حوار مع الباحث سلام الكواكبي
حاوره حسن يوسف
يؤكد المعارض السوري والأكاديمي البارز سلام الكواكبي* أن جميع المنخرطين اليوم في الحراك ضد نظام الرئيس بشار الأسد «متفقون على مدنية الدولة»، وأن لا وجود للاسلام المتطرف بمفهومه السياسي على الساحة السورية اليوم.
واشار الكواكبي في هذا الحديث الى أن ما يجري اليوم في سوريا هو نتيجة التراكمات السلبية المتراكمة عبر أربعة أجيال، لقيت الدعم من نفحات الربيع العربي. وأن ما تحقق مع إعلان المجلس الانتقالي «قوة» ايجابية للمعارضة «التي ليس من الضروري أن تتوحد بل أن تتفاهم». وقال ان دمشق تشارك في الحراك وستشارك أكثر مع حلب عندما تنضج الظروف.
وفي ما يلي نص اللقاء:
• ما جذور ما تشهده سوريا حاليا؟ هل هي تراكمات خمسة عقود أم موجة الربيع القادم من الجوار العربي؟
ــــ أعتقد أن ما يجري حاليا هو عملية مركبة تمزج بين التراكمات السلبية والآمال المحبطة، والإدارة القمعية والفساد المستشري، والرغبة المنبثقة لدى جيل جديد سمحت له وسائل الاتصال الحديث بمعرفة أنه ليس من كوكب آخر، وأنه قادر على العيش كما يعيش الآخرون، ليس ماديا بالتأكيد، بل على مستوى احترام الذات والكرامة والحرية. بالإضافة الى انه يعتبر ما حصل في تونس ومصر، دافعا قويا لحراك مماثل ليس في سوريا فحسب، بل في العديد من الدول العربية، وحتى أنه أثّر ويؤثّر في الحركات الاحتجاجية ذات الطابع الاجتماعي والمطالبي في دول شمال المتوسط.
• ما التوصيف الأصح بالنسبة لما يجري الآن؟ هل هي احتجاجات أم انتفاضة أم ثورة؟ ولماذا؟
ــــ من يحديد المفاهيم وتعريف ما يحصل، فمن قائل انها ثورة إلى من يعتبرها حركات احتجاجية، وإلى من يسميها انتفاضة، وجوابي الدائم لهذا النقاش البيزنطي هو أن من يحدد التعريف هم أصحاب الحراك انفسهم وليس علماء السياسة، وخصوصا في هذه المرحلة من عمر ما يحصل.
حجم الاخوان
• ما حجم الاخوان الحقيقي في الاحداث الجارية؟ ولماذا كان الطابع الاسلاموي غالبا على الحراك، والاخواني متفوقا في المؤتمرات؟
ــــ حجمهم في الحراك الداخلي محدود جدا، وهذا يعود إلى أسباب معقدة ومرتبطة بأحداث الثمانينات، وبانقطاعهم عن العمل الميداني السياسي، أما حضورهم المتفوق في المؤتمرات فهو يعود إلى تنظيمهم السياسي الخارجي، الذي يقوم بممارسة العملية السياسية بطريقة فعالة، وهناك تضخيم من قبل البعض لدورهم ولتواجدهم في مختلف المجالس التي أنشئت أو المبادرات التي أطلقت. أعتقد أن لهم دورا، ولكنه ليس الأكبر وليس الأهم، ولن يكون في أي حال من الأحوال هو المهيمن.
• ما حقيقة ما يقال عن تورط مباشر من إيران، ومن حزب الله، في دعم القوى الامنية الرسمية السورية؟
ــــ هناك دعم سياسي واضح وصريح حتى فترة قريبة، رغم أن حزب الله قد فقد كل مصداقيته لدى من أحبه وقدر دوره ومساهمته في تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي، ولكن يبدو أن حساباته السياسية ومصالحه الآنية أبعدت عنه المبادئ التي ناضل من أجلها، واستشهد المئات من عناصره في سبيلها.
أما إيران، فلديها دبلوماسية شديدة الذكاء لا تضع كل رهاناتها في سلة واحدة، وهي تفتح الخطوط مع جميع القوى رغم محافظتها على الدعم السياسي والتقني للسلطات السورية.
وحدة المعارضة وتسلحها
• بعض المعارضين اعترفوا بوجود جماعات مسلحة ضمن التظاهرات، ما حقيقة الامر؟
ــــ يبدو أن هؤلاء المعارضين هم ممن يشاهدون قناة الدنيا. وفي الحقيقة، لا يمكن أن نتوقع استمرار نقاء مواجهات دامت أشهرا سبعة من دون قيام ردود فعل محصورة وفردية، وهذا يجب التحذير منه والتوعية بنتائجه الخطرة التي يمكن أن تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، فتوازنات القوى واضحة، والحراك السوري سيفقد أعز مبادئه وهي السلمية، وباعتقادي أن هناك وعيا كبيرا بهذا، وعملا واضحا وحثيثا لدرء مثل هذه التوجهات، التي تسعى بعض الجهات في السلطة إلى التشجيع عليه، لتحويل المواجهة من مواجهة متظاهرين سلميين مع قوى أمنية وشبه أمنية قامعة، إلى صدامات مسلحة تعيد المشروعية إلى قوى السلطة التي سيكون من واجبها فرض الأمن، على الأقل نظريا.
• وحدة المعارضة السورية هل تلوح في الافق؟
ــــ كل ما جرى العمل عليه من لقاءات واجتماعات في الداخل وفي الخارج هي أمور إيجابية رغم أخذها الوقت الطويل، وأعتقد بأن أفضل صيغة حالية هي المجلس الوطني السوري الذي يشكل قوة ويحاول أن يؤالف بين قوى سياسية وفكرية مختلفة بشدة من ناحية الإيديولوجيا ولكنها متفقة على نقاط أساسية ومبادئ ناظمة تتعلق بمستقبل ديموقراطي لبلد يتقاسمون فيه العيش والانتماء حيث تسود فيه دولة القانون والتي تكون حيادية تجاه الأديان والطوائف.
• كيف يمكن لمعارضة تتراوح بين اقصى اليمين واقصى اليسار أن تتوحد؟
ــــ ليس المطلوب التوحد، فهذا من المستحيلات وخصوصا بين قوى من مشارب إيديولوجية مختلفة. المهم هو الوصول إلى الاتفاق على نقاط مشتركة تتعلق بتصور شكل الدولة وشكل النظام السياسي ومفهوم العدالة الانتقالية والتحول الديموقراطي واصلاح القطاعات الأمنية في المستقبل.
نقطة قوة
• هل يمكن القول ان المجلس الوطني يرقى لمشروع وطني انتقالي؟
ــــ المجلس الوطني ليس مجلسا انتقاليا ولا يجب المزج بين الحالة السورية والحالة الليبية فالظروف مختلفة تماما والرهانات أيضا. المجلس الوطني كما شرح مؤسسوه هو محاولة لتجميع قوى المعارضة الأساسية على مشروع بناء الوطن السوري القادم وتأمين عملية تحول ديموقراطي سلمية من دون أي تنازلات تتعلق بطبيعتها وبطبيعة القائمين عليها.
• لماذا تأخرت دمشق وحلب عن اللحاق بالتظاهرات؟
ــــ خرجت التظاهرات في دمشق وفي عديد من أحيائها وفي ريفها القريب وفي ضواحيها الرئيسية والتي يقطنها أهلها الأصليون، اما عدم تحرك بعض الأحياء الغنية فليس مستغربا لعدم حسم بعض الفئات الاجتماعية والاقتصادية موقفها من الحراك وخوف رأس المال الطبيعي والتكويني من التغيير أو من المغامرة . يضاف إلى هذا وذاك التركيز الأمني الشديد. وهذه حال حلب أيضا ولكن بصورة مضخمة أكثر بسبب طبيعة العلاقة بينها وبين الأحداث السياسية تاريخيا وتكوينها الاجتماعي والفئوي والديني والإثني ومحيطها الجغرافي إضافة إلى طبيعة نشاطاتها الاقتصادية وارتباطاتها بالسلطة. وحلب أيضا تخضع لتركيز أمني شديد يساهم فيه إلى جانب القوى المعتادة مجموعات مصالح مدنية. إلى جانب ذلك، تجدر الإشارة إلى الفئة المترددة والتي تعتقد بأن مدينتها همشت طوال عقود وجاءت السنوات العشر الأخيرة لتعيد لها شيئا من الاعتراف ومن التنمية الاقتصادية، التي على الرغم من تشوهها، ولكنها أفادت شريحة كبيرة ممن يمكنه السيطرة على التحركات الجماهيرية.
سوريا الديموقراطية
• هناك شبه اجماع سوري على رفض التدخل العسكري الخارجي.. ماذا عن التدخل الانساني والضغوط السياسية؟
ــــ القانون الدولي الإنساني طور خلال السنوات الأخيرة أدواته ومفاهيمه، وبالتالي هناك الكثير من الطرائق التي يمكن التوافق عيلها بعيدا عن أي تدخل عسكري خارجي لحماية المدنيين ومنها ادخال المراقبين الدوليين والمنظمات الانسانية الدولية والصحافة العالمية وما إلى ذلك من إجراءات. إضافة بالطبع إلى فاعلية الضغوط السياسية والاخلاقية، أما العقوبات الاقتصادية فهي سلاح ذو حدين ويمكن أن تستخدمه الأنظمة لزيادة التكسب غير المشروع لأفراد منها وبالمقابل يزيد إفقار المواطن العادي، والتجارب السابقة أثبتت ذلك.
• كيف يؤثر مسار الاحداث العربية الفلسطينية والمصرية والليبية واليمنية في مسارات الازمة السورية؟
أثبتت الثورات العربية أن التأثر موجود بين جميع الدول وأن مواقف الدول العربية التي لم تعش بعد مثل هذا التحرك نابعة من خوف أو من خشية تدفعها إما إلى القيام ببعض الإصلاحات الشكلية واما إعادة النظر بعمق في مكوناتها السياسية والادارية الناظمة. التأثير تبادلي إذا ولا يمكن ان يكون في اتجاه واحد. وما تعابير التضامن مع سوريا التي تشهدها ساحات الدار البيضاء او تونس أو القاهرة إلا تعابير واضحة عن التفاعل القائم الذي سيتطور بتطور الأحداث في مختلف البلدان.
• الكل يريد سوريا جديدة، لكن كل سوري يرى سوريته هو، فهل يمكن في ضوء هذا التغاضي عن دور الدين في سوريا المستقبل؟
ــــ إن تيار الإسلام السياسي بمفهومه المتطرف غير موجود على الساحة السورية. ولا أحد يتحدث عن قيام سوريا إسلامية والجميع متفق على مدنية الدولة والتي ستكون لجميع مواطنيها في الحقوق وفي الواجبات وفي المهام وفي السلطة. هناك ثوابت متفق عليها من خلال الاطلاع على أدبيات المعارضة المنشورة ومراقبة أحاديث ممثليها الصحفية، وهي تؤكد على السعي إلى دولة ديموقراطية مدنية يسود فيها حكم القانون وقيم المواطنة. ومسألة عروبة الدولة لا شكل بأنها واضحة لدى الجميع، ولكن بعيدا عن المفهوم الإقصائي.
* سلام الكواكبي، مدير أبحاث في مبادرة الإصلاح العربي وباحث أول في كلية العلوم السياسية في جامعة أمستردام ومكلف بالتدريس في جامعة باريس الأولى السوربون.
القبس