حول التدخل الأجنبي والعربي في ليبيا وسورية
مهند صلاحات
تناقلت وسائل الأنباء العربية والعالمية بعد انتصار الثورة الليبية، أخباراً نُسبت لمسؤولين من داخل وزارة الدفاع الأمريكية ‘البنتاجون’ أن وحدات خاصة تابعة للأردن وقطر والإمارات العربية المتحــــدة متواجدة مع الثوار الليبيين في العاصمة الليــــبية طرابلــــس ومناطـــق أخرى داخل ليبــــيا لمساندة الثوار، وبنفس الوقت أكد الخبر عن ذات مصدره عدم وجــــود أي قــــوات أمريكية مع هذه الوحدات الخاصة، وهو ما يجعل التدخل البري لهذه القوات عربياً خالصاً في حال ثبتت صحة الخبر، ولقد تناقلت بعض وسائل الأنباء الخبر بشكل اتهامي للدول العربية الثلاث، باعتبارها قد ارتكبت جريمة تدخل في ليبيا.
والغريب في الأمر أن الموقف العربي المتزن وحتى المتطرف منه، سواء مع الثورات أو ضدها، كان يطالب بداية الثورة الليبية، بتوقيع بيانات رافضة للتدخل الأجنبي في ليبيا سابقاً واليوم في سورية. هذه البيانات والنداءات الرافضة سبقتها دعوات شعبية وشبه رسمية عربية، لجامعة الدول العربية للتدخل في وقف شلال الدم في ليبيا، والذي تمخض عنه في حينها تصريحات خجولة للجامعة العربية، حتى تدخل الناتو بقراره الفردي.
ويمكن للمراقب للحالة العربية، أن يدرك أن تدخل الناتو في ليبيا لم يكن بطلب من الثوار ولا من أي جهة عربية أخرى، بل إن الناتو تدخل لحماية مصالحه في ليبيا، خاصة بعد أن أدرك أن الثورة الليبية ضد شخص مثل العقيد القذافي لا يمكن أن تنتهي بحل توافقي، وأن الشعب سيخوض معركة حياة أو موت، وهذا بالتأكيد سيعيق مصالح الناتو في ليبيا وأهمها تصدير النفط الليبي الذي لم يكن العقيد ليتأخر لحظةً عن حرق آبار البترول لو تسنى له الأمر، فتدخل الناتو لتسريع حسم المعركة رغماً عن الثوار، بل وكبدهم فاتورة تدخله إلى جانب بعض الضحايا من الثوار الذين سقطوا جراء صواريخ من حلف الناتو، في حين رأينا الأصوات التي تحمل منطق لا يمكن اعتباره عقلاني، تحمّل ثوار ليبيا مسؤولية تدخل الناتو، وكأن رئيس المجلس الانتقالي يستطيع أن يوقف أو يدير حركة الناتو، بل إن الثوار في ليبيا في حينها أشاروا أكثر من مرة لأن تدخل الناتو لم يكن مجدياً في بعض الأحيان، وكان متأخراً أيضاً في لحظات اشتداد هجمات مليشيات العقيد عليهم.
أما بخصوص الدول الثلاث التي أشارت لها وسائل الإنباء، فلم تصدر منها تصريحات رسمية تنفي أو تؤكد المشاركة مع الثوار في حسم معركة مصيرهم مع مليشيات العقيد. رغم أن ذلك إن كان ذلك حقيقة فعلاً، فلماذا يتم النظر للأمر على اعتبار أنه اتهام لهذه الدول التي لم تشارك أي قوة أجنبية لدخولها براً لليبيا؟
هذا الاتهام لهذه الدول ‘العربية’ حقيقة يبرز الوجه الحقيقي لمناصري الطغاة في العالم العربي، فهم يكشفون عن وجه أخر غير الذي يدعون، فالفكرة الأساسية ليست رفض التدخل الأجنبي الذي رفضه الجميع وليس فقط أنصار القذافي وبشار بل ومعارضيهم عربياً، وإنما محاولات مستميتة من قبلهم لمساندة أنظمة متهالكة، لمصالح فئوية شخصية لا أكثر ولغاياتٍ في نفس يعقوب.
اليوم يرى مناصرو الشعب السوري في ثورته ضرورة تدخل عربي يحسم معركة الشعب السوري في معركته مع نظامه الذي يقدم على ارتكاب مذابح ضد مسيرات سلمية تطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي ووقف عملية توريث السلطة في دولة جمهورية، على الأقل لتسريع المعركة وقطع الطريق على أي تدخل أجنبي تحديداً من حلف الناتو في سورية.
ترى هل إذا قررت الدول العربية التدخل العسكري في سورية لمنع تدخل الناتو، وسارعت في إسقاط نظام الأسد لحماية شعبه، هل سيتم توجيه أصابع اتهام لها من قبل ذات المجموعات المناصرة للنظام الليبي السابق، ونظام الأسد الحالي بأن هذا التدخل العربي مُدان؟
فما الذي يريده هؤلاء؟ وعن أي تدخل عربي كانوا يتحدثون وما شكل هذا التدخل؟
إن صح التدخل العربي من قبل الدول الثلاث في ليبيا فهذا موقف يُحسب لتلك الدول لا عليها، باعتبارها انحازت لقوميتها وحسمت معركة لإيقاف شلال دم، وإذا ما فكرت الدول العربية ذاتها بتدخل عربي محسوب في سورية لوقف شلال الدم، خاصة بعد رفض بشار الأسد مبادرة الجامعة العربية فإن ذلك أيضاً سيحسب لأي دولة ‘عربية’ ستدخل المعركة، باتجاهين، الأول وقف مذبحة، وثانياً قطع الطريق على تدخل أجنبي.
والموضوع الأهم، هو إن اكتفت الجامعة العربية، ضمن التحولات الجذرية بالمنطقة على كافة الأصعدة، ببيان شجب واستنكار لما يحدث بسورية، فهو يضعها الآن تحديداً على المِحك في مدى الدور الحقيقي الذي وجدت من أجله هذه الجامعة، وحقيقة أن دورها يقتصر فقط على إصدار بيانات شجب استنكار، وسيكون هنالك ضرورة لإعادة النظر في مفهوم اتفاقيات الدفاع المشترك العربية، هل هي مجرد اتفاقيات حماية أنظمة أم حماية دول بكل مكنونات تلك الدول وأهمها الشعب؟
القدس العربي