خيارات واعدة ومخاطر/ ميشيل كيلو
يمكن للتدخل التركي في شمال سورية أن يصحح أوضاعنا السورية المعوجة، ويحسّن أحوالنا السيئة، لأسباب ثلاثة:
ـ الصفقة التي عقدتها أنقرة مع واشنطن، وتقوم على محاربة تنظيم داعش وقواته والقضاء عليهما مقابل موافقتها على “ضبط الحالة الكردية”، والاستعاضة عن “قوات حماية الشعب” التابعة لحزب المجتمع الديمقراطي، الفرع السوري لحركة “البي كاكا” الكردية التركية، بقوات من الجيش الحر، تقوم بمهام القوة البرية المطلوبة أميركياً لقتال الإرهاب، عوضا عن جنود جيش واشنطن. إذا كانت القوات قد قدمت حلا جزئيا لحاجة أميركا إلى قوات أرضية، تردف حربها الجوية ضد “داعش”، فإن تبنيها مشروعاً قومياً غامض الملامح، يضمر مشكلات متشعبة، تستطيع نسف أي حل، وبالأحرى استقرار قد تبلغه سورية، وتهديد أمن تركيا وسلامها ونهضتها، وإضعاف فرص البديل الديمقراطي، والإسهام في إطالة عمر النظام الأسدي الذي دعم “القوات” بجميع قواه.
بالجيش الحر بديلاً، سيتم حتما تقييد دور الأطراف المقاتلة الأخرى، وهذا مصلحة سورية لا لبس فيها، وستتوفر للأميركيين والأتراك قوة أرضية، يعزز نموها الخيار الديمقراطي والوطني السوري، ويضعف النظام. هذا الوضع يتيح فرصة حقيقية لفتح باب الحوار مع الكرد السوريين، بمختلف أحزابهم وتشكيلاتهم السياسية والعسكرية، وللوصول إلى تفاهم نهائي حول الحلول المطلوبة لمشكلات سورية القومية، يحفظ حقوق الكرد، ويصون مصالحهم، في مقابل دور متوافق عليه، يلعبونه في إطار الرهان الوطني الديمقراطي العام، القائم على وحدة الدولة والمجتمع، وتلبية حقوق مكونات الجماعة الوطنية السورية، يعيد دمج الحراك الكردي في الحراك السوري الديمقراطي العام، ويمكّنه من استعادة مكانه المميز والمهم فيه، الذي جعل منه حراكا طليعيا وقياديا في النضال الوطني والديمقراطي السوري، نيفاً ونصف قرن.
ـ يتخطى الالتزام بضرب داعش المنطقة الآمنة التي ستكون خالية من حضورها ومخاطرها إلى نمط النظام السوري الواجب القيام بعد الأسد، ويؤسس ميزان قوى، يعيد إحياء معادلة الثورة الأولى التي كانت تحتم قيام بديل ديمقراطي للاستبداد الأسدي. يعزز التفاهم التركي/ الأميركي هذه المعادلة، ويعطي لشطب “داعش” معنى واحداً، هو التخلص منها بديلاً، يمتلك فرصة كبيرة في صراع القوى السورية على السلطة، وجعل الخيار الديمقراطي محتماً، وإقناع العالم بنضج شروط الانتقال من الأسدية إلى الحرية، في حال نجحت المعارضة في التخلص من عيوبها الكثيرة جداً، وبناء نفسها سياسياً وعسكرياً، بطرق تؤكد قدرتها على تحقيق خيار الحرية وإحباط أي خيار غيره.
بضرب “داعش” بقوة جيش حر متنامي القدرات، وباستمرار تهالك النظام واستثماره، ستتاح الفرصة لاستعادة رهان الثورة الأول: “الحرية للشعب السوري الواحد”، والديمقراطية بديلاً لا مهرب منه للاستبداد، واستعادة القوى الديمقراطية دورها ومكانتها رافعة للثورة، وقوة مؤهلة لحسم الصراع لصالح شعب سورية الموحد ودولته المستقلة. هذا أيضا مكسب وطني وثوري، لا لبس فيه.
ـ ستقدم المنطقة الآمنة، بضمانة ميزان القوى الخارجي، التركي/ الأميركي، الإطار الضروري لضبط علاقات القوى الداخلية والإقليمية، بحيث تفضي إلى حل يطيح النظام المتحالف مع الإرهاب الإيراني. وهذا بدوره أعظم مصلحة وطنية وثورية سورية.
لكي لا نضيع هذه السانحة الفريدة بحساباتنا الصغيرة، علينا البدء، أخيراً، بترتيب أوضاعنا الذاتية بكل مسؤولية، وإبداء أقصى قدر من المرونة والتفهم حيال الكرد وحقوقهم، ومن التشدد تجاه “داعش” والإرهاب. وعلينا كذلك العمل لإنجاح الخطوة التركية، وإلا غدت عنصرًا إضافيا في الصراع الضاري الذي دمر بلادنا، واستنزفت ما لم يستنزف بعد من قوانا، وأطالت مأساة شعبنا القاتلة عوض إنهائها.
العربي الجديد