وموسكو ليسا أصحاب القرار في سوريا وأنها من يمكنها تحديد مصير «الأسد». يمكن لـ«أوباما» أن يقول ما يريد عن أهمية رحيل «الأسد» على الفور أو في غضون أشهر قليلة. يمكن الروس أن يعقدوا ما يشاءون من الصفقات السرية مع الأميركيين. ولكن في نهاية المطاف، فإن آيات الله هم من سيقررون ما سوف يحدث.
لماذا تبدو روسيا سلبية إذا في حين نرى حلفاءها، «الأسد» وإيران، يخدعون بوتين «الذكي» في وضح النهار؟
ولكن هل تم حقا خداع موسكو من قبل «الأسد» أو طهران؟ أم أنه قد قمت بتصميم المناورة كاملة من البداية من أجل خداع جون كيري؟ أم أن لاعب الشطرنج الإيراني هو من يقوم حقا بخداع كلا القوتين؟
إذا كان «بوتين» يشعر حقا أن حلفاءه يسخرون من التزامه مع الأميركيين، فإنه يجب أن يغضب. لكنه ليس كذلك. هذه السلبية الهادئة تجعل الناس يتساءلون باستمرار حول حقيقة صفقة «كيري – لافروف».
بالنسبة للروس، سواء كانوا يتم خداعهم أم لا، فإنه لا يوجد خطر على أي حال. ومن الواضح أن السيد «بوتين» لا يأخذ الأمر على محمل شخصي عل الرغم من أنه شديد التمركز حول الذات. بقاء «الأسد» في السلطة أو التوصل إلى صفة سياسية تحفظ مصالح روسيا في سوريا كلاهما يؤدي إلى نفس الغرض: سوف يظل الروس محتفظون بقوتهم في شرق المتوسط. ما الذي يدفع روسيا للاختيار بين مسارين بديلين إذا كان كل منهما يحقق مصالحها في نهاية المطاف.
الجواب البديهي هنا هو لا شيء، ولكنه يبقى كذلك فقط إذا بقينا داخل حدود الأزمة السورية. ولكن من الواضح أن الروس قد رفعوا مستوى اللعبة في سوريا إلى مستوى صفقة أوسع مع الغرب. يبقى السؤال هنا حول ما يمكن أن يوفره الأمريكيون إلى «بوتين» لإجباره على التحرك بشكل حاسم ضد «الأسد»؟ وبعبارة أخرى: لماذا يجب على «بوتين» التحرك بشكل حاسم ضد «الأسد»؟
المسألة إذا ليست إذا ما كانت موسكو قد تم خداعها من قبل «الأسد» وإيران أم أن «بوتين» و«الأسد وإيران هم من قاموا في واقع الأمر بخداع «كيري». ينبغي أن نركز على التساؤل حول هيكل لعبة الدبلوماسية الذي أعطى الروس، منذ البداية، ما يكفي من بطاقات للفوز في أي من الاتجاهين، بينما لم يأخذ منهم شيئا ليخسروه على أي حال. وكانت الولايات المتحدة تحاول الحصول على شيء من «بوتين» مجانا ويبدو أن الأمور لا تعمل بهذه الشاكلة مع الرئيس الروسي أو مع أي شخص آخر في مثل هذا الموقف.
إذا كان «بوتين» حقا يرغب في إنهاء الحرب عبر حل سياسي، ونحن نتساءل بصراحة حول ما يدفعه للبحث عن حل وسط في حين أن حليفه يحقق فعليا الانتصارات على الأرض، فإن عليه أن يتخذ موقفا حاسما ويقوم على الفور بسحب جميع قواته من سوريا احتجاجا على تحدي «الأسد». السؤال حول ما الذي قد يدفع «بوتين» إلى فعل ذلك، يبقى موجها لوزير الخارجية الأمريكي «جون كيري».
في أي مكان في العالم يرغب «بوتين» في الحصول على مكاسبه مقابل التنازل عن نصف الكعكة في سوريا؟ في واقع الأمر، وكما أسلفنا، ففي كلتا الحالتين فإن مصالح روسيا في سوريا سوف تكون محفوظة. وعليه فإن روسيا في واقع الأمر سوف تتخلى عن شخص واحد. ما هو الثمن؟ وفي أي مكان حول العالم؟ سوف يبقى هذا هو السؤال.
لقد حان الوقت للإدارة كي تمضي بسرعة في وضع خطة مدروسة لإعادة تشكيل الوضع في سوريا بشكل يضمن الإطاحة بـ«الدولة الإسلامية» والطغاة الوحشيين. لقد حان الوقت لمساعدة السوريين على العودة لبلادهم ووضع حد لمعاناتهم.
ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد
ميدل إيست بريفينج