رزان وسميرة ووائل وناظم/ زيـاد مـاجد
مضى أسبوعٌ على خطف رزان زيتونة وسميرة الخليل ووائل حمادة وناظم حمادي من منزلهم في دوما المحرّرة (داخل الغوطة المحاصرة)، حيث يُقيمون ويعملون في “مركز توثيق الانتهاكات”.
مضى أسبوع، والصمت المريب مخيّمٌ على أجسام المعارضة السورية “الرسمية” تجاه هذا الحدث الجلل (كما تجاه أحداث خطفٍ عديدة سبقته في مناطق محرّرة)، وبيانات نفي المسؤولية والإعلان عن تحقيقات أمنيّة يُجريها “جيش الإسلام” – القوة العسكرية المسيطرة في دوما ومنطقتها والمُؤتمنة على سلامة بناتها وأبنائها – لا تُقدّم مادةً مقنِعة ولا تفيدُ لطمأنة عائلات المخطوفين وزملائهم المنخرطين في الثورة السورية منذ يومها الأول.
وإذا كانت جميع عمليّات الخطف المستهدِفة مدنيّين تتطلّب موقفاً حاسماً وإدانةً لسلوك منفّذيها بلا لبس أو تردّد، فإن للحادثة الأخيرة شأناً خاصاً وإدانةً مضاعفة، لمزايا المخطوفين فيها، ولكون منطقة الخطف منطقةً لا يمكن القول إن طرفاً من خارج معادلة الصراع مع النظام يسيطر عليها ويقضم ثوّارها، كما حصل ويحصل في الرّقة أو في بعض مناطق دير الزور وحلب وإدلب.
فدُوما بقواها الشعبية كما العسكرية في قلب الثورة بمعزل عن كل التباسات سياسية وعقائدية، وهي لا تبعد كثيراً عن خطوط الجبهة مع النظام في الموقع الأكثر حساسية وأهمّية له، أي العاصمة دمشق، ولا حضور يُذكر لـ”داعش” فيها.
وإن توقّفنا عند أشخاص المخطوفين وأدوارهم في الثورة، فلا توصيف يفي جهودهم حقّها: من رزان زيتونة، المحامية المتفرّغة منذ أكثر من عشر سنوات للدفاع عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي في سوريا، إسلاميّين وعلمانيّين، والعاملة منذ انطلاق الثورة في “لجان التنسيق المحلية” وفي “مركز توثيق الانتهاكات” والناشرة نصوصاً وتقارير دورية ستكوّن ذاكرةً قانونية لسوريا؛ الى سميرة الخليل المشاركة في الجهد التوثيقي إياه والكاتبة يومياتٍ من الغوطة هي بمثابة “مذكّرات الحصار” والمعتقلة السابقة لأكثر من أربع سنوات في سجون الأسد الأب لالتزامها السياسي حين كان قلّة يجرؤون على المجاهرة بمواقفهم؛ الى وائل حمادة الناشط المعارض والعامل في التوثيق والمعتقل السابق لدى المخابرات الجوية للنظام (وزوج رزان)؛ وصولاً الى ناظم حمادي المحامي المدافع عن حقوق الإنسان والشاعر والناشط السياسي دعماً للثورة منذ انطلاقها…
أما في توقيت الخطف، فهو جاء في مرحلة هي الأصعب للثورة السورية حتى الآن، إذ تواجه فيها ثلاث همجيّات: همجيّة النظام الكيماوي وبراميله المتفجّرة، وهمجيّة القوى العدمية والمذهبية الغازية – من داعش الى حزب الله ولواءَي أبي الفضل العباس وذي الفقار -، وهمجيّة العالم الصامت عن المقتلة والمتبرّئ حتّى من الناجين منها.
ويكفي الوقوف عند حال الأسى والذهول في أوساط ثورية متنوّعة (وعند حال الشماتة والابتهاج لدى مريدي النظام الأسدي كما لدى “مدّعي الحياد”)، لإدراك حجم الألم الذي خلّفته جريمة الاختطاف في المرحلة التراجيدية هذه، التي يبحث كثر من السوريّين عن أمل ينتشلهم منها، سيكون حكماً للإفراج عن رزان وسميرة ووائل وناظم (وسواهم من معتقلين ومخطوفين) دورٌ في انبعاثه من جديد.
في انتظار ذلك، ليس أبلغ من كلمات ياسين الحاج صالح (زوج سميرة الذي أقام لأشهر مع المخطوفين الأربعة) في حواره مع الزميل عبد الله الحلّاق (المنشور على موقع “سكايز”) لتشخيص الوضع السوري في مرحلته الراهنة ومتطلّباته: “… نحن في صراع مع الطغيان منذ عقود، لا شك أن جولته الراهنة قاسية جداً، لكن هذا هو الثمن الذي ندفعه من أجل تكسير البنية المتصلبة للنظام البعثي والأسدي. هذه البنية القائمة على الامتياز والتمييز تدافع عن نفسها بشراسة، وتظهر استعداداً لا لبس فيه لتدمير البلد كي تستمر.
جماعة النظام صريحون في ذلك ولا يخفونه. وتصوّري أن المستقبل منوط بكفاحنا وحسن تنظيم قوانا وسياستنا، لكن لن يكون لبلدنا مستقبل من دون تحطيم هذه البنية الامتيازية وإلحاق هزيمة سياسية كاملة بمن يشغلون مواقع السيطرة والتحكم فيها. أعني بالضبط التخلص من سوريا الأسد كنموذج لكل إقطاعية ممكنة في سوريا. مستقبل بلدنا مكتوب في قدرتنا على الاستمرار في المقاومة وتجديد أشكال الصراع، ومنح اهتمام أكبر لأبعاده الفكرية والقيمية”.
موقع لبنان ناو