حول أسباب غياب الشباب عن المشهد السياسي السوري
هيام جميل
سؤال يطرحه الشباب السوري قبل سواه، سؤال مؤرق، خصوصا مع بروز الحاجة إلى عمل سياسي داعم للحراك الشعبي، قوة سياسية من داخل البلاد يعلو صوتها النابع من صوت الناس دون المزاودة عليهم..
والشباب السوري شباب متنوع من حيث قدراته في العمل، فمنهم الشاعر ومنهم الصحفي، ومنهم من وجد نفسه فاعلا في تنظيم الحراك الميداني، ومنهم من أبدع في تصوير التظاهر وإيجاد أشكال مختلفة للاحتجاج الجدي والساخر، المباشر والرمزي.
يميز الشباب السوري عمّن هم أكبر عمرا (جيل الثمانينات عموما) فالشباب اليوم غير مؤدلجين، لم يخوضوا في غمار سياق تاريخي كالثمانينات حيث كان لا بد من قراءة ماركس وانجلز وساهما من مفكري اليسار على سبيل المثال، وهنا بالطبع لا أقصد بأن شباب اليوم لا يقرؤن ماركس، لكنهم يقرؤن أيضا كتابا ليبراليين أيضا، ويحبون الاطلاع على ما يجري في العالم، وتساعدهم التكنولوجيا في ذلك، كما تساعدهم عولمة المعلومة على عدم التحيز لفكرة وعدم التحيز لشيء.
وبينما أوجد ناشطو الثمانينات سبيلا لهم في العمل السري فإن نشطاء اليوم لم يحسموا أمرهم في غمرة الملاحقات الأمنية بين العمل السري أو العلني! وهذا لا يساعد مطلقا في خروج فكر سياسي واضح إلى العلن.
وبينما ينسقم الشباب السوري بين ناشط فيسبوك (اختصار وضعته للتعبير عن ناشطي الحراك الحالي الذين ينقلون الأخبار ويتعاطون في الجانب الإعلامي أو الإغاثي من الحدث وهو بالضرورة مثقف ومن جهة أخرى فهو ليس مطلقا صانع الحدث) وناشط ميداني (قد يكون متظاهر عادي، وقد يكون قائدا لحراك، قد يكون مثقفا أو قد يكون أميا أو قريبا من الأمية).
ناشط الفيس بوك يعاني حاليا من كونه ناقل للخبر، يحكمه الخبر اللحظي: عاجل، ستاتوس على الفيس بوك، مسج، بينما يركض الناشط الميداني بين الجانب الميداني والإغاثي، وهو يصنع الحدث لكنه لا يعنى بنقله، وقد يحضر نشرة إخبارية واحدة يوميا.
يغرق الناشط الفيسبوكي في سيل جارف من الأخبار، بينما يبدو الناشط الميداني بعيدا عن ذلك كله، غارقا من جهته في مآسي وصور الواقع.
وهذا ما يجعل لكل منهما احباطاته وأوقات تعاسته التي قد تقصر أو تطول، لكنها تتابع..
الفيسبوكي لا يستطيع أخذ مسافة مما يحدث والتفكير بما هو متوسط المدى أو بعيد المدى، فما بالك بالاستراتيجي، بينما لا يعنى الميداني بالأضواء، وغالبا ما يعتقد أن العمل بالسياسة يعني الضحك على الناس، تسلق المظاهرات، وحتى وإن أيقن دور العمل السياسي فليس لديه الوقت ولا الاهتمام الكافي لصنع مشروع سياسي.
وبالطبع فإن غالبية الناشطين الحقوقيين والسياسيين لا يرغبون بدخول الشباب إلى حقل العمل السياسي، وقلائل منهم هم من يشجعون الشباب على الامساك بزمام المبادرة وطرح مشروع يعبر عن هموم الشباب السوري الذي يمثل أكثر من نصف المجتمع السوري.
غياب السياسي الشاب واقع اليوم، لا بد من طريقة لتجاوزه، واوقن أن الحل بيد الشباب ذاته