حين طلبوا منه أن يَنبَحْ
«الرجل الأصفر» حين كان «معلماً سياحياً» من معالم حلب
صهيب عنجريني
تحوّل فيديو «الرجل الأصفر» إلى حديث «يوتيوب» ومواقع التواصل، خلال الأيام الماضية. ويُظهِر الشريط القصير عناصر من «الجيش الحرّ» يتفنّنون في إهانة «الرجل الأصفر» وإذلاله. والرجل الأصفر هذا، هو من دون مبالغة، الرجل الأشهر في حلب؛ إذ أنّه كرَّس نفسه على مدار ربع قرنٍ جزءاً من الذّاكرة البصريّة الجماعيَّة للمدينة. واعتاد أبناء المدينة وزّوارها رؤية «أبو زكور» يتجوّل في محيط «ساعة باب الفرج» الأثريّة الشهيرة، مسربَلاً باللون الأصفر من رأسه حتى أخمص قدميه بشكل دائم. لم يعرف أحدٌ سبب إصرار الرجل على ارتداء اللون الأصفر، وتسابق الناس في إطلاق التكهنات حوله. وقد جذبت الظاهرةُ اهتمام الإعلام، فكانت موضوعاً لتقرير تلفزيونيّ بثّته قناة «العربية» منذ سنوات، وفيه أصرّ أبو زكور على الاحتفاظ بسره الأصفر.
وكما انشغل الناس بلون ثيابه، انشغلوا أيضاً بطبيعة عمله. فالبعض كان يؤكد أنه قوّادٌ محترف، وآخرون يقولون إنه مختلٌّ نفسيّاً ويعيش على الهبات، فيما يصرّ البعض على أنّه مخبرٌ يتعامل مع الأمن. وقد لازمت هذه الصفة الرجل، واتخذها مسلحون من «الجيش الحر» حجة، للقيام بضربه وإذلاله، كما ظهر في الشريط المصوّر الذي انتشر على مواقع التواصل، قبل أن يحذف.
وكما يظهر في الشريط، يسأل المصوّر ضيفه/ ضحيّته، تحت تهديد السلاح: «بتحب الجيش الحر؟». ويأتي الجواب البديهي: «كتير»، ليؤكد في مرحلة لاحقة أنّه «سعيدٌ لأنه في قبضة الجيش الحر». تتالت الأسئلة ليؤكد الرجل أنّه لا يحبّ بشار الأسد، وحين يُسأل عن سبب كرهه له، يأتي الجواب الطّريف: «دمّرني.. حطني بالسجن 100 مرة». لكنّ تلك المزاعم لم تكن كافية لتقديم شهادة حسن سلوك أمام محتجزيه، إذ راحوا يتفنّنون في إهانته، بوضع أقدامهم على رأسه وصفعه، ونتف شاربه الأصفر، وفي استعباده: «ابتسم، انبح» ليُنفّذ الرجل مخاطباً جلّاده: «انت معلمي… على راسي «الجيش الحرّ»».
لم ينسَ المسلحون أن يسألوا الرجل عن سره الأصفر، وأفلحوا بضغط السلاح في انتزاع إجابة: «أنا فقير ودرويش، ولأنّي بلبس أصفر الناس بيتصوروا معي وبيعطوني 100 ليرة على الصورة». ثمّة سؤالٌ يبدو أنّه بات لازمةً في الأزمة السورية يصرُّ المسلحون على سؤاله لعبد الحميد/ الأصفر: «أنت سنّي؟» وحين يردُّ بالإيجاب يسألونه: «بتكره العلويين؟» ولا يعفيه تأكيده أنّه يكرههم من تلقي صفعة مصحوبة بشتيمة، ثمّ يُطلب منه أن يشتم الرئيس السوري، فيلبّي الطلب.
انتشار الشريط عبر مواقع التواصل الاجتماعي كان سريعاً، ورغم أنه حُذف عن «يوتيوب» لكن أعيد نشره. وكما في كلّ حالة مشابهة سارع السوريون إلى التّعليق على الحادثة، بين مستنكر لها، ومؤكّد أنَّ الرجل يستحق ما لحق به. ولم تقف ردود الفعل عند هذا الحد، بل راح البعض يقدّم الحجج لتبرئة «الجيش الحرّ» من الحادثة. لم تعزف صفحة الثورة السورية على «فايسبوك» هذه المرة على وتر «الأخطاء الفرديّة»، بل سارعت إلى نفي صحّة الواقعة. فكتب القائمون عليها: «ورغم أن ما يظهره فيلم الرجل الأصفر من إهانة ـ وهي مرفوضة بغض النظر عن فاعلها ـ لا تمتّ لسلوك «الجيش الحرّ» بصلة، لكننا في الصفحة قمنا بالتحقيق والمتابعة في فيلم الرجل الأصفر، وتبيّن أن الفيلم مفبرك على «الجيش الحر»». وعلى الصفحة الرسمية للإعلامي فيصل القاسم، من استغلّ الحادثة لتحويلها إلى نكتة حُشر فيها المبعوث المشترك إلى سوريا، وتقول النّكتة: «الأخضر الإبراهيمي خايف على حاله بعد ما شاف الرجل الأصفر».
مع تزايد ردود الفعل المُستنكرة سارع الناطق باسم «لجيش الحرّ» لؤي المقداد إلى الإدلاء بتصريح قال فيه: «خلال ساعات سيتم اعتقال من قام بهذه الأعمال.. نحن لن نقبل بأي تجاوز في حق المدنيين السوريين.. من غير المقبول التعامل معه بهذه الطريقة سواء كان مخبراً أم لا».
وفي ظلِّ التلاشي التّدريجي لألوان الطيف السوري، لا يسلَم الأصفر من الأذى.. إنّها سوريا المريضة بالأحمر.
السفير