د. برهان غليون: نظام الأسد انتهى ولا نستبعد انقلابا عسكريا
قال برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري، إن “الجامعة العربية منحت النظام السوري الفرصة الأخيرة للخروج أو الانتقال الى مرحلة الديمقراطية، من دون احداث كوارث كبيرة أو إراقة المزيد من الدماء”. وأكد غليون في حوار مع “المجلة” أنه “ما من أحد اليوم يعتقد في نية تنفيذ النظام السوري بنود المبادرة ووقف العنف”. كما نفى غليون نية المجلس زيارة بغداد لمناقشة المبادرة العراقية. وقال إنه “ليس لنا مصلحة في التنقل بين المبادرات فنضيع الوقت، أضعنا الكثير من الوقت والشعب السوري يقتل”. مؤكدا في الوقت نفسه على دور الجيش السوري الحر في حماية المدنيين واعتقاده الراسخ في انتصار الشعب على نظام يلفظ أنفاسه الأخيرة.
عشية زيارة بعثة مراقبي جامعة الدول العربية إلى مدينة حمص، التي تتعرض الى هجوم عسكري كبير من القوات السورية، وبهدف وقف العنف الذي أسفر عن سقوط آلاف القتلى منذ منتصف مارس (آذار)، ووسط دعوات المعارضة السورية لبعثة المراقبين بالوقوف على حقيقة ما تتعرض له هذه المدينة وغيرها من المدن والقرى السورية من ابادة جماعية، أخذ المجلس الوطني السوري على عاتقه مسؤولية انجاح المبادرة والمضي في مساعيه لتبني مجلس الأمن المبادرة العربية ودعم تطبيقها.
“المجلة” سألت الدكتور برهان غليون عن مهمة البعثة العربية، والدور الاقليمي والدولي لوقف سيل الدماء في سوريا، وعن المعارضة السورية في الخارج فأكد ان “المجلس بذل جهودا استثنائية من اجل الاتصال بأعضاء بعثة المراقبين، من خلال لجنة تم تشكيها في دمشق، ومدهم بالمعلومات والاشراف على تطبيق بنود المبادرة العربية”.
وكشف عن أن “المجلس الوطني استطاع توسيع هيكليته ليضم طيفا واسعا من اطراف وشخصيات معارضة، منهم المعارض البارز هيثم المالح، والمفكر السوري صادق جلال العظم وآخرون”.
يذكر أنه تم اختيار برهان غليون رئيسا للمجلس الوطني الانتقالي الذي تشكل في 29 أغسطس (آب) الماضي بمدينة اسطنبول من 94 شخصية سورية بارزة من الداخل والخارج، وهو أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس، وعضو الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، وأحد المساهمين في النقاش الفكري والسياسي الراهن حول مستقبل العالم العربي.
وفيما يلي نص الحوار:
* تزامن مع وصول بعثة المراقبين الى سوريا، تفجيران كبيران في دمشق وقصف مدفعي لباب عمرو، وإحكام واضح من قبل النظام على تحركات البعثة، هل مازلتم تعولون على دور الجامعة العربية؟
ـ لا احد لديه ثقة بهذا النظام بما في ذلك الجامعة العربية، التي تدافع عن مبادرتها، ولا أحد يتوقع من هذا النظام تطبيق بنود المبادرة، الكل يتوقع من دمشق عرقلة تنفيذ المبادرة وافشالها، بمن فيهم الوزراء العرب الذين صاغوا المبادرة.. والنظام بالفعل بدأ بذلك من خلال التفجير الذي فبركه، والذي اسفر عن استشهاد وجرح عدد كبير من السوريين، واراد النظام من خلاله ارسال رسالة مفادها: انتبهوا أنا أعمل اي شيء من اجل اجهاض اي محاولة من شأنها كشف جرائمه، لذلك ليس هناك من يتفاءل بهذه المبادرة أو حتى الخطوة الاولى منها.
* اذا كانت الجامعة واثقة من عدم تنفيذ النظام السوري لبنود المبادرة، اذا ما مصلحة الجامعة العربية في اعطاء النظام فرصا أو حسب ما يطلق عليها الشارع السوري “المهل”؟
ـ الجامعة اعطت النظام الفرصة الأخيرة للخروج من الأزمة من دون احداث كوارث كبيرة واراقة مزيد من الدماء، واعتقد ان القسم الاكبر من الوزراء العرب الذين يقفون وراء المبادرة، ينتظرون افشالها من قبل النظام، حتى ينقلوا الملف الى مجلس الأمن، ونحن نستغرب من الجامعة العربية ارسال مراقبين، في وقت لم يطبق بعد البند الاول من المبادرة، التي تطالب النظام بسحب جميع المظاهر المسلحة من المدن ووقف القتل، والذي يعطي المعنى لمضمون المبادرة، وليس وجود المراقبين، ونحن نشهد بداية بسيطة غير مفهومة اساسا، على الجامعة العربية توضيحها، كيف ترسل فرق مراقبة من دون ان يتم التحقق من سحب القوات ووقف القتل.
* ولكن وليد المعلم أعلن عن تعديل 70 في المائة من بنود المبادرة، وان توقيع البرتوكول ليس له علاقة بتنفيذ المبادرة، والجامعة لم تعلق على هذه التصريحات، هل الجامعة بدأت تتراخى في مواقفها، وهل هناك ضغوط على الجامعة بدأت تظهر من خلال عدم الوضوح الذي تحدثت عنه؟
ـ مازال هناك وزراء عرب في اللجنة الوزارية للجامعة العربية يعولون على النظام السوري، وبعض الدول مثل لبنان والعراق واليمن وربما الجزائر، لا تراهن على النظام السوري، وإنما لا تريد كشف أو فضح أوراقه، وبكل الأحوال ليس هؤلاء من كانوا وراء المبادرة، انما 19 دولة عربية، وهذه الدول اشترطت وقف القتل، ونحن نطالبهم باحترام التزاماتهم تجاه الشعب السوري، واعتقد ان قسما كبيرا منهم سيحترم هذه الالتزامات.
* هل مازالت لديكم اتصالات مع الجامعة، وهل هناك تنسيق بينكم وبينها لعمل بعثة المراقبين؟
ـ نحن قمنا بجهود استثنائية من أجل الاتصال بأعضاء البعثة، وشكلنا لجنة في دمشق للاتصال بهم ومدهم بالمعلومات، والاشراف على تطبيق بنود المبادرة العربية، كما انني حاولت الاتصال قبل أيام بالجامعة العربية، على الرغم من عدم تمكني من التحدث مع الأمين العام، الا انني سأتصل مجددا لمتابعة هذا الموضوع، واطلاعه على تساؤلاتنا حول عمل اللجنة، وكيفية ارسال لجنة قبل تطبيق البند الأول من المبادرة.
* هل عدد المراقبين كاف لإنجاز مهمتهم؟
ـ لا يمكن أن تنجح لجنة مراقبة إن لم تستوفِ شروطها، واعتقد أن 200 مراقب أو حتى 300 مراقب عدد غير كاف، ولا يمكن أن تقنع أي عاقل، مثلا في البوسنة والهرسك كان عدد المراقبين ما يقارب الـ3000 مراقب، وهي منطقة اقل كثافة سكانية من سوريا واقل مساحة، واعتقد أن الحديث عن 150 مراقبا أو حتى 500 مراقب، حديث يدل على عدم الجدية في التعامل مع الوضع على ارض الواقع، بخاصة اننا امام نظام متمرس في المراوغة والكذب والخداع، ومن اجل اعطاء المبادرة فرص نجاح اكبر، يجب توسيع قاعدة اعضاء البعثة، والاستفادة من هيئات دولية لديها خبرة على التعامل على أرض الواقع مع أوضاع تشبه ما يجري في سوريا، والجامعة العربية ليس لديها خبرة بهذا الخصوص.
مهمة المراقبين
* ولكن النظام اشترط أن تضم البعثة مراقبين عربا فقط، ترشحهم دولهم للقيام بهذه المهمة، مقابل التوقيع على البرتوكول إضافة إلى شروط أخرى؟
ـ نحن لا نقول بأن يكون المراقبون أجانب، وانما هيئات دولية يمكنها المساهمة في انجاح مهمة المراقبين، ويمكن للدول العربية ان تقدم عددا اكبر مما طرحته من اسماء، لتكون ضمن بعثة المراقبين.
* ما رأيكم في تشكيلة البعثة والشخصيات التي تضمها، هل انتم راضون عن هذه التشكيلة؟
ـ نحن لا نتدخل في الشخصيات، هذه مسؤولية الجامعة، التي تختار الشخصيات والتأطير العام لعمل اللجنة. وما نريده هو ان يكون هناك تأطير حرفي ومهني من قبل منظمات دولية ذات خبرة في المراقبة، ويجب ان يرتفع عدد اعضاء بعثة المراقبة الى 2000 مراقب كحد أدنى، ونريد ان تكون مهمات هذه البعثة واضحة، وفي اعتقادي ان الخطأ الرئيس الذي وقعت فيه الجامعة، هو أن البعثة ارسلت بدون مهمات واضحة، والتي يجب ان تكون مراقبة تنفيذ النظام لبنود المبادرة. اذا قبلنا بوجود البعثة من دون تنفيذ للمبادرة، فأنا لا أفهم ماهي مهمة المراقبين إذا، هل مهمتهم أن يقولوا إن هناك قوات عسكرية تهاجم المدن، وان هناك مظاهرات وقتلا. كل هذا نعرفه وتنقله وسائل الاعلام، نحن نريد من لجنة المراقبة أن تكشف هل نفذ النظام وعوده والتزامه تجاه العرب بوقف القتل، وسحب القوات الأمنية والشبيحة أم لا.
* بعد كل ما ذكرت، هل تعتقد أن الجامعة جادة في ما تصبو اليه، وما أعلنت عنه من دور اناطته بنفسها لحل الأزمة السورية؟
ـ خلال الأيام المقبلة سيظهر مدى جدية الجامعة، المؤشرات الحالية لا توحي بجدية، ولكننا لا نريد ان نقضي على المبادرة من دون منحها كل الفرص لإنجاحها، نريد ان نساعد على ذلك.
لا لمبادرات أخرى
* هناك مزاحمة لمبادرة الجامعة بمبادرة تقدمت بها العراق، وهم يرون في مبادرتهم أنها تحمل الحل الدائم للأزمة السورية بخلاف مبادرة الجامعة العربية، التي تحاول حماية المدنيين، كيف تنظرون الى هذه المبادرة؟
ـ نحن بدأنا نستغرب من مسائل المبادرات المتعددة، قيل لنا ان هناك مبادرة عراقية تريد ان تصل بسوريا الى حل دائم، ولكننا لم نر معالم هذه المبادرة، لم نطلع عليها، سمعنا بها في الصحافة، وعندما سألت احد المسؤولين العراقيين خلال اتصال اجراه معي، اوضحت له اننا لا نريد مبادرات جديدة وطلبت منهم دعم مبادرة الجامعة العربية، ليس لنا مصلحة في التنقل بين المبادرات واضاعة الوقت، اضعنا الكثير من الوقت والشعب السوري يقتل.
* ولكن جاء على لسان مسؤول عراقي، أن هناك وفدا من المجلس ينوي زيارة العراق لبحث المبادرة؟
ـ أنا أنفي، ليس هناك شيء من هذا القبيل، والمسؤول العراقي نفى ان تكون هناك مبادرة، وهذا منذ أقل من اسبوع، ووجه لنا دعوة لزيارة المالكي وليس نقاش أي مبادرة، ونريد ان تقف هذه المبادرات التي تعطي للنظام مهلا اكثر، المسؤول العراقي اكد لي انه ليس لديهم اي مبادرة جديدة، ودعانا الى زيارة العراق للتباحث، وأنا اشترطت عليه بألا تكون هناك مبادرة، وألا يكون هناك مزيد من تضييع الوقت، اذا كانت المباحثات حول تحسين شروط انجاح المبادرة العربية فلا بأس.
* في رأيك هل المبادرات العربية ومساعيها خففت من وتيرة التحركات الأوروبية، وهل تدويل الأزمة أرجئ أم علق الى اشعار آخر؟
ـ لا، العالم كله مقتنع بأنه في عدم وجود دعم عربي، لن يكون هناك اي نجاح لأي مبادرة، ولم تكن هناك أية مبادرات، انما مساع للحصول على قرار من مجلس الأمن صوتت ضده روسيا والصين، والمبادرة الرئيسة يجب أن تأتي من الصف العربي، كما اننا نشدد على ضرورة ان يصبح للجامعة العربية دور فاعل في حل الخلافات والنزاعات والصراعات السياسية داخل بلدان العالم العربي، ليست للمبادرة العربية بديل، ولكن هذا لا يمنع حصول اي تدخل انساني لحماية الشعب السوري، وهذا لن يكون من دون موقف الجامعة العربية، لذلك على الجامعة العربية ان تستنفد فرصها حتى يمكن الانتقال من مبادرة عربية الى مبادرة عربية يتبناها مجلس الأمن.
بين مساعيكم وتحركات الشارع هوة، الا تتخوفون من نفاد صبر من في الداخل، وهم يقفون في الصف الأول ضد نظام الأسد، بخاصة بعد رفعهم شعارات تطالب بالتدخل خارجي؟
ـ الشارع يعاني معاناة كبيرة، والشعب السوري اثبت انه شعب عظيم، وبعد عشرة أشهر من الكفاح لم يقدم إليه أي دعم أو حتى مساعدات مادية ذات قيمة، نعترف بذلك، وأنا ضد التفريق بين المعارضة على اساس الداخل والخارج، واعتقد أن اليوم كل المعارضة السورية تريد اسقاط النظام السوري بكل رموزه، وليس هناك طرف في المعارضة السورية يقبل بالحوار مع بشار الأسد.
انتقادات
* إلى أين وصلت مساعيكم لضم شخصيات وأطراف معارضة اتهمتكم سابقا بالإقصاء، وهو الأمر الذي جلب إلى المجلس العديد من الانتقادات العربية والأوروبية؟
ـ المجلس الوطني تشكل نتيجة ائتلاف سبعة أطراف من المعارضة، وكان من الطبيعي وقتها ان يكون الائتلاف مقتصرا على الذين ائتلفوا على تشكيل المجلس، ومن لم يدخل الائتلاف هو من رفض الدخول، وهذا ليس اقصاء. فهيئة التنسيق من القوى التي كانت قد دعيت الى الدخول في المجلس، ولم تقبل بالدعوة، وهذا لا يعني انها اقصيت، بالعكس.
* من هي أبرز الشخصيات التي قبلت الدعوة وضمت للمجلس أخيرا؟
ـ دخل هيثم المالح ووليد البني وصادق جلال العظم، اضافة الى اطراف عدة، وهناك دعوات الى العديد من الشخصيات والأطراف للانضمام الى المجلس، وجميع الشخصيات الوطنية من دون استثناء ستجد مكانها في المجلس اليوم أو غدا، نحن نقول ان هؤلاء الذين لا يريدون الدخول في المجلس الوطني، وهذا حقهم، كانوا لا يشاركون المجلس خياراته الاستراتيجية، حتى هؤلاء نحن نقول لهم إننا مستعدون للتنسيق معهم، لأن المجلس الوطني ليس حزبا، المجلس الوطني هو اداة من ادوات الكفاح من اجل انتصار الثورة، وأخيرا شكلنا وفدا للحوار مع بقية اطراف المعارضة في القاهرة، وتم اصدار وثيقة، توحد موقف المعارضة، وسوف تسلم الى الجامعة العربية.
* بعض المعارضين وصف المجلس الوطني بأنه هيكل إسلامي يمثله الإخوان المسلمون، وعقل علماني تمثله انت. إلى أي مدى يسيطر الإخوان على المجلس الوطني؟
ـ هذا الكلام أمر مبالغ فيه، فالمجلس يضم من الليبراليين اكثر بكثير مما يضم من الإسلاميين، انما ظهور الإسلاميين له علاقة بأمور عدة منها، التركيز الاعلامي الكبير عليهم، ومنها ما يتعلق بموقع الاسلامين في المعارضة. النظام يعتبر جميع الاسلاميين خونة ويقصيهم، وهذه احدى النقاط التي اختلفت المعارضة حولها مع النظام، بينما المعارضة دفعت ثمنا غاليا من اجل اعادة دمج الاسلاميين في الحركة الوطنية والدفاع ضمن الحراك المعارض، كما ان اجهزة النظام لعبت وماتزال تلعب على هذا الوتر، لتقول للناس ان المجلس الوطني اسلامي، في محاولة منها لإضعاف المعارضة وتشويه صورتها، والحقيقة ليست كذلك والمجلس مفتوح امام جميع القوى الاسلامية وغير الاسلامية.
* نبيل العربي وصف المعارضة بعدم النضوج بماذا ترد؟
ـ أنا لم اسمع بهذا التصريح.
* هل يعني طلب دول أوروبية وتركيزها على موضوع الأقليات أن تمثيلهم ضعيف؟
ـ نحن نتفهم حساسية الدول الغربية تجاه مسألة الأقليات. الحديث فيها ليس تعبيرا عن حقيقة وواقع، وانما تعبير عن التزامهم بواجبهم تجاه الاقليات، وهذا ليس له علاقة بواقع المجلس الوطني، فجميع مكونات وشرائح الشعب السوري ممثلة فيه، ربما ليست ممثلة بالتساوي، وهناك نقص بالمكتب التنفيذي بالتأكيد، فمثلا عدد النساء اقل بكثير مما ينبغي ان يكون عليه، وسببه ان المجلس مكون على اساس ائتلاف من قوى، وهذه القوى التي ائتلفت هي التي اختارت ممثليها، ولذلك هناك حاجة حقيقية من اجل سد الثغرات اليوم، وما لم تنجح فيه القوى المؤتلفة فينبغي ان يضاف انطلاقا من منطق وطني، وليس من منطق طائفي أو من منطق تقسيمي.
* كيف هي علاقاتكم مع المجلس الوطني الكردي؟
ـ نحن كنا على اتصالات دائمة مع الحركات والأحزاب والشخصيات الكردية قبل تشكيل المجلس الوطني الكردي، الذي تم تشكيله أخيرا، ونحن أبدينا رغبتنا في انضمام المجلس الوطني الكردي الى المجلس، وان يكون جزءا فاعلا في المجلس الوطني السوري.
* وهل المجلس الكردي لديه نية في الانضمام؟
ـ نعم لديهم نفس الرغبة، ومنذ يومين كنت في حديث مع رئيس المجلس الوطني الكردي، وكان هذا موضوع مباحثاتنا، واعتقد انهم ايضا الآن يفكرون في الطريقة التي يريدون من خلالها الانضمام الى المجلس ونوعية التمثيل، وهذا يتوقف عليهم ولا يتوقف علينا، نحن دعوناهم وندعوهم مجددا، ومكانهم محفوظ لم يملأ بعد، جميع المقاعد المخصصة للحركات والشخصيات الكردية، وليس هناك اي خلاف حول ملء هذه المقاعد، الا فيما يتعلق باتفاق الاكراد في ما بينهم عليه.
اعتراف سياسي
* مازال التعامل معكم كجهة سياسية معارضة، وليس كبديل شرعي للنظام، ألا يعني ذلك ان النظام السوري مازال متماسكا يصعب معه التسليم بتحقيق اهداف الثورة في اسقاط النظام؟ والى أي مدى تشتت المعارضة لعب دورا في هذا الخصوص؟
ـ صعب القول إن عدم توحيد المعارضة كان سببا في ذلك، ليس هناك معارضة في العالم موحدة ضمن اطار معين، كما انه مخالف لمبادئ الديمقراطية، والمطلوب من المعارضة السورية ان تكون على رأي وموقف موحد تجاه نظام يقتل شعبه وهذا ما تحقق بالتأكيد، وليس صحيحا ان النظام مايزال متماسكا، فهو انتهى على المستوى السياسي، وزير الخارجية السوري وليد المعلم لا يستطيع ان يخرج من دمشق، وعلى المستوى الاقتصادي هو الآن في حالة يرثى لها، وعلى المستوى الاجتماعي جميع الطبقات الاجتماعية تخلت عنه، حتى رجال الأعمال الذين كانوا يراهنون عليه بدأوا الآن يلتحقون بالمعارضة، معظمهم على الأقل.
على المستوى الأمني، النظام نفسه لم يعد يسيطر على الأرض، هو لم يعد قادرا على السيطرة حتى على دمشق، اذا كانت العملية الإجرامية التي حدثت أخيرا ليست من صنعه، فهذا دليل على انه فقد السيطرة على البلاد، واصبح وجوده في بعض المناطق كعصابة تضرب الشعب وتقتله، وليس كسلطة دولة، فكل هذا دليل ان النظام تفكك وهو في طريقه الى الانحلال.
ما هي مشكلة الاعتراف بالمجلس الوطني كبديل عن النظام، بخاصة مع دول مثل أميركا وفرنسا اللتين صعدتا من وتيرة الدعوات لتنحي بشار الأسد؟
ـ مشكلة الاعتراف اصبحت فيها اخطاء كبيرة، فهو شعار لم يفهم مضمونه بالضبط، جميع الدول التي تستقبلنا وتستقبل رئيس المجلس الوطني على مستوى رئاسة الحكومة أو وزراء الخارجية، تعترف بالمجلس الوطني السوري، والا لما استقبلتنا، هذا هو الاعتراف السياسي الحقيقي القوي، اما الاعتراف القانوني فيعني أننا بديل عن النظام الحاكم في سوريا، وهذا تتوقف عليه نتائج كثيرة منها سحب سفراء تلك الدول من سوريا، وطرد سفراء سوريا لديها، وتسليم السفارات لممثلين من المجلس الوطني، أي خلق دولة بديلة لدولة اخرى، وهذا الموضوع له تعقيدات قانونية وسياسية، وفي الوقت الحالي ليس هذا المطلوب، لا نريد ان ندخل في صراعات، ونحمل على عاتقنا ما لا نستطيع تحمله في هذه المرحلة، نحن لدنيا اعتراف سياسي والعديد من الدول تؤيدنا، وتطالب الاسد بالتنحي، المطلوب بالنسبة الى الشعب السوري هو اسقاط النظام.
* اسقاط النظام وبحسب مراقبين، لن يكون في الوقت القريب، ما هي قراءتك؟
ـ عدم سقوط النظام حتى الآن يعود لأسباب، منها دعم بعض الدول له، كإيران، وأيضا بسبب انه نظام مبني على العنف والقهر والقتل ويستبيح دماء شعبه، كما ان الموقع الحساس لسوريا الجيوسياسي الاستراتيجي، والذي جعل العديد من الدول تتخوف من الدخول منفردة ضد هذا النظام من دون دعم عربي أو قرار من مجلس الأمن. وهناك عوامل أخرى منها ايضا اصرار المعارضة على التماسك واحترام سيادة البلد، ورفضها لأي تدخل يسيء لهذه السيادة وهذا الاستقلال.
حماية من الداخل
* ماذا عن حماية المدنيين، من خلال إقامة منطقة عازلة وممرات انسانية، هل سترجأ هي الأخرى لحين الانتهاء من مهمة المراقبين؟
ـ نحن مصرون على مطالبنا بهذ الخصوص، وطالبنا بإقامة مناطق آمنة ومناطق عازلة لحماية الشعب حقيقة، لكن هذه الأمور يجب أن تمرر من خلال مجلس الأمن، وفي كل الأحوال نحن نفكر بخطط لحماية المدنيين من قبل السوريين. هناك وسائل كثيرة نحن ندرسها من اجل تأمين هذه الحماية، لن ننتظر حماية المدنيين من الخارج، وانما سنطور وسائل حماية المدنيين السوريين من الداخل، وهذه بدأت على كل حال.
* تقصد بالحماية الداخلية الجيش السوري الحر؟
ـ الجنود الأحرار طبعا هم أساس في نظام الحماية، لكن هناك ايضا نظم حماية مدنية قوية، يمكن ان نعمل عليها وسنطور الخطط حتى يستطيع المدنيون أن يحققوا اكبر حماية ممكنة.. لن ننتظر مجلس الأمن.
* كيف يتم التنسيق بينكم وبين قيادة الجيش السوري الحر، وهل يمكن تسمية الجيش السوري الحر بالذراع العسكرية للمجلس الوطني؟
ـ لا. المجلس الوطني ليس له ذراع عسكرية، المجلس يدعم الجيش الحر، وكل الفئات التي تقوم بحماية الشعب السوري، وحماية المحتجين وينسق مع الجميع، هناك تنسيق مع الجيش الحر ومشاورات، ونريد أن يكون الجيش الحر مستقلا ليس بذراع عسكرية لأي جهة سياسية معارضة، بخاصة ان الجيش الحر يشكل من دون شك، أحد ركائز حركة المقاومة الشعبية السورية ضد نظام الطغيان.
* ألا تتخوفون من أن الجيش الحر قد يفقد الثورة السورية سلميتها؟
ـ مخاوف شرعية، لكن الحقيقة وعلى ارض الواقع، الأمور مختلفة، الجيش الحر لا يخرج الا لحماية المتظاهرين، ليس هناك صعوبة لنبرهن على ذلك، يكفي مشاهدة القنوات التلفزيونية، يوميا نشاهد مئات الألوف من المتظاهرين، ولا نجد لا سلاحا ولا أي شيء، أليست هذه الثورة سلمية وشعبية؟ هذه هي حقيقة الثورة، وهؤلاء الجنود الأحرار أنفسهم حددوا وظيفتهم في حماية المدنين، وليس الدخول في حرب ضد أي أحد.
* كيف يتم دعم الجيش الحر لوجستيا؟
ـ نحن لا نتدخل، هم يأمنون، ومعظم هذه الأسلحة تأتي من مصادر سورية، من الجيش نفسه أو التي يستطيعون أن يأخذوها من مخازن الجيش السوري، وليس اكثر من ذلك.
* ما حقيقة تهريب أسلحة من دول الجوار إلى الجيش الحر؟
ـ ليست لدي معلومات كافية عن هذا الموضوع، كما لا أعتقد ان هناك تسليحا من قبل اطراف غير سورية، وكان هناك دائما تهريب للأسلحة من لبنان ومن العراق ومن الاردن، ومن مناطق اخرى وربما من تركيا، لكن اي نوع من الأسلحة، بمعنى انه عادة، السلاح المهرب هي عادة اسلحة خفيفة جدا للاستخدام الفردي، وهذا الشيء موجود ومتوفر ايضا في سورية، ومتوفر في كل مكان في العالم.
* هل يستطيع الجيش الحر أن يكون بديلا عن التدخل العسكري؟
ـ ليس وحده، لكن هو من دون شك، أحد أهم مرتكزات الحماية المدنية، لكن ينبغي علينا تطوير اشكال العمل المدني لحماية المدنين، واذا امكن تطوير المبادرة العربية، ستكون هناك ايضا وسائل جديدة، نحن الآن نعمل في هذا الإطار ولا نراهن حقيقة على تغير مجلس الأمن بسرعة، على الاقل في الأشهر القادمة، وانا اعتقد أن الشهرين القادمين، سيكونان حاسمين بالنسبة للنظام، ويمكن ان نشهد سقوط النظام قبل أن ننجح في استصدار قرار من مجلس الأمن حول اي نوع من التدخل.
* هل تعتقد في احتمالية حدوث انقلاب عسكري؟
ـ يعني لحد الآن لم يحصل انقلاب عسكري، ما يعني انه احتمال ضعيف، لكن لا ينبغي أن نستبعد أي احتمال حتى لو كان الاحتمال 30% في المائة، لا ينبغي ان نتجاهله لأنه وارد حصوله.
* الى أي مدى تعولون على الانشقاقات كبديل على الأقل عن الانقلاب العسكري؟
ـ هناك رسائل ترسل من قبل ضباط للانشقاق، على الأقل هناك رغبة كبيرة عند ضباط كثيرين في الانشقاق، هذا معروف بالنسبة إلينا، ولكن هل هناك مجموعات من الضباط ينضمون بشكل منهجي لقلب النظام، انا لا استبعد ذلك، لكن ليس لدينا معلومات مؤكدة حول هذا المحاولات.
صندوق أوروبي
* هل قدمت فرنسا أو دول أوروبية أخرى مساعدات مادية إليكم؟
ـ نحن طلبنا من مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، انشاء صندوق اوروبي لدعم الشعب السوري، تشترك فيه جميع الدول الأوروبية، والعديد من هذه الدول دعمت فكرة انشاء الصندوق، وننتظر الاعلان عن انشاء هذا الصندوق.
* الكثيرون عولوا على تغيير في الموقف الروسي عقب الإعلان عن طرحه مشروعا حول سوريا لمجلس الأمن، والذي لم ير النور بعد اعتراضات اميركية على المشروع، هل مازلتم مقتنعين بإمكانية حدوث تغيرات في مواقف موسكو؟
ـ أنا متفائل بتغيير بسيط، موسكو تدرك ان النظام السوري اصبح متهاويا، ووزارة الخارجية الروسية على اتصال دائم معنا، ودائما يرسلون لنا اشارات حول اعترافهم بحقوق الشعب السوري، ويعترفون ايضا بأن النظام السوري يرتكب الجرائم، وأتانا مبعوثون من موسكو أكثر من مرة ليؤكدوا لنا ذلك، ولست بصدد ذكر اسمائهم، ولكن روسيا ماتزال تطالبنا بالحوار مع النظام، ونحن اكدنا لهم مرارا ان النظام هو الذي قطع طريق الحوار، لأنه مستمر في القتل، ونطالبهم بأن يتأخذوا مواقف واضحة من الجرائم المرتكبة ضد الشعب، ولدى اتصالهم بنا قبل تقديم مشروعهم حول سوريا الى مجلس الأمن، طلبت منهم العمل الجاد المعبر عن ايمانهم بالشعب السوري وقضيته، وتميزه عن النظام، وانا انتظر منهم ان يتبنوا المبادرة العربية.
دول الجوار
* كيف تقيم دور المملكة العربية السعودية؟
ـ من الواضح ان دول الخليج ومن ضمنها المملكة العربية السعودية، صاحبة الموقف الأقوى اليوم في دعم الشعب السوري سياسيا وفي دعم المبادرة العربية، ومبادرة الجامعة العربية هي مبادرة خليجية في الدرجة الاولى، وهناك اجماع بين معظم دول الخليج على ان هذا النظام قد وصل الى حد من الشراسة والقتل والتدمير لم يعد من الممكن التعامل معه، واذا لم يعد من الممكن التعامل مع النظام، فالمصلحة الوطنية للبلدان المجاورة والبلدان الخليجية، هي ان تساهم في دعم حركة الشعب السوري، بما يضمن الحد الادنى من استقرار في المنطقة، والنظام السوري هو مصدر عدم استقرار، ليس للشعب السوري فقط، وانما للمنطقة بأكملها.
* تركيا دخلت مبكرا على خط الثورة السورية، من خلال العقوبات على النظام السوري، وحتى من ناحية ما يصفه البعض انه لعب دور ما، في تشكيل المجلس الوطني، كيف ترى الدور التركي؟
ـ المجلس الوطني الحالي، لم يشكل تحت رعاية تركية، ولم تتدخل تركيا في هيكليته، انما جاء نتيجة ائتلاف قوى معارضة من دون تدخل اي جهة كانت، وهذا لا يعني ان تركيا غير مؤيدة للمجلس الوطني، واضح ان هناك تأييدا كبيرا للمجلس الوطني وتأييدا كبيرا للمعارضة السورية ككل، وسياسة تركيا هي متناغمة مع سياسات المجموعة الدولية، ومع السياسات العربية، والمجلس الوطني اليوم يؤكد الدور العربي، وهو التزام سياسي واستراتيجي وبنفس الوقت عملي.
* الى ماذا ترد تراجع الدور التركي في المرحلة الحالية؟
ـ الاتراك في البداية من دون شك اتخذوا مواقف قوية، وكانت لديهم تقديرات مختلفة لحجم التحدي والضغط الذي سوف يشكلونه لاسقاط النظام السوري، وبلا شك ان قطع العلاقات الكلية مع النظام السوري شكل ضغطا على النظام، وحسب مناقشاتنا معهم، هم اصبحوا الآن ميالين الى فكرة عدم قدرة تركيا على العمل بشكل منفرد. ان أي دور يجب أن يكون منسجما مع الدور العربي والمساعي الدولية.
* الى أي مدى ستتقاطع مصالح سوريا من جهة، وايران وحزب الله من جهة اخرى، بعد تحقيقكم أهداف الثورة؟
ـ ليس هناك حديث عن قطع علاقات، وليس من المنطقي ان تقطع دولة علاقاتها مع دولة اخرى، حتى وإن لم تتخذ هذه الدول مواقف ايجابية تجاه قضية شعبنا، ولكن بالتأكيد هناك فرق بين علاقات مميزة وبين علاقات عادية، واعتقد انه لن يعود هناك مبرر بعد التغيير ان تكون هناك علاقات مميزة بين سوريا وايران، ولن يكون هناك محور ايراني ـ سوري ضد البلدان العربية الأخرى.
سوريا ستكون اقرب الى المنطقة العربية، اقرب الى اشقائها العرب منها الى اي دولة اخرى. ولا أفهم كيف يمكن أن ندافع عن وجود علاقات مميزة بعد التغيير بين سوريا الجديدة وايران، اذا كانت طهران حتى اليوم تساهم مساهمة علنية في دعم النظام السوري ضد شعبه، هذا شيء خارج عن نطاق العقل.
وفي ما يخص حزب الله، فإنه سيغير موقفه مع تغير الوضع في سوريا، ومهما قلنا اليوم فليس له قيمة، فالشعب السوري من خلال برلمانه المنتخب، هو الذي سيحدد سياسة سوريا المقبلة، وليس المجلس الوطني.
* هل أنت متفائل بمستقبل الثورة السورية؟
ـ أنا لست فقط متفائلا، انا متأكد 100 في المائة من ان انتصار الشعب تحقق، وأن الشعب انتصر، ولكنه يحتاج الى استكمال هذه المهمة لتخليص البلاد من هذه الآفة التي اسمها نظام الأسد، وليس هناك شك على الاطلاق، في أن انتصار السوريين سيكون قريبا جدا.
المجلة – روشن قاسم