خطر حرب أهلية جديدة يعمّق عزلة سورية
جيمس زغبي
في ظل الوضع القائم في سورية، يبدو أن جرس الإنذار بدأ يرن في كل مكان، لا مصلحة لأحد في أن تخرج الأمور عن السيطرة، لكن قد يحصل ذلك حتماً ما لم يتم تدارك الوضع، لا بد من تقديم دعم دولي واسع إلى مبادرة جامعة الدول العربية والجهود الإقليمية الرامية إلى إنهاء سفك الدماء وعقد مفاوضات جدية.
منذ بضعة أشهر، حين علّقت جامعة الدول العربية عضوية ليبيا ومررت قراراً يقضي بدعم فرض حظر جوي عليها، بدا وكأن ذلك الموقف كان استثنائياً، ولن يتكرر مجدداً، فقد سعى معمر القذافي طوال عقود إلى جعل نفسه حاكماً منبوذاً في المنطقة. ولطالما عبرت أطراف عربية عدة عن استيائها وحرجها من سلوكه الغريب وحكمه الإرهابي وتصريحاته السياسية السخيفة.
أمام تهديدات القذافي بارتكاب مجازر ضد شعبه، لا عجب إذن في أن القادة العرب اتخذوا خطوة غير مسبوقة تقضي بالدعوة إلى التدخل الأجنبي من أجل كبح جماح ذلك الحاكم المجنون.
هل يمكن أن يتكرر هذا الأمر؟ هل كان من الممكن أن يتصرف زعيم عربي آخر بهذا السوء كي يصبح عبئاً على المنطقة ويطرح تهديداً على الاستقرار الإقليمي؟ في تلك الفترة، بدا هذا الأمر مستبعداً، ولم يبرز اسم أي مرشح منطقي من بين القادة العرب الراهنين، حتى القادة الذين ارتكبوا أعمالاً مشينة كانوا بعيدين عن مستوى الكره والعزلة اللذين بلغهما القذافي.
لكن أشارت نتائج استطلاع رأي حديث أصدره هذا الأسبوع المعهد العربي الأميركي إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد يتجه نحو الاضطلاع بذلك الدور بصفته الرئيس المعزول الجديد في المنطقة. شمل استطلاع الرأي الذي أجرته “مؤسسة زغبي للأبحاث”، في أواخر شهر سبتمبر وأوائل شهر أكتوبر، حوالي 4 آلاف عربي من المغرب، ومصر، ولبنان، والأردن، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة.
لقد تبين بكل وضوح حجم العزلة التي وصل إليها النظام السوري. إنها نقطة تحول ملفتة، فمنذ ثلاث سنوات فقط، طُلب من المشاركين في استطلاع رأي شمل الدول الست نفسها، من إعداد جامعة ميريلاند، أن يسموا زعيماً، من خارج بلدهم، يكنون له أعلى مستويات الاحترام، وسجل الرئيس الأسد معدلاً أعلى من أي زعيم عربي آخر.
لكن انطلاقاً من الإحصاءات الأخيرة، يمكن استخلاص بعض النتائج المغايرة، ففي المقام الأول، أبدت أغلبية ساحقة من المشاركين تأييدها للسوريين الذين يتظاهرون ضد النظام (تراوحت نسبة تأييدهم بين 83% في المغرب و100% في الأردن). وحين سُئلوا عن احتمال أن يتابع الأسد عهده، لم تتجاوز نسبة الآراء الإيجابية عتبة الـ15% في المغرب و14% في مصر، بينما سُجلت نسب ضئيلة جداً في الدول الأخرى.
أبرز ما في النتائج هو الدعم الضئيل الذي تلقاه الرئيس السوري في لبنان، واستناداً إلى النتائج المسجلة في استطلاع الرأي نفسه، يمكننا استنتاج أن نسبة مهمة من اللبنانيين لا تزال تؤيد “حزب الله” بكل وضوح، حتى إن أكثر من نصف اللبنانيين الشيعة ينظرون بإيجابية إلى دور إيران في سورية، لكن في الأسئلة التي تتعلق بالرئيس السوري، كان واضحاً أن الأسد فقد آخر مظاهر الدعم له من اللبنانيين.
ثمة اعتبارات مهمة أخرى تلفت النظر في هذه النتائج، أولاً، حظي خيار التدخل التركي بدعم الأغلبية في كل بلد عربي، كذلك، اعتُبر الدور السعودي إيجابياً في كل بلد باستثناء لبنان، وسجل أداء الولايات المتحدة في التعاطي مع سورية أدنى المستويات، تليها إيران. يُفترض أن تشكل هذه النتائج جرس إنذار بالنسبة إلى صانعي السياسة الأميركية.
على الرغم من مطالب البعض في المعارضة السورية وانتقادات المحافظين الأميركيين الذين يؤيدون استعمال القوة ويرون ضرورة أن يبذل الرئيس باراك أوباما المزيد من الجهود، لن يكون التدخل الأميركي في سورية خطوة مستحبة، وتحديداً بالنسبة إلى المراقبين في مصر ولبنان والأردن والمملكة العربية السعودية. سورية لا تشبه ليبيا على الرغم من سلوك النظام الوحشي وعزلته الإقليمية. كما أنها لا تشكل ساحة مألوفة لتحرك حلف الأطلسي، وسيؤدي أي تدخل مماثل إلى زيادة التوتر ونشوء صراعات محتملة على الحدود السورية.
أرسلت جامعة الدول العربية وفداً إلى سورية في الأسبوع الماضي لمنح النظام فرصة أخيرة لإنهاء أعمال العنف وإطلاق حوار وطني يقود إلى الإصلاح وتنفيذ عملية انتقالية حقيقية، فمن الأفضل طبعاً إعلان الدعم لهذا النوع من الجهود الإقليمية لحل هذه الأزمة، لكن ما يثير القلق هو أن النظام والمعارضة لا يبديان أي اهتمام بإجراء مفاوضات مماثلة في المرحلة الراهنة.
يبدو أن عائلة الأسد لا تزال مقتنعة باحتمال فوزها، فهي تعرف أنها تحظى بدعم الجماعات السورية التي تخشى التغيير، وفي الوقت عينه، تشعر المعارضة بالسخط بسبب استمرار العنف ولكنها لم تُظهر أي مؤشر على تلاشي قوتها وتصميمها، بل على العكس من ذلك، زادت جرأة المعارضين نتيجة الدعم الدولي وهم يواجهون تعنّت النظام بتشديد مواقفهم الخاصة.
لا شك أن جميع الأطراف تعبت من هذا الوضع، وعلى الرغم من فظاعة مشهد المتظاهرين العُزّل الذين يتعرضون لإطلاق النار في الشوارع، فقد يزيد الوضع سوءاً. أكثر ما يثير القلق الآن هو أن عناصر الجيش السوري والمعارضين الغاضبين يلجؤون إلى العنف. بالتالي، قد يتحول الصراع إلى حرب أهلية شاملة، وقد تكون العواقب وخيمة، لا في سورية فحسب بل في المنطقة كلها.
في ظل الوضع القائم، يبدو أن جرس الإنذار بدأ يرن في كل مكان. لا مصلحة لأحد في أن تخرج الأمور عن السيطرة، لكن قد يحصل ذلك حتماً ما لم يتم تدارك الوضع، ولا بد من تقديم دعم دولي واسع إلى مبادرة جامعة الدول العربية والجهود الإقليمية الرامية إلى إنهاء سفك الدماء وعقد مفاوضات جدية تمهيداً لفرض عملية انتقالية ونشوء نظام حر وديمقراطي في سورية.
الجريدة