رسالة إلى الدكتور برهان غليون
لمياء شلهوب
رسالة موجّهة إلى الدكتور برهان غليون :
أنحني تقديراً للوطن ….
دكتور برهان : أحترم فكركَ وتاريخكَ ومصداقيتك , وأبارك توحّد القسم الأكبر من المعارضة الوطنية التقليدية والشبابية الثائرة في المجلس الوطني .
إنه مخاض عسير , تمرّ به البلاد . إنها ملحمة , وبالنظر للكمّ الهائل من العنف الذي تُواجه به ثورتنا فهي معجزة .
قبل الثورة كنّا قد بنينا معبداً للخوف , نقدّم له الأضاحي . كان الاستبداد قد أنشأنا على طريقته , فسرق منّا لذّة العيش والإحساس بالإنسانية , وأبقى على الدونية . علّمنا الخضوع والانقياد , وفي دواخلنا كان الصراع بين الحرية والاستعباد يجلدنا كلّ يوم , وهكذا حتى صار الاستبداد جزءاً من ثقافتنا , وصرنا نشعر بالفناء .
الآن وقد بدأنا بتحقيق الحلم , ونظراً لتعسّر الولادة , أجد نفسي حالمةً بمولود خالٍ من التشوهات
أتمنى أن لا نحتاج إلى عمل قيصري يودي بالبلاد إلى التهلكة والدمار والحرب الأهلية .
كمواطنة وأم وكاتبة , أرفض تدخلاً عسكرياً لقناعتي أن السياسة لا تعيش على الإنسانية والصداقات إنما بالمصالح تتغذّى . كما أرفض عسكرة الثورة لأن الردّ على الوحشية بوحشية إقرار بإفلاسنا الأخلاقي والفكري , ويمكن لهذا أن يكون بداية لحلقة مُفرغة , وهذا ما أخشاه .
ثورتنا ذات طابع استثنائي أتمنى أن نحافظ عليه , لتكون سوريتنا الجديدة غير مسبوقة .
لقد جرفتنا معها دماء الثورة ولن نتراجع . أرواحنا التي كانت متفحّمة في الصقيع , صارت كمدا فئ
حين تُنظّف من بقايا البرد .
ثورتنا هذه مقدّمة للثورة الحقيقية الأصعب , نحن الآن نهدم , وسوف نبني الديمقراطية , سنبني الدولة
المدنية والمؤسسات , وهذا يتطلب بناء الإنسان الجديد .
تطوير الذات السورية (التي كانت مُغَيبة عن الساحة السورية والعربية والدولية وحتى عن نفسها ) يتطلّب برأيي أولاً التخلص من رواسب العقد الاستبدادية القديمة , والمفاهيم المشوهة في أذهاننا .
الهدف الأساسي من رسالتي هذه هو التركيز على وجوب إلغاء فكرة تمجيد الشخص حدّ التأليه .
نعم لقد سحقنا الكثير من الأوثان وهذا كان صعباً , لكن الأصعب هو سحق أوثان الذوات , القوي هو القادر على ذلك , أما الضعيف فينتحر ولا يحمل مطرقة الحرية على أوثانه الذاتية .
دكتور برهان : لقد لاحظت عند بعض الثائرين بوادر لتمجيد وتقديس شخصك بالأسلوب القديم ذاته .
لقد رأيت صورتك مكتوب عليها كلمة مرفوضة بالنسبة لي فقط لأنها تدل على تكرار التقديس بالأسلوب القديم ذاته , أرفض ذلك .
كما أرفض أن تغني إحدى الفنانات السوريات لشخصك أيضاً بالأسلوب القديم , وقد سمعت أنها ستغني
آن الأوان لنتخلص من إرث استبدادي ثقيل , ونرمي الحمل القديم عن أكتافنا . ونركض لنصنع سوريتنا الجديدة .
التاريخ في النهاية لن يظلم أحداً من الوطنيين , وسوف يسجّل دون أضواء أو تأليه . التاريخ سيحمل الثورة الحضارية الإنسانية على الأكتاف .
دكتور برهان : أعرف جيداً أن إنساناً متميّزاَ بفكرك وتاريخك ومسؤوليتك سوف يرفض مظاهر التقديس القديمة , لكني أتمنى منك أن تساعد في تصحيح هذا المفهوم الذي أرى فيه مؤشراً خطيراَ
عاشت سورية وأحرارها …. بوركت جهودك .