دليلك المبسّط لكشف العملاء والأغبياء والجبناء وأخصامهم/ حسام عيتاني
يتوزع خصوم «حزب الله» في لبنان على ثلاث مجموعات كبيرة: العملاء والأغبياء والجبناء. تتدرج مستويات العمالة والغباء والجبن، وتتداخل في حالات معينة، لتشكل القماش الذي حيكت منه حصيرة اللبنانيين الرافضين سياسات الحزب وحلفائه ومواليه.
المجموعة الأهم بين المذكورين هي العملاء، طبعاً. فهؤلاء يخدمون المشاريع المعادية للمقاومة ويهددون بتسليم لبنان إلى العدو الإسرائيلي ويشكلون خنجراً جاهزاً لطعن المجاهدين في الظهر في كل لحظة ومتى حلت المناسبة. من بين العملاء من لا يعرف حقيقته، ويؤدي دوراً مرسوماً له من دون علم أو فهم. ومنهم من وقع مصادفة في هوة العمالة ولم يعد يستطيع الخروج منها. ومنهم من استمرأ طعم الخيانة واللعب مع الأعداء ويخوض في المستنقع عن سابق ترصد وتصميم. وهناك كارهو أنفسهم الذين خابت آمالهم في تبوؤ المراتب التي منّوا أنفسهم بها في جماعاتهم، فانهزموا إلى معسكر صهاينة الداخل. التعامل مع تنويعات نغمة العمالة هي القتل، يدعو إليه شباب المقاومين وشيبهم في وسائلهم الإعلامية.
ترفض هذه الرؤية المشتقة من الرؤى الشمولية الأكبر والأعمق، وجود «داخلٍ» واحدةٌ من سماته المؤسسة التعدد والصراع. فليس في الوجود سوى «خارج» متآمر ومعاد يتعين البحث عن حلفاء أقوياء لردعه وصده عن التطفل على عالمنا الطاهر. إنها الاستراتيجيا والجيوبوليتيك ضد السوسيولوجيا. لا اعتراف بالمجتمع وتناقضاته ما دام هناك عدو خارجي.
لكن، فلنبسط الأمر (ولو على طريقة خطابات الحليف بشار الأسد وتعريفاته): يتأسس الخلاف والتنوع بسبب تضارب المصالح المباشرة والمضمرة. فإذا تنازع جاران يقطنان المبنى ذاته على مكان ركن سيارتيهما، ظهر صراع بين الجارين حول مصلحة مباشرة وجلية. وعندما يلجأ كل منهما إلى اقرباء و/ أو جيران آخرين يتوسم فيهم السطوة والنفوذ لفرض الحل المواتي له، سيكون كل مطالب بالمكان المفضل في الموقف عميلاً للوجيه المحلي، في نظر خصمه. بكلمات ثانية: يعارض «العملاء» سياسات «حزب الله» بسبب تناقضها مع ما يرونه مصلحة للبلاد وفق تعريفاتهم ومصلحتهم. غني عن البيان أن العلاقات مع الحلفاء الخارجيين تأتي لإسناد محاولات الوقوف في وجه الحزب. باب الارتزاق والتجسس والتفاهة في القول والعمل مفتوح على مصراعيه، بداهة. بيد أن ذلك لا يلغي وجود مصالح لفئات عريضة من اللبنانيين، لا يخدمها بحال انضمام بلدهم إلى محور تقوده إيران، من دون أن تكون الأولوية إسداء الخدمات لإسرائيل وأميركا «كرهاً بالطهارة».
الصفة الثانية لمعارضي الحزب هي الغباء. يتجسد الغباء بتكرار الأخطاء ذاتها وتوقع الحصول على نتيجة مختلفة في كل مرة. فعند كل منعطف، يبدي المعارضون رفضهم خطوات الحزب، في السلم وفي الحرب. في قتال إسرائيل وفي المشاركة في قمع الثورة السورية. في تعطيله انتخاب رئيس للجمهورية وفي فرضه رئيساً من حلفائه. في تأخيره تشكيل الحكومة وفي تعظيم مواقع صبية سفهاء إلى مناصب مقررة لمصير لبنان واللبنانيين. الأدهى أن الأغبياء أولئك يعودون في كل مرة إلى الاعتراض على قرارات المقاومة على رغم علمهم المسبق أنها ستنتصر لأن «زمن الهزائم ولّى». ومن ميزات الأغبياء أنهم يصرون على التعامل مع الغرب الذي يتلقى الصفعة تلو الأخرى منذ عقود. فلا يرعوون ولا يتعظون. أليس ذلك غباء صافياً؟
لنتمهل قليلاً. التأييد الدائم للمنتصر (بغض النظر عن اسمه وكيفية تحقيقه انتصاره والقيم التي يحمل والمصالح التي يحقق والطبقات التي يخدم) ليس ذكاء. بل له اسم آخر: الانتهازية. غاية في السهولة أن يتحول المرء إلى متملق لكل قوي ومنتصر وطاغية. فهذا لا يتطلب ذكاء بل كفاءات أخرى لا مجال لذكرها هنا. الذكاء يتمثل في تحديد المصلحة العامة، مصلحة البلد والمؤسسات والفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة وضعفاً، والسعي للوصول إلى الحد الأقصى من العدالة، وفق المعطيات المتوافرة. سواء من خلال المجتمع المدني أو الأحزاب أو الإعلام أو العمل الثقافي والسياسي.
تستحق مقولة العلاقة مع الغرب شرحاً أطول. هنا يمد يساريون يد العون لإسباغ البعد التحرري الوطني والمناهض للإمبريالية على طروحات الحزب. الخصوم، وهم المسؤولون وحدهم عن الفساد المستشري وعن الدَيْن العام الهائل، يمثلون الفئة الأوليغاركية التي انتدبتها النيوليبرالية المعولمة لاستتباع لبنان اقتصادياً واجتماعياً، فيما يتولى البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية الجبهة السياسية والأمنية من المعركة. لا ينتبه يساريو «حزب الله» إلى أن المصارف الأكبر والأكثر شراسة وجشعاً هي في يد أنصار الحزب والمتفاهمين معه، ولا يرون أن من يسيّر العلاقات اليومية مع الغرب هم من رفعتهم المقاومة إلى مواقعهم الحالية. بل يصرون على أن فقراء طرابلس وعرسال وعكار هم ممثلو الكومبرادور ورأس حربة الشركات العابرة للقوميات، والدليل أن هؤلاء يعيدون في كل مرة انتخاب زعماء فاسدين. قهقهة عالية تنطلق أمام سذاجة تورية الخداع الطائفي بستار يساري.
يبقى هناك الجبناء. من أين جاءت هذه السبّة؟ من تمسكهم بالامتناع عن نقد أنفسهم ومراجعة أفكارهم وآرائهم بعدما أدت الثورات المزعومة التي أيدوها إلى تدمير العالم العربي وذهبت أحلامهم هباء منثوراً وأطلقت وحش الإرهاب من عقاله. ويريدون الإتيان بهذا الوباء إلى لبنان من خلال دفاعهم عن اللاجئين السوريين. أضف إلى ذلك أن جبنهم يمنعهم من المواجهة الحقيقية مع «شعب المقاومة» ومن الاعتراف بموقفهم الدقيق من إسرائيل.
تصدر هذه الآراء عن جرعات عالية من هرمون التستوستيرون الذكوري. لأن الجبن ليس من شيم «الرجال الرجال». من نافل القول أن المقاومين لم يروا بعضاً من الجبناء وقد ذهب في النقد إلى حد جلد الذات، وأن آخرين انهمكوا في البحث عن أسباب الفشل الرهيب للثورات العربية ولظاهرة الإرهاب، وأن ثمة من غير موقفه من مؤيد إلى معارض، وليس ناقداً فقط، لكل محاولة للتغيير السياسي في البلدان العربية متبيناً فكرة عدم نضوج الظروف للتغيير.
لكن، إذا كانت علامة الجبن هي عدم امتشاق السلاح والشروع في قتال «حزب الله» في الشوارع والقرى، فهذا إثبات لحقيقة أن تهمة الغباء ليست في مكانها تماماً.
الحياة