خطوة سورية متأخرة ولكنها صحيحة
بدرالدين حسن قربي
يُعتقد أن هناك قراراً أمنياً صدر في الأسبوع الأول من آذار/مارس الجاري يقضي بإزالة صور الرئيس السوري الموجودة عند مداخل دوائر الدولة الرسمية والأمنية وفي أماكن رئيسية من المحافظات السورية والعاصمة دمشق. وسواء أكان هناك قرار من عدمه، فإنه قد لوحظ بالفعل إزالة عدد من الصور الكبيرة والمتميزة للرئيس الأسد الأب والابن الراحلَين، وللرئيس بشار نفسه من أماكن رئيسية في العاصمة. وسواء كانت تلك الإزالة الرسمية إنفاذاً متأخراً جداً لرغبة إصلاحية قديمة كانت للرئيس بشار الأسد عام 2000 مع تسلّمه مقاليد الحكم كأول رئيس يرث والده في حكم جمهوريةٍ عربية، حيث أظهر حينها كرئيس شابّ عدم رغبته بكثرة الصور والتماثيل والجداريات المنشورة في الشوارع والساحات وفوق المباني والعمارات، أو أن الإزالة كانت فعلاً استباقياً سورياً مدروساً ومحسوباً خوفاً من تشويهها على يد الشباب السوري الغاضب مع دعواته المتكررة للتظاهر من يوم لآخر احتجاجاً على سياسات القمع والتجويع وشيوع الفساد، ومطالبةً بإصلاح النظام أو إسقاطه، أو أن الجهات الرسمية أيضاً شاهدت وتشاهد كبقية الناس جميعاً ما تنقله الفضائيات مع هذه الانتفاضات امتهان هذه النصب والجداريات والصور العملاقة التي صُرف عليها الملايين من قوت الشعب وهي تُكسّر وتُحطّم، أو تُضرب بالأحذية والنعال أو تُمزّق وتُشوّه في العديد من بلدان العرب، ممن كان يُهتَف لأصحابها قبل يومٍ واحد نفديك بالروح والدم، وممن كانوا يُنعتون قبل أيام قليلة بأوصاف العظمة وتُطلق عليهم كل الألقاب الفخيمة، وإذا الأمر بين يوم وليلة، دقت فيهما ساعة الفرج، أن لارجوع وإلى الأمام، وتحركت فيها شعوبٌ تكدّس في أعماقها امتهان وإذلال عشرات السنين، وتراكم فيها الإفقار والتجويع لعقود، فإذا هو غضب ساطع وتسونامي أمة، يقتلع محتقريها وناهبيها ومجوّعيها مابين راحلٍ ومُتنحٍّ ومتنّحٍ ومتنحنحٍ واحداً من بعد الآخر، وحالُ الجميع – مَنْ مضى منهم ومن ينتظر – أوهام ومزاعم، أن بلده ليست ذاك البلد، وأن شعبه ليس ذاك الشعب وأنه ليس كذاك الرئيس، بل شعبه ملتف حول قيادته، وقيادته في خدمة الشعب، والشعب والقيادة بين لاففٍ وملتفٍ وملفوف.
عموماً، مهما كان سبب الإزالة فهو خطوة في الاتجاه الصحيح، نأمل أن تكتمل قريباً على أية حال لرفع كل مظاهر الشخصنة والتقديس للفرد في حياتنا العامة مما لاعلاقة له بمظاهر الدولة المدنية المتحضرة. أما تساؤلات البعض من أصحاب النوايا السيئة على النظام بأن أمراً مثل هذا احتاج أكثر من عشر سنين ليأخذ دوره في الإنجاز، فكم نحن محتاجون لعمل إصلاحات حقيقية دستورية مرتبطة بإطلاق الحريات واعتماد دولة المواطنة والقانون وإلغاء حالة الطوارئ ومظاهر العسكرة والرعب من حياة الناس والتعامل الأمني معهم ومحاسبة لصوص المال العام والنهوض بالاقتصاد والقضاء على الفقر والبطالة..!؟ فبعض الجواب كان في كلام للرئيس الأسد بأنه سيشرع في إصلاحات سياسية واقتصادية، وإنما لكي نكون واقعيين علينا ان ننتظر الجيل القادم لتحقيق هذا الإصلاح.
وعليه، فإننا أمام تساؤلات مشروعة وإجابات بإصلاحات موعودة، بعضها متأخر، وكثيرها ينتظر إلى الجيل القادم، ودومينو تساقط الأنظمة العربية القمعية والأمنية مستمر فيما يبدو ولن ينتظر المتأخرين، بل ولن يرحم المراهنين على توقف هذا التساقط عند الرئيس الليبي وعائلته بما يرتكبونه بحق أهلنا وشعبنا من مذابح ومجازر وقصف لهم بالطائرات والدبابات، فرهانهم وإن دعموا القذافي وأولاده وأيّدوه وساندوه خاسرٌ خاسر، وجهدهم في رمي حبال إنقاذ له أشد خسارة، وإنما هل من مدّكر..!