حملة عبد القيوم الانتقامية/ بشرى الفاضل
قف!هذه نوا فير من السائل الأحمر ترشح من المداخل والمخارج وأخرى تنز من من البطن المبقورة. هل هصرت الطماطم يوما فى عينى جارك فى مطعم عام حتى سال أكسير حياتها؟ ذلك حال جسد عبد القيوم (ساعتشؤم) رمت به راجلا فى طريق عام وهو الراكب شبابه كله. يصرخ المرء-يقولون- ثلاثا ولكن عبد القيوم يصرخ بلا حصر فى المظاهرات والعراك والسكر وصرخة أخيرة حين دهسته العربة الزيتية ذلك المساء.كانت أمه وهو طفل ترسله للسوق صباحا فيعود محملا بالزيت والسكر وامانى السفر للبعيد المجهول.صوت العربات موسيقاه البدائية الابتدائية: رن رن ترن ترن-رن..يدنو من الواحدة منها ويتغزل كما لم يفعل ابن أبى ربيعة في النساء.
عبد القيوم لا يعجبه القمح الذي يعجب أولاد حاج التوم ولا زراعة الفاصوليا التى تعجب اولاد زكية.ولا السباحة التي يغرم بها خليفة ود حسب الله ولكن عربة ذات سفرة جذبته إليها فأذعن… اقترب من سائقها واتفق معه على السفر المجاني على ان يقوم يرمى (الصاجات)كلما غرقت العربة وكان الرمل بحرا.
-كيف يا ولدى تشتغل فى الحديد؟ ما فيهو امان. يا ولدى الله يهديك.
-يابا ان داير صالحي باركا. الناس كلهم شغالين الحصل ليهم شنو؟ وكان ما كان فهذا زمان تتقلص فيه السلطات الأبوية المطلقة. ودعه ابوه بصوت كانه خارج من البئر. ودعته امه بصحن زاد وصحن دموع….ورجعا لمنزل قلت فئرانه.شهر وأخر وعبد القيوم يروح ويجئ مثل ثور ساقيه كوني يتم دورته فى ثلاث ليال بدلا عن ثلاث دقائق ولكن الدموع والدعوات وصحن الزاد لا تنقطع.
وفى أحدى اوباته اخطر والديه بانه تعلم،وان هذه المرة ستكون الاخيرة فى رحلات الذهاب والإياب الأسبوعية وان العمل فى الخرطوم راقد على قفاه وهكذا كانت مشيئته لا رد غير غزير دموع ومطر الدعوات الحزين…..
لم يمض شهر حتى ارسل عبد القيوم ثلاث جنيهات ولم يمض شهران حتى ارسل جنيهين ونصف وهكذا ظل ما يرسله يتناقص عكسيا مع تالقمه الجديد فى المدينة ولهوها. ومع هذا فان الدعوات المنكسرة من والديه لم تنقص واحدة.ثم كان ما كان من امر العربة الزيتية. الناس تجمهرت حول الجثة وتوقف القاتل مرتبكا فكان يبدو خلف الزجاج كدمية عرض فى متجر .الناس صاحت فيه وبصقت لكنه كان يرتجف- وهكذا اخرج سخط الناس من بين أسنانه المصطكة خوفا…..
قال يوسف صديق:جاءت زوج عبد القيوم تولول:الليلة يا عديلي خليت نائلة وسعد للخلا… البله يا ضوى وركيزة بيتى ووى وى…..
تخرج الجنازات فى المدينة كاى واجب وكاى واجب دفنوا عبد القيوم.
حين كان يافعا كان متخصصا فى صناعة المراكب الصغيرة لأصحابه بالمجان ولأبناء القرية بخمسة قروش، مركب يقضى فى صناعتها نهاره كله-غيره كان يعبر النيل من الجلدة للجلدة او فى فك طلاسم الحروف ولكن عبد القيوم مغرم من بين المعادن بالحديد….فى الخلوة كان الشيخ يرسله ليسقى الحمير او يتسلق النخيل ليحضر له رطبا او ليسرج راحلة ضيف.وهكذا كانت نار القرآن – بردا وسلاما على إبراهيم وأولاد حسب الله وغيرهم وحامية على عبد القيوم. كان عبد القيوم مظلوما ظلم كلب اهل الكهف فى نوم لا صالح له فيه وانتهت حياته فى الخلوة والدرس بصرخة اثر سوط حام.وعبد القيوم يصرخ بلا حصر.
ساعد أباه كأجير مرادف فى ارض لا يملكانها وأحايين أخرى لطخ بيوت الناس بالزبالة وبدلا من ان يعاقب كان يمنح اجرا لقاء التلطيخ….ولكنه اجر لا يتمكن من صره فى طرف ثوبه. وهو كبير ترسله امه الى السوق. الناس فى سنه تموت فى سود العيون وهو يموت فى عينى عربة… البيدفورد يا عبد. الله كريم. الله كريم يرددها مختلفة الإيقاع والزمن بلهجة من كتب عليه الفقر وأذعن….
وصله طرد بلح من أمه , ففرح به فرح عابرا سبيل عفا عنه كلب عقور , فتح الطرد وشمّه . وتمسح به وبكى ودعاه حنينه للعودة فكانت في حياته سكينة , امرأة لا تحمل اسمها ،وهى فى فركة عرسها عفرتت عليه حياته ، طموحها لا نهائي ولا يحوشها حوش . كانت تتجمّل وتشاكسه وتحبه حباً من نوع غريب وجاسر . حدّاثه , (شهرزاد) جارتها بلا منازع , يقطعن بالقسر تلفزيوناتهن ويتسربن إليها فتحكي فيظهر القمر . وتحكي فتضحك الحيوانات الأليفة والنباتات المتسلقة . وتحكي حتى لا تبقى للواحدة من جاراتها مصران فيرجعن عند طرقات عبد القيوم المألوفة المتعبة على الباب . تفتح سكينة وتكون له الليل ببقيته .. حتى أنيلت وأحسنت ولكن حسن مات في مهده , فأسعدت وفي الطريق قادم …
كان هناك بلدوزر , فرغ به سائقه من يوم عمل شاق . وقفل به راجعاً إلى حظيرة الشركة داس السائق فتأوه البلدوزر من تعب , وان داس السائق مرة أخرى رشح البلدوزر البترول كله كلما يتقيأ مخمور .. رجع السائق إلى الوراء فمشى مرة أخرى إلى الأمام فأبى .. غضب السائق ورجع بسرعة فائقة إلى الوراء فاقترب من المقابر وهتك قبراً , نزل السائق خائفاً وترك الماكينة الصماء مكانها واختفى . كانت الصراصير تناوب الضفادع الحراسة الموسيقية للموتى .. وكانت بالقبر المهتوك حركة .. أطلّت جمجمة من الكوّة المتاحة تلفتت يمنة ويسرة وأعادت رأسها إلى القبر في هدؤ . مرة أخرى , الجمجمة لم تر اللص الذي يخبئ وارده في قبر مجاور ولم تشم رائحة الفجر ولم تسمع صوت الآذان المصري اللكنة .. ولم ! كانت جمجمة مثقوبة في الجبهة بنفس موضع هلال العرس . مثل شوكة سمك البلطي انسلّت الجمجمة من القبر , متبوعة بالهيكل العظمي المتبقي من كائن ما : إسمه عبد القيوم . أحدث الهيكل جلبة لا قبل للحذر بتفاديها ومشى طاخ تراخ طاخ نحو البلدوزر , ولكن كل ذلك مرّ بسلام . ومن الغضب كان تل عبد القيوم يزعتر , حتى امتطى ظهر البلدوزر الضخم . كانت الكوة في موضع الهلال من رأسه تعوي وا وووا وا حيث يتداخل الهواء الفاسد والغضب في لجتها قالت الجن سر أيها البلدوزر قال الضؤ أسرع أيها البلدوزر قال عبد القيوم : ـ هيت لها أيتها الشوارع وا … وووا .. ! وتحركت الآلة العجيبة من أول إشارة من قيوم القائم قبل القيامة ..
كانت الحركة ذلك الصباح مكدسة العربات مكتظتها . عربات صفراء وحمراء وخضراء , ولا عربات و عربات لا سوداء .. دهش عبد القيوم وهو السائق القدير إذ رأى الجميع يسيرون يمين الشارع . دهش رجل الحركة أن البلدوزر يقوده هيكل عظمي فظيع لات حين مهرب . هذا هو الثور وأنتم المستودع الشهير ..
إشتعل عبد القيوم غضباً . لا أحد يخبرهم بالتغييرات التي تحدث في هذا الكون .. وا ووووا .. وا وطفق يدهس في البطاطس البشرية داخل العربات المكتظة , بعضهم تردد ممن كان في آخر الصف في أن يتركوا مارسيدساتهم هكذا . فكان موتهم مسبباً بالتردد .
هرس . دهس .. يوم كامل وعبد القيوم يدهس . وهذا البلدوزر العجيب لا توقفه المتاريس . ولا طلقات البندقية ولا الدبابات ولم ينضب بتروله . وكان عبد القيوم محنطاً لا يسري الرصاص في جسده الماسي ذي الغضب المفتوح . ذلك الغضب الذي لا يفني ولا يخلق من عدم .
جليلة مدّت رأسها فوق الحائط الذي يفصل بينها وبين الشارع فرمت طفلها وتخلّت عن أمومتها فجأة وصرخت : بسم الله ! اليلة يا شيخي تلحقنا وتنجدنا . مولانا حبيب الله من فوق مئذنة الجامع في الظهر أبصر المشهد فصرخ من خلال الميكرفون : ـ أشهد أن لا إله إلا الله . يا مسلمين توبوا إلى الله . المسيح الدجال ظهر . وأخذ ذو نظارة متخشبة يسير لصق زميله مراقباً , وله ولزميله أعين كخرز الدجاج – الذي يدعى أعينا – تضئ وتنطفئ قال : دا دونكيشوت خلّي بالك بناطح ساكت ..
كان تل عبد القيوم يزعتر : أولاد الكلب تقتلوني ؟ وهو انا شفت حاجة في الدنيا ؟ انتظروا . وقرر عبد القيوم أن يرتاح قليلاً فزاد من سرعة مركبته فأنطلقت بسرعة فلكية واتجه شرقاً وانعطف بعد أن كنس كل البيوت والعمارات التي قابلته وأطفأ غضبه في النيل ..
كان النيل رحباً .. وكان يقبل الجميع ويطيّب خاطرهم . إتجه البلدوزر وتابعه إلى العمق وهناك إقتربت سمكة بلا زعانف وفيما بعد حكت لصويحباتها عن جمجمة مثقوبة تقول بغ – بغ – بغ وكيف أنها حين ولجت بداخلها لم تجد لحماً ينبت لها زعانفها . ضحكت صويحباتها وسبحن معها حول وتحت وفوق وعلى وفي البلدوزر وصاحبه عسى ولعل , لكن فقاقيع من الغضب كانت وحدها تخرج من بين الجسمين الملتحمين معاً بإلفة شديدة