حوار مع مصطفى الجرف : “الفصائل المقاتلة في حلب هي عموما تحت لواء المجلس العسكري”
يقول مصطفى الجرف إن كتائب الجيش الحر تسيطر على أغلب المناطق الفقيرة في حلب، وإن أغلب عناصر الجيش الحر هم من ريف حلب وإدلب وكثير منهم يسكن في حلب منذ فترة طويلة.
تصدّرت مدينة حلب وريفها في الآونة الأخيرة عناوين أخبار الثورة السورية، وباتت خلال فترة قصيرة من أكثر المدن سخونة.
لهذه المدينة أهمية خاصة وقصوى، عدا عن أنها ثاني أكبر تجمع سكاني مديني في سوريا، فإنها تحتل المرتبة الأولى من الناحية التجارية والصناعية والكتلة المالية. تدور اليوم في بعض أحياء حلب حرب حقيقية بين فصائل الثورة المسلحة والتي تُحاك حولها عديد الروايات، وبين جيش النظام وشبيحته.
لتقصي حقيقة ما يجري ميدانيا، التقى “مراسلون ” مصطفى الجرف، أحد الناشطين الإعلاميين البارزين الذين عايشوا مجريات الثورة في مدينة حلب منذ أيامها الأولى:
بدايةً، ما هي الجماعات العسكرية المعارضة في حلب؟ وما مدى سيطرتها الميدانية. وتوزعها المناطقي داخل المدينة؟
الفصائل المقاتلة في حلب هي عموماً تحت لواء ما يعرف بالمجلس العسكري الثوري في حلب.. ويتألف بشكل رئيسي من لواء التوحيد ولواء الفتح وبعض الكتائب الأخرى برئاسة ثلاثية مشتركة من العقيد عبد الجبار العقيدي وعبد القادر الصالح (حجي مارع) ورضوان قرندل. هناك خارج هذا المجلس العسكري فصائل إسلامية لا يستهان بها مثل أحرار الشام (سلفية) وجبهة الأنصار (جهادية, قريبة من فكر القاعدة).
تسيطر هذه الفصائل جميعها على جميع أحياء حلب الشعبية الفقيرة وخصوصاً حزام الفقر الجنوبي والشرقي, ما عدا أحياء الأكراد في الأشرفية والشيخ مقصود, وأحياء المسيحيين في الميدان والسريان, وتسيطر أيضا على قسم كبير من أحياء حلب القديمة في وسط المدينة. أما أحياء الطبقة الوسطى في وسط وغربي المدينة فهي ما زالت تحت سيطرة الجيش النظامي ما عدا حيي صلاح الدين وسيف الدولة.
ما حقيقة وجود الأجانب أو المقاتلين غير السوريين في حلب؟ حيث تتردد الإشاعات والروايات كثيراً عن مشاهدة الليبيين أو الصوماليين أو الأفغان.. وإن صح تواجد العناصر الأجنبية، هل هي الطرف الأكثر حضوراً من بين الأطراف المسلحة؟ أم أن الجيش السوري الحر هو اللاعب العسكري الأساسي في حلب؟
أغلب مقاتلي فصائل الجيش الحر هم من أبناء ريف حلب وإدلب بالأصل وإن كان أكثرهم يعيش منذ فترة طويلة في أحياء حلب الشعبية, وأغلبهم من مناطق حريتان وعندان ومارع وتل رفعت ودارة عزة.. وقد وفد كثير من عناصر الكتائب من المحافظات الأخرى كحماة ودير الزور وحمص إلى حلب للمشاركة في القتال. هناك أيضا بعض الفصائل المشكلة أساساً من أبناء المدينة أنفسهم مثل لواء حلب المدينة.
لكن، هناك عدد من المقاتلين الأجانب فعلا ممن يقاتلون في صفوف الكتائب الإسلامية, فإذا عرفنا أن نسبة الكتائب الإسلامية لا تتجاوز عشرة بالمائة من باقي الكتائب, وعرفنا أن نسبة الأجانب في الكتائب الإسلامية لا تتجاوز عشرة بالمائة أيضاً من عناصر هذه الكتائب نفسها نستطيع أن نقدر كم نسبتهم قليلة إلى غيرهم.
المناطق ذات الغالبية الكردية كالأشرفية والشيخ مقصود، من الجهة التي تسيطر عليها اليوم؟ وما حقيقة الحراك الشعبي المعارض للنظام فيها؟
تسيطر عناصر من حزب العمال الكردستاني على مناطق الأكراد في الشيخ مقصود والأشرفية بشكل كامل وهم يسيرون أمور الحياة اليومية للمواطنين هناك أيضا ويقيمون الحواجز ويوزعون المساعدات ويقيمون المحاكم الخاصة بهم أيضا. وهذا الوضع كان قائما قبل فترة طويلة من دخول الجيش الحر إلى المدينة وبعلم النظام وموافقته.
يصعب الكلام عن حراك ثوري في المناطق الكردية بالمعنى نفسه الذي نفهمه في باقي المناطق السورية الثائرة. هناك أهداف خاصة للأكراد وهم يتحركون وفقاً لها فقط, وهم ينظرون إلى الثورة السورية على أنها مناسبة لتحقيق هذه الأهداف.
لا يتردد على وسائل الإعلام إلا أسماء مناطق مثل سيف الدولة وصلاح الدين وأحياء حلب الشعبية والفقيرة، عداك عن مناطق ريف حلب المشتعلة، فما هو الحال في المناطق الغنية أو الراقية مثل الشهباء والفرقان والمحافظة.. ما حقيقة تفاعلها مع الحراك الثوري في حلب؟ وهل أثّر برأيك دخول الجيش الحر إلى المدينة على اندماج تلك الطبقات في الثورة؟
قبل دخول الجيش الحر إلى المدينة كان المزاج العام قد بدأ يتجه إلى معارضة النظام حتى في المناطق الغنية التي ذكرتها بسبب كثرة الفظائع التي كان المواطنون يرونها يومياً في نشرات الأخبار جراء أفعال قوات النظام.
ولكن دخول الجيش الحر إلى المدينة وما سببه هذا من رد فعل عنيف من النظام ونزوح الأهالي والفوضى والذعر وتعطيل الأعمال والمصالح سبب ردة فعل قوية ضده. الآن بدأ هؤلاء يتعودون على الوضع ويتأقلمون معه وبعضهم بدأ بنسج علاقات مع قيادات الجيش الحر بهدف الحماية وتأمين المصالح وقسم منهم غادر البلد نهائياً إلى تركيا أو مصر أو لبنان.
أين يقف عامة المسيحيين اليوم، بمن فيهم الأرمن من مجريات الثورة في حلب؟ وما هي نظرتهم إلى الجيش الحر. وكم هو حجم التخوّف عندهم؟ نسمع كذلك الأمر عن أصوات هنا وهناك تتحدث عن حالات نزوح كبيرة للمسيحيين من حلب.. فما هو مقدار نزوحهم، وإلى أين وجهاتهم؟
موقف المسيحيين عموما من الثورة هو موقف سلبي، ولكنه لا يختلف كثيرا عن نظرائهم المسلمين من أبناء حلب، وإن كان موقف المسلمين قد تغير إلى حد كبير قبل دخول الجيش الحر إلى المدينة.
طبعاً هناك تخوفات لدى المسيحيين ولكنها كما ذكرت سابقاً لا تختلف كثيرا عن تخوفات المسلمين العاديين من طغيان التعصب وانتشار الفوضى والجرائم وفقدان الأمان والاستقرار, ولا توجد بينهم فيما أعلم حالات نزوح كبيرة باستثناء بعض الحالات الفردية عندما اقتربت الاشتباكات في مرة من المرات من منطقة السليمانية المسيحية.
أما موقف الأرمن فهو موقف رافض بالمطلق وهناك دلائل على تشكيلهم ميليشيات مسلحة لمواجهة الجيش الحر إلى جانب قوات النظام. فمن بينهم كثير من كبار الممولين للشبيحة في حلب، ومنهم بالطبع من يقاتل مع النظام كمليشيات أو عصابات تحت رعاية الكنيسة الأرمنية منذ بداية الحراك.
أما عن حالات النزوح لدى الأرمن، فيشاع الكثير عن حالات نزوح عديدة لهم إلى أرمينيا. وقد فاقم الوضع بالنسبة للأرمن ارتباطهم الأمني الوثيق بالنظام وكراهيتهم التاريخية لتركيا التي يعتبرون أنها هي من تقود الجيش الحر فعلاً.
إذاً.. المناطق والحارات المسيحية كيف تعيش هذه الأيام؟
تجري الحياة بصورة طبيعية تقريباً في المناطق المسيحية باستثناء بعض صعوبات التنقل بسبب الحواجز وبعض حالات نقص المياه أو انقطاع الكهرباء وهو ما تعاني منه المدينة كلها بشكل أكبر مما تعانيه هذه المناطق.
لا بد لنا من السؤال عن الأوضاع الإنسانية والمعيشية للسكان النازحين من مناطق النزاع العسكري في حلب، فهل يلقى هؤلاء يد العون والإغاثة من أغنياء حلب أم أنهم يعتمدون على مساعدات المنظمات وجمعيات الإغاثة الدولية أو المحلية فقط؟
موضوع المساعدات والإغاثة للنازحين موضوع شائك ومعقد كثيراً. كثير من النازحين نزحوا الى بيوت أقرباء لهم في مناطق أخرى أكثر أمنا وقسم آخر سكن في المدارس وهناك قسم افترش الطرق والساحات العامة وبات في العراء. طبعاً هناك الكثير من الجمعيات ومن الشباب المتطوعين الذين شاركوا في أعمال الإغاثة وتقديم المساعدات وخصوصا في الفترة الأولى. وطبعاً تبرع بعض الأغنياء بتقديم الأغذية والملابس والنقود ولكن بشكل فردي وعشوائي ومتقطع وربما توقف أخيراً.
في الفترة الأخيرة، بدأت تصل المساعدات بشكل منظم عن طريق منظمة الصليب الأحمر الدولي ولكن حجم المأساة كبير جداً والمساعدات لا تفي بالطلب أبداً.
http://www.correspondents.org/ar