“خلفيات الثورة” بين البعد الاقتصادي والمصالح الإقليمية والدولية دحض أوهام الدولة ذات “الاكتفاء الذاتي” والكشف عن جرح التسلّط/جوزف باسيل
توضح الدراسات الواردة في كتاب “خلفيات الثورة” الاسباب الحقيقية والمحتملة التي أدت الى قيام الثورة، خصوصاً البعد الاقتصادي الذي سبق ان نسجت حوله اوهام تفيد ان الشعب السوري يعيش في اكتفاء ذاتي وتتوافر له كل مقومات الحياة الطبيعية، والدليل ان الدولة السورية غير مديونة، كلام جميل لكنه لا يعكس حقيقة الوضع الاقتصادي ولا حالة الفقر شبه العامة… وليس السبب الاقتصادي وحدّه مفجِّر الثورات.
يحسم الكتاب الصادر عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في 623 صفحة فكرة ان الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية ليست السبب المباشر للثورة، لكنها تؤثر في مسارها، وفهمها لازم لتتبع المجريات.
ان الثورات العربية انطلقت نتيجة المعاناة الشديدة التي تتعلق بالكرامة والحرية والحد الادنى من الظروف الانسانية التي ينشدها “المواطن” العربي، على ضآلة ما يحمل مفهوم “المواطن” من معنى في البلدان العربية، ولم تأت نتيجة النية الاقتصادية والاجتماعية القادرة على اتمام التحولات الديموقراطية بنجاح.
أهدرت الانظمة العربية الفرص التي أتيحت لتحول ديموقراطي متتابع وطبيعي وسقط الاسلام السياسي الذي تنكب الحكم تحت اثقال محموله الايديولوجي الديني المتخلف.
البناء الجديد ثقيل بمفاهيم المواطنية والديموقراطية وحقوق الانسان، وكل معطيات النهضة الحديثة، اما البنية التحتية فمتصدعة ومتخلفة عن القدرة على حمل المفاهيم الحديثة.
تحاول بحوث الكتاب ودراساته ان تقارب بعض اتجاهات البنية الاجتماعية العميقة بحس نقدي يطرح القضايا في صيغة اسئلة واشكاليات، وبذلك توفر معرفة افضل لخلفيات الثورة في سوريا ومسارها وتطور بعض ظواهرها في ضوء تحليل كمي، نوعي نقدي مركب، يستند الى قائمة موثوق بها من البيانات والمؤشرات.
انتج الباحثون السوريون الدراسات في زخم عملية التحول الكبرى الجارية في سوريا، تحت الضغوط والانفعالات والتفاعل مع الحدث اليومي المباشر، لكنهم جهدوا في المحافظة على المستوى النقدي العلمي في مقارباتهم وتحليلهم.
وكشفت مجموعة المقاربات عن آلية مفهومية جديدة في لغة البحث الاجتماعي – السياسي السوري، تفكر في الثورة على مستواها العميق وتشير الى فاعلية الفكر النقدي لدى الباحثين السوريين.
يضم الكتاب اربعة عشر بحثا لباحثين سوريين، وقد صنفت في ثلاثة اقسام هي: اسئلة التنمية المأزومة والثورة، اسئلة التسلطية والمعارضة والحركات السياسية، اسئلة الابعاد الجيو – سياسية لتحولات الثورة.
خلاصة الدراسات ان النظام لم يستطع التعامل بايجابية ومرونة مع المطالب الشعبية، لأن بنيته هشة لا تحتمل التغييرات البنيوية، مهما كانت محدودة، بحسب نبيل مرزوق. اما منذر خدام فيتوصل في بحثه الى ان اربعة عقود من بنية اقتصادية محكومة بآليات الفساد العميقة والمتغلغلة حالت دون الاصلاحات الحقيقية والضرورية. واذا كانت الثورة قامت على مطالب الحرية والكرامة، فإن جذورها عميقة في الواقع الاقتصادية. وتميز بحث سمير سعيفان بالمعلومات المستندة الى البيانات والخبرات التي توصلت الى ان “رأسمالية جديدة”، نشأت في سوريا من “طبقة عائلية من ابناء المسؤولين او اقربائهم او محاسيبهم” والتي استأثرت بالدخل القومي. ويربط بين استخدام السلطة لانتاج ثروات شخصية واستخدام السيطرة الاقتصادية لتعزيز السيطرة السياسية.
وعالج حسني العظمة في موضوع البيئة والتنمية، اختلال التوازن في غوطة دمشق بين “الحمل السكاني” غير المحدود ومحدودية “حمولة الموارد”، ففيها تجمد المشكلة السكانية. وحالة الفقر المتزايدة.
ويقارب جاد عبد الكريم “البنية التسلطية للنظام السوري” وتدرجه من نظام الحزب الواحد الى العائلة الواحدة ويرصد صوت المعارضة السلطية في مرحلة الانتقال من الاب الى الابن.
ويميز خضر زكريا بين “المعارضة الحزبية التقليدية في سوريا” وبين “شباب الثورة” في الاولى احياء للمجتمع المدني وبروز ظاهرة المنتديات الثقافية – السياسية، وفي الثانية القوى المسلحة.
ويرصد حازم نهار في “نقد الخطاب السياسي للمعارضة خلال الثورة” بنية الخطاب القائمة على: الغوغائي، المخفق والمهزوم سلفاً، الوسطي لا تقبل به السلطة ولا المعارضة، والثوري – السياسي العقلاني. ويكشف عن عيوب بنيوية في الخطاب ابرزها: الكل ضد الكل، التشهير ظاهرة الذاتي الفردي، التنازع على المناصب، العجز عن استمرار عمل جماعي.
ويخلص الى ضمور السياسة لدى النظام ومعارضيه.
ويقترح آزاد احمد علي بعض المفاهيم الاساسية المنتجة نظرياً في فهم تحولات مجتمع اكراد سوريا وعلاقتهم بالنظام، ويرصد مدى الانخراط في الثورة والتحفظ عنها.
ويبرز نيروز ساتيك الطائفية التي تحولت حالة، ويرفض تصوير النظام السوري التناقض بينه وبين المعارضة على انه تناقض طائفي. ويبحث في الحالة الطائفية في حمص مستخدماً بيانات علمية وخرائط مجالية – طائفية عن خطوط التماس والصراع، فيكون بحثه أول محاولة علمية خارج التحزبات السياسوية السائدة او التبريرية للبحث في ما يجري من جرائم طائفية.
ويعرض حمزة المصطفى دور وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها “قضاء” خارج التحكم السلطوي. في القسم الثالث “اسئلة الابعاد الجيو – سياسية لتحولات الثورة”، يحلل مروان قبلان “موقع السياسة والعلاقات الدولية في الصراع على سوريا: تضارب المصالح وتقاطعها في الازمة السورية”، ما حولها اصطفافاً اقليمياً ودولياً غير مسبوق في معسكرين منذ نهاية الحرب الباردة ويبحث علي حسين باكير في السياستين الروسية والتركية حيال الثورة السورية، وتوازن المصالح بين القوى وانكشاف التناقضات في السياسات وترسيم الحدود الفاصلة بين المشروعين الاقليميين الايراني والتركي.
ويحدد منذر بدر حلوم “ركائز الموقف الروسي من الثورة السورية” بالاستناد الى مصالحها في سوريا وفي المنطقة وعلاقتها باسرائيل وتأثير ما يجري في سوريا بالداخل الروسي.
اجابت الدراسات بصراحة ووضوح عن التساؤلات المطروحة في القضايا السورية وكانت الاجابات موضوعية ودقيقة واحياناً قصرت بسبب التطورات السريعة للأزمة.