خطاب الرئيس هو خطاب الهروب الى الأمام
بهنان يامين
أختار الرئيس الاسد جامعة دمشق ليلقي من على مدرجها خطابه الثاني منذ تفجر الحراك الجماهيري في سورية الحبيبة. ما بين الخطابين فترة زمنية وتبدل نوعي في التخاطب، ففي الاول كان تهريجا من قبل اعضاء “مجلس الشعب ” الذي لا يمثل الشعب، اما الخطاب الثاني فهو أكثر جدية من هنا ضرورة ان تتم مناقشته هادئة.
يخرج المراقب من خطاب الاسد بأنه من أطول الخطابات ومن أكثرها جدية، وقد غاب التنكيت والتهريج التصفيقي والهتافي، كما غاب السباب والشتائم التي اتسمت به خطاباته خلال مرحلة ما بعد الخروج من لبنان، فقد بلغ عدد الكلمات اكثر من ثمانية الاف كلمة، تحدث فيه في العديد من النقاط.
أهم ملاحظة كانت بأن الاسد يعترف لاول مرة بأن هناك ازمة، وهو يقع بتناقض، حيث نراه من جهة يحمل الازمة للخارج والمندسين والتكفيرين، في حين من جهة ثانية يعترف بالتقصير الذي وسم مرحلة حكمه التي اكملت سياسة والده القمعية لكل القوى الديموقراطية، التي ادعى في خطاب قسمه بأنه سيحترم الراي الآخر. اعتراف الاسد بأن الازمة لم تعد أزمة نظام بل أزمة وطن يعاني من امراض كبيرة أوصلت هذا الوطن الى مأزق لم تشهده في كل تاريخها.
لم يستطيع الرئيس الاسد، ان يقنع مستمعيه بنظرية الجراثيم والمناعة، فهو لم يستطع ان يخرج من فلسفة الممانعة، ولكنه غفل عن ان ما يحدث في سورية ليس سياسة مضادات حيوية وتخصيب مناعي، بل عملية أمنية كبيرة مدعومة من الجيش الذي عوض عن ان يكون في الجبهة تحول الى الداخل حيث أخذت وكالات الانباء تتحدث بجبهة درعا وجبهة جسر الشغور وجبهة معرة النعمان وجبهة الأبوكمال..وغيرها من الجبهات، مما اضطر الناس ولاول مرة ان يخرجوا لاجئين سواء الى تركية او الى لبنان، وهو ما يبدو قد اثر كثيرا على اضطراره الى التحدث للناس وعبرهم الى المجتمع الدولي، حيث اعتبر ” عودة المهجرين موضوع أساسي وهام جداً لأن المدينة تموت من دون أبنائها،” بالطبع هذا ينطبق ليس فقط على ابناء جسر الشغور المكلومين بل على كل اللاجئين السوريين في كل أرجاء العالم، حيث يبلغ عدد السوريين في الخارج اكثر من خمسة ملايين سوري مبعثرين في كل ارجاء الكرة الارضية.
أعترف الاسد لاول مرة بأن قانوني العفو الذي اصدرهما في فترة الاشهر الماضية كانت قاصرة، وعوض ان يصحح هذا التقصير نراه يطلب من وزير عدله ان يعمل دراسة لقانون عفو جديد، دون ان يحدد من سيشمل. لقد نسى او تناسى الاسد بأن الشعب لا ينتظر منه ان يعفو عن مزيد من مرتكبي الجنايات، بل على سجناء الرأي الذين لا يزال العديد منهم، ومنذ سنوات نزلاء سجون سورية بلا حق. وقد اعترف الاسد بأن القانون لم يكن يطبق، وعدد نقاط تطبيق القانون مغفلا بأنه لا يزال لا يطبقه، فالجماهير التي تتظاهر طلبا للحرية تدخل السجون بالالف دون اذن نيابة او محاكمة.
اعترف الاسد للمرة الاول بالتجاوزات الامنية، حيث اعلن بأنه الغى ” حوالي 120 موافقة أمنية كانت تعتبر جزءا من الروتين بالنسبة للروتين أو الإجراءات الموجودة داخل الدولة وبنفس الوقت فصلت العلاقة بشكل كامل مؤخراً بين الأجهزة الأمنية وبين المؤسسات المدنية،” ولكنه لم يحدد ماهية هذه التجاوزات، وما اذا كانت الاجهزة الامنية ستنفذ سياسة الالغاء هذه، وهو باعتقاد الجميع بأنه لن ينفذ ،كون سلطة الاجهزة الامنية هي أقوى من كل السلطات، وهو ما نراه على ارض الواقع بأنها هي الحاكم الفعلي على الارض. الغت القوى الامنية السلطات الثلاث، حيث هي المسيطرة عليها كونها هي التي تعينهم.
أسهب الاسد التحدث عن الحوار، وتحدث عن هيئة الحوار التي لا تمثل القوى التي على الارض، فهذه الهيئة تمثل سلطة البعث ملحقاته من أحزاب، وقد جملة هذه الهيئة بالاديب الصديق وليد اخلاصي، الذي وجوده غير طبيعي في هيئة كهذه، وهو الوحيد المستقل اما البقية منهم فهم عبارة عن مجموعة فاسدة، كانت جزءا من البلاء طيلة فترة طويلة. فلالية التي تحدث عنه الاسد يلزمها سنوات طويلة لتوضع موضع التنفيذ مما يعني بأن علي الشعب السوري ان ينتظر سنوات مديدة حتى يقطف نتاج حوار مرفوض لانه سيكون في ظل سلطة القوى الامنية.
اما حديثه عن تعديل الدستور وخاصة المادة الثامنة منه، فهو اعتراف مباشر بأن هذه المادة هي الشعرة التي قصمت ظهر بعير الدستور، ولكن الالية التي تحدث عنها هي نوع من الهرطقة والبدعة السياسية، فهل نسي بأنه جاء الى الحكم بتعديل دستوري لم يستغرق اكثر من نصف ساعة ليتم، وهو ما أثار انذاك سخرية كل العالم. أن اردنا ان نصنف الحديث عن التعديل الدستوري والتبديل الدستوري هو استخفاف بعقول الناس واستمرار باغفال دورها.
تحدث الاسد ايضا عن الاقتصاد والتقصير الاقتصادي ولكنه لم يستطع ان يفصل ما بين سياسته الاقتصادية التي سخرت للفاسدين من عائلته وبطانتهم…نسي اوتناسى كيف اقصى الاقتصاديين الشرفاء من مؤسسات الدولة لا لشئ الا كون سياستهم الاقتصادية تخالف سياسة ربيبه الدردري، ولنا في عزل الدكتور تيسير رداوي من رئاسة هيئة تخطيط الدولة والطريقة التي تمت به خير دليل على عدم قبول النقد حتى من من قبل التعاون مع النظام.
الخطاب كان عبارة عن هروب الى الامام، وتعميم للازمة ويلزم لتشريحه دراسة مطولة لان كل فقرة منه بحاجة الى صفحات عديدة لانه كان اختصارا لازمة الوطن التي ادخلنا اليها نظام حكم الحزب الواحد وديكتاتورية الحكم الفردي الامني.
: كلنا شركاء