حوار صالح مسلم مع الحياة –نشر على أربعة أجزاء-
صالح مسلم: «داعش» أداة تدمير تركية والخرائط لا تعبّـر عن الواقع
بروكسيل – غسان شربل
قال صالح مسلم رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سورية، أن «داعش» تنظيم متعدد الرؤوس والأجسام، معتبراً أن «داعش» الذي يقاتل الأكراد هو «آلة تدمير تركية» هدفها تغيير الواقع الديموغرافي في مناطق الأكراد. وأضاف أن صمود عين العرب (كوباني) فاجأ أنقرة التي راهنت على سقوطها.
وكان مسلم يتحدث إلى «الحياة» التي التقته في بروكسيل، وسألته عن سير المواجهة مع «داعش» وعلاقة أكراد سورية بالنظام وبعض القوى الإقليمية المعنية بالوضعين السوري والكردي. وتنشر «الحياة» الحديث على حلقات بدءاً من اليوم (للمزيد).
ونفى الزعيم الكردي وجود أي تنسيق سياسي مع النظام الذي «فقد شرعيته ويلفظ أنفاسه». كما نفى أن يكون الجيش النظامي السوري أخلى طوعاً مواقع في المناطق الكردية في سورية، مؤكداً أن أجهزة الأمن انسحبت قسراً من تلك المناطق.
وقال مسلم أن حزب «البعث» هو سبب الخراب في سورية والعراق والمنطقة. وأردف أن «الجمهورية العربية السورية جلبت إلى السوريين البلاء، فلنجرّب الجمهورية السورية الديموقراطية». وأكد معارضته تقسيم سورية، لافتاً إلى أن الخروج من محنتها الحالية غير ممكن إلا على قاعدة تبادل الاعتراف بين المكونات في ظل الديموقراطية. وشدد على رفض أي عودة إلى هيمنة قومية واحدة أو حزب واحد أو مذهب، وتحدّث عن الظلم الذي لحق بالأكراد في القرن العشرين وأسفر عن «خرائط لا تعبّر عن الواقع».
وذكر أن سياسة العداء للأكراد مستمرة في سورية منذ عقود، لكنها اتسمت في عهد الرئيس بشار الأسد بـ «أسلوب التحدّي». وعزا المواجهات التي حصلت في ربيع 2004 إلى قرار اتخذه النظام بـ «تأديب الأكراد» بعد الغزو الأميركي للعراق، وموقف الأكراد هناك. وروى أنه زار رئيس شعبة الأمن السياسي اللواء غازي كنعان حاملاً إليه مطالب كردية، فأمر باعتقاله وأوكل إلى الجهة التابعة للواء علي مملوك مهمة تأديبه وتعذيبه. وتطرّق إلى «اتفاق الاستسلام» في مدينة أضنة التركية وقصة مغادرة عبدالله أوجلان زعيم «حزب العمال الكردستاني» سورية، ووقوعه في أيدي الأتراك.
وقال أن الثورة الحقيقية في سورية حدثت في مناطق الأكراد حيث يتبلور حل ديموقراطي، في حين أن ما تشهده مناطق أخرى هو «صراع على السلطة». وانتقد «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، معتبراً أن لا مستقبل له ما دام يقيم في إسطنبول وتُحرِّكه تركيا. واتهم أطرافاً منه بالتعاطف مع «داعش»، واعتبر أن بيان «جنيف 1» يصلح للانطلاق منه إلى الحل، مشدداً على أن التغيير في سورية يجب أن يكون جذرياً وشاملاً.
وكشف أن حزبه رفض نصائح إيرانية دعته إلى الجلوس في «أحضان النظام الذي لا يعترف بوجودنا أو حقوقنا». وقال أن أكراد إيران مضطهدون ومحرومون من حقوقهم، والوضع في مناطقهم متوتّر وقابل للانفجار في أي ساعة.
وتحدّث صالح مسلم عن معركة كوباني، ومقتل نجله فيها على يد قناص من «داعش». وروى أنه أتقن العربية لأن المُدرِّس كان يضربه ويستولي على مصروفه الشخصي إذا تحدث بالكردية.
الجزء الأول
صالح مسلم: تركيا راهنت على سقوط كوباني… وبعض «الائتلاف» يؤيد «داعش»
لماذا صالح مسلم رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سورية؟ الأسباب كثيرة. أولاً لأن ما بعد معركة كوباني (عين العرب) ليس كما قبلها، فالهجوم الذي شنه تنظيم «داعش» لقصم ظهر الأكراد انتهى بانكسار شوكة التنظيم، على الأقل في هذا الجزء من سورية. ثانياً لأن المعركة عززت موقع اللاعب الكردي في حاضر الأزمة ومستقبل البلاد. وثالثاً لأن تصاعد الدور الكردي في المنطقة المحاذية لتركيا أثار قلق أنقرة، خصوصاً في ضوء العلاقة الوثيقة المعروفة بين «الاتحاد الديموقراطي» و «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبد الله أوجلان، الذي يقيم وراء القضبان في تركيا. والسبب الرابع هو التعرف إلى موقف حزب صالح مسلم من النظام السوري، الذي تحاشى في السنوات الماضية الدخول في مواجهة مباشرة مع الأكراد إلى درجة دفعت البعض إلى الحديث عن تنسيق بين الطرفين.
في بروكسيل التقت «الحياة» الزعيم الكردي السوري وأجرت معه حديثاً طويلاً هنا نص الحلقة الأولى منه:
> لماذا حرص تنظيم «داعش» على مهاجمة الأكراد في العراق وسورية بعدما كان متوقعاً أن يعطي الأولوية لمواجهة أطراف أخرى؟
– نحن على اقتناع بأن «داعش» ليس سوى أداة يستخدمها آخرون في مهمة تدميرية لأغراض معينة. حين يطرح تنظيم برنامجاً غير واقعي وغير قابل للتطبيق، فهذا يعني وجود أهداف غير معلنة. أتحدث هنا عن طرح التنظيم لدولة الخلافة التي لا يمكن تطبيقها في القرن الحادي والعشرين. أساليب التنظيم لا تخدم الإسلام ولا الخلافة. «داعش» وإخوته جزء من برنامج يرمي إلى تدمير ما هو قائم لتسهيل بناء شيء آخر لاحقاً على ركام ما تهدم. نعتقد أن «داعش» أداة تدمير. ربما لا يعلم بعض العاملين في التنظيم ذلك، وربما كان بينهم من يعلم. تجربتنا تُظهر أن «داعش» لم يكن يوماً برأس واحد أو بجسد واحد. «داعش» الذي يُستخدم ضد الأكراد يحركه بالضرورة أعداء الأكراد، أي الذين يريدون القضاء على الأكراد أو تحجيمهم أو تغيير ديموغرافية المناطق التي يوجدون فيها. هجماته الأخيرة علينا في روجافا، أي غرب كردستان (داخل الأراضي السورية) تحظى بدعم أو تشجيع ربما من أكثر من جهة.
طرفان رئيسيان يوجهان «داعش» ويدعمانه: الأول الذي يريد تغيير ديموغرافية المناطق الكردية والقضاء على الأكراد وتطلعاتهم، والثاني هو الجهة التي تخاف من التأسيس للحلول الديموقراطية التي تتبلور في مناطق وجود الأكراد في سورية. تجربتنا جديدة على المنطقة، فللمرة الأولى مثلا يُعترف بالمساواة بين الرجل والمرأة، وللمرة الأولى هناك ثلاث لغات رسمية تُستخدم على قدم المساواة في مدارس روجافا، وهي الكردية والعربية والسريانية. هذا جديد على المنطقة، وهذه المكونات موجودة في العديد من الدول. الأكراد والسريان موجودون أيضاً في العراق وتركيا. هذا النموذج الديموقراطي يثير مخاوف لدى من يرفضون الاعتراف بحقوق المكونات وحقها في التعبير عن نفسها. نحن لدينا العقد الاجتماعي، أي نوع من الدستور بين المكونات، وهو متقدم. بعض الدول الأوروبية قال إنه أكثر تقدماً من تشريعات معمول بها في بعض دول الاتحاد الأوروبي. دول الشرق الأوسط غير معتادة على فكرة التعايش بين المكونات على قاعدة الاعتراف المتبادل والحقوق والشراكة الكاملة.
> هناك من يتحدث عن خيط تركي يحرك «داعش» ضد الأكراد في العراق وسورية.
– نعم. لدينا شكوك كبيرة في هذا الموضوع، ولدينا دلائل كثيرة، خصوصاً لدى قيام التنظيم بغزو كوباني. لقد ظهرت دلائل عبر مراقبة الحدود، حيث كان هناك من يعبر الحدود للانضمام إلى صفوف التنظيم، وكانت هناك اجتماعات عند الحدود بين جنود أتراك و «داعش»، وإمداد «داعش» بالأسلحة عبر الحدود. كانت منطقة تل أبيض هي المعبر الرئيس بين تركيا و «داعش» في الرقة.
> أريد كلاماً واضحاً. أنت كمسؤول كردي، هل تتهم جهات في تركيا بدعم «داعش»؟
– إنه ليس مجرد اتهام، هناك حقائق موجودة، وقد طرحناها أمام الأتراك لدى اجتماعنا بهم، وكان ردهم: هذه الأمور إن حدثت فإن ذلك من دون علمنا، فالحدود طويلة، نحو 900 كيلومتر، ونحن لا نستطيع التحكم بها تماماً. هذا جائز، لكن الدعم عبر الحدود التركية كان مؤكداً. أنا لا أستطيع القول إن ذلك هو نتيجة قرار رسمي في المؤسسات التركية. ربما من يقوم بالعمل أطراف موجودة في تركيا سابقاً وراهناً، ولا أدري إلى أي درجة تورطت الدولة التركية في ذلك. يجب التحقيق في هذه المسائل.
> أنت تقول إذاً إن «جهات» تركية تدعم «داعش» وتشارك في مطبخه وتساهم في توجيهه؟
– نعم هذا ما نفكر فيه.
> هل يمكن أن تطلعنا على الخطوط العريضة للمشهد العسكري في مناطقكم حالياً؟
– المناطق الساخنة حالياً هي الحسكة. وهناك اشتباكات جنوب تل أبيض، وخصوصاً وسط الطريق بين تل أبيض والرقة، أي في مناطق عين عيسى وجوارها. وكذلك في جنوب منطقة كوباني هناك كر وفر واشتباكات، لكن بحجم أقل من السابق. «داعش» متحصن في بعض المواقع في صرين وجوارها وينطلق منها لشن هجمات.
أستطيع اليوم القول إننا كسرنا شوكة «داعش». «وحدات حماية الشعب» التي تواجههم مشكّلة من الأكراد وتضم مقاتلين من العرب والسريان والتركمان أيضاً. وآخر الأخبار التي بلغتنا تؤكد استخدام «داعش» أسلحة كيماوية في الحسكة ومنطقة تلبراك. صدر بيان يدعو الجهات الدولية إلى التحقيق في الأمر وفحص العينات الموجودة.
> في الحسكة عمليات كر وفر، وقد نجح الأكراد في استعادة أحياء تعذر على النظام استعادتها، ما السبب؟
– السبب واضح. الجيوش النظامية لا تستطيع محاربة «داعش». الجيش النظامي هُزم أمام «داعش» في الرقة وفي عين عيسى تحديداً وفي الحسكة. الجيش العراقي واجه الوضع نفسه في الموصل ومدن أخرى. «وحدات حماية الشعب» بتركيبتها الأيديولوجية وخبراتها القتالية والدوافع التي تحركها، تملك من تكتيكات الحرب ما يفوق «داعش». عناصر التنظيم غُسلت أدمغتهم. يريدون الذهاب إلى الجنة بعدما وعدوا بالحوريات، أي أنهم يريدون الاستشهاد أو الموت. طبعاً هذا دافع، لكن «وحدات حماية الشعب» تتفوق عليهم في التكتيكات القتالية. هذه الوحدات تملك مرونة لا تتوافر في الجيوش النظامية. ماذا تفعل نقطة ثابتة للنظام أمام هجوم بسيارة مفخخة بعشرة أطنان من المتفجرات؟
> كيف تقوّم وضع الجيش السوري في المواجهات الحالية؟
– وضع الجيش السوري مزرٍ جداً. آخر ما رأيناه كان في الحسكة. هناك في الحسكة ثلاث قوى: «وحدات حماية الشعب» تسيطر على بعض المناطق، والنظام كان موجوداً في مناطق أخرى، وهناك «داعش» الذي يشن هجمات. كانت هناك ميليشيا مؤيدة للنظام لكن قسماً منها انشق والتحق بـ «داعش» وهُزم القسم الآخر. لا تستطيع مواجهة تنظيم متطرف بمسلحين يبحثون عن المال والمغانم. الجيش السوري أيضاً لم يتمكن من الاحتفاظ بمواقع استراتيجية حول الحسكة. طبعاً لدى الجيش السوري سلاح جوي وأسلحة ثقيلة، لكن الجندي النظامي لا يستطيع الصمود أمام «داعش» في حالات كثيرة.
> هل لمستم أي مشاركة من «حزب الله» أو الميليشيات العراقية في القتال إلى جانب الجيش السوري في مناطقكم؟
– لم نلمس مشاركة من هذا النوع. ربما يقتصر الأمر على وجود بعض الخبراء.
> ما هي طبيعة علاقتكم بالجيش النظامي في مناطقكم وقربها، هل هناك تنسيق ميداني؟
– ليس هناك تنسيق. هناك تأجيل للموضوع. «وحدات حماية الشعب» هي قوات دفاعية تقاتل إذا استهدفت المناطق والمكونات. بالمناسبة، في 19 تموز (يوليو) الجاري تصادف الذكرى الثالثة لتحرير كوباني من قوات النظام. تم تطويق المراكز العسكرية والأمنية للنظام وحصلت اشتباكات فاضطرت القوات النظامية إلى الرحيل، وتبع ذلك تحرير عفرين وديريك (المالكية). لم يستهدف النظام القوات الكردية، حصلت أحياناً اشتباكات وتسببت بسقوط ضحايا. حدثت اشتباكات في منطقة الحسكة، حين هاجمت «قوات الدفاع الوطني» التابعة للنظام بعض المناطق ودارت مواجهات سقط لنا خلالها 18 شهيداً.
كانت «وحدات حماية الشعب» منتشرة على ثلاث جبهات في الحسكة، والجبهة الرابعة، وهي في الجهة الجنوبية وطولها نحو عشرة كيلومترات، كانت متروكة للنظام. سادت حال من عدم الاعتداء بين الجانبين، وحين هاجم «داعش» دافعْنا في الجبهات الثلاث التي ننتشر فيها، وهناك من لامنا لأننا لم نشارك في الدفاع عن الجبهة الجنوبية. صحيح أننا نواجه عدواً واحداً، لكننا لا يمكن أن نكون في صف واحد مع النظام الذي لا يعترف بوجودنا أو حقوقنا حتى الآن.
الجيش انسحب عنوة
> هناك من قال إن النظام انسحب من بعض المناطق طوعاً كي تتسلموها أنتم؟
– هذا غير صحيح على الإطلاق. أجرى النظام إعادة تقويم لأولوياته: أين ينتشر؟ وأين يواجه؟ هناك مسألة يجب أن يعرفها الناس، أن الجيش السوري لم يكن موجوداً فعلياً في مناطقنا، وذلك بموجب اتفاق معقود مع تركيا في 1952 يمنع وجود مراكز فعلية للجيش على مسافة ما يزيد عن 25 كيلومتراً من الحدود بين البلدين. الوجود الفعلي في مناطقنا كان للأمن والمخابرات على أنواعها، الجوية والعسكرية وأمن الدولة. كان وجود الأمن كثيفاً. مثلاً وجود 300 عنصر من الأمن في كوباني كان كافياً لكتم أنفاس الناس. في 19 تموز (يوليو) 2012 حاصر الناس مقرات الأجهزة الأمنية وطالبوا عناصرها بالرحيل بعد بعض الاشتباكات. ولم يكن أمام عناصر الأمن غير الرحيل.
> أفهم أنك تنفي أن يكون النظام سلمكم هذه المناطق؟
– نعم أنفي، وأوكد أن عناصر النظام انسحبوا عنوة.
> إذاً تقول إن ليس هناك أي تنسيق مع النظام؟
– سياسياً قطعاً، هذا التنسيق غير موجود. أحياناً على الأرض تحدث أشياء عبر طرف ثالث. مثلاً اللواء 93 الذي كان مرابطاً في عين عيسى. كانت الفرقة 17 التابعة للجيش السوري سقطت، والمسافة بينها وبين اللواء 93 ليست كبيرة، وكان «داعش» يستعد للتقدم إليه. عبر وسطاء قال الأكراد للقوة السورية هناك أعطونا الأسلحة التي في حوزتكم كي لا تسقط في يد «داعش»، لكنهم لم يتجاوبوا، فجاء «داعش» واستولى على الأسلحة، وبينها دبابات استخدمها في الهجوم على كوباني. أحيانا تراود المرء بعض الشكوك، وبينها: هل كان قائد تلك القوة متفقاً مع «داعش» على تسليمه الأسلحة؟
> هل تعتقد أن جهات في الجيش السوري تعمدت تسليم «داعش» أسلحة؟
– لا شك في ذلك. اللواء 93 دليل والفرقة 17 قبله.
> هل تقصد أن ضباطاً ضلعوا في ذلك؟
– لا أعرف ما إذا كانوا ضباطاً. لكن هناك من سهّل استيلاء «داعش» على أسلحة. ماذا حصل في تدمر؟ وماذا حصل في مناطق أخرى؟ ما استولى عليه التنظيم في تدمر يكفي الجيش السوري ليحارب على مدى شهور. لولا الحصول على مساعدة لما استولى «داعش» على كل هذه الأسلحة. هناك غموض. الأمر الغريب نفسه حصل في الموصل. هذه المسائل تحتاج إلى توضيح.
> ما هو الوضع حالياً في كوباني؟
– استمرت المعارك أربعة أشهر وأربعة أيام. وأخيراً حصلت المجزرة في 25 حزيران (يونيو) الماضي حين عاد «داعش» واستهدف المدنيين وقتل ما يزيد على 250 شخصاً. كوباني تداوي الآن جروحها ولا يزال هناك بعض المعارك إلى الجنوب منها.
> كم هو عدد ضحايا المعارك في كوباني؟
– المعركة التي استمرت أكثر من أربعة أشهر أدت إلى سقوط أكثر من 500 قتيل من «وحدات حماية الشعب» عدا عن المدنيين الذين كانوا في حدود الستين.
> وخسائر «داعش»؟
– الرقم التقريبي هو ستة آلاف قتيل.
> ما هي العناصر التي حسمت معركة كوباني؟ فلنقل أولاً كفاءة مقاتلي «وحدات حماية الشعب»، ما هو العنصر الثاني؟ هل هي غارات التحالف الدولي؟
– العنصر الأساسي هو صمود كوباني كلاًّ. الشعب كان منظماً. الذين حاربوا هم أبناء كوباني. الشعب المنظم يستطيع أن يفعل كل شيء، ثم الإيمان بالقضية، وهذا كان موجوداً لدى «وحدات حماية الشعب»، ومساعدة كل الشعب الكردي. بين من استشهدوا أكراد جاؤوا من تركيا وإيران والعراق. طبعاً ساهمت قوات التحالف في قصف «داعش»، خصوصاً بعدما تأكدوا أن كوباني لن تسقط، فقدموا مساعدة كبيرة وفعالة. وهناك قدوم مقاتلي البيشمركة من كردستان العراق الذين جاؤوا بأسلحة ثقيلة وكان لهم دور في الإسناد الناري، فضلاً عن الجانب المعنوي لمشاركتهم. شارك حوالي 158 عنصراً من البيشمركة.
> كيف سمحت تركيا لعناصر البيشمركة بالعبور والوصول؟
– أعتقد نتيجة لضغط أميركي. ربما كانوا يريدون المسألة على نحو مختلف، لكن هذا ما حصل.
> هل تلمح إلى أن الأتراك كانوا يريدون نتيجة مختلفة لمعركة كوباني؟
– كانوا يراهنون على سقوط كوباني. السلطة التركية راهنت على سقوط كوباني. وقف رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وقال: إذا لم تسقط كوباني اليوم ستسقط غداً. وكما يقول إخواننا المصريون، قالها بعظمة لسانه.
> هل صحيح أن الأميركيين أنزلوا جواً أسلحة للأكراد للضغط على تركيا؟
– نعم. أنزلوا أسلحة قدمها إقليم كردستان العراق.
> من أجل الدقة، ماذا كان موقف حكومة أردوغان من معركة كوباني؟
– كما قلت، كانوا يراهنون على سقوط كوباني. حين صمدت انقلبت حساباتهم رأساً على عقب.
> لماذا يريدون سقوط كوباني؟ لإنهاء الموضوع الكردي في سورية؟
– أعتقد أنهم، وبموجب سياساتهم التي لا ندرك كل مداها، يريدون تغيير الديموغرافيا في المنطقة الكردية كلاًّ. كوباني هي عصب رئيسي ومنطقة فاصلة (في المنطقة الكردية داخل سورية). ربما يفضلون قيام دولة سُنية في المستقبل على حدودهم ومن ضمن خرائط الشرق الأوسط التي ينوون تغييرها.
> ما هي مساهمة «الجيش السوري الحر» في معركة كوباني ومجمل القتال؟
– «الجيش الحر» كان موجوداً عبر «بركان الفرات» و «ثوار الرقة» و «شمس الشمال»، وهم من إخواننا العرب وبعض التركمان. كانوا وحدات صغيرة تقاتل إلى جانب «وحدات حماية الشعب» وقدموا عشرين شهيداً خلال المعارك.
> ما هي طبيعة العلاقة بين «الجيش الحر» والمقاتلين الأكراد داخل حلب حالياً؟
– هناك اتفاق محلي عسكري يقضي بعدم الاعتداء. طبعاً هناك من يحاول خرق ذلك وحصلت اشتباكات أوقفها تدخل العقلاء. هناك بعض التوتر ولكن ليس هناك اشتباكات.
> كيف تصف الوضع في منطقة عفرين؟
– الوضع جيد. «وحدات الحماية» اتخذت تدابيرها لحماية المناطق، وهي متأهبة لأن الحرب تدور على أطراف عفرين في إدلب وأعزاز حيث تدور معارك ضارية بين التنظيمات الإسلامية.
> كم تبلغ نسبة الدمار في كوباني؟
– نحو 80 في المئة من المدينة.
> هل تنوون إعادة إعمارها؟
– هناك بحث في إعادة الإعمار. الدمار في القرى المحيطة أقل، لهذا رجع إليها السكان. وهناك مخيم لمن ينتظرون إعادة تأهيل منازلهم. عقد مؤتمر في آمد في ديار بكر في أيار (مايو) الماضي. شُكلت لجان لإعادة إعمار كوباني. وعقد مؤتمر في البرلمان الأوروبي في الأول من تموز (يوليو). يجري حالياً إعداد مخططات، ونحن مصممون على إعادة بناء كوباني في شكل جديد.
> هل تسعون إلى ربط المناطق الكردية الثلاث، خصوصاً بعد معركة تل أبيض؟
– نحن أعلنا ثلاثة كانتونات في الجزيرة وكوباني وعفرين اضطرارياً. لماذا اضطرارياً؟ بعد تحرير كوباني في 2012 اجتمع ممثلو المكونات، أي الأكراد والعرب والسريان والتركمان، وقرروا في 2013 تشكيل كانتونات. لم يكن هناك تصور إلى أين تتجه الأوضاع في سورية. والمناطق الممتدة من ديريك (المالكية) إلى عفرين كانت كلها مهملة. لم يكن أمام الناس غير الاهتمام بشؤونهم. في تل أبيض (غريسيبي) لا نعرف ماذا سيقرر أهلها. شكلوا مجلس أعيان وسيوسعونه ليكون العدد أكبر والتمثيل أوسع. نحن نحترم ما يقرره الأهالي ويتفقون عليه. إذا قرروا الانضمام نحترم رغبتهم، وكذلك إذا اتخذوا قراراً آخر. شعب هذه المنطقة كان مكتوم الأنفاس في ظل «داعش». الآن استعاد حريته وله أن يقرر. بالأمس اتصلت بهم في تل أبيض. العرب والأكراد يتبادلون الدعوات لمناسبة العيد ويتبادلون التهاني بالانتصارات. نحن نثق بالناس وقرارهم.
> هناك اتهامات لكم بممارسة التطهير العرقي ضد العرب السُنّة، خصوصاً بعدما رفضتم استقبال لجنة تقصي الحقائق التابعة لـ «الائتلاف الوطني» المعارض؟
– الاتهامات موجودة مذ خلقنا الله، لذلك لن نرد عليها.
> هل تنفي حصول تطهير؟
– قلت لك إن العرب والأكراد في تل أبيض يتبادلون الدعوات. ننفي هذا الكلام قطعاً. المؤسسات التي زارت المنطقة اكتشفت ألا أساس لهذه الاتهامات. أنتم كصحيفة تستطيعون زيارة المنطقة والتأكد بأنفسكم. التطهير العرقي غير وارد على الإطلاق. الشعب هو من سيقرر ماذا يريد.
قصة لجنة تقصي الحقائق مختلفة. معروف أن «الائتلاف» كان يؤيد «داعش». كلما انكسر «داعش» في منطقة كانوا يسارعون إلى الولولة قبله. الآن «داعش» ينكسر في الحسكة. غداً ستسمعهم يولولون ويبكون على المدنيين. هناك خط في «الائتلاف» مؤيد لـ «داعش». راجع البيانات والاتهامات بالتطهير العرقي. اللجنة التي شكلها «الائتلاف» أصدرت بيانها قبل القيام بزيارة. بعد ساعات من إطلاق أردوغان اتهاماته، جاءت اتهامات «الائتلاف». حين حاولت (اللجنة) الذهاب إلى تل أبيض قيل لهم إنكم أصدرتم حكمكم سلفاً، إما أن تتنكروا لما قلتموه وإلا فلن تكونوا مقبولين. جاءت منظمات أخرى وأعطت تقاريرها.
> هل تعتقد جدياً بوجود فريق في الائتلاف يؤيد «داعش»؟
– راجع البيانات التي يصدرها سالم المسلط المتحدث باسم «الائتلاف» الذي يضطر أحياناً إلى التوضيح والاستدراك.
> هل تعتقد أن الخيط الذي تقول إنه يربط بعض «الائتلاف» بـ «داعش» يمر في إسطنبول؟
– هذا ما نعتقده. «الائتلاف» لن يكون حراً في رأيه إذا بقي في إسطنبول. وحين يخرج يكون هناك بحث آخر.
التعريب القسري
> هل يمكن أن يكون هناك فريق من الأكراد يحاول الإفادة من التطورات للثأر مما كان يسميه التعريب القسري في المناطق الكردية؟
– الموضوع ليس بهذا الشكل. نحن نعتقد أن أخطاء فظيعة ارتكبت في منطقتنا في بداية القرن العشرين في حوض نهر الفرات وحوض نهر دجلة وحولهما. أعتقد أن القرن الحادي والعشرين جاء ليصحح هذه الأخطاء. هناك مجازر الأرمن والأشوريين التي حدثت قبل سايكس بيكو الذي رسم الحدود بغض النظر عن إرادة بعض المكونات. أظن أن المرحلة الحالية تشهد تصحيحاً أو معالجة للأخطاء القديمة، بما فيها سياسة التعريب التي كانت جائرة طبعاً. قلنا لإخواننا العرب أنتم تعرضتم للظلم أيضاً حين أخرجتم من أراضيكم وجيء بكم إلى المناطق الكردية. وظلموا الأكراد حين استولوا على أراضيهم وهجروهم. الظلم لحق بالطرفين.
الحقيقة أن حزب «البعث» نفذ حتى اندلاع الأحداث في 2011 سياسة ترتكز على دراسة أعدها في 1962 ضابط صغير يدعى محمد طلب هلال. اقترحت الدراسة عملية استيطان في المنطقة الكردية، أي شيئاً مشابهاً للمستعمرات التي تنشئها إسرائيل، وهو أشار إلى ذلك تحديداً. هذه السياسة ألحقت ظلماً فادحاً بالعلاقات التاريخية بين العرب والأكراد. أعتقد أن القرن الحادي والعشرين يعطي فرصة لمعالجة هذه الأخطاء.
> ولو أدى ذلك إلى تغيير في الخرائط؟
– الخرائط التي رسمت في حينه لم تكن تعبر بدقة عن الواقع. «داعش» أسقط الحدود. الخرائط لا تعبر عن الواقع في سورية ولا في العراق ولا في أماكن أخرى. لا يهمنا أن تتغير الخرائط أو لا تتغير. يهمنا أن تحترم إرادة المجموعات وتطلعاتها. إذا تغيرت العقليات تمكن الاستعاضة عن تغيير الحدود. على سبيل المثال، الحدود السورية-التركية قسمت الشعب الكردي. قلت لك إن أكراداً من إيران سقطوا شهداء في كوباني. ثمة أكراد من تركيا جاؤوا واستشهدوا في كوباني. أكراد كردستان العراق جاؤوا واستشهد عدد منهم. حين يستشهد شبان من الأجزاء الأربعة من كردستان في معركة كوباني، ماذا يبقى من معنى الحدود؟ لن يغير شيئاً بقاء الحدود أو تَغَيّرها. المهم هو العلاقات بين المكونات. أنا أريد العيش مع إخواني العرب، سواء أكنت على حدودهم أو لا. نحن حالياً نسعى إلى تعزيز العلاقات مع مصر مثلاً. نحن حريصون على العلاقات الكردية-العربية.
> ألا تثير فكرة الإدارات المحلية قلق العرب؟
– المفروض ألا تثير. هذا المشروع لا يخص الأكراد وحدهم. إنه مشروع مستقبلي بالنسبة إلى كل سورية. نحن نعتقد أنه لو طبق أهالي درعا واللاذقية ودمشق ما فعلناه نحن في مناطقنا، لتخلصت سورية من الاستبداد ولما كان هناك مكان لـ «داعش»، ولكانوا تخلصوا من أجهزة النظام ولما تمكن المتطرفون من تحقيق ما حققوه.
> هناك من يقول إن لديكم دستوراً وتجنيداً إلزامياً ومكتب علاقات خارجية. ألا يشكل ذلك كياناً كردياً مقنعاً على أنقاض سورية الموحدة؟
– لا، لكننا أرغمنا على اتخاذ خطوات ونحن نسعى إلى تعميمها في كل سورية. نحن مرغمون على إقامة العلاقات التي تشير إليها. لا النظام السوري يعترف بنا ولا تركيا تعترف. نحن نقول مشروعنا لكل سورية ولكل السوريين. نحن نحاول اليوم عقد مؤتمر لكل أطراف المعارضة السورية، وليعقد في مناطقنا بدلاً من موسكو وجنيف وإسطنبول.
> هل أفهم أنكم لا تريدون تقليد نموذج إقليم كردستان العراق؟
– بالتأكيد لا. ظروفنا مختلفة عن ظروفهم.
> هل الأكراد أكثرية في ما تسميه روجافا (غرب كردستان)؟
– نعم، إنهم الأكثرية. نعتقد أن أكثر من 90 في المئة في كوباني هم من الأكراد وأكثر من 70 في المئة في الحسكة.
> كم هي نسبة الأكراد في سورية بمجملها؟
– استناداً إلى إحصاءات بريطانية في 1926، يتبين أن الأكراد كانوا يشكلون 15 في المئة من السكان.
> وهل لا تزال النسبة نفسها؟
– إذا لم تكن أكثر فهي ليست أقل.
> ونسبة العلويين؟
– لا أعلم بدقة، كان يقال إنهم بين 10 و12 في المئة، أي أن الأكراد أكثر.
> ومع ذلك لا تريدون إقليماً على نمط كردستان العراق؟
– نحن حين نقول روجافا لا نتحدث عن حدود جغرافية معينة. الأمر ذاته بالنسبة إلى الجزيرة. نحن نقصد منطقة جغرافية لها تسمية معينة. ليس المقصود رسم حدود رسمية.
> ما هي الأسايش لديكم؟
– إنها قوات الشرطة، أي الأمن الداخلي.
> كم يبلغ عدد أفراد «وحدات حماية الشعب»؟
– حوالى 50 ألفاً.
> والشرطة؟
– بالآلاف أيضاً.
> كم يبلغ عدد المقاتلين الأجانب لديكم؟
– هذا موضوع رمزي. إنهم حفنة من البريطانيين والأميركيين والأستراليين والأتراك اليساريين. وجودهم رمزي.
الجزء الثاني
صالح مسلم: زرت غازي كنعان فاعتقلني وتولى علي مملوك تأديبي
يروي صالح مسلم رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سورية، أنه زار اللواء غازي كنعان رئيس شعبة الأمن السياسي حاملاً مطالب كردية لرفعها إلى الرئيس بشار الأسد. ويضيف أن كنعان أمر خلال اللقاء باعتقاله لـ «تأديبه» وأوكل المهمة إلى اللواء علي مملوك.
ويرى الزعيم الكردي أن سورية استسلمت أمام تركيا في اتفاق أضنة وأذعنت لشروطها، ويتحدث عن مغادرة عبدالله أوجلان زعيم «حزب العمال الكردستاني» سورية وصولاً إلى وقوعه في قبضة الأمن التركي. ويقول صالح ان «الجمهورية العربية السورية» جلبت البلاء للسوريين داعياً إلى قيام «الجمهورية السورية الديموقراطية»، رافضاً ربط مصير شعب ودولة بمصير شخص واحد. وهنا نص الحلقة الثانية:
> صورة المؤسسات الأمنية لديكم ليست واضحة لدي.
– حين نتحدث عن «وحدات حماية الشعب» نتحدث عن محترفين يتدربون لشهور، ثم تصبح حياتهم مرتبطة بهذا العمل الدفاعي الطابع. إنهم متطوعون. من يشملهم التجنيد الإلزامي لا ينضمون إلى «وحدات حماية الشعب». هذه نسميها قوات الدفاع الذاتية. من كل أسرة يذهب شخص ويتدرب لستة شهور ويتسلم سلاحاً ويعود إلى بيته ليساهم في حماية قريته إذا تعرضت لهجوم.
> وهناك أيضاً «وحدات حماية المرأة». لماذا هذا الاهتمام الاستثنائي بالمرأة؟
– المرأة نصف المجتمع وهي شريكة في المؤسسات وتستطيع القيام بالمهمات المطلوبة. نحن في الحزب لدينا رئاسة مشتركة. رجل وامرأة. الرئيسة المشتركة حالياً هي آسيا عبدالله. إن مشاركة المرأة فعلية وحقيقية لدينا لأن هذا الدور جزء من فهمنا للمجتمع وحقوق الأفراد ورفض التمييز وتكبيل الطاقات.
> هل كانت هناك انتحارية كردية في معركة كوباني؟
– لم تكن هناك عملية انتحارية. أحياناً يكون هناك اضطرار للقيام بعملية فدائية. مثلاً آرين مركان كانت مع رفاقها في معركة كوباني. تقدمت الدبابة في اتجاههم وليست لديهم أسلحة لتدميرها. فجرت نفسها بالدبابة لإنقاذ رفاقها. آرين فتاة من كوباني. جمعت ما لديها من متفجرات وألقت بها في الدبابة. كانت هناك حالات مشابهة في مناطق أخرى، لكن حادثة آرين جاءت في ظرف حساس جداً، واعتبرت دليلاً على تصميم الأكراد على دحر «داعش». هناك شبان قاموا بعمليات مشابهة.
> مخيف القتال ضد «داعش»، أليس كذلك؟
– أنا في الحقيقة لم أشارك في القتال، لكننا كنا نعيش الأجواء لحظة تلو لحظة. طبعاً من يقرر الانتحار يعطي المعركة طابعاً أكثر حدة. لكن المشكلة ليست فقط في أن شخصاً اختار الانتحار، المشكلة أنه صار يهاجمك بأسلحة حديثة. هو يملك أسلحة حديثة وعقلية متخلفة ويصعب عليك التكهن بما سيفعل.
> هل قصدت القول ان «داعش» عقلية متخلفة تستخدم أسلحة حديثة؟
– هذا ما قصدته بالضبط. من كان يحارب بالسيف صار يقاتل بالدبابة وصواريخ «تاو» من دون أن ينتمي إلى التقدم العلمي والإنساني الذي تحقق بين زمن السيف وزمن الصاروخ.
> هل كانت كميات الأسلحة التي استولى عليها «داعش» من الجيش السوري كبيرة؟
– نعم، وفي نقاط عدة.
> هناك من يتهم النظام بتكبير خطر «داعش» ليرغم دول العالم على العودة إلى التعامل معه.
– إنها لعبة خطرة. ربما هذا حصل حين تم الإفراج عن السجناء من الإسلاميين المتطرفين. ولا أشك في أن المخابرات السورية أرسلت مع هؤلاء أو من ضمنهم عملاء لها لاختراق «داعش» وأشباهه، وهم أصحاب خبرة في هذه الأعمال. في أي حال إنها لعبة خطرة.
> هل تعتقد أن المخابرات السورية تخترق «داعش»؟
– أنا اعتقد أن «داعش» ليس رأساً واحداً ولا جسماً واحداً. مثلاً «داعش» الذي كان يهاجم الأكراد كانت له علاقات مع أطراف تركية. عندما يأتي «داعش» ويصدر مجلة اسمها «دابق» فللأمر معانيه التركية.
> هل تعتقد أن النظام السوري أفرج عن إسلاميين ليتيح لهم فرصة الالتحاق بـ «داعش»؟
– لا شك. أنا أقول «داعش» وأخواته. هناك أيضاً «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» و «لواء التوحيد» وما هب ودب. يبدو أن أجهزة في النظام قامت بألعاب خطرة. أليس لافتاً مثلاً أن تتقاتل تنظيمات إسلامية في حلب وعلى أرض ليست بعيدة من خط التماس مع الجيش النظامي؟
> من أين تغطون تكاليف الحرب، من النفط أم الزراعة أم الضرائب؟
– الدعم الأساسي هو من الشعب الكردي. شعبنا في الجنوب (كردستان العراق) ساعدنا. شعبنا في الشمال (في تركيا) يساعدنا في الأمور الإنسانية. المساعدة من كردستان العراق كانت مالية وشملت أسلحة. الأكراد المنتتشرون في أوروبا وعددهم حوالي مليونين قاموا بدورهم أيضاً. وهناك طبعاً منظمات إنسانية والهلال الأحمر الكردستاني.
> هل تبيعون النفط الموجود في مناطقكم؟
– هناك استخدام للاستهلاك المحلي.
> كم تبلغ كمية النفط في مناطقكم؟
– لدينا نفط منطقة الرميلان والمناطق المحيطة.
> هل تتوقع أن تأتي ساعة يعيد النظام السوري الحالي فيها فرض سلطته على كل أنحاء البلاد؟
– لا أعتقد أبداً أن سورية ستعود إلى سابق عهدها أي سيطرة حكم الحزب الواحد والقومية الواحدة والعلم الواحد الذي يعبر عن نهج متطرف. نحن نعمل جاهدين، وبصدق، من أجل سورية ديموقراطية ولا مركزية. نحن نأخذ الإدارة الذاتية الديموقراطية كمثال قابل للتعميم على كل أراضي سورية نظراً إلى التنوع الموجود على هذه الأرض. نحن نتحدث عن الدروز والعلويين والإسماعيليين والتركمان وإخواننا المسيحيين. كل هذه المجموعات يجب أن تعبر عن نفسها. ونحن نقبل في النهاية بأي صيغة تتفق عليها المكوّنات بحرية. صيغ الفيديرالية تختلف من مكان إلى آخر. نحن لماذا لا ننطلق من اللامركزية ونعطيها مرونة يمكن أن تكون شكلاً من الحكم الذاتي أو الكونفيديرالية أو غيرها. المهم أن تختار المكونات طوعاً صيغة تعيش في ظلها بعيداً من التهميش أو القهر أو الاستبداد.
> تتحدث المعارضة عن عقدة في مساعي الحل تتناول مصير الرئيس بشار الأسد.
– أعتقد أن من الخطأ تماماً ربط مصير شعب ودولة بمصير شخص واحد. هذا الشخص يمكن أن يهمش لفترة يتبلور خلالها الحل. «الائتلاف» يشترط منذ 2011 إزاحة الأسد. هذا يعني عملياً أنك لا تريد الحل. قلنا سابقاً للمعارضة في اجتماعات في القاهرة فلنضع بنداً ينص على مرحلة انتقالية من ستة أشهر يبقى فيها الرئيس، ولكن جانباً ثم يغادر. رفضوا هذه الصيغة. يجب أن تتعامل بواقعية مع ميزان القوى وإمكانات الحل.
> هل يعني هذا أنك لا ترى مستقبلاً للأسد في سورية على رغم وجود فريق يتمسك ببقائه؟
– أنا لا أعتقد أنه سيكون للأسد مستقبل في سورية بعد كل الذي حدث. دعني أقل ان هذا القرار من حق الشعب السوري. شخصياً لا أرى أن بقاء الأسد ممكن. لا أعتقد أن الشعب السوري سيقبل، أو أن وقف الحرب ممكن استناداً إلى بقائه. لن يكون الشعب السوري عاجزاً عن إيجاد بديل مقبول.
> وماذا لو حاول الجيش السوري العودة إلى مناطقكم؟
– إذا كانت العودة بعقلية جديدة وشروط جديدة لمَ لا. عندها تكون «وحدات حماية الشعب» جزءاً من الجيش السوري. عودة الجيش بالعقلية البعثية والمخابراتية أمر غير مقبول على الإطلاق. لا عودة إلى الماضي.
> كأنك تفترض أن نظام البعث انتهى في سورية.
– لم ينتهِ، لكنه يلفظ أنفاسه الأخيرة.
> لنفترض أن حواراً للحل جرى بين المكونات. هل تطالبون بأن يعترف الدستور الجديد بقوميتين في سورية؟
– نحن في الإدارة الذاتية الديموقراطية لدينا عقد اجتماعي بلورته مكونات الجزيرة. سيعرض على إخواننا من المجموعات الأخرى، وربما يدخلون عليه تعديلات. نحن لا نفرض وجهة نظرنا ولا نقبل بأن يفرض الآخرون وجهة نظرهم. يجب أن يكون هناك حوار واتفاق. أعتقد أن العقد الاجتماعي الموجود كاف ويحفظ حقوق الجميع لكن الأمر يبقى مرهوناً بالتوافق. قد يبرَم عقد اجتماعي على مستوى سورية يستفيد من تجربتنا في مناطقنا.
> أفهم أنكم تريدون الجمهورية السورية فقط؟
– نعم، الجمهورية العربية السورية أوصلتنا إلى هذا البلاء، فلنجرب الجمهورية السورية الديموقراطية التي تتسع لكل المكونات.
> هل كان هناك تغيير في التعامل مع الأكراد بعد غياب الرئيس حافظ الأسد؟
– اتبع النظام السياسة نفسها وكان الاختلاف في الأسلوب فقط. الفارق أن حافظ الأسد كان يمرر سياسته من دون تحدي الأكراد في صورة مباشرة. كان الأسد الأب يقول ان الإحصاء الذي أدى إلى تجريد آلاف الأكراد من جنسيتهم جائر وحدث في عهد الانفصال (1962). طبعاً هذا كلام، فالحكومة التي كانت موجودة آنذاك كانت تتلقى تعليماتها من البعث. كل وزراء الحكومة وافقوا على الإجراءات بحق الأكراد. يمكن فهم ذلك في ضوء رغبة الأسد الأب في استخدام ورقة الأكراد ضد تركيا. كانت أقبية المخابرات مليئة بالمعتقلين الأكراد لكن الأسد الأب لم يكن يستخدم لغة التحدي في التعامل العلني معهم. في التسعينات كان هناك مئات الأكراد في أقبية المخابرات على رغم اعتقادهم أن هؤلاء أنصار «حزب العمال الكردستاني». في عهد بشار صار تحدي السلطة الأكرادَ ظاهراً وملموساً. كان رجب طيب أردوغان يأتي إلى الحميدية وحلب ويجول مع الرئيس السوري ويقول له «أخي بشار». دفع الأكراد ثمن التقارب السوري – التركي، وظهر ذلك جلياً في 2004. اتبعت سياسة تقوم على التحدي السافر للأكراد إرضاء لتركيا. جوهر السياسة المعادية للأكراد استمر في كل أيام البعث. ما سمي «الحزام العربي» طبق في 1974 أي في عهد حافظ الأسد، على غرار ما فعله صدام حسين في العراق. أي محاولة تغيير التركيبة السكانية عبر المستوطنات. في عهد بشار اتسم الأسلوب بالتحدي. مثلاً في محافظة الرقة كان محظوراً تسجيل أي بيت باسم كردي.
> هل كان ملف الأكراد في عهدة جهاز المخابرات؟
– طبعاً. أجهزة المخابرات على أنواعها.
> هل كنت تلتقي مسؤولين في المخابرات السورية؟
– كانوا يعتقلوننا فنلتقيهم.
الزيارة المكلفة
> من التقيت منهم مثلاً؟
– اللواء غازي كنعان وكان رئيساً لشعبة الأمن السياسي. كانت انتفاضة القامشلي حدثت في 12 آذار (مارس) 2004. حصل توتر كبير وشكلت لجنة لاحتواء الأوضاع وكنت من ضمنها. أعددنا رسالة موجهة إلى الرئيس بشار الأسد. حملتها إلى كنعان لينقلها إلى الرئيس فأمر في مكتبه باعتقالي وتأديبي، وأرسلني إلى فرع الفيحاء ليشرف اللواء علي مملوك على عملية تأديبي. دخل اثنان من زبانيته وأخذاني من المكتب إلى مقر الاعتقال.
قال لي كنعان: «خير إن شاء الله لماذا جئت إلي؟». فقلت: «لدينا رسالة أرجو إيصالها إلى الرئيس». قال: «من أنتم كي تخاطبوا الرئيس. أنتم تسببتم في بلاوي آذار وكل الناس تلومكم وتشتمكم. أنت مفروض أن تكون في السجن وليس خارجه». وقال: «أنا سأؤدبك». وانطلق في فيض من الشتائم والألفاظ التي أخجل أن اعيدها. كلمات بذيئة بحقي وحق الحزب (حزب الاتحاد الديموقراطي) وحق الأكراد. راح يهددني، ثم ضغط على زر فدخل اثنان اعتقلاني وقال لهما «خذوه أدبوه».
> وماذا حصل لدى مملوك؟
– استقبلني مملوك بكمية من الشتائم واللغة الاحتقارية وبألفاظ قذرة. مرات عدة تحت التعذيب تمنيت أن أقتل كي لا أسمع الألفاظ التي كانت توجه إليّ. استمر هذا الوضع نحو أربعة أشهر منها 75 يوماً في المعتقل الانفرادي. تعرضت لشتى أشكال التعذيب. ضرب على الأرجل والجسم وأصبت مرتين بنزف في قدمي واضطروا لإحضار طبيب. تعرضت لعملية تعليق لساعات وهذه شديدة الصعوبة. وفي السجن الانفرادي تركوني عارياً من كل ملابسي لأنام على أرض الغرفة. كان السجان يأتي في منتصف الليل ويسكب علي الماء البارد كي يحرمني النوم. الغرفة كانت بطول متر ونصف وعرض متر. الذين كانوا يتولون التعذيب كانوا يغطون عيونهم لكنني فهمت أن مملوك كان يتابع أحياناً عملية تعذيبي.
> لماذا أفرج عنك؟
– عُيّن كنعان وزيراً للداخلية وتولى مكانه محمد منصورة (أبو جاسم) الذي كان نائبه. اعتذر منصورة، وقال انه لم يكن قادراً على فعل شيء خلال وجود كنعان. استدعاني إلى مكتبه وأطلق سراحي. كان منصورة يعرف موضوع الأكراد أكثر من كنعان.
> كم مرة اعتقلت؟
– الاعتقال لدى كنعان لم يكن الأول ولا الأخير. في أيام الأسد الأب أخضعت لتحقيق، لكن لم اعتقل. في العهد التالي اعتقلت مرات عدة ولمدد مختلفة أحياناً، لأسبوع أو عشرة أيام. إنه أسلوب التخويف والترهيب. في 2005 مثلاً، اعتقلت ووضعت في سجن المسلمية في حلب.
في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، دهموا منزلي ولم أكن هناك فاعتقلوا زوجتي. اعتقلوا أيضاً الأستاذ عثمان سليمان رفيقنا وصديقنا. في ذلك الوقت حصل توتر في كوباني بين الأكراد والأمن. جاءت الأوامر على الشكل الآتي: اعتقال صالح مسلم وزوجته عائشة أفندي وعثمان سليمان وامرأة أخرى اسمها كوثر. كنت في حلب في مكتب الهندسة، اتصلت ابنتي بي في الرابعة صباحاً وأخبرتني باعتقال زوجتي. اتصلت هاتفياً بمدير المنطقة فسألني عن مكان وجودي، فعرفت أنهم يريدون اعتقالي فتواريت. لم أذهب إلى كوباني وبقيت في حلب. الأستاذ عثمان استشهد بعد شهرين. عذبوه إلى أن شارف الموت. سلموه إلى أهله وأجريت له عمليات، لكنه توفي. لم تتعرض زوجتي لتعذيب بدني لكنهم وضعوها مع السارقات والمرتكبات. وفهمت لاحقاً أن الأوامر كانت تقضي باعتقال الأشخاص الأربعة وتقديمهم بعد سنة إلى المحاكمة. زوجتي وكوثر اعتقلتا عرفياً لتسعة أشهر، ثم قدّمتا إلى المحاكمة وبعد ذلك تغيرت الأوضاع. أنا بقيت حتى 2010 متوارياً عن الأنظار.
> ما هي قصة مكتومي الجنسية بين أكراد سورية؟
– هناك نوعان: مكتومو الجنسية الذين لم يسجلوا أنفسهم، والذين سحبت منهم الجنسية بمرسوم. نتحدث هنا عن إحصاء 1962. سحبوا الجنسية من حوالي مئة ألف كردي بحجة أنهم جاؤوا من الخارج. استمر هؤلاء في الإقامة، لكن من دون أوراق وجوازات سفر أو قدرة على التملك.
> كانت لحافظ الأسد علاقة جيدة مع أكراد كردستان العراق، وكذلك مع عبدالله أوجلان ومع ذلك استمر وضع الأكراد في سورية على ما تقول. أليس ذلك غريباً؟
– كان حافظ الأسد يقيم علاقة تكتيكية مع أوجلان، ولم يكن يتعامل عملياً مع الشعب الكردي. كان يريد جمع أوراق ضد النظامين العراقي والتركي وكان يدرج العلاقات مع الأحزاب الكردية في هذا السياق. كان أوجلان يعرف ذلك لكن العلاقة كانت مفيدة للطرفين. أوجلان كان يريد مكاناً لتدريب أعضاء الحزب.
> أعطوه معسكراً في البقاع؟
– لا لم يعطوه. في 1979 قبل الانقلاب العسكري، بدأ أعضاء في «حزب العمال الكردستاني» الخروج من تركيا بتعليمات من الحزب، وطلب منهم عدم الابتعاد كثيراً تمهيداً للعودة لاحقاً. أقام الحزب علاقات مع التنظيمات الفلسطينية، مع «الجبهة الشعبية» و «الجبهة الديموقراطية» و «فتح». كانوا مقيمين مع المنظمات في البقاع، وكانوا يتحركون بهويات فلسطينية ولم تكن لهم علاقات بسورية أو الأسد.
استمر ذلك إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982. وصلت القوات الإسرائيلية إلى بيروت واستمرت إحدى المجموعات تقاتل في قلعة الشقيف في جنوب لبنان، حيث استشهد 11 مقاتلاً من «حزب العمال الكردستاني». خلال حصار بيروت راحت المنظمات الفلسطينية تطلب من الحزب أن ينشر عناصر مع الحواجز الفلسطينية لتعزيز صمودها. غادر الفلسطينيون معسكرات البقاع لكن الأكراد بقوا فيها واشتبكوا مع الإسرائيليين. الجيش السوري انسحب هو الآخر. لاحقاً حاول الفلسطينيون استرداد المعسكر فرفض الحزب. حاول الجيش السوري السيطرة عليه فهدد الحزب بالاشتباك معه. اعتبر الأكراد أنهم حصلوا على معسكرهم بدماء شهدائهم. هذه هي قصة المعسكر في حلوة في البقاع.
هنا بدأت سورية تبحث عن علاقة مع «حزب العمال الكردستاني». حافظ الأسد ذكي في هذا المجال.
> أين كنت أنت؟
– كنت أعمل في السعودية، وعدت إلى سورية في 1983 في إجازة والتقيت عبدالله أوجلان.
> كيف كان اللقاء؟
– تعرفت إلى الحزب خلال عملي في السعودية. تعرفت إلى أحد العمال وهو كادر في الحزب وحصل نقاش ورأيت أن أفكارنا متقاربة. أخذت منه بعض الأسماء قبل زيارة سورية. لم أكن رأيت صورة أوجلان. جاء شخص وأخذني من مقر إقامتي في دمشق. قال لي: «القائد بدو يشوفك». ذهبنا إلى بيت في المزة على ما أذكر. صعدنا إلى قرب الطابق الرابع، فاستقبلني شخص معانقاً. اعتقدت أنه الشخص الذي سيدخلني إلى مكتب أوجلان، وإذ بي أكتشف أنه أوجلان نفسه. كان ودياً جداً كأننا نعرف بعضنا منذ وقت طويل. وتكررت لقاءاتنا كلما ذهبت إلى سورية.
> انتسبت إلى «حزب العمال الكردستاني»؟
– لا بقيت في وضع المؤيد.
> ماذا كان يقول لك عن علاقته بسورية؟
– قال ذات مرة ان التعامل مع النظام السوري ليس سهلاً وشبهه بمن يركب الأسد أي يجب أن تكون متمكناً جداً كي لا تسقط ويأكلك الأسد. كان يقول ان التعامل صعب وأن الخطأ مكلف.
> كان يعي أن النظام السوري يستخدمه كورقة؟
– كان يرى منفعة متبادلة في العلاقات. بالمناسبة النظام السوري لم يعطهم مالاً ولا أسلحة. سمح لهم بمقدار من حرية الحركة. كانوا يحصلون على إذن لمرور سيارة فيستخدمون الإذن مرات ومرات لتمرير أسلحة أو أشخاص بعد اندلاع الثورة الكردية في تركيا في 1984.
> ماذا تقول عن اتفاق أضنة السوري – التركي في تموز (يوليو) 1998؟
– اتفاق أضنة هو اتفاق استسلام أذعنت بموجبه سورية لشروط تركيا. لا أعرف كيف وافق الأسد على اتفاق من هذا النوع، وما إذا كان مريضاً في تلك الفترة. وبموجب هذا الاتفاق الذي أعطى تركيا امتيازات تمس السيادة السورية في منطقة الحدود، لم يكن أمام أوجلان غير المغادرة.
> كيف حصل ذلك؟
– تحدث نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام إلى أوجلان. قال ان الحشود التركية أقلقت سورية التي لا تريد الدخول في حرب. وجهت تركيا تهديدات إلى النظام السوري. زار الرئيس حسني مبارك أنقرة، ثم زار دمشق وأقنع الأسد بأن الأتراك جادون في تهديداتهم.
قال خدام لأوجلان أنت ترى التهديدات، فرد أنه يدرك ذلك ولا يريد أن يكون وجوده مصدر أذى لسورية.
كان أمام أوجلان أن يذهب إلى جبال كردستان العراق أو أن يتوجه إلى مكان في أوروبا. كانت هناك دعوة من البرلمان اليوناني تقول فليأتِ أوجلان ونحن نضمن حمايته. تشاور أوجلان مع رفاقه. بدأ الرفاق التحضير للخيارين بانتظار حسم أحدهما. اختار أوجلان التوجه إلى أوروبا لأنه قد يتحول سجيناً في الجبال بعيداً من متابعة المعركة السياسية، ثم إن أي جبل قد يلجأ إليه يمكن أن يتعرض للقصف.
غادر أوجلان إلى اليونان. تنكروا لتعهداتهم. أبقوه ساعات في المطار وبدل منحه اللجوء، أبلغه مدير المخابرات بأنه شخص غير مرغوب فيه. غادر إلى روسيا وأمضى شهراً في منزل السياسي المتطرف فلاديمير جيرينوفسكي. بعد ذلك توجه إلى إيطاليا، ثم عاد إلى روسيا. هنا دخلت ألاعيب الاستخبارات. كان ذلك في 1999 وكان بوريس يلتسين رئيساً ويفغيني بريماكوف رئيساً للوزراء، ويبدو أن لعبة حصلت.
من باع أوجلان؟
> هل تعتقد أن جهاز الـ «كي جي بي» باعه في صفقة؟
– بواسطة أحد الأكراد الذين كان لهم علاقة مع الحزب. مسؤول حزبي قال فليأت أوجلان ونحن نحميه. ذهب من إيطاليا إلى موسكو فلم يستقبلوه وأخذوه لمدة أسبوع إلى قرغيزيستان، كما أعتقد، لأن بريماكوف كان يستعد لاستقبال مادلين أولبرايت، واعتبر أنها قد تحرجه بالسؤال عن أوجلان. بعد أسبوع قالوا له سنأخذك إلى لاهاي. أنزلوه في مينسك ويبدو أنهم كانوا ينوون تسليمه إلى الأتراك هناك. على مدى 24 ساعة، وعلى رغم البرد والثلج رفض أوجلان النزول من الطائرة. غادر ورفضت كل الدول الأوروبية استقبال الطائرة فأنزلوه في جزيرة كورفو اليونانية. قالوا له سنأخذك إلى جنوب أفريقيا لأن نلسون مانديلا وافق على استقبالك. أوهموه بأن النزول في كينيا سيكون محطة لمتابعة الرحلة وأنه سيقيم في سفارة اليونان خلال التوقف. عملياً سجنوه في السفارة، ثم سلموه للمخابرات التركية التي كانت تتعاون مع الأميركيين والإسرائيليين. اعتقلوه في 15 شباط (فبراير) وأخذوه إلى تركيا وحاكموه ولا يزال في السجن. آخر اتصال بيننا كان قبل مغادرته دمشق.
> حزبكم متأثر بـ «حزب العمال الكردستاني»؟
– طبعاً من الناحية الأيديولوجية. لا بد من الالتفات هنا إلى أن العالم تغير، وأننا نطالب اليوم بالاشتراكية الديموقراطية. نعتقد أن غياب الديموقراطية كان من أسباب انهيار ما كان يسمى المعسكر الاشتراكي.
> هل اتصلت بأوجلان بعد اعتقاله؟
– لا.
> لوحظ أن الأحزاب الكردية في سورية لا تستخدم كلمة كردستاني في أسمائها خلافاً للأحزاب الكردية في العراق وتركيا؟
– الحزب الأول الذي أُسس كان في 1957 وبتأثير من عبدالناصر، وكانت هناك أزمة بين سورية وتركيا بسبب ما كان يسمى الحلف المركزي. مارست تركيا ضغوطاً على سورية. فكّر عبدالناصر في الرد. أنشأ إذاعة كردية في القاهرة. واستقبل في 1958 الملا مصطفى البارزاني العائد من الاتحاد السوفياتي. ساعد عبدالحميد السراج بتأثير من عبدالناصر في تأسيس الحزب الكردي الأول. كان «الحزب الديموقراطي الكردستاني» الذي تعرض لاحقاً لملاحقات. بعد المحاكمات تغيرت الأمور واعتمدت كلمة الكردي بدلاً من الكردستاني التي تعني أن للحزب فروعاً أيضاً في أنحاء أخرى من كردستان.
> ما هي قصة الاحتفال بالنوروز أمام قصر حافظ الأسد؟
– لم يكن يُحتفل بالنوروز في شكل علني. بعد 1984، بدأوا الخروج إلى الشوارع وإقامة حفلات. هذه كانت من آثار النشاط الخفي لـ «حزب العمال الكردستاني» الذي كان ممنوعاً من العمل داخل سورية، لكنه كان يتحايل على هذا المنع. قرروا إقامة احتفال للنوروز خارج دمشق، وأعدوا حافلات لنقل المشاركين. منعت السلطات السورية الباصات من نقل الناس. فتجمّع كثر وتوجهوا إلى أمام القصر الجمهوري احتجاجاً وحصل إطلاق نار واستشهد أحد المشاركين. أصدر حافظ الأسد قراراً باعتبار 21 آذار، وهو يوم النوروز، يوم عطلة بوصفه عيداً للأم. عثر على مخرج. هذا هو أسلوب الأسد الأب.
الجزء الثالث
صالح مسلم: النظام فقد شرعيته وسنقاوم بكل السبل العودة إلى ما قبل 2011
ساد الاعتقاد في الفترة الماضية أن النظام السوري لم يصنف أكراد البلاد في خانة الأعداء خلال الأزمة الحالية، وثمة من تحدث عن تنسيق بين الطرفين. ينفي صالح مسلم رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي وجود أي تنسيق سياسي مع النظام ويعتبره فاقداً الشرعية. ويؤكد أن لا عودة أبداً إلى «سورية السجن» التي تسمح بهيمنة قومية أو حزب أو مذهب. ويرى أن لا عودة لسورية إلا على قاعدة تبادل الاعتراف بين المكونات. ويشدد على أن لا مستقبل لـ «الائتلاف الوطني» المعارض ما دام موجوداً في إسطنبول.
وهنا نص الحلقة الثالثة:
> من أين يأتي التمويل لـ «وحدات حماية الشعب»؟ ومن يدفع رواتب المقاتلين؟
– لا نحتاج إلى تمويل كبير، والسبب أن ليس لدينا رواتب يتوجب علينا دفعها لقوات الحماية في شكل عام. هناك ظروف استجدت بالنسبة إلى الأسايش، وهي قوات الشرطة، الآن أصبحوا يعطون رواتب للذين لديهم عائلات بمعنى «قوت لا يموت». هذا موجود. هذه ثقافتنا والمبادئ والقيم التي نحن مرتبطون بها. وهناك تجارب سابقة. عام 2012 عندما فرضوا علينا الحصار من كل جانب، قلت إنهم إذا كانوا يحاولون تهديدنا بالجوع والعطش فعليهم أن يفهموا أننا من الممكن أن نعيش لمدة ستة أشهر أو سنة على أوراق الشجر ولا نستسلم ولا نتنازل.
> هل تحصل عائلات الشهداء على تعويضات؟
– هناك « مؤسسة عوائل الشهداء» في روجافا التي تساعدهم مما تتلقاه من إغاثة. التمويل ضروري، لكن ما نحصل عليه من شعبنا يكفي، فشعبنا الكردي لم يقصِّر، وكذلك أصدقاؤنا في جنوب كردستان وشمالها في الفترة الماضية وفي كردستان الشرقية. شعبنا في روجافا يضحي بكل شيء وكذلك الأكراد في الشتات، فحتى المستشفيات المتنقلة تصل إلينا من الأكراد في أوروبا عبر جمع تبرعات من أصدقائهم هناك.
> هل هناك دول أوروبية تساعدكم؟
– في شكل مباشر لا. لكن هناك منظمات مجتمع مدني في أوروبا تساعدنا، وهي في أكثرها إغاثة إنسانية.
> والسلاح من السوق السوداء؟
– السلاح يأتي من السوق السوداء ومن تنظيمات كردية وقوات البيشمركة (إقليم كردستان العراق) و «الحزب الديموقراطي الكردستاني» الذي ساعد كثيراً في قضية السلاح وعلى قدر الإمكان. أغلب السلاح يأتي من السوق السوداء.
> هل لدى «وحدات حماية الشعب» دبابات؟
– لديهم بعض الدبابات التي غنموها إما من «داعش» أو من النظام. مثلاً كان هناك خمس دبابات في عفرين غنموها من مطار منغ العسكري، حيث حدثت مواجهة مع فصائل هاجمت. جماعتنا كانت على جبهة معينة فاستطاعت الاستيلاء على تلك الدبابات التي كانت تسعى إلى الهروب. كما استولت على بعض الدبابات من الرقة التي كانت موجودة في الفرقة 17 واستولى عليها «داعش» وهاجم بها مناطقنا، كما تم إصلاح بعض الدبابات التي كانت ضُربت في الحسكة.
> قيل إن تركيا غضّت النظر وتركت «داعش» يهاجمكم، وقيل أيضاً إن القوات النظامية السورية غضّت النظر أحياناً وتركت «داعش» يهاجمكم. هل هذا صحيح؟
– الأمر يتعدى مسألة غض النظر، فنحن نظن أنهم عاونوهم، والسلطات التركية خصوصاً. الدور التركي كان غامضاً جداً وما زال غامضاً حتى الآن، لجهة علاقته بـ «داعش»، وبوابة تل أبيض التي كانت تُستعمل للتجارة، والسيارات التي كانت تمر باتجاه الرقة وهي عاصمة «داعش»، ومنطقة جرابلس التي تضم معسكراً للاجئين السوريين من ثلاثة كيلومترات وراء الحدود داخل الأراضي التركية، وكان فيه مركز تجمع لـ «داعش» تمهيداً للعبور إلى سورية. كل هذه الأمور تثير الشبهات.
وبالنسبة إلى النظام، هناك مَثَل اللواء 93، الذي لم يتدخل عندما حصلت هجمات عدة على كوباني على رغم أن لديه قوات جوية كانت تستطيع ضرب المهاجمين. كنا نتعرض لضربات «داعش» أمام أعينهم ولم يتدخلوا. قوافل التنظيم التي كانت تهاجمنا كانت تنطلق من الرقة وتصل إلينا في كوباني وتفجر وتقتل، ولدى النظام طائرات تنفذ طلعات جوية، لكنه لم يستخدم قواته ضدها، لا الطيران ولا المدفعية.
النظام ربما غض النظر، ولكن إذا كان النظام السوري يسعى إلى شرعية فيتوجب عليه الدفاع عن مواطنيه. لم يدافع ولم يتمكن من حمايتهم. وبرأيي هذه نقطة مهمة لأنه من الممكن أن نعتبره فاقداً الشرعية إذا كان لا يستطيع حماية مواطنيه ولا حتى محاولة حمايتهم. أين شرعية النظام؟
> هل تعتبر النظام السوري الحالي فاقداً الشرعية؟
– نعم، أعتبره فاقداً الشرعية، لأنه بالنسبة إلينا لم يحمِ أي شيء، ولم يحاول فعل شيء، هذا غير مطالبتنا بالديموقراطية فهو أساساً يعتبرنا غير موجودين منذ العام 1960 وليس من الآن. لا اعتراف بالأكراد ولا اعتراف بالثقافة الكردية ولا اعتراف بالمجتمع الكردي، بل يعتبرنا غير موجودين. فإذا كان يعتبرني غير موجود، فأنا لن أعترف بشرعيته. نحن منذ 2004 نقاوم هذا النظام بسبب عدم اعترافه بوجودنا.
> خلال الثورة أعطى النظام جنسيات لأكراد كانوا حرموا منها، هل حاول استمالتكم خلال الثورة؟
– هذا يشبه توبة من دهمته سكرات الموت.
> ليس هناك أي علاقات بينكم وبين النظام؟
– أبداً، ليس هناك أي علاقات سياسية مطلقاً. قد يشير الناس ربما إلى مؤتمر موسكو، حضرنا في موسكو مرتين وأملنا توحيد المعارضة، وكنا نتحدث ونستمع إلى ما يقوله كل طرف، وكان هناك ممثل للنظام خلال الاجتماعات، ولكن هذا أمر مختلف. وبدل أن يستمع النظام من غيرنا عما نقول عنه، فإني أفضل أن يسمع وجهة نظرنا منا مباشرة، لذلك كان لدينا موقف خلال مؤتمري موسكو الأول والثاني. ورأينا أن الحديث ينافي الحقيقة، فقد حاول إقناع الموجودين، وربما أقنع غيرنا، بأن النظام كان وراء انتصارات كوباني وأنهم ساعدونا في ذلك. قالوا إن الانتصارات التي تحققها «وحدات حماية الشعب» تحققت لأننا ندعمها بالسلاح ونحن وراءها ووراء انتصارات كوباني. هذا ما كان يردده النظام لأصدقائه وللروس. وقد طرح هذا الموقف خلال المؤتمر في روسيا، وأوضحنا في المؤتمر أمام الجميع أن أقرب جندي نظامي من كوباني كان على مسافة 150 كلم، فكيف يكون النظام ساعد؟ أنا من كوباني وأعرف أنه لم نتلقَّ رصاصة واحدة من النظام. في المؤتمر الثاني زعم النظام أنه ساعدنا في الحسكة.
هناك أناس يلوموننا على وجود النظام في القامشلي مثلاً. وجود النظام في الشكل المدجَّن يساعدنا، لجهة أن المطار يعمل بحيث يتمكن المدنيون من الدخول والخروج ويستخدمه أبناء المنطقة لأغراضهم وتنقلاتهم. والبوابة الحدودية هناك عليها بضعة أفراد من الشرطة التابعة للنظام لا يغيرون شيئاً على أرض الواقع، ولكن يعطون شرعية أمام الأمم المتحدة، بحيث إن المساعدات الإنسانية تعبر من هناك. ولولا وجود هؤلاء الشرطيين على بوابة نصيبين أو بوابة القامشلي مع تركيا، أو المربع الأمني الذين هم فيه، لما وصلت الإغاثة من الأمم المتحدة إلى أهالي القامشلي.
نحن لا ندعو إلى الانفصال. نحن عندما نحارب النظام لا نفعل ذلك لتأتي جهة أخرى تأمرنا أن نفعل كذا وكذا، بل نفكر في مصلحة شعبنا وننفذ ما يفيده. نتصرف وفق تفكيرنا ووفق المعطيات الموجودة لدينا ولا نتلقى الأوامر من أحد. نحن نقارع النظام منذ 2004، فلا يزايدنّ أحد علينا. أنا أرى أن وجود المربع الأمني الآن في القامشلي لمصلحتنا ولمصلحة الشعب ولمصلحة المنطقة. إذا كان فلان يريدني أن أقضي عليهم أو أقتل عناصر النظام فهذا شأنه. في غيرزيرو، وهي منطقة كانت فيها حامية كبيرة من أجل حقول النفط، قامت «وحدات حماية الشعب» بمحاصرتهم مدة عشرين يوماً وتمكنت من إنهاء وجودهم سلمياً. كان هناك أكثر من 300 جندي وكانت إبادتهم ممكنة، ولكن ليس هذا أسلوبنا. لو كنت أنا أتبع أوامر خارجية كان من المفترض أن أقضي على هؤلاء الجنود الثلاثمئة. نحن لم نفعل ذلك. لم نكن نريد تدمير أي منشآت، فثرواتنا لنا، للمكونات الموجودة من عرب وأكراد. استمر الحصار عليهم حتى بدأوا يتململون وقتِلَ عقيد كان قائد المجموعة المحاصَرة وسبعة جنود في عملية نوعية وأفرِج عن بقية الجنود وعادوا إلى أهلهم.
عندما تخوض حرباً، لا تديرها كما يشتهي الآخرون. الجنود الذين كانوا موجودين هناك كلهم إخوان لنا ولن أستفيد شيئاً من قتلهم، وأسلوب الذبح ليس أسلوبنا.
ما تريده تركيا
> تقول إن لا مستقبل لـ «الائتلاف الوطني» المعارض ما دام في إسطنبول.
– هذا صحيح.
> هل تعتبر أن تركيا تدير الائتلاف؟
– أنا أذهب أبعد من ذلك وأقول إن تركيا لا تريد سورية ديموقراطية جارة لها، ولا أن تتمتع كل مكونات سورية بالديموقراطية، ولذلك جزء من الخطة التركية كان احتضان هذه المعارضة بغرض توجيهها وفق مصالحها. المؤامرة موجودة منذ بداية الثورة السورية، أي منذ اجتماع أنطاليا الذي عقد في حزيران (يونيو) 2011. المؤامرة مستمرة. تمكنوا من احتضان المعارضة السورية وتوجيهها. الأطراف الأخرى التي كانت تدعم المعارضة كانت تدعمها من طريق تركيا، والفوائد الاقتصادية كبيرة ويجرى تقاسمها.
> هل تخاف تركيا من قيام سورية ديموقراطية؟
– نعم، تخاف من انتشار النظام الديموقراطي. سورية الديموقراطية تعني تعايش المكونات، ما يعني أن الأكراد سيحصلون على حقوقهم الديموقراطية، والسريان كذلك والعلويون سيحصلون على ميزات معينة، ما يعني حرية لكل الطوائف، وكذلك الدروز والمسيحيون والكنائس. جميع هذه المشاكل موجودة في تركيا. السريان ممنوعون في تركيا، الأرمن ممنوعون، الأكراد ممنوعون في تركيا، وكذلك ثقافتهم. تركيا تمنع كل هذه الحقوق وهي ستتأثر إذا قامت سورية ديموقراطية.
> في البرلمان التركي كتلة كردية من ثمانين نائباً؟
– تم ذلك حسب قوانين الأحزاب التركية، ونحن لا نسعى إلى ذلك على رغم أننا نستفيد من تلك التجربة، ولكن ذلك لا يعبر تماماً عن الإرادة الكردية.
> كأنك تقول إن تركيا تريد أن يسيطر «داعش» على سورية.
– هي تستخدمه كأداة تدمير في سورية وفي المنطقة كلها ليُنشئوا بعد ذلك ما يريدون. هناك أكثر من طرف اخترق «داعش» أو يؤثر في تحركاته.
> هل تتهم النظام السوري بإقامة علاقة مع «داعش»؟
– هذه أمور غامضة جداً، لكن لا شك في أن بعض الأعمال التي يقوم بها «داعش» تدخل في خدمة النظام السوري، مثل الصراع الدائر في منطقة إدلب ومحيط حلب بين الفصائل الإسلامية نفسها، أي بين «داعش» وأخواته. هناك علامات استفهام عدة.
> هل تعتقد أن الإفراج عن الإسلاميين من السجون السورية كان لتزويد «داعش» المقاتلين؟
– لا أعتقد أن الهدف كان تزويدهم المقاتلين، بل القادة الذين يتولون توجيههم.
> هل قُتل مهاجمون من جنسيات مختلفة في كوباني (عين العرب)؟
– نعم، قُتل أتراك وضباط سابقون في الجيش التركي أو الشرطة التركية (الجندرمة) كانوا يقاتلون في صفوف «داعش»، وهناك أسير مصري، وهناك محاربون من تونس والجزائر ومصر ومن الشيشان والقوقاز والصين قتلوا في كوباني. وهناك بعض الأسرى من جنسيات مختلفة، خصوصاً في القتال الأخير مع «وحدات الحماية».
الدولة المركزية
> لستم مع عودة الدولة المركزية في سورية؟
– الدولة تفككت وسورية يمكن أن تدار بلا مركزية معينة بحيث يكون لها حكومة مركزية، ولكن يكون هناك تنسيق بين الأقاليم، هذا من حيث الفكرة. ولكن هناك أمور أخرى يتفق عليها لاحقاً بين مختلف مكونات الشعب السوري.
> إذاً، جوهر الحل الذي تقترحونه هو مجموعة من الإدارات الذاتية والأقاليم.
– نعم، مع وجود حكومة مركزية وجيش مركزي وفق شروط معينة وقواعد معينة مع اقتصاد مركزي بحيث تدار كل المشاريع مع صلاحيات للأقاليم. هذا يمكن الاتفاق عليه بما يتماشى مع شكل الاتحادات الموجودة في سويسرا وألمانيا مثلاً، ويمكن الاقتداء بالتجارب الموجودة.
> أنت تقول إذاً: نحن كأكراد لن نقبل بالعودة أبداً إلى ما كان عشية 2011.
– العودة غير ممكنة. لا نقبل بالعودة إلى تسلط الحزب الواحد واللون الواحد والقومية الواحدة. هذا غير وارد.
> إذا طُرحت العودة، فهل تقاومونها؟
– بالطبع، وبجميع السبل، على أن تكون المقاومة العسكرية الملاذ الأخير عندما تسد كل الأبواب أمامنا ونضطر لاستخدام القوة العسكرية. حتى الآن القوات المسلحة الموجودة في مناطقنا هي قوات دفاعية ولم توجه أي رصاصة إلى خارج مناطقنا، بل كانت للدفاع عن المناطق التي تحتاج إلى حماية الناس سواء كانوا من العرب أو الأكراد، لذلك فإن الحل لعسكري هو آخر الحلول. هناك محاكم ومراجع وقوانين دولية وقوانين الأمم المتحدة ومواثيق دولية، فإذا تنكر أحد لكل هذه فما باليد حيلة سوى المحاربة.
> ماذا فعل الأكراد الذين كانوا في الجيش السوري؟
– فعلياً، لم يكن هناك أكراد في الجيش السوري، بل مجندون ضمن التجنيد الإجباري. الأكراد لم يكونوا يُقبَلون في الجيش أو في المخابرات. المجندون ضمن التجنيد الإلزامي عادوا إلى مناطقهم، ومنهم كثيرون الآن في «وحدات الحماية». الكردي لم يكن يستطيع الانضمام إلى الكليات الحربية أو المدارس الحربية، فالأكراد منبوذون منذ العام 1960 حتى الآن. لكن ما كان حاصلاً هو أنه كان يتوجب على أي شخص أن يكون بعثياً ليحصل على وظيفة ولو عاملَ نظافة في البلدية. وحتى في الرميلان في حقول النفط، فإن العمال كانوا جميعاً من خارج المنطقة في الفترة الأخيرة ولم يكن بينهم أيٌّ من أبنائها، حتى أن مهندسي النفط ومهندسي الكيماويات الأكراد كانوا جميعاً من دون وظائف، ويحضِرون مهندسين من خارج المنطقة، على رغم أن أبناء المنطقة يجب أن يستفيدوا من خيراتها.
> كنت ذكرت في الحديث أن حزب البعث خرّب العراق وسورية والمنطقة وساهم في مجيء «داعش»، أليس في هذا الاتهام مبالغة؟
– هذا رأيي، لأن الاستبداد يدمر الدول ويستدعي التطرف. سياسات صدام هي التي أدت إلى التدخل الأميركي والاحتلال الأميركي للعراق، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سورية، فالسياسات التي كانت متّبعة وعدم حل المشاكل وعدم الإيمان بقدرات الشعب هي السبب في ما حصل.
برأيي أن التدخل في الشرق الأوسط كله حصل لأننا لم نستطع حل مشاكلنا ومن جملة ذلك سورية. فنحن لو حللنا المشاكل لكنا سددنا الأبواب أمام التدخل الأجنبي كله. والبعث هو الذي ساهم بذلك لأنه أغلق الحوار ومارس الاستبداد وكان سبب كوارث الشرق الأوسط كلها.
> تعتبر أن قسماً من «الائتلاف» مؤيد لـ «داعش»؟
– هذا واضح، فـ «داعش» الذي يحارب الأكراد في مناطقهم ينال كامل الدعم من بعض «الائتلاف». هم في الفترة الأخيرة حاولوا أن ينفوا عن أنفسهم ذلك، وإلا ما تفسير أن يصدروا بيانات سياسية تحزن لخسائر «داعش» في تل أبيض والحسكة وكوباني. البيانات التي صدرت عنهم، خصوصاً عبر المتحدث باسمهم سالم المسلط، تشير إلى ذلك.
> هل تعتبر أن «الجيش السوري الحر» انتهى؟
– لا، «الجيش الحر» موجود، لكنه قليل جداً، فهم كانوا من المنشقين عن الجيش النظامي الذين كانوا يسعون إلى الديموقراطية والعلمانية والحرية للشعب. ولكن، على أرض الواقع لا وجود كبيراً لمثل هذه العناصر، بل بعض الوحدات الصغيرة أو المجموعات الصغيرة تحارب معنا ونحن مستعدون للتنسيق معهم. وقرأت أمس إعلاناً أن هناك وحدات تابعة لهم موجودة في درعا، وهناك تسميات مختلفة مثل «شمس الشمال» و «ثوار الرقة» الذين شاركوا في «بركان الفرات»، وهناك ما يسمى «ثوار سورية» بينهم فصائل من «الجيش الحر» ويدعون إلى الديموقراطية ويرفضون الممارسات التي يقوم بها «داعش» وأخواته. «الجيش الحر» لا يمكن أن يكون سلفياً أو «جبهة النصرة» أو «أحرار الشام»، «الجيش الحر» هو من الفصائل التي تبتعد عن هذه الذهنية السلفية الجهادية.
> أنت تطالب بالإدارات الذاتية، هل تقر بحق المجموعات الأخرى في مطالبات من هذا النوع؟
– ما نريده لأنفسنا نريده للمكونات الأخرى إذا رغبت.
> هل لديكم مشكلة مع العرب السنّة في سورية؟
– ليست لدينا مشاكل مع أحد. إذا تم إبعاد الدين من استخدامه في السياسة، فإن كل المشاكل تحل. المولود في بلادنا يولد إنساناً ويولد سورياً قبل أن يكون سنّياً أو شيعياً، فعلينا أن نحافظ على إنسانيتنا وأن نحافظ على العلاقات وأن نحترم الجغرافيا التي ولدنا فيها وأن نحترم التاريخ الذي عشناه. فبدل أن أحاربك لأنك إيزيدي أو كردي، دعنا نعِش، فنقاط التفاهم كثيرة ونستطيع أن نراها. برأيي أن ثقافة الديموقراطية وقبول الآخر يلغيان المشاكل في سورية.
> هل أفهم أن سورية لن ترجع إلا على قاعدة قبول الآخر؟
– لن ترجع سورية إلا على تلك القاعدة. فما حدث أنه كانت هناك غرفة مغلقة مكتومة يعيش الناس فيها في سجن، الآن الأسوار التي كانت تحيط بهم تحطمت ويريد هؤلاء الناس أن يعيشوا ضمن تلك الغرفة، فما الحل؟ على الجميع أن يعودوا إلى تلك الغرفة برضاهم من دون أسوار ومن دون أقفال، والسبيل إلى ذلك الديموقراطية وقبول الآخر. فالكردي لن يقبل إذا كانت ثقافته غير مقبولة في سورية، والدرزي لن يقبل إذا لم يتمكن من التعبير عن طقوسه وتدينه وانتمائه، والمسيحي إن لم تكن لديه كنيسة فلا يستطيع العيش في سورية، والمسلم إن لم يكن لديه مسجده فلن يقبل، والأمر نفسه بالنسبة إلى الإيزيدي. لذلك، نريد منزلاً نعيش فيه أحراراً على أن يحترم كل منا الآخر لنعيش معاً.
> أنت إذاً تدعو إلى الانتقال من سجن كان اسمه سورية إلى بيت طبيعي اسمه سورية؟
– صحيح، أدعو إلى بيت طبيعي اسمه سورية نعيش فيه جميعاً برضانا مع حقوقنا الديموقراطية لنبني مستقبلاً لأبنائنا.
> تتحدث كأنّ «البعث» حوّل سورية سجناً؟
– بالطبع، سجن للمكونات وسجن للثقافات ولحريات الفرد، سجن لكل شيء. حتى البرامج الثقافية كان يتحكم فيها العسكر على مزاجهم، حتى الأغاني يتحكم فيها حزب البعث ويجب أن تكون في مديح الحزب أو شتم أعدائه. نريد للفن أن ينمو بحرية وأن تنمو الثقافة بحرية واللغات. لو فتِحَ الباب مثلاً لترجمة أشعار الشاعر الكردي جيغارخون إلى العربية لكانت ثروة ثقافية لسورية كلها.
> أنت ككردي، هل كنت تشعر بأنك غريب في ظل حزب البعث؟
– نعم، فهم لم يشعرونا بأننا مواطنون سوريون. كل يومين يتم استدعاؤنا إلى التحقيق، أنت فعلت كذا وكيت ولك علاقة بالتنظيم الفلاني. كنا دائماً محل شبهات «البعث». لم يشكك أحد بانتمائي إلى سورية، ولكن كانوا يتهمونني بأني أنشئ تنظيما كردياً وأنني ضد البلد وأنني عدو. يجب أن تكون هناك ثقة متبادلة.
اجتثاث الأكراد
> هل كان العداء للأكراد سياسة ثابتة ورسمية؟
– لم يكن عداء، بل كان محاولة اجتثاث للأكراد استناداً إلى دراسة كتبها محمد طلب هلال وبدأ تنفيذها العام 1962، واستمروا فيها حتى العام 2011. وهو كان ضابطاً في المخابرات السورية في الشعبة السياسية وطلع ببعض الوصايا التي أصبحت مثل ميثاق لكل الحكومات البعثية المتلاحقة حتى 2011.
> يتردد الآن حديث عن أن الحل يجب أن يحفظ مؤسسات الدولة السورية. هل أنتم مع حفظ الجيش والأجهزة؟ يقولون إن الحل يكون بتبديل 30 أو 40 شخصية.
– الحلول يجب أن تكون جذرية بحيث لا يبقى شيء من ملامح النظام السابق. أنا أعرف أن ضمن مؤسسات الدولة وزارات ومديريات تخدم الناس وتخدم الشعب، فتلك تجب المحافظة عليها. طبعاً، هناك المنشآت النفطية، وهناك مصفاة حمص والجسور على الفرات لخدمة الشعب، وسد الطبقة وسد تشرين. كل تلك مكتسبات للمجتمع السوري تجب حمايتها والحفاظ عليها. حقول النفط وآبار النفط هي كلها للمجتمع السوري ويجب الحفاظ عليها، فتدميرها يعني تدمير بنية الدولة. أما المؤسسات التي كانت تخدم السلطة، مثل الجيش وحزب البعث ووزارة الثقافة، فيجب تغيير قوانينها ويعاد تشكيلها لإنشاء مجتمع جديد على أفكار جديدة وذهنية جديدة وديموقراطية تقبل الجميع وتوفر مكاناً للجميع، هذا مقصدنا.
> ما رأيك في تجربة اجتثاث «البعث» في العراق؟
– كانت خطأ، لأنها انتهت بالتطرف، وأصبح كل مَن كان على أي صلة بالحزب معرضاً للإعدام، واتخذوها ذريعة لإعدام أبرياء كثيرين. أنا لست مع تلك التجربة.
> يبدو أن علاقتك وثيقة مع هيثم المناع.
– هو إنسان عزيز علينا، وأنا أعتبره قيمة سورية تجب المحافظة عليها، هذا مع تباين في الآراء في الكثير من الأمور.
> ألا تتخوف المعارضة السورية من أن تؤدي طروحاتكم إلى سورية ضعيفة؟
– هم يعتقدون أن انهيار الدولة القومية كارثة، في حين نحن نرى في ذلك أكبر مصدر قوة للشعب ولإظهار إرادة الشعب عبر الديموقراطية. سورية المكتومة الأنفاس الموجودة في ذلك السجن المغلق بالأغلال لن تكون أقوى من سورية حيث جميع الناس أحرار ويجمعون طاقاتهم وإمكاناتهم في سبيل خدمة قضية معينة. وأعطيك مثالاً من واقعنا، فـ «وحدات حماية الشعب» تصدت لـ «داعش» لأن ذلك موجود في إرادتها ولديها حريتها ولديها مبادرتها، لم تواجه لأجل رواتب أو معاشات ولم يتم تجنيد أفرادها في شكل إجباري، لذلك حققوا انتصارات. عندما تعطي شخصاً حريته فإنه يعطي أفضل ما عنده.
> وصفت وضع الجيش السوري بأنه مزرِ؟
– طبعاً مزرٍ، لأن الجنود يؤخذون غصباً عن إرادتهم، وحين تسنح لهم الفرصة يهربون لأنهم يجبَرون على خوض حرب هم غير مؤمنين بها.
الجزء الرابع
صالح مسلم: أكراد إيران مضطهدون والوضع في مناطقهم متوتر وقابل للانفجار
قال صالح مسلم رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سورية، إن الأكراد في إيران «مضطهدون ومحرومون»، لافتاً إلى أن الوضع في مناطقهم متوتر وقابل للانفجار في أي لحظة. وأكد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليس جاداً في حل مشكلة الأكراد في بلاده. وذكر أن النظام السوري اتخذ بعد الغزو الأميركي للعراق قراراً بتأديب أكراد سورية، معتبراً أن حادثة مباراة كرة القدم الدامية رتبتها أجهزة الأمن السورية، وهو ما أدى إلى اندلاع انتفاضة القامشلي.
تحدث صالح مسلم عن أوضاعه الشخصية والعائلية وظروف مقتل نجله في معركة كوباني. وروى أنه أتقن العربية لأن المدرس كان يسارع إلى ضربه ومصادرة مصروفه الشخصي كلما نطق بالكردية في المدرسة. وهنا نص الحلقة الرابعة والأخيرة:
> كيف تنظر إلى النزاع الشيعي – السني في المنطقة؟
– أعتقد أنه يجب تغيير الذهنية، فهو نزاع عمره 1400 سنة وحتى الآن لم يُحَل. إذا لم يحل هذا النزاع الآن سيستمر إلى أبد الآبدين. يجب أن تكون العقول منفتحة بشكل أكبر، وهذا يمكن حله من طريق العلمانية، بحيث يسود الاحترام بين الجميع بغض النظر عن المذهب.
> تريدون دولة علمانية تحترم الأديان؟
– نحترم الجميع ونأخذ الدين ببعده الأخلاقي، فالمجتمع يجب أن يقوم على الأخلاق، وبالتالي يجب أن تكون فيه ديانات. الديانات السماوية كلها مبنية على الأخلاق، فلنتمسك بالأخلاق التي هي الأساس الذي يجمعنا، فلا دين يقول لك إن السرقة حلال أو الزنى حلال أو الاعتداء على الآخرين حلال. دعنا نأخذ الأمور بأبعادها الأخلاقية، وهذا ما نسميه العلمانية، وهذا ما يجمع الأديان كلها، وبالنهاية الكل حر في التفاصيل: فواحد يذهب إلى المسجد والآخر إلى الحسينية والثالث إلى الكنيسة.
> هناك في منطقة الشرق الأوسط أربع مجموعات كبيرة: العرب والفرس والأتراك والأكراد. هل لدى الأكراد شعور بأنهم تعرضوا للاضطهاد على أيدي المجموعات الثلاث الأخرى؟
– هذا ما تظهره الحقائق التاريخية، صلاح الدين الأيوبي كان كردياً ولكن لم تكن لديه تلك النزعة القومية ليؤسس قومية مستقلة. لماذا أصبحت الإمبراطورية العثمانية تركية، ولماذا أصبح الأمويون عرباً ولماذا أصبح العباسيون عرباً، ولماذا أصبحت الصفوية فارسية؟ لأن لديهم نزعات قومية. أما قبل ذلك، فكانت الإمبراطورية الدينية وبعدها تم اجتذاب البعض إلى مجموعات مختلفة، إلا صلاح الدين بقي إسلامياً عالمياً ولم نتمكن من جعله كردياً محضاً.
> لماذا لم تحلّ مشكلة الأكراد في إيران الخميني؟
– في أيام الشاه كان هناك اعتراف بأننا من أصل إثني واحد، وتم تكريس تدريس اللغة الكردية في المرحلة الابتدائية، ولكن في أيام الثورة كان هناك القائد الكردي عبدالرحمن قاسملو، رحمه الله، وكان «الحزب الديموقراطي الكردي» والأحزاب الاخرى التي اجتمعت كلها من أجل التخلص من الشاه. اغتيل قاسملو في فيينا، حيث جاء أشخاص للقائه بحجة التفاوض مع النظام، وكانت المخابرات وراء الاغتيال، والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد كان متورطاً في قتله وكان ضمن الفريق الذي رتب اغتياله، كما اغتيل شرف كندي في مطعم في ألمانيا بإطلاق النار عليه.
أعتقد أن 12 حزباً أو جهة ساهمت في إسقاط نظام الشاه، وكان الجميع يأملون بالحصول على حقوقهم، ومن جملتهم الأكراد الذين وُعدوا بالحصول على حقوقهم عند مغادرة الشاه الحكم. لكن بعد الشاه توجه المدعي العام (صادق) خلخالي إلى مختلف المدن لنصب المشانق.
> هل تعتبر أن أكراد إيران مضطهدون؟
– طبعاً، هم مضطهدون ومحرومون ولا يستطيعون ممارسة تقاليدهم وثقافتهم بحرية وعلاقاتهم السياسية مقموعة.
> هل تتوقع أن ينفجر الوضع الكردي في إيران ذات يوم؟
– إذا لم يستطيعوا حل الأمور بشكل ديموقراطي، فبالتأكيد سينفجر الوضع.
> وفي تركيا؟
– كذلك الأمر بالنسبة إلى تركيا، توصل المفاوضون الأكراد إلى عشر نقاط وأقدم رجب طيب أردوغان على إلغاء كل شيء.
> هل تتوقع خروج عبدالله أوجلان من السجن؟
– وجوده في السجن قضية معنوية بالنسبة إلى الأكراد، ولكن لم يتمكن أحد من حجز أفكار أوجلان وفلسفته داخل سجنه، فهي تنتشر يوماً بعد يوم. والأتراك هم الذين توجهوا إليه للتفاوض معه. نحن جميعاً نتمنى أن يتم إطلاق سراحه، ولكن هذا كله مرتبط بحل القضية الكردية في الشمال، خصوصاً في تركيا. برأيي أنه لا مفر من إطلاق سراحه، فبالعودة إلى الأمثلة الدولية الأخرى، مثل نيلسون مانديلا الذي كان في السجن لسنوات، عندما قررت حكومة جنوب أفريقيا التفاوض معه أطلقت سراحه ووضعته في منزل معين ليتمكن من لقاء المفاوضين. بينما تركيا لا تزال تفاوض أوجلان داخل سجنه ولم تنقله إلى خارج السجن.
> هل تشبّه أوجلان بنيلسون مانديلا؟
– على الأقل لأن مانديلا، رغم احترامنا الشديد له واعتباره قدوة، نضاله كان محصوراً في جنوب أفريقيا فقط، وكانت لدينا علاقات طيبة معه واحترمناه، لكن تأثيره من حيث التغيير البنيوي، محصور في جنوب أفريقيا، بينما أفكار أوجلان مؤثرة في الشرق الأوسط كله وفي المنطقة. إذا أُفرج عن عبدالله أوجلان فإن تأثيره سيكون أكبر من تأثير مانديلا بكثير، لخصوصية الشرق الأوسط أولاً، ولأفكاره العمومية التي تهم كل شخص في الشرق الأوسط ثانياً، وبالتالي سيكون تأثيره أكبر من تأثير مانديلا بكثير.
> إذاً، أوجلان مؤيد لتصوراتكم لجهة الإدارات الذاتية للأكراد في دول وجودهم؟
– ليس مؤيداً بشكل مباشر، لكننا استشففنا ذلك من أفكاره ومن فلسفته، وليس هناك اتصال مباشر معه، بل فقط اتصال روحي وفكري.
> هل تعتبر أنك سيئ الحظ لأنك ولدت ابن أقلية في الشرق الأوسط؟
– التاريخ والجغرافيا لهما أبعاد أخرى، فلربما الله خلقني كردياً لأدافع عن الأكراد، وخلقني في منطقة مظلومة لأدافع عن المظلومين، ربما كان ذلك امتحاناً لي.
> هل تعرضت لمحاولة اغتيال؟
– لا، فأنا عبد فقير ولا سبب لاغتيالي.
> أصبحتَ لاعباً على الساحة السورية؟
– الشعب الذي يضحي هو الذي يلعب دوراً على الساحة السورية.
> هل تعتقد أن الأكراد حجزوا مقعدهم كلاعبٍ في الشرق الأوسط؟
– نعم، وأتوقع أن يكون لهم دور أكبر مستقبلاً بناء على أفكارهم ومنطلقاتهم، فهم حقيقة رواد الديموقراطية في الشرق الأوسط.
> في صغرك ماذا كان أهلك يقولون لك عن العلاقة مع العرب؟
– والدي كان يتعامل مع العرب وكان لدينا جيران عرب نتعامل معهم بشكل عادي ولم نحس بالفرق بيننا. أنا شعرت بالفرق عندما بدأ الأستاذ في المدرسة الابتدائية في كوباني يضربني لأنني لا أتحدث العربية. كان الأستاذ يقول لي عليك أن تتحدث بالعربية وأنا لم أكن أعرف اللغة. حتى مصروف الجيب الذي كنت أتلقاه (فرنك) كان يتم حرماني منه في المدرسة ويستولون عليه كعقاب لي لأنني تحدثت بالكردية ويتوجب علي دفع الفرنك، وكان عمري حينها خمس سنوات وكان ذلك قبل أيام البعث في 1957 و1958.
عند وصول البعث إلى الحكم في 1963، استمر ذلك التوجه وازداد التشدد، ولكن كان ذلك قانوناً في المدرسة: لأتعلم العربية يجب ألا أتحدث الكردية داخل المدرسة. أنا الآن عمري 64 سنة، ولا أنسى أنني كنت أتعرض للضرب في المدرسة ويؤخذ مصروفي.
> عندما سجنتَ، إثر قصة غازي كنعان، هل تم تعنيفك لأنك كردي؟
– غازي كنعان رآني عدواً ووجدني قليل الأدب لأنني أحمل مطالب فأراد تأديبي. قال لرجاله: خذوه وأدّبوه، فهذا يعني أنه اعتبرني شخصاً غير مؤدّب. أخذوني إلى علي مملوك الذي سألني عن تفاصيل كثيرة. ولكن يجب أن أسجل أنه بعد حوالي أسبوع أو عشرة أيام من التعذيب طلبوا مني كتابة محضر التحقيق حول «اعترافاتي»، فكتبت عشر صفحات عن تنقلاتي رداً على أسئلتهم التي أجبت عليها كتابة. أخذ مملوك المحضر وقال لي إن لغتي العربية ممتازة، فقلت له مَرَدّ ذلك إلى الضرب الذي تعرضت له في المدرسة، فضحكَ. وأضفت أنه نتيجة تعريضي للضرب في المدرسة جعلتموني أتقن العربية. بقيت محتجزاً أربعة أشهر وتعرضت للتعذيب، ونتمنى أن تكون تلك الأيام ذهبت إلى غير رجعة.
أوجلان والنظام السوري
> هناك من يعتقد أن إرث العلاقة بين النظام السوري وأوجلان أثر في موقفكم خلال ما شهدته سورية في السنوات الأربع الماضية فبقيتم على علاقة بالنظام.
– كانت لأوجلان علاقة مع القيادة السورية وكانت له علاقة جيدة مع جميل الأسد شقيق الرئيس. كان كل طرف يحاول الإفادة من الآخر. كان هناك في النظام فريق يعتقد، وربما أحياناً لأسباب مذهبية، بإمكان استخدام «حزب العمال الكردستاني» ضد تركيا. واشترطوا على الحزب عدم القيام بنشاط داخل سورية ولو فتح مكتباً في دمشق. الحزب تجاوز هذه الممنوعات، إذ إن شباناً من أكراد سورية كانوا يتدربون في معسكره في البقاع. كان هناك في دمشق 72 مكتباً لـ «حركات ثورية» من العالم. المخالفات كانت موجودة، وكان عدد السجناء الأكراد بالمئات. وكثيراً ما كتبوا على جدران السجون السورية بالكردية.
> بماذا شعرت حين شاهدت الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر يشارك في جنازة حافظ الأسد؟
– ربما كانت بداية استدراج الرئيس الجديد إلى الفخ. الحقيقة أن ما يجري في السر أكثر أهمية مما يجري في العلن.
> ما هي أحداث 2004؟
– في 2003 حصل الغزو الأميركي للعراق. وُجهت إلى أكراد العراق اتهامات بتأييد الغزو والتحالف مع الأميركيين. نظرت السلطة السورية بريبة إلى الأكراد السوريين، وكان بعض عشائر دير الزور المعروفة بتأييدها صدام حسين، ناقماً على الأكراد.
أعتقد أن المخابرات لعبت لعبتها هنا. أعلن أن فريق كرة القدم في دير الزور سيزور القامشلي لمقابلة فريق «الجهاد» فيها. الغرض كان تأديب القامشلي. جاء جمع من دير الزور ونظم تظاهرة حول الملعب وأطلق المشاركون هتافات تؤيد صدام حسين وتندد بمسعود بارزاني وجلال طالباني وأوجلان. لم يعترض أحد. دخلوا الملعب وهاجموا شباناً من جمهور فريق «الجهاد». حصل إطلاق رصاص وسقط ثلاثة قتلى. تولى مذيع التلفزيون نقل الحادث على الهواء، ما ساهم في توتير الأجواء. في اليوم التالي شارك عشرات الآلاف في تشييع الشبان الذين سقطوا وفوجئوا بهجوم من الشرطة بالرصاص الحي وسقط قتلى وجرحى. غضب الناس وتوسعت المسألة في المالكية وتل أبيض وهاجم الناس مراكز الدولة والمخابرات ووصلت الاحتجاجات إلى كوباني وعفرين. لم تتوقع السلطة حصول انتفاضة كردية واسعة. بدأت الأحداث في 12 آذار (مارس) 2004 واستمرت ثلاثة أيام. تعرض آلاف الأشخاص للاعتقال.
> في 2005 وعد بشار الأسد بحل المشاكل العالقة مع الأكراد؟
– المشكلة أن الوعود تكررت ولم تأخذ طريقها إلى التنفيذ. كانت السلطة مبتهجة بالعلاقات مع النظام التركي، ولم تكن راغبة أبداً في إزعاجه، فبقيت الوعود في الأدراج. أنا أعتقد أن الأسد تحدى الأكراد لإرضاء الأتراك وهذا فخ وقع فيه.
> هل تقصد أنكم دفعتم ثمن العلاقة السورية – التركية؟
– نعم دفعنا ثمن الأخوة بين بشار وأردوغان.
> هل سلمت سورية إلى تركيا عناصر من «حزب العمال الكردستاني» بعد اتفاق أضنة؟
– نعم، سلموا كثيرين. مرة جاء الأمن العسكري يستدعيني فمازحتهم قائلاً: هل تريدون تسليمي لتركيا؟
> لكن السلطة أبدت استعدادها في 2005 لحل بعض مشاكلكم.
– بعد انتفاضة القامشلي في 2004 وما تبعها من قمع، بدأت أجهزة الأمن تسأل عن المطالب. قلنا لهم إن الذين سحبت جنسياتهم سابقاً صار عددهم نحو 300 ألف. وتحدثنا عن اللغة وتغيير أسماء الأماكن من الكردية إلى العربية ومسائل أخرى. كانوا يقولون إن المرسوم جاهز لكن لم يصدر إلا بعد اندلاع الثورة السورية.
الابن الشهيد
> ابنك استشهد في كوباني؟
– نعم استشهد ابني شرفا (تعني بالعربية مقاتل). كان في «وحدات حماية الشعب» ويتولى تدريب القناصة وكانت له مشاركة فعالة في كوباني. استشهد في التاسع من تشرين الأول (أكتوبر) برصاصة قناص وعمره 22 عاماً.
> بماذا يشعر قائد سياسي حين يستشهد ابنه؟
– الألم كبير حين يفقد المرء ابنه. لكن المسؤول يفكر أيضاً بالقضية وبمن استشهدوا من أجلها وهم قوافل متلاحقة. من هو في موقع مثل موقعي يدرك أن ثمة فاتورة لابد من دفعها. حزنت على زميل لابني بمقدار ما حزنت عليه. أنا أعتبر أن المشاركة في دفع الفاتورة شرف. لقد دفع شعبنا غالياً ثمن تمسكه بحقوقه.
> متى ولدت؟
– في الشهر الثالث من العام 1951 في شيران في منطقة كوباني.
> أين درست؟
– درست الابتدائية في كوباني (عين العرب) وفي الإعدادية انتقلت إلى دمشق. في الثانوية عدت إلى حلب. ثم درست الهندسة الكيميائية في إسطنبول. أقمت عاماً في بريطانيا لتعلم اللغة الإنكليزية. ذهبت إلى السعودية في أواسط 1978 وعملت فيها نحو 12 عاماً في وزارة البترول. عدت إلى سورية في 1992 وأقمت في كوباني. عملنا في النشاط الجماهيري، وفي 2003 أسسنا «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذي استلهم فكر عبد الله أوجلان وتجربته. أُسس الحزب استناداً إلى قاعدة تستلهم هذا الفكر.
> هل يمكن أن نعرف وضعك العائلي؟
– كان لدي أربعة أبناء وابنة، والآن بقي لدي ثلاثة أبناء وابنة بعد استشهاد ابني.
> بماذا تشعر بعد كل هذه العذابات؟
– الحقيقة أنني لا أسمح للماضي بأن يدفعني إلى اليأس أو الإحباط. لا انظر إلى الماضي إلا من زاوية استخلاص الدروس. العيش تحت وطأة الماضي مضر للأفراد والمجموعات. يجب الالتفات إلى أسئلة المستقبل، من قبيل التنمية وفرص التقدم والتعليم الجيد.
> كل وقتك مكرس للعمل الحزبي؟
– ليس هناك خيار آخر في هذه الظروف. كنت من المؤسسين لـ «حزب الاتحاد الديموقراطي» في 2003، وانتخبت رئيساً في 2010، وفي 2012 أقر مبدأ الرئاسة المشتركة.
> هل تواجهك أخطار أمنية؟
– لا بد للمرء من التنبّه.
> هل تذهب إلى الداخل؟
– طبعاً، وقبل شهر كنت هناك.
> هل تمر عبر تركيا؟
– أنا لا أذهب إلى تركيا إلا بموجب دعوة رسمية، وحينها أكون في حمايتهم. أذهب عادة عبر إقليم كردستان العراق.
> أنتم الحزب الأقوى بين أكراد سورية؟
– هكذا يقولون.
> كيف تصف علاقتك بمسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان؟
– إنها علاقة أخوّة طبعاً. المرء يسعى إلى الأكثر. نكنّ له كل الاحترام كقيمة من قيم الأكراد. للأسف لم ألتق الأستاذ جلال طالباني وهو من رموز الأكراد أيضاً.
> هل تعتقد أن سورية تفككت؟
– أتمنى ألاّ يتكرس هذا المنحى. والأمر مرتبط بإرادة السوريين. نحن نقول لا يزال هناك أمل إذا اتخذت القرارات الصحيحة للمحافظة على سورية في صيغة تضمن الديمومة عبر توفير الحرية لكل المكونات. يجب أن يتاح للمكونات أن تعبر عن نفسها في إطار سورية. تقسيم سورية يعني حروباً مستمرة، وهذا لا نريده. واقعياً، لكي أرتاح في بيتي يجب أن يكون جاري مرتاحاً أيضاً. على قاعدة قبول الآخر سنقبل بما يتفق عليه السوريون. لو أسست الديموقراطية في منطقتي وجاري لا يؤمن بها ماذا ستكون الحصيلة؟ استمرار النزاعات، لهذا ندعو إلى حل شامل وقابل للحياة والاستمرار.
> إلى أي درجة تعتبر حزب البعث مسؤولاً عما حدث في سورية؟
– حزب البعث مسؤول عن كل شيء. حزب البعث مسؤول عن الخراب في سورية والعراق وكل الشرق الأوسط. البعث مسؤول عن كل مصائب الشرق الأوسط. أنا لا أبالغ. سياسة تصدير الأزمات وتصعيد التوتر والإمساك بالأوراق أساءت كثيراً إلى العلاقات بين الدول وبين المكونات أيضاً. الدولة حين تعترف بمكوناتها يتحقق الاستقرار. راجع تجربة الدول في أوروبا. الدولة القومية فشلت. الديموقراطية هي الحل. الألماني الذي يعيش في سويسرا لا يطالب بالانضمام إلى ألمانيا لأن سويسرا تحترم حقوقه.
تجربة البعث في العالم العربي كارثة. انظر إلى أوضاع العراق وسورية. أنهار من الدماء وحروب متواصلة وثروات ضائعة. البعث يتحمل أيضاً مسؤولية في ظهور تيارات مثل «داعش» الذي يمثل لقاء بين أفكار دينية متطرفة وأفكار شوفينية قومية هي أفكار البعث. الدليل انضواء ضباط من جيش صدام حسين في مواقع قيادية في «داعش». سمعت أن ثمانين على الأقل من ضباط صدام يشاركون في معارك «داعش». حين تتحدث عن سورية فأنت تتحدث عن الإسماعيليين والأيزيديين والمسيحيين والتركمان والسريان والدروز ومكونات أخرى. البعث حوَّل البلد سجناً وأداره بالشعارات وسطوة المخابرات. دمر البعث فكرة الدولة ودمر النسيج الاجتماعي.
> ماذا قلت للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا حين التقيته؟
– طرح أسئلة حول رؤيتنا للحل. شرحنا وجهة نظرنا وأعطيناه مشروع الإدارة الذاتية الديموقراطية الذي يشكل حلاًّ للأزمة في سورية. نحن لا نريد أن تتقسم سورية إلى دويلات متحاربة. نريد سورية ديموقراطية تتعايش مكوناتها طوعاً في ظل الديموقراطيات واحترام الخصوصيات.
> ما رأيك في تجربة المبعوث السابق الأخضر الإبراهيمي؟
– كانت نوايا الإبراهيمي جيدة، وهو يعرف المنطقة وتعقيداتها. كان الإبراهيمي ينتظر التوافق الأميركي – الروسي على الحل، وهذا لم يحصل.
> هل تعتقد أن بيان «جنيف 1» هو الأساس للحل؟
– نعم، يمكن البناء عليه.
> ماذا سيفعل الأكراد إذا استمرت الحرب سنوات إضافية؟
– شعرنا منذ 2012 بأن الأزمة السورية طويلة، وأن علينا أن نحافظ على مناطقنا بانتظار الحل. في البداية اعتقدنا بأن المنظمات المتطرفة ستستهدف مراكز السلطة. حررنا مناطقنا من أجهزة النظام وتولينا حماية مناطقنا. تعقدت المسألة أكثر بفعل التدخلات الإقليمية والدولية. هناك الدور الإيراني في الأزمة، وهو ليس بسيطاً.
> ماذا ناقشتم مع الروس؟
– الروس لم يغيروا كلامهم لجهة الدعوة إلى حل سياسي يحفظ أيضاً حقوق الأكراد. السلطة لم تستمع إلى النصائح الروسية ولم تغير نهجها ورهانها على القوة.
> كيف تصف علاقتكم مع طهران؟
– لا يمكن الحديث عن علاقة مباشرة أو مستمرة. أنا ذهبت إلى طهران والتقيت مسؤولين في وزارة الخارجية. بدا واضحاً من أحاديثهم أنهم يريدون دفعنا إلى الوقوف إلى جانب السلطة، يريدوننا أن نقيم في حضن السلطة، هذا غير وارد. لماذا نقف إلى جانب سلطة لا تعترف بنا. بيننا وبينها ثأر بسبب سياساتها ومواقفها من حقوقنا. نحن نواجه هذه السلطة منذ 2004 ورفضت أن تعترف بحقوقنا.
> أكراد سورية سنّة في معظمهم؟
– وهناك عدد من العلويين والأيزيديين. الغالبية من السنة.
> كم تقدر عدد الأكراد في الشرق الأوسط؟
– ليست هناك إحصاءات دقيقة، لكن الأكيد أن عددهم يزيد على أربعين مليوناً.
> كيف تنظر إلى وضع الأكراد في إيران؟
– معاناتهم كبيرة فعلاً. الإعدامات مستمرة. أي نشاط كردي محظور. جماعة الملالي لا يرحمون الأكراد. هناك احتقان كبير والانفجار ممكن في أي لحظة. حين تتحدث مع الإيرانيين يقولون إن الفرس والأكراد واحد. طبعاً سُمح للأكراد بتدريس لغتهم في المدارس الابتدائية لكن مسألة الحقوق أوسع من ذلك.
> هل تعتقد بأن أردوغان جاد في التوصل إلى حل مع أكراد تركيا؟
– أردوغان ليس جدياً في موضوع حل المسالة الكردية. يحاول استمالة بعض الأكراد ليقضي على القيادة التي تشكل قدوة. يبالغون في أهمية وجود تلفزيون يتحدث بالكردية.
> هل هناك أكراد سوريون في صفوف «داعش»؟
– لا يمكن الحديث عن نسبة معينة. ربما أرغم أكراد من سكان الرقة على الانضواء في التجنيد الإلزامي. وربما كان هناك أفراد. المسألة ليست أكبر من ذلك.
> ألا تعانون من وجود تطرف إسلامي في مناطقكم؟
– الوضع الكردي مختلف في هذا المجال. وفي مناطقنا مناخ من التسامح. في منطقة كوباني مثلاً ثلاث كنائس أقامها الأرمن الذين هاجروا إليها بعد المذبحة التي تعرضوا لها في تركيا. أنا نشأت في مكان يشكل تعدد الأديان فيه أمراً طبيعياً. الكردي تعلم بحكم تركيبة المنطقة، أن وجود الآخر المختلف طبيعي. دعني أخبرك أن شباناً أكراداً استشهدوا دفاعاً عن الكنائس في رأس العين مثلاً، حين استهدف «داعش» كنيستين هناك. تكرر الأمر في تل تمر في الحسكة. قبل مجيء «داعش» وقع اتفاق الهدنة بين «وحدات حماية الشعب» وفصائل معارضة مسلحة في إحدى الكنائس. وكان الغرض دفع هذه الفصائل إلى الاعتراف بأن وجود الكنيسة هناك طبيعي.
> هل سقطت سورية بفعل سقوط التعايش بين مكوناتها؟
– أولاً لا نريد سقوط سورية. ثانياً إن مستقبل سورية يجب أن يقرره السوريون وليس حملة السلاح الذين جاؤوا من هذه الجهة أو تلك. القهر القومي أو الديني أو المذهبي مناقض لفكرة التعايش التي تقوم على الاعتراف بالآخر والشراكة المتكافئة معه. السبيل الوحيد للتعايش في سورية وفي الشرق الأوسط هو سقوط ذهنية القهر والاقتلاع والإلغاء. نحن مناطقنا متنوعة، وتضم علاوة على الأكراد العربَ والتركمان ومجموعات أخرى، ونريد أن نقدم نموذجاً يسمح بإنقاذ سورية. الحل هو بالاعتراف المتبادل والعيش في ظل ديموقراطية حقيقية بعيداً من الرهان على السلاح والتدمير. حماية سورية تبدأ من الاعتراف بالآخر. لهذا أنا أعتبر أن أفضل تجليات الثورة السورية موجودة في مناطقنا. نريد أن نستقر. وكي يكون استقرارنا حقيقياً ودائماً يجب أن يستقر جيراننا. في مناطقنا ثورة فعلية. في بقية أنحاء سورية لا توجد ثورة، بل صراع على السلطة. المسألة ليست تغيير أشخاص. الأهم تغيير الذهنية والنهج. لن نستطيع حماية سورية إذا لم نتخلص من الأفكار السابقة.
> بين نظام البعث وبدائل مذهبية متطرفة، هل تنحاز إلى نظام البعث؟
– أنا أرفض الاثنين معاً. نظام البعث صار من الماضي، وهو يقضي علينا، تماماً كالبدائل المتطرفة والإقصائية. البعث و «داعش» سيئان بالدرجة ذاتها. أنا لا أبالغ. انظر إلى أين أوصلنا حكم البعث. مزاعم بعض الشوفينيين عن العلمانية لا تعني شيئاً. لو كان نظام البعث صالحاً لما وصلنا إلى «داعش». التدخلات الخارجية جاءت بعد استفحال التفكك الداخلي. قبل الثورة كانت سورية تعيش في ظل أوليغارشية يرعاها البعث. هذا النظام يجب أن يزول لكن أن يكون البديل «النصرة» أو «داعش» فهذا غير مقبول على الإطلاق. حكم البعث يجب أن يزول. ويجب أن نتخلص من إرث الدولة القومية.
> من أين تحصلون على السلاح؟
– تجار السلاح على استعداد لإيصال الأسلحة إلى بيت طالبها. وهناك مساعدات من الشعب الكردي في مناطق انتشاره.
> لا تحصلون على أسلحة من دول؟
– حتى الآن لا. إقليم كردستان يساعدنا.
> ماذا تقرأ؟
– للأسف، لا تسمح لي المشاغل حالياً بقراءة الكتب. لكن إذا وقعت على كتاب لأمين معلوف أقرأه بشغف. أنا مغرم بروايات هذا الكاتب.
> هل قرأت مثلا للكاتب التركي أورهان باموق حائز نوبل للآداب؟
– نعم، قرأت له قبل فترة بعيدة. روايات معلوف تستدرجني أكثر إلى متابعتها حتى النهاية.
> هل لك علاقة بالشعر العربي؟
– لا أحفظ الشعر لكنني معجب بالمعلقات. طبعاً المتنبي شاعر كبير.
> وعلى الصعيد الكردي؟
– لدينا كتاب وشعراء أصحاب مساهمات تستحق المتابعة. هناك الشاعر جيغرخون، وهو كردي سوري وقبره في القامشلي.
> أي لون تحب؟
– أخضر أحمر أصفر، أي الألوان الكردية.
> بمن أعجبت من الشخصيات السياسية؟
– طبعا أنا أعتبر عبد الله أوجلان ملهماً بالنسبة إلى الشعب الكردي، وربما لما هو أوسع من هذا الإطار. في العالم العربي أعجبت بشخصية جمال عبدالناصر وقدرته على الاتصال بالناس وإشراكهم في ما يفكر فيه.
> ما هو أهم شيء لدى أوجلان؟
– فكره الحر. من ينظر إليه ربما يظنه قروياً بسيطاً، حين تدرس أفكاره تستنتج غير ذلك.
الحياة