حين يُصبح “فيسبوك” وطناً للسوريين/ حنين عتيق
ربما تكون مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة لشعوب العالم نقلة حقيقية في إمكانيات التواصل وحرق المسافات بين الأشخاص، وربما أيضاً تكون هذه المواقع من أكبر ما شهده هذا العصر من ثورات تقنية، إذ إنها بمختلف أشكالها ساهمت بتنظيم جديد لكل أشكال الحياة، وبخلق علاقات ذات طابع مختلف.
لكن هذه المواقع تشكل الآن بالنسبة للسوري أكثر بكثير من كل ما سبق. فقد تحول كل من جهاز الكومبيوتر والمحمول والهاتف الجوال بالنسبة للمهاجر واللاجئ السوري إلى وطن معادل لوطن مفقود. إذ أصبحت هذه الشاشات عبارة عن جغرافيا وتاريخ وماض وحاضر افتراضيين، بعدما حكم عليه أن يترك حياة كاملة خلفه ويمضي إلى بلاد وحياة جديدة.
لقد تحولت رنة الجوال التي تدل على رسالة “واتساب” بالنسبة لهذا السوري إلى صوت الأم هناك، وإلى بحة الأب الطاعن بفقده لأبنائه، وتحولت رسالة على “فيسبوك” إلى زوجة تسهر مع شوقها، ومع ظل زوجها الذي ذهب لكي ينقذ عائلة كاملة من الغربة القاتلة.
وقد أصبح فتح صفحات مواقع التواصل، وتقليبها يعني معرفة الأخبار، ويعني الحديث مع الأصدقاء الغائبين، ويعني سهرة وحواراً ونقاشاً كان يجب أن يتم هناك في البيوت التي فقدت ناسها، واشتاقت إلى أصواتهم حين يختلفون بالرأي. لعل السكايب هو بالنسبة للسوري المهاجر والسوري الذي لم يزل هناك هو سائل الحياة الوحيد المتبقي، ويشكل محاولة اقتصاص من غيابه القاهر، ومن شوق ملامحه لملامح من يحب.
إن الموعد اليومي على السكايب هو الموعد الوحيد مع الحياة؛ صحيح أنها الحياة ناقصة، لكنه يبقى الموعد الوحيد، فتصبح شاشة اللابتوب للسوري الذي هرب من القتل والاعتقال، بيته الذي ربما لن يراه بعد الآن، وتصبح أيضاً طعم وجه وطعم صوت طفله الذي يحبو. فكم مرة يقبل المهاجر هذه الشاشات، وكم مرة يمسح عليها بأصابعه لعله يتلمس عيون من تركهم خلفه. أما حين ينقطع النت وتنقطع مواقع التواصل هذه تصاب حياة السوري أينما كان بجلطة صاعقة، تجعل قلبه يتوقف عن النبض.
من سيحمل عن روح المهاجر غربته غير هذه المواقع التي شكلت معادلاً وحيداً لوطن كامل مذبوح من الوريد إلى الشهيد.
العربي الجديد