دروز سورية في قول آخر/ عدلي صادق
كلما أحس النظام السوري بافتضاح أكذوبة الممانعة والمقاومة التي يبرر بها بقاءه ويهاجم خصومه؛ تسمعه، بين حين وآخر، يسلط الضوء على مواطني هضبة الجولان الدروز، فيتحدث عن صمودهم وتعلقهم بوطنهم سورية، ويعرض على شاشة التلفزة لقطات يرفعون فيها علم الدولة، لا علم الثورة. ولسنا، هنا، في معرض تمحيص السياق التاريخي للعرب الدروز منذ نشأت فرقتهم. فهم، شأن كل العرب من كل المذاهب، لوّنوا تاريخهم بالدم، بانشقاقات دينية وعشائرية، ومنازعات على الحكم، والدروز ليسوا استثناءً. يهمنا من ذلك التاريخ، في هذه السطور، ما يتعلق بفصله الأخير، ولنقل منذ سقوط الجولان العام 1967. على هذا الصعيد، نلاحظ أن النظام السوري الذي ظل يتغنى بصمود “أهلنا في الجولان” لم يفكر، لحظة، في مطالبة (الأهل) بالمقاومة التي يثرثر عنها ليل نهار، على الرغم من إعلان العدو ضم هضبة الجولان.
من جهة، يُعد تعلق الدرزي، وهو ريفي أولاً وأساساً، بقريته وبأرضه، سمة رئيسة من سماته الشخصية، وتفرض هذه السمة عليه أحد خيارين: أن يلجأ إلى السكينة والمطاوعة، في حال عز المدد وتفشت الهزيمة العامة، لكي ينجو بقريته، أو أن ينتفض، ويقاتل دفاعاً عن الوطن قاطبة، وعن قضيته. وقد عُرف بنو معروف بشدة البأس. ففي حرب العام 1948، مثلاً، شكل دروز جبل العرب في سورية فوجاً مقاتلاً سموه فوج القادسية، من خمسمئة مجاهد، توزعوا في أربع سرايا (وكانت الجيوش العربية نفسها ضئيلة العدد) ابتاعوا سلاحهم من مالهم الخاص، وهبّوا للدفاع عن عروبة فلسطين، وقادهم شكيب وهاب وأبو الخير رضوان وواكد عامر ونواف عزام. هاجم أولئك الدروز، مراكز كثيرة ل “الهاغاناة” الصهيونية والمستوطنات. ولما أحكم اليهود الطوق على كتيبة شكيب وهاب في شفا عمرو، هبت لنجدته قرية يركا نفسها، مسقط رأس زعامات تقليدية تحالفت مع الصهيونية، وسقط نحو مائة شهيد درزي في معركة فك الحصار. وعندما دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين، حلّت فوج جبل العرب، وألحقت من أبلوا بلاءً حسناً في المعارك بجيش الإنقاذ، بقيادة فوزي القاوقجي، فارتبط الإسهام الدرزي في الفعل المقاوم بالفضاء العربي الذي أنتج الهزيمة.
عاد دروز سورية إلى جبل العرب، ولاذ دروز فلسطين إلى قراهم، في ظل قيادات عشائرية ومخاتير، عملاء كسائر العملاء، ساعدوا إسرائيل على فرض التجنيد على أبنائهم، وقد حاول الاحتلال تشويه وعيهم، والحجر على ذاكرتهم، وسلخهم عن عروبتهم، ودفعهم إلى ممارسة أسوأ الأعمال ضد إخوانهم الفلسطينيين، في الحروب وفي الاستخبارات.
يقول دروز الجولان إن لا احترام ولا ولاء للنظام الذي تركهم تحت الاحتلال في بطاح الجولان نحو نصف القرن، متلطياً بحجة المقاومة والممانعة “التي أثبتت زيفها وعجزها عن استرجاع حبة واحدة من تراب الجولان، مبيحة سماء الوطن وبحره وبره للعدو يجوبه في أربع جهاته. فيقيناً، لن يكون تحرير الجولان ممكناً إلا بتحرير الوطن من قيده الدامي. فشعب مقهور داخل وطنه لن يقوى على التحرر من أعدائه”.
كان صوت النخبة الدرزية في الجولان الذي سُمع مختلفاً، بل إنه، هذه المرة، ركز على أن هذا النظام ليس مؤهلاً لأن يعطي الناس دروساً في الوطنية، وهو الطائفي، ولا دروساً في القومية، وهو الذي يحميه الفرس لا العرب. فهو، “بتاريخه وبممارساته، بمثابة عدو، لا يختلف عن الاحتلال الإسرائيلي قيد أنملة”، حسب بيان وقعه عدد من وجهاء ومثقفي الدروز في الجولان، مؤداه أن زمن الضحك على الذقون ولى إلى الأبد، وأنهم يريدون الحرية.
إحدى وسائل اختبار الصدقية الوطنية والقومية للثوار، معارضي النظام، هي اختبار موقفهم من المكون الدرزي، وموقف هذا الأخير منهم، فمن العار أن ندع إسرائيل تنصب نفسها حامية للدروز.
العربي الجديد