حوار في شبيغل أن لاين مع ياسين الحاج صالح/ أسئلة رانية سلوم
How did your life look like in Ghouta? Concerning food, water, the daily fear of attacks?
لم تكن صعبة كثيرا على الصعيد الشخصي، لكنها مختلفة عن نمط حياتنا المعتاد، زوجتي وأنا وأصدقا آخرين ليسوا من المنطقة أصلا. ما هو صعب على نحو خاص هو عدم توفر الكهرباء والاتصالات الهاتفية، واعتماد الناس على مولدات غالية الثمن، ووقودها أغلى، من أجل الكهرباء. حين تركت الغوطة كان سعر لتر البنزين نحو 300 ليرة، وكنا ننفق نحو 3000 ليرة يوميا (قريب من 15 دولارا حينها) كل يوم للحصول على الكهرباء.اليوم يقارب لتر البنزين 1000 ليرة. كان الخبز قليلا جديدا في مطلع الصيف لكن يبدو أن الوضع صار أقل سوءا بعد مغادرتي. لكن خسرت الغوطة أكثر من ثلاثة أرباع ثروتها الحيوانية بفعل القصف وإصابات البقر. كانت أسعار اللحوم معتدلة وقت كنت في الغوطة بسبب هذه الإصابات. لكن اليوم ربما يضطر الناس لأكل لحم القطط وكلاب بفعل الحصار الخانق. الماء قليل أيضا، ويعتمد على الكهرباء المكلفة في تأمينه. وهو مصدر توتر متكرر بين بلدات المنطقة.
لم أتعرض شخصيا لخطر الإصابة، لكن حصل مرارا أن أصاب القصف مناطق لا تبعد كثيرا عنا، عشرات الأمتار. وكنت أرى الضحايا بصورة شبه يومية. العيش في الغوطة هو عيش بجوار الموت أو في حضن الموت.
Why did you decide to leave for Raqqa?
لي في الرقة إخوة وأصدقاء ومعارف، وكنت أريد أن أساعد بقدر ما أستطيع، وأن أحصل على خبرات جددة وأعيش تجارب جديدة. لكن إلى حين تيسر لي الخروج من دمشق، ثم من الغوطة كان الوضع يتدهور في الرقة، وتتسع سيطرة داعش عليها. مع ذلك كنت منجذبا نحو المدينة، وانطلاقا منها ربما أتبين سبيلي. أثناء الثورة توجه عموم السوريين إلى مناطقهم الأصلية ليبقوا فيها أو ليقرروا منها إلى أين يذهبون. ولم أكن استثاء عن ذلك.
You write that you had to hide in your own city. Could you explain that a bit more to me? Did Daash threaten you? How was the situation like in Raqqa? لم أتعرض لأي تهيد من داعش. أظنهم ما كانوا يعرفون أصلا بوجودي في الرقة. فضلت أن أتواري منذ البداية لأني كاتب، أتناول الشؤون العامة، ولا بد أن أكتب وأنشر عن أحوال المدينة إن أقمت فيها، وطبعا عن داعش، وهو ما يضعني في دائرة الخطر. كان أخي أحمد بين يديهم وقت وصولي إلى المدينة (خرج بعد نحو خمسة أسابيع من التوقيف)، وأخي فراس، واعتقل الأب باولو الذي كان مقيما في بيتنا بعد يوم واحد من وصولي، للك كان التواري هو الخيار الطبيعي لي. أردت أن أكسب وقتا، وأبقى هناك أطول وقت ممكن قبل نشر أي شيء بغرض تحقيق قدر أكبر من الفهم. وفي النهاية اضطررت للخروج لأسباب شخصية أيضا، وليس لخطورة الانكشاف وحدها.
What are your plans, do you want to go back and forth to Syria ? Or do you see yourself rather getting far away from it all to be able to continue your work ?
أعتقد أن الخروج من البلد هو بداية جديدة، في مكان جديد، وعمل بأدوات مختلفة. وأريد أن أتعامل مع هذه البداية بجدية. لا أعرف بالضبط ماذا سأفعل، لكني كاتب، وأظن أن ما يتصل بالشأن السياسي الديني سيكون محورا أساسيا في عملي في السنوات القادمة. وكذلك قضايا الثقافة والفكر.
لا مجال للابتعاد عن سورية والشأن السوري، لكن ربما يتغير شكل الاهتمام بهما وميدانه.
How have you been able to continue through all this pain, your times in prison, the last 2 and a half years without despairing? What keeps you going ?
أظن أنه سبق لي أن يئست كفاية. وقع هذا في السجن حين كنت شابا. ويبدو أن ذلك اليأس العميق كان بمثابة تطعيم فعال لي ضد اليأس في أي وقت لاحق. أشعر اليوم أني منيع على اليأس، ويثير أعمق نفوري القانطون المكتئبون النائحون.
تعودت أن أضع نفسي على مستوى وما يجري ويصير ويتحول في المجتمع والحياة، وأجد ذلك مبهجا أكثر من اعتناق مذهب والتبشير به والدعوة إليه. كنت أتمنى بالفعل لو بقيت في الرقة وقتا أطول لأن مشاهدة ما يجري وفهم شيء عنه شيء أمر مثير وطيب. وما أجده محبطا عموما ليس صعوبة أية أوضاع نعيش، بل ألا نتمكن من الإحاطة بها، وفهم كيف تجري الأمور.
على مستوى نهر التغير الجاري أبدا ليس هناك فرق مهم بين العيش في برلين والعيش في الرقة. بل لعل العيش في الرقة أقرب إلى جذور الظواهر الإنسانية وتحولاتها من العيش في برلين.
How do you feel about the international reaction to what’s happening in Syria?
سيء جدا وحقير. أعتقد أنه يعكس مزاج شرائح عليا من الطبقة الوسطى على مستوى العالم ككل، والغرب خاصة، تشعر بضرب من وحدة الحال مع “الغرب الداخلي” في بلداننا، وإن يكن فاشيا وقاتلا، وتنفر من رؤية تغيير لا يشبهها. لم يعد هناك روح تحررية قوية في الغرب. هناك ترف وهناك غرور، وهناك أنانية مفرطة، واستعداد دائم لإعطاء الدروس للآخرين من قبل أشخاص أقوياء، معجبين بأنفسهم، ربما يعرفون أشياء كثيرة لكنهم يحسون بأشياء قليلة بالتأكيد. وهذا من أوباما إلى ميركل إلى الجميع، إلى المؤسسات الإعلامية الكبرى. وخلافا لما يفضل كثيرون اعتقاده في الغرب فإنه ليس صحيحا أنه لا شأن للغرب بالديناميات التي انطلقت في سورية، بما فيها ظهور الجهاديين، والتوحش المتسع النطاق في البلد. عدا ثلاثة أجيال من تدخل غربي هندس الأمور بحيث يكون عموم الناس في المنطقة وفي كل واحد من بلداننا في وضع أسوأ، ويكون الأقوياء في وضع أقوى وأثبت، وذلك عبر مكافأة وتشجيع التطورات المناسبة للمراكز الغربية، ومعاقبة التطورات غير المناسبة، بما في ذلك بالحرب، عدا ذلك امتنعت القوى الغربية عن تمكين السوريين من الدفاع عن أنفسهم، وهو يتعرضون لهجمات بالطائرات والصواريخ بعيدة الأمد ثم بالسلاح الكيماوي. هذا كله جدير بالاحتقار. الاختفاء لف الإصبع والقول إننا خارجيون، لا علاقة لنا بهذا كله، ليس جديا، وليس صحيحا. وما قد يكون اسوأ من الموقف نسه هو جذوره الاجتماعية والثقافية، وأخشى أنها لا تختلف في شيء عن الجذور الاجتماعية والثقافية التي يسرت لنظام “الدكتور” بشار الأسد قتل محكوميه بالسلاح الكيماوي وصواريخ سكود والطائرات الحربية وبراميل المتفجرات، فضلا عن تعذيب فائق الوحشية في المقرات الأنية والمعتقلات. استعداد فاشي. العالم كله مكان سيء للعيش حين يجري فيه ما جرى للسوريين على يد نظام فاشي طول ألف يوم. هل يمكن ألا تتسم البشرية كلها بكل هذا التوحش؟ هذا ممتنع، وإن لم تظهر آثاره قريبا. رأيي أنه لو ساعد العالم السوريين على طي صفحة النظام القاتل، لتحسن مزاج العالم كله، ولتوفرت لكثيرين في الغرب والعالم كله أسباب للاعتزاز بما تحقق.