ربّنا يستر
أحمد بزون
هل نقبل حكم «الأخوان المسلمين» الذي يعقب الانتفاضات العربية؟ سؤال طرحه حكام عرب قبل خلعهم، وحذروا منه، وما زال يطرحه ويحذر منه مَنْ تبقى منهم على العرش. هل يجيب العلمانيون بالطريقة نفسها، فيرفضوا أي تغيير خوفاً من وصول «الأخوان» إلى السلطة؟ مثل هذه الأسئلة تتردد كثيراً هذه الأيام، إلا أن الإجابات عنها تذهب في أكثر من اتجاه.
قد لا يختلف أحد على أن الانتفاضات الجارية ما هي إلا رد فعل طبيعي على فشل الأنظمة والحركات القومية العربية، وفشل تجربة الاتحاد السوفياتي التي هزت معها اليسار العربي وشلت عمله، إضافة إلى الهزائم المتكررة التي أصابت العرب، سلطات وأحزاباً، من قبل العدو الصهيوني. إن الانتفاضات التي اتخذت ألواناً عدة، شبابية وعفوية ويسارية وفايسبوكية، وسوى ذلك من التسميات، لم يكن فيها طرف أساسي منظَّم وجاهز للحضور في ساحة البدائل غير الإسلاميين، الذين كانوا يعتبرون أنهم لم يهزموا، لكونهم كانوا مضطهدين من السلطات، بل إن أيديولوجيتهم لم تهزم لأنها لم تجرَّب، في الوقت الذي طالت الهزيمة فيه الأيديولوجيات الأخرى.
لعل تجربة «حزب الله» في لبنان لعبت دوراً في دفع الاتجاه الإسلامي في المنطقة، وإن بطريقة غير مباشرة، إلى إثبات قدرة الإسلاميين على أن يكونوا البديل الفعلي، وأن يملأوا ذلك الفراغ الكبير الذي تركته سلسلة الهزائم ولائحة المهزومين.
نحن، بالفعل، أمام واقع مرّ، لأنه يفضي إلى حكم الإسلاميين الذي يعقب كل انتفاضة، وهذا ما حصل، للأسف، في تونس ومصر وليبيا، وسوف يحصل ربما في اليمن وسوريا وسواهما، وعبر الانتخابات الديموقراطية التي تثبت حكم الأكثرية… فهل يقبل العلمانيون هذا الواقع أم يرفضونه؟
لا نستطيع إلا أن نقبل هذا الواقع، ذلك أننا لا يمكن أن نرفض نتائج الانتخابات إلا بالنضال من جديد لقلب المعادلات، وهذا لن يحصل من دون أن يثبت بالتجربة فشل قيادة حزب ديني لدفة السلطة، ذلك أن الدساتير الدينية لا يمكن أن تعايش العصر الجديد أو تماشي تطور القوانين المدنية، وبالتالي فالأحزاب الدينية لا يمكن أن تحكم إلا بقوانين مدنية، فحاجات الإنسان المتبدلة بين عصر وآخر لا يناسبها نص ثابت.
مع ذلك، لا بد من أن نقبل بحكم «الأخوان»، وإن كنا لا نتمناه، فنحن أمام مرحلة إجبارية لا يمكن تخطيها، مرحلة يتثبت خلالها الجمهور العريض أن الدين يبني إنساناً صالحاً، لكنه لا يبني وطناً أو دولة، ومجرد طموح الأيديولوجيات الدينية في اتجاه السلطة سوف يحدث إرباكاً وتحديات لا هروب من اتخاذها شكلاً طائفياً ومذهبياً.
تصوروا، مثلاً، أن أحزاباً أخرى دينية مسيحية ويهودية وغير سماوية تسلمت سلطات العالم الأخرى. كيف يكون العالم؟ وكيف تكون الأمم المتحدة في ظل عدم التخلي عن الطموحات التبشيرية؟ لا شك، سوف نشغل العالم في رسم خرائط جديدة لحدود الطوائف والمذاهب، وخرائط جديدة لصراعات لا تنتهي. ربنا يستر.
السفير