“رستم غزالي” مات أم لم يمت –مجموعة مقالات-
كُلّنا رستم غزالة/ حـازم الأميـن
لطالما أدار رستم غزالي ملفّات سياسية أوكلَه فيها النظام في سوريا. فعل ذلك في لبنان ثم في سوريا. اليوم غزالة خارج الخدمة بعد لكمةٍ على وجهه من قبل ضابط آخر في الاستخبارات السورية أيضاً. ما جرى لغزالة كان جزءاً من قواعد اللعبة داخل النظام السوري. اللكم هو جزء من العلاقات الداخلية التي تربط جماعات النظام بعضهم ببعض. اللغة مع الخصوم أكثر وضوحاً، ذاك أن الموت يُخيم عليها.
كُتب الكثير عن غزالة في الآونة الأخيرة. وكُشف الكثير من الوقائع أيضاً. ابتزازه رفيق الحريري وتسبّبه بإفلاس رنا قليلات وصولاً إلى اللكمة القاضية التي تعرض لها. كل ما كُتب من وقائع وتأويلات وتعليقات لا يوفي الرجل سيرته، ذاك أننا حيال رجل تتكثف في سيرته وقائع مُخصبة للخيال.
كل ما قيل عنه صحيح، وكل ما كنا نعتقد أنه نسج خيال خصومه صار وقائع. علينا أن نُنشط ذاكرتنا حتى نحيط بوقائع القصة، قصة رستم غزالة معنا. هل تذكرون الرسالة الصوتية المُسرّبة التي تضمّنت حديثاً بينه وبين الرئيس نبيه بري؟ في حينها قيل إن الرسالة مفبركة وإنّ رستم غزالة لا يمكن أن يتكلم مع بري بهذه اللغة. اليوم علينا أن نتحقق منها. أعتقد أن ذلك سيكون مسلياً ناهيكم عن أنه مفيد.
علينا أيضاً أن نراجع ما جرى بينه وبين صاحب محطة تلفزيون “الجديد” تحسين خياط، وعلينا أن نُسجل للأخير جرأته في مواجهة غزالة، ولكن أيضاً في ضوء اللكمة الأخيرة على وجه غزالة علينا أن نأخذ في الاعتبار أن النظام في سوريا يُتيح تجرؤاً على ضابطٍ فيه إذا ما بقي التجرؤ في حدود الولاء، وهذا ما جرى لخياط، ذاك أن الرجل تجرّأ على غزالة ولكنه بقي مقرباً من آخرين في النظام.
لغزالة قصص كثيرة معنا نحن اللبنانيين، وقصص أكثر مع السوريين. حصيلة هذه القصص هي القصة الكبيرة للنظام في سوريا.
اليوم هو خارج الخدمة، وهذه ليست فرصة للتشفّي، إذ إن التشفّي لا يستوفي الخسائر. إنها فرصة لإطلاق الخيال حول هذا الرجل، ولإضافة الحبكة الواقعية على تراجيديا مجتمع حكمه رستم غزالة.
الغريب في قصة هذا الرجل وهذا النظام أنه على رغم كل ما كُشف عنهما ما زال يوجد من هو “مؤمن” بأن سوريا يجب أن تُحكم برجال من مثل هؤلاء، وما زال هناك في لبنان من هو مستعد لأن يُرسل طبيباً لمعالجة رستم غزالة وأن يُرفق ذلك ببيانٍ وقح يُفسر فعلته.
نعم لا أحد يستطيع أن يُنكر أن رستم غزالة أثناء ممارساته هذه كان ممثلاً للنظام في سوريا، ولا أحد استطاع أو سعى الى نفي ممارسات هذا الرجل، وبالتالي ممارسات النظام في لبنان وفي سوريا، لكن كثيرين لم يُنكروا على الرجل حقّه في ممارساته، ولم يُنكروا على النظام السوري حقه في احتلال لبنان.
هذا ما يُكسِب اللكمة على الوجه شرعيةً، ويجعل من هذه اللغة ممارسةً سياسية مقبولة. وليس ميشال عون لوحده من أرسل أطباء إلى دمشق لعلاج رستم غزالة، فذات يوم كنا جميعاً رعايا في دولة هذا الرجل، وقبلنا بلكمات على وجوهنا. في البداية اعتقدنا أنا ميشال عون من غير الموافقين، وإذ به يُرسل أطباء لمداواة وجه رستم غزالة، تاركاً وجوهنا التي شطبها الرجل مدماة ومن دون علاج.
موقع لبنان ناو
جنرالان في المشرق وبينهما سيّد/ حازم صاغية
قيل مرّة: «لكلّ زمان دولة ورجال»، كما قيل: «لكلّ مقام مقال»، وفي سورة آل عمران «وتلك الأيّام نداولها بين الناس». وبمعنى مشابه اشتُهر بيت أبي البقاء الرنديّ في مرثيّته الأندلسيّة:
«هي الأمور كما شاهدتها دولٌ
من سرّه زمن ساءته أزمان»
وهناك، من غير شكّ، «حِكم» كثيرة، ربّما احتوتها اللغات جميعاً، عن تقلّب العهود والأزمنة، وعن أنّ ما كان صالحاً في ظرفٍ معيّن كفّ عن الصلاح في ظرف آخر.
وقد لمس بعض أهل المشرق العربيّ هذا التقلّب من خلال وجوه اضطلعت، في الماضي القريب، بأدوار كبرى. فالجنرال رستم غزالي مثلاً ظلّ رجل لبنان الفعليّ الأوّل حتّى رحيله في 2005، وارثاً المجد الذي خلّفه غازي كنعان، ثمّ مُحمَّلاً، لدى مغادرته، بتكريم مزدوج، ماديّ ومعنويّ: ثروة طائلة وبندقيّة المقاومة.
حينذاك، مع انسحاب غزالي وقوّاته من لبنان، بات السيّد حسن نصرالله مدعوّاً لملء الفراغ الذي أحدثه الانسحاب. ثمّ جاءت حرب 2006 مع إسرائيل وبعدها غزوة 2008 لبيروت لتجعلا نصرالله أكثر لبنانيّ محبوب وأكثر لبنانيّ مكروه في آن. ولئن انسحب السنّة تباعاً من دائرة الترويج لكاريزما نصرالله، فقد مضى المركز الشيعيّ وأطرافه «الممانعة»، في تكريس كاريزماه المزدوجة المصدر: فهو رجل دين تقليديّ من جهة، وهو رجل ثوريّ من جهة أخرى.
لكنّ غزالي لم يغب طويلاً عن الأنظار حتّى أعادته الثورة السوريّة إلى قلب المشهد. ذاك أنّ المذكور صار واحداً من جزّاري الشعب السوريّ، وبسبب انتمائه إلى الطائفة السنّيّة، مثله مثل قلّة من القادة الأمنيّين يتصدّرهم علي المملوك، بات مطلوباً تظهير دوره الذي يموّه اللون الطائفيّ لنظام الأسد.
بيد أنّ غزالي ومن يشبهونه، علويّين كانوا أم سنّة، افتقروا إلى القوّة المطلوبة لإنجاز المهمّة، وإن لم يفتقروا إلى القسوة في محاولتهم إنجازها. هكذا كان لا بدّ من تصدير نصرالله إلى سوريّة عبر مقاتلي «حزب الله»، في حركة معاكسة، إنّما مكمّلة، لتصدير غزالي وقوّاته إلى لبنان.
لكنْ بينما ألمّ بغزالي حادث غامض يُرجّح أنّه أنزله المستشفى، صعد نجم جنرال آخر يخطّط ويبادر ويقود، في سوريّة كما في العراق. إنّه ضابط «الحرس الثوريّ» الإيرانيّ قاسم سليماني. والانتقال من نجوميّة غزالي الصغرى إلى نجوميّة سليماني الكبرى يحظى بدلالات لا تخطئها العين: فقد حلّ الجنرال الإيرانيّ حلولاً كاملاً محلّ جنرالات سوريّة والعراق كلّهم، لا محلّ هذا الجنرال وحده، فيما صارت ضرورات الحسم العسكريّ في البلدين أكبر كثيراً من كماليّات التمويه بغزالي وأمثاله أو بعشائر سنّيّة في بلاد الرافدين.
على أنّ غزالي وزملاءه لم يكونوا الوحيدين الذين تجاوزهم سليماني. فالأخير، في لعبة النجوميّة الشيعيّة، بزّ نصرالله نفسه. ذاك أنّ فداحة المرحلة باتت تتطلّب الجيوش، لا المقاتلين، والغزو، لا المقاومة، فيما أهل الإمبراطوريّة هم الذين يرفعون أعلامها على التلال بدل موظّفيهم العاملين في الأطراف. وأخيراً، لم يعد، وقد جدّ الجدّ، ما يستدعي إخفاء الوجه الإيرانيّ بأصابع عربية. وإذ يتبختر سليماني اليوم في صور تتناقلها الصحف، وتتعدّد فيها ضحكاته ولُغاته الجسمانيّة، على ما هي عادة النجوم، فإنّ نصرالله يَضمر و»يحاور» «تيّار المستقبل» اللبنانيّ.
لكنّ سليماني، الجنرال، إنّما ينفّذ تكتيكاً حربيّاً شهيراً، هو نسف الجسر مباشرةً بعد عبوره. وأمّا ما ينسفه فكلّ ما يعبره جيشه في منطقة المشرق. إلاّ أنّ الجسر جيئةٌ آمنة ورجوعٌ ينبغي أن يكون آمناً أيضاً. وهذا مشكوك فيه!
الحياة
رستم غزالي اللبناني جدّاً/ حـازم صـاغيـّة
مع الاستماع إلى الشهادات في محكمة لاهاي، وقراءة المقابلة التي أجرتها مجلّة “الشراع” مع السيّدة رنا قليلات، وانتشار خبر “الحادث” الغامض الذي ألمّ باللواء رستم غزالي، عاد اسم هذا الأخير يطرق آذاننا في إيقاع يوميّ.
وأوّل ما يتبادر إلى الذهن هنا أنّ لسياسيّي لبنان أيادٍ بيضاء على غزالي الذي يعيش اليوم، على ما يبدو، فاقةً بعد عزّ. فمنهم من قدّم مساهمات دسمة في إثرائه وجعله صاحب قصر وأكبر الملاّكين الزراعيّين في منطقة درعا وجوارها. ومنهم من ساهم في الترفيه عنه وعن ضبّاطه، بما يحيل إقامتهم في لبنان شهر عسل دائماً. ومنهم، في الآونة الأخيرة، من أوحى للأطبّاء الذين يدينون له بالولاء أن يتوجّهوا إلى حيث يرقد غزالي، حاملين له إكسير الحياة.
وكذا يمكن الافتراض أنّ اللائحة التعريفيّة بشخص السياسيّ اللبنانيّ ينبغي أن تتّسع لخانة تصف العلاقة بينه وبين رستم غزالي.
وهذا، من غير شكّ، قابلتْه وتقابله الأيادي البيضاء التي للجنرال السوريّ على السياسيّين اللبنانيّين. فما دام أنّ سوريّة الأسد لا سياسة فيها، كان طبيعيّاً أن يغلب منطق السياسة اللبنانيّة ممثّلاً في تبادل الخدمات والتنفيعات.
لكنّ أمر السياسيّين اللبنانيّين مع غزالي أعقد قليلاً، مع أنّه أكثر وضاعة كثيراً. فكبار سياسيّينا حين فعلوا ذلك، وحين يفعلونه، إنّما يصدرون عن “ثقافة” متينة لا نبالغ إن وصفناها بالشعبيّة والاتّساع التمثيليّ.
ومؤدّى هذه السياسة تقديم الخضوع والإذعان للسيّد المتجبّر، وغزالي كان، بطبيعة الحال، سيّداً متجبّراً. إلاّ أنّ الوجه الآخر لـ”الثقافة” المريضة هذه مطالبة السوريّين الذين أنزل بهم رستم غزالي البؤس والحرمان، بتقديم الخضوع والإذعان للّبنانيّين. فالمريض، بدل أن يتضامن مع شريكه في الألم، إنّما تضامن مع صانع الألم الذي يُنزله بالإثنين، طامحاً إلى أن يتماهى مع ذاك الصانع وأن يقيم وإيّاه شراكة زائفة.
ولم تُنس بعدُ أنماط التعامل العنجهيّ، والعنصريّ أحياناً، مع العامل السوريّ البائس، والتي وجدت لاحقاً ضالّتها في النازح السوريّ، فيما كانت تُكال قصائد المديح لـ”العبقريّة” الإستراتيجيّة التي يتمتّع بها الرئيس القائد حافظ الأسد.
وفي تسفيل النفس أمام القويّ، وتعظيمها أمام الضعيف، كان رستم غزالي وزملاؤه الرابحين الوحيدين من معادلة كهذه. فإذا جُمعت المواقف السياسيّة اللبنانيّة منه ما بين 1993 واليوم، تبدّى ذاك الجزّار الصغير محطّ إجماع لشعب ولسياسيّين لا يكفّون جميعاً عن رفع راية الكرامة عالياً.
والراهن أنّ كاتب هذه الأسطر لا يشعر إلاّ بالكراهية والمقت لتلك النزعة الشعبويّة التي تعتبر السياسة مجرّد ألاعيب، وترسم السياسيّين مجرّد دجّالين ومحتالين صغار. لكنْ ما العمل فيما الواقع، واقعنا، هو على ما هو عليه!؟
موقع لبنان ناو
مقصلة إيران أنهت رستم غزالة/ احمد عياش
الانباء المتضاربة حول مصير رئيس جهاز الامن السياسي في النظام السوري اللواء رستم غزالة بعد إقالته من منصبه تثير الاهتمام بمصير النظام الذي كان غزالة لأعوام خلَت رجُلَه القوي في لبنان. وكما كان للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد رجاله الذين بات معظمهم بعد موته في عداد المهاجرين أو المنفيين أو القتلى فإن للرئيس الحالي بشار الأسد رجاله، وغزالة من أشهرهم. وبعد 15 عاماً في السلطة تهبّ على الرئيس الحالي رياح تُسقط من على شجرته أوراقاً كان الظنّ لوقت قريب أنها ثابتة في مكانها.
في النصف الثاني من شباط الماضي ظهَر غزالة معافى في شريط تلفزيوني يبرر إقدامه على نسف قصره في بلدته قرفا بجنوب سوريا ليتبيّن أن المسؤول السوري لم يشأ أن يتحوّل قصره مقر عمليات للحرس الثوري الإيراني الذي صار المسؤول عن إدارة دفة الصراع بالنيابة عن النظام السوري. ولهذه القصة تتمة، إذ تفيد المعلومات ان النظام السوري كلّف المسؤول الاقتصادي السابق في الحكومة والحالي في منظمة “الأسكوا” عبدالله الدردري أن يسعى في طهران قبل نحو شهر للحصول على مبلغ 6 مليارات دولار فكان جواب طهران أن الجمهورية الإسلامية قدّمت حتى الآن للنظام في دمشق نحو 20 مليار دولار ومن الآن فصاعداً لن تقدّم أموالاً من دون مقابل. والمقابل التي تطلبه إيران هو التملّك في سوريا وهكذا كان.
وتضيف هذه المعلومات ان طهران صارت الآن تملك بموجب سندات، فنادق في العاصمة السورية كما تملك مقام السيدة زينب وآلاف الهكتارات من الأراضي المحيطة بالمقام. وعلى رغم هذه التنازلات لم يعد الدردري من زيارته إلى طهران إلا بمليار دولار من أصل الـ6 مليارات التي طلبتها دمشق. المعلومات لا تزال تتداول في سوريا لا سيما في أوساط رجال النظام السوري الذي بدا عاجزاً عن التحكّم في الصراعات التي راحت تنشب بين رجاله وآخرها بين غزالة وبين اللواء رفيق شحادة رئيس المخابرات العسكرية. وفيما يتركز الاهتمام على ما حدث بين الأخيرين فإن الثابت أن ذروة التوتر كانت في حرق غزالة قصره كي لا ينتقل إلى الحرس الثوري الإيراني.
عندما يستغني نظام عن رجل لم يُعرف عنه سوى شراسته في خدمة رأس هذا النظام، معنى هذا ان الأسد لم يعد قادراً على حماية رجاله في ظلّ القبضة الثقيلة التي تُطبق بها إيران على سوريا. ويروي بعض زوّار العاصمة السورية أن هناك حواجز في دمشق يقيمها رجال أمن إيرانيون وعلى السوريين الامتثال لها عند المرور عليها.
منذ العام 2000 عندما صار بشار الأسد رئيساً أراد أن يحكم سوريا ولبنان برجال يعكسون شخصيته. ومنذ العام 2000 الى العام 2005 كان غزالة الشخص “الرهيب” الذي طوّع لبنان. لكن منذ العام 2005 الى العام 2015 كانت مهمة غزالة أن يلتحق بـ”الحرس الثوري” لتطويع سوريا. ولما تمرّد تمّت إزاحته. إن المقصلة الايرانية لم تنهِ رجلاً بل النظام برمّته.
النهار
رصد لقضية رستم غزالي من باب المحكمة: هل من رابط مع مسار شهادات لاهاي؟/ روزانا بومنصف
على رغم الروايات التي خرجت الى العلن عما اصاب اللواء السوري رستم غزالي والتي تمحورت حول خلافات قيل انها حصلت بين قائد جهاز الامن العسكري وقائد جهاز الامن السياسي واستتبعت باقالات من رأس النظام بحيث اعطتها صدقية في رأي كثر من المتابعين مما يشير الى الانهيارات التي باتت تحكم المؤسسات السورية، فان ثمة تساؤلات وجيهة حول احتمالات غير مستبعدة في رأي هؤلاء نتيجة مجريات الشهادات في المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري التي اعادت جميعها تصويب الاتهامات في اتجاه النظام السوري والتهديدات التي تلقاها الحريري الاب من رأس النظام وعبر غزالي. هذا الامر لم يتناوله اي من السياسيين اللبنانيين من اي طرف علنا لا سلبا ولا ايجابا. لكن ذلك لا يمنع انه كان محور احاديث ومحاولة استطلاع للمعلومات الصحيحة حول ما اذا هناك تصفيات جسدية لمن اعتبروا متورطين في اغتيال الحريري او يتم تسليط الضوء عليهم مجددا خصوصا ان حادثة غزالي تزامنت في توقيتها مع شهادات امام المحكمة في لاهاي ركزت على شخصي الاسد وغزالي. فأثير موضوع عدم الاجهاز كليا على غزالي وضربه حتى الموت بما قيل انه يتصل باحتفاظ الاخير بتسجيلات وأموال طلب النظام الحصول عليها ولم يتمكن منها خصوصا ان التقارير التي رفعتها لجنة التحقيق الدولية الى مجلس الامن عن ارتباط سوريا باغتيال الحريري افادت ان كل الوثائق المتعلقة بلبنان في دمشق قد احرقت. وغزالي كان من الشخصيات في النظام السوري الذين طلب استجوابهم وكان من ابرزهم الى جانب اللواء آصف شوكت الذي قتل في الانفجار الذي استهدف القادة الامنيين الكبار في تفجير مبنى الامن القومي السوري في تموز 2012 وغزالي نفسه. ومع ان هناك من يستخف بهذا المنطق انطلاقا من المقولة الشعرية “انا الغريق فما خوفي من البلل” نسبة الى تورط القادة الامنيين السوريين وفي مقدمهم غزالي في ما يحتمل ان يكون جرائم حرب في سوريا وما قد يؤدي الى محاكمتهم في هذا الاطار بحيث لن يعود مهما سوق الاتهامات باغتيال الحريري، فضلا عن ان احتمال دعوة غزالي الى ان يدلي بشهادته امام المحكمة في لاهاي في المدى المنظور قد لا تكون ممكنة او متاحة وهناك اسباب عدة تمنع تجاوب النظام في هذا الاطار، فان آخرين لا يستبعدون صلة اساسية بين ما جرى لغزالي اخيرا الى درجة مشارفته الموت ومسار المحكمة الدولية عبر شهادات اعادت تسليط الضوء بقوة على دور النظام السوري والتهديدات التي وجهها للحريري قبيل اغتياله. اذ ان شهادة غزالي في ظل المعطيات الجديدة التي طرأت على سوريا قد تكون مختلفة الى حد بعيد عن مضمون اجوبته في ظل استجوابه من لجنة التحقيق الدولية في فيينا قبل اعوام علما ان النظام لا يزال يرفع لواء تعاونه في موضوع التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري وكان آخر تأكيداته في هذا الاطار امام معدي التقرير الذي استند اليه ستيفان دو ميستورا المنسق الدولي الى سوريا من اجل حل الازمة السورية.
يعود اصحاب هذا المنطق الاخير اي احتمال الى تكتسب شهادة غزالي قيمة مختلفة بعد ما ورد في وثائق ويكيليكس عن غزالي غداة استدعائه مع خمسة من اركان النظام للاستجواب في قضية اغتيال الحريري واضطرار الاخير الى التوجه الى فيينا لهذا الغرض مع العقيد سميح القشعمي. جاء في هذه الوثائق ان الاثنين اي غزالي والقشعمي كان يفترض ان يعودا الى فيينا من اجل استجوابهما مجددا. وكان ثمة اعتقاد انهما يمكن ان يتعرضا للتوقيف في فيينا او فور عودتهما الى دمشق. وقد استدعي مع المشبوهين الآخرين الى وزارة الخارجية السورية من اجل توقيع اوراق تتصل بتوكيل محامين وما شابه. وربما كان هناك احساس باقتراب النهاية اذ حضر غزالي الاجتماع وكان مسلحا. ومع انه لم يستخدم سلاحه الا ان صوته ارتفع مهددا ومتوعدا، وكان هناك انطباع بان غزالي يمكن ان يطلق النار على نفسه او على آخرين وقد طلب منه وضع سلاحه جانبا. الا انه كان محبطا وغير متوازن…. وقد نقل عن المشبوهين الآخرين الذين كانوا حاضرين الاجتماع قولهم وفق ويكيليكس ان غزالي تصرف على هذا النحو بتشجيع من اللواء آصف شوكت. وكان ثمة رهان وفقا لأصحاب المعلومات التي استندت اليه برقية ويكيليكس على ان غزالي كان يطمح الى ضمانات مسبقة من النظام قبيل عودته مجددا الى فيينا. اذ ان توقيف غزالي كان سيعرض دور شوكت الى ان يكون اكثر اشكالية ما قد يؤدي الى ازمة داخل النظام متى شعر شوكت باشتداد الضغط وتضييق الهامش امامه. ويضيف ويكيليكس ان توقيف غزالي كان يمكن ان يفجر ازمة في درعا حيث ثمة ثقل للطائفة السنية الاقرب الى موطئ رأس غزالي في ظل ما نقل في التقرير من وجود انطباع في المناطق السنية المماثلة ان العلويين يستحوذون على البلاد وان السنة هم من يدفع الثمن.
النهار
رجل الأسد المضروب!/ طارق الحميد
في فيلم «العراب» الشهير، الذي يصور حياة رجال المافيا، يقول الممثل الشهير آل باتشينو لشقيقته في الفيلم: «والدنا لا يختلف عن أي رجل قوي، ومسؤول عن أناس، وأتباع، مثله مثل الرؤساء، ورجال الكونغرس». فترد عليه: «هل تعرف كم أنت ساذج؟ الرؤساء ورجال الكونغرس لا يقتلون رجالهم». فيرد عليها: «أوه.. من الساذج الآن؟!».
هذا الاقتباس الدرامي يلخص حقيقة ما حدث، ويحدث، في سوريا، وتحديدا ما حدث لأحد أهم رجال المجرم بشار الأسد، وهو اللواء رستم غزالة، رئيس المخابرات السياسية، الذي تلقى ضربا مبرحا من قبل رجال اللواء رفيق شحادة، رئيس فرع المخابرات الحربية، ونقل على أثرها غزالة للمستشفى، وبعد ذلك قام الأسد بعزل الاثنين! وبالطبع ترددت قصص كثيرة حول أسباب الشجار الذي نشب بين الرجلين، وأدى إلى تلقي رجل الأسد الشرير غزالة ضربا مبرحا على يد رجال شحادة، ومنها أن غزالة يرفض التوسع الإيراني بمحاربة الثورة، وقصص أخرى تتحدث عن اختلاف حول النفوذ الشخصي للرجلين، غزالة وشحادة، وأيا كانت الأسباب فإنها تظهر سلوك النظام الأسدي، ورجاله، وهو سلوك عصابات المافيا، وأسوأ من ذلك.
فإذا كان رجال الأسد يتشاجرون الآن لهذا الحد على النفوذ، أو بسبب التوغل الإيراني، فهذا يعني أن النظام يتأكل من الداخل، واستمراره قائم فقط على الدعم الإيراني، من خلال حزب الله، والميليشيات الشيعية، وأن لا هيبة للأسد مطلقا، حتى بين رجاله المقربين، خصوصا أن غزالة، الحاكم الفعلي للبنان من عام 2002 إلى 2005، والمتهم بالمشاركة باغتيال الراحل رفيق الحريري، كان رجل الأسد القوي، ومنذ عام 2000. لكن نظام الأسد الإجرامي لا يعدو أن يكون نظاما بعثيا، قمعيا، وعلى غرار جماعات المافيا، ولا يتردد بتصفية رجاله، وكما حدث بحق محمود الزعبي، رئيس الوزراء السابق، الذي قيل حينها إنه انتحر بعدة رصاصات، وهذا عبث لا ينطلي على عاقل! وبعدها اغتيال غازي كنعان الذي قيل أيضا إنه انتحر، وذلك بعد اغتيال الحريري!
اليوم، يُضرب رجل الأسد الشرير، أي غزالة، ومن قبل رجل مقرب أيضا من الأسد، ويقال إنه بسبب خلاف على النفوذ الإيراني، وهذا لا يمكن تفسيره إلا بأن وجه المافيا القمعي لنظام الأسد بات يطل مجددا لتصفية رجال النظام، خصوصا أن هذا هو سلوك البعث دائما، وعلينا أن نتذكر كيف أعدم صدام حسين زوج ابنته. وعليه، فالواضح اليوم أن نظام الأسد في صراع داخلي، ولا يضمن وجوده إلا الدعم الإيراني، ومهما قيل ويقال، خصوصا أن أطرف تبرير للاعتداء بالضرب على الشرير غزالة مجرم الأسد، وسبب دخوله المستشفى، هو قول أحد المنتسبين لحزب «البعث العربي الاشتراكي» إن غزالة «دعس دعسة ناقصة، وسقط عن الدرج، ودخل المستشفى».
فعلا نظام لا يستحي، مثله مثل أتباعه!
إعلامي و كاتب سعودي ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الشّرق الأوسط”
الشرق الأوسط
رستم غزالي وتجدد النظام في أساليب القتل/ بهية مارديني
لوهلة كنت سأصدق أن رستم غزالي رئيس شعبة الأمن السياسي في جهاز استخبارات نظام بشار الأسد اختلف مع رفيق شحادة رئيس شعبة المخابرات العسكرية، وأن مرافقي الطرفين تشاجرا مما نجم عنه اصابة رستم غزالي ودخوله المشفى ثم اقالة رفيق شحادة، خاصة بعد ترويج ماكينة النظام لهذه الرواية عبر مواقع محسوبة عليها وعلى مراحل، فتارة غزالي مريض وتارة مصاب بشظايا وهو ” يدافع عن حمى الوطن “، وتارة مشلول وتارة في المشفى واخيرا متوفي..
مسرحية ” مسبوكة “ولكن “منذ متى الضرب يميت؟” ومنذ متى تتجرأ العناصر الأمنية على ضرب ضابط في حجم رستم غزالي حتى لو كان بأوامر شحادة، كما ان تاريخ النظام وتسلسل الاحداث يجعل الامر كله غير منطقي على الاطلاق فقد كان رستم غزالي أحد أبرز المتهمين في التخطيط والشهود في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، الذي لقي مصرعه في تفجير ضخم هز بيروت 2005 وهو في سلسلة الذين يرغب النظام في تصفيتهم الا ان الامور كانت تحتاج الى التروي والهدوء الى أن “طبخ” النظام قصة خلافه مع شحادة وسط ترويج لسيناريوهات عديدة لاثارة الفوضى الاعلامية منها حقن غزالي بابرة في الظهر تسبب الشلل.
غزالي يعرف الكثير سوريا ولبنانيا ولابد، بحسب تاريخ وأفكار النظام، من نحره كما أسلافه ممن يعتبرون بنوكا للمعلومات ولن يكون أغلى ممن قتلهم سابقا وبهذا تطوى بموته ملفات كثيرة بالغة الحساسية وتدين النظام.
وكما يقول مطلعون على الامور فان سياق الاحداث يؤكد توقيف غزالي عن العمل لفترة وبعدها ظهر بطريقة ما ابتزازه للنظام وتهديداته المبطنة، ومما لاشك فيه كانت فترة لاتنسى في ذهن الاسد فاعاده الى منصب قوي ثم قام بتصفيته بأسلوب مغاير لسابقيه.
سعد الحريري مثلا قال في التحقيق الذي أجرته معه لجنة التحقيق الدولية في جريمة قتل والده ان عدنان ابو عياش اخبره ان رستم غزالي كلف من يطلق عليه الرصاص في مكتبه في الرياض.. وان عدنان عرض امام الرئيس سعد رصاصة اخرى، كان رستم ارسلها له كنوع من أنواع التهديد بعلبة صغيرة..
و في لقاء رنا قليلات مع مجلة الشراع تحدثت عن كم الاموال التي كان يبتزها بها رستم غزالي وعن حجم فساده وعن اسماء مسؤولين سوريين.
أما موقع الانتشار فقد نقل عن رستم غزالي انه قال “كان يتقاضى 300 الف دولار من الحريري شهريا”.
وتظل محاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري سوطاً على عنق الاسد طالما الشهود أحياء وخاصة بعدما تم الكشف عنه العام الماضي من إقدام فريق الدفاع عن المتهم حسن حبيب مرعي على كشف ما حرص الادعاء العام على عدم فضحه، بحيث ظهر إسم رئيس النظام السوري بشار الأسد في وثائق التحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بحيث يبرز رقم هاتفه المباشر من ضمن الهواتف التي جرى التواصل معها من قبل المجموعة المتهمة بتنفيذ جريمة 14 شباط 2005، وتأكيد احدى المحاميات أنه “تبين ان هناك علاقة بين هواتف الشبكة الخضراء وحزب الله وبشار الأسد”.
ورأى فارس الخشان انذاك “أنه يعني إقدام الدفاع على محاولة إبعاد كل حديث عن سوريا في جريمة 14 شباط 2005، نسفا للإستراتيجية التي ثابر عليها، منذ انطلاق المحاكمة، ذلك أن فرق الدفاع عملت، منذ اليوم الأول على إدخال سوريا والنظام الأمني اللبناني السوري في سياق المحاكمة، بحيث كانت تبحث دوريا عن جامع جامع وعن رستم غزالي وعن علي الحاج وغيرهم، للإضاءة على أدوارهم في الجريمة، سواء عبر أدوار مباشرة لعبوها عبر شخصيات على صلة بهم، أم من خلال العبث بمسرح الجريمة.”.
اذن تهب كل أخبار غزالي في غير مصلحة النظام ولابد من قطع الخيوط حتى ينقذ النظام رأسه وهو من قال عنه وئام وهاب رئيس حزب “التوحيد العربي” الوزير اللبناني السابق لقناة الـ”ام تي في” أن “هناك في سوريا ركن واحد هو بشار الأسد”.
كما أكد وئام وهاب لتلفزيون الجديد أن “رستم غزالي ما زال يعالج في المستشفى بسبب مرضه ولا صحة لإبعاده عن دائرة القرار بل الرئيس بشار الأسد يتابع شخصياً مع الأطباء وضعه”. واعتبر أن “غزالي طيّب وفي مكان ما لديه قلب طفل”.
ويمكن ان نتذكر في هذا السياق ونحن نقاطع المعلومات مقالة للكاتب السوري صبحي الحديدي عند مقتل اللواء جامع جامع فقد توقع، لانه يعلم جيدا طريقة تفكير النظام، ان الدور على غزالي وان النظام يعزل بيته الداخلي ويتخلص من الشهود على جرائمه، وقال الحديدي ان جامع “ليس غازي كنعان، بالطبع، ولا السياقات التاريخية لمقتل الأوّل ذات صلة تفسيرية بتغييب الثاني؛بيد أنّ الاثنين انتميا، وإنْ في مرحلة تاريخية سابقة، إلى تلك الحلقة التي تنتقل تداعياتها من الماضي إلى الحاضر والمستقبل القريب، وتستوجب “تعزيل” البيت داخلياً، بيد أصحابه أنفسهم، لا بيد زيد أو عمرو في جنيف ـ 2، أو في طهران أو موسكو أو واشنطن. اتكاءً على منطق كهذا، إذا صحّ كلّه أو بعضه، فإنّ الدور التالي في ‘التعزيل’ قد يشمل نماذج رستم غزالي…”.
كما يعود بنا هذا الى ما توقعته صحيفة “الوطن” السعودية، حول وجود مخطط لتصفية غزالي عندما كانت هناك أنباء عن تعرضه لنوبة قلبية حادة ونقله الى مشفى الشامي.
حيث ربطت مصادر “الوطن” توقعاتها تلك بسعي رأس نظام دمشق للتخلص من كل الشهود والمخططين والمشاركين في اغتيال الحريري، وذكرّت بتصفية عماد مغنية أحد مسؤولي حزب الله في تفجير بسوريا، واللواء جامع جامع، المعروف أيضا بتورطه في ملف اغتيال الحريري.واستذكرت المصادر مقتل مدير مكتب بشار الأسد العسكري العميد محمد سليمان، الذي لقي مصرعه برصاص قناص خلال وجوده في شاليه بحري في طرطوس الساحلية، وذلك في اليوم الأول من زيارة كان يجريها بشار الأسد إلى طهران.وقالت: “هذا الشخص نتصور أن بشار الأسد هو من قام بتصفيته، فكيف يكون مدير مكتبه العسكري، وأحد الضباط المهمين العاملين في معامل البحوث الكيماوية في سورية، ولا يكون ضمن الوفد المرافق للأسد في تلك الزيارة؟”.
ايلاف
رستم غزالة: نجم لاهاي/ صبحي أمهز
كرت سبحة الإفادات السياسية، التي أدلى بها بعض الشخصيات التي كانت من الحلقة المقربة من رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. بين كل تلك الإفادات، إضافة الى العلاقة بين النظام الأمني اللبناني – السوري، آنذاك والحريري، قاسم مشترك بارز، تردد إسمه في كل الجلسات، وشكل محور الإفادات، وأسئلة الإدعاء والدفاع، لما كان له من دور في تلك المرحلة.
سطع نجم رستم غزالة مرة أخرى، بعد أن ذاع صيته إنطلاقاً من لبنان إبان حقبة الوصاية السورية، وفي مرحلة خطيرة، تتزامن مع تنامي الحديث عن تصفيته أو ضربه أو مرضه، فيما الأكيد الوحيد أنه يرقد في المستشفى في حالة حرجة.
كان “أبو عبدو” في لبنان الحاكم بأمر النظام السوري. يتدخل في كل شاردة وواردة، من إنتخابات الرئاسة، وصولاً إلى أصغر التعيينات في الدولة، ومع تفنيد معظم الشهود العلاقة المضطربة بين الحريري والنظام السوري، كان غزالة محط إجماعهم لجهة تهديد الحريري والنبرة التي كان يتحدث بها معه، نتيجة سطوته وفائض القوة التي تمتع بها ونظامه في لبنان.
لم يكن حضور غزالة أو “المندوب السوري السامي” في تلك الفترة، حكراً على الإفادات فقط. في عرض تسجيلات صوتية، حصلت عليها المحكمة من محضر لقاء بين غزالة والحريري بحضور الصحافي شارل أيوب، بدا أن فريق الإدعاء خصص الكثير من وقته للبحث في حيثيات الدور الذي كان ممنوحاً لغزالة، وفي علاقته بالحريري.
في هذا السياق، يرى الخبير القانوني، والمتابع عن كثب لجلسات المحكمة، انطوان سعد عبر “المدن” أن “المسار العسكري والسياسي للأحداث المتعلقة بالأشخاص الأساسيين المرتبطين بملف إغتيال الحريري يوحي بأنه ستتم عملية تصفيتهم من قبل نظام الرئيس السوري بشار الأسد واحدا تلو الآخر، خصوصاً أن السيناريوهات التي روج لها نظام البعث حول مصير غزالة تؤكد أنه حان وقت تصفيته لما يملك من معلومات أساسية حول عملية إغتيال الحريري”. ولفت إلى أن “التسجيلات الأخيرة التي بثت في المحكمة والتي تبرز التهديدات التي وجهها للحريري تعتبر دليل إدانة ليس لغزالة وحده بل لنظام الأسد برمته، لأن النظام السوري هو أول المستفيدين من موت غزالة كي يطمس حقائق قد تكون أفظع من التي تم عرضها أمام المحكمة حتى الآن، لا سيما أن غزالة كان يضع يده على أدق تفاصيل البلاد”.
من جهة أخرى، يرفض عدد من الشهود الذين أدلوا بإفاداتهم أمام المحكمة، بعد إتصال “المدن” بهم، الحديث عن أي شيء يتعلق بالموضوع، إلتزاماً بقانون المحكمة، لكن في المقابل هناك من يرى الأمور أوسع من ذلك. اذ تعتبر مصادر بارزة ومطّلعة عبر “المدن” أن “غزالة ورموز النظام السوري ليسوا هم آخر المتهمين، والأمر يتعدى غزالة، والخوف أن يكون هناك توجه لدى بعض الجهات لإلباس غزالة كل جرائم النظام السوري التي قام بها على الأراضي اللبنانية”.
وتلفت المصادر إلى أن “هناك جهات أدهى من غزالة قد تكون وراء الإغتيال”. وتشير إلى أن “إلباس غزالة، الذي يسوق لموته، لن يشكل تبرئة للنظام السوري من تاريخه الدموي في لبنان، بل ان سطوع نجم غزالة الذي قد يكون وافته المنية السياسية ليس إلا دليلا على التورط المباشر للنظام السوري في الإغتيال، من دون إغفال الدور الإيراني”، كاشفة أن “نجوم المحكمة في المرحلة المقبلة كثر”.
في لبنان، ومنذ تضارب الأنباء عن غزالة (عزله، تصفيته، ضربه، موته سريرياً)، ثمة همس في الأروقة السياسية يشير إلى رابط ما بين ما يتوارد من أنباء والمحكمة الدولية، خصوصاً وسط معلومات تفيد بأن غزالة كان قد صفّى جميع أعماله وممتلكاته وأمواله من لبنان.
في قراءة بسيطة لمجريات الأحداث، تتشابه روايات التصفيات والموت في جعبة النظام السوري. كل من له علاقة من قريب أو بعيد باغتيال الحريري، تمّ نحره. غازي كنعان أبرزهم، والعميد ابراهيم سليمان، الذي اغتيل في اللاذقية أحدهم، ربطاً مع مسلسل مقتل المطلوبين بعمليات أخرى أثناء تأديتهم لواجبهم الجهادي، كمحمود حايك المتهم بمحاولة إغتيال النائب بطرس حرب، فما الذي ستحمله الأيام القادمة وما هي الأسماء التي ستحملها القائمة؟
المدن
عن ضابط سوري حكم لبنان!/ ساطع نور الدين
في تاريخ الشعوب التي تعرضت لاحتلال او اجتياح او “ردع” من قبل جيش اجنبي صفحات سوداء مشينة تحرص على محوها من ذاكرتها، او اخفائها من وثائقها، وشخصيات فظة ومحرجة يشطب اسمها حتى من المدونات والمرويات.
في التاريخ اللبناني الحديث نقيض تام لهذه النظرية، ومثال معيب يختزله الاهتمام الشديد بضابط سوري تحول في الاونة الاخيرة الى خبر رئيسي في وسائل الاعلام وفي الصالونات السياسية، وبات مصيره، موته او نجاته من الضرب المبرح على يد احد زملائه، الشغل الشاغل للبنانيين جميعا، مع ان دوره السابق في لبنان كان بمثابة إهانة موصوفة، ومتعمدة طبعا، لخصوم سوريا كما لحلفائها من مختلف الطوائف اللبنانية.
والغريب ان ذلك الضابط الذي تحول الى رمز فعلي للحقبة الاخيرة من الهيمنة السورية على لبنان وكان شاهداً على نهايتها، العسكرية على الاقل، ينظر اليه في سوريا نفسها وفي مراكز صنع القرار في دمشق بتواضع شديد، إن لم يكن باستخفاف بدوره، وحتى إستهزاء بدوره، الذي ارتقى بالصدفة ونتيجة عناد القيادة وضيق أفقها، اكثر مما تطور بفعل ثقافته او خبرته او نجاحاته وإنجازاته.. وهو في المستشفى الان نتيجة فشل ذريع في منع انهيار الجبهة الجنوبية للنظام امام تقدم قوات المعارضة الاخير، وإنشقاق أحد ضباطه الكبار الذي صار اسمه معروفاً.
مع ذلك فان أسطورته ما زالت تكبر في بيروت، اكثر من دمشق طبعا، وما زالت أدواره الاستخباراتية والمالية والسياسية تتردد على كل لسان لبناني، من الخصم الى الصديق، حيث يجري التباهي إما بنهاية الحاكم الاخير للبنان، وقرب نهاية النظام الذي كلفه بتلك المهمة القذرة، او بالحضور الفريد الذي كان يمثله في الغرف المغلقة للسياستين اللبنانية والسورية..او حتى بالفضائح التي تورط بها، وكانت ذروة سلوك سوري ثابت في استباحة لبنان ومؤسساته ومرافقه ومقدراته ونسائه أمتد منذ العام 1976 وحتى العام 2005.
لم يكن حاكما فعليا. كان مجرد نموذج أخير على انحطاط الادارة السورية للبنان التي بدأت قبل نحو اربعين عاما باشكال وادوات سياسية مناسبة للظرف اللبناني في ذلك الحين، لكنها تراجعت تدريجيا لتصبح في عهدة كبار ضباط الجيش والامن، قبل ان تستقر عند ذلك الضابط الفضيحة، الذي تعامل مع لبنان مثلما يتعامل اي مسؤول أمني مع اي من المحافظات السورية ال14 الباقية، اي بمزيج من الترغيب والترهيب والفساد والافساد، وبما يعبر بصدق عن تحلل النظام ويفسر قيام الثورة..
لكن المحير هو ان المسؤولين والسياسيين اللبنانيين الذين خاصموه او حالفوه، كانوا على دراية مسبقة بموقعه ومكانته وكفاءته، لكنهم لم يترددوا في نسج اوثق العلاقات معه، بدلا من ان يتوصلوا الى الاستنتاج ان الادارة السورية هزلت، وآن الاوان للتخلي عن الخصومة او عن التحالف مع دمشق او حتى للهجرة من لبنان كله.. طالما ان قرار النظام هو الاصرار على إبقاء ذلك الضابط في مهمته اللبنانية الجليلة، برغم الاساءات التي يمثلها لذلك النظام بالذات.
ما زال الجمهور اللبناني يتسقط اخبار ذلك الضابط، اكثر من اي خبر آخر، اما بدافع الحنين او الحقد، مع ان الشعورين لا يجوزان فيه، ولا يعبران سوى عن خلل نفسي في تكوين ذلك الجمهور وفي توصيف علاقته مع “حاكمه” السابق،الذي لم يكن ذلك الضابط بالتحديد، وفي الشفاء من متلازمة استوكهولم الشهيرة عن الصلة المرضية التي تقوم في بعض الاحيان بين السجان والسجين.. والتي تصح في تحديد طبيعة العلاقة بين اللبنانيين وبين جميع من حكمهم من الخارج.
الصحة العقلية للبنانيين جميعا، الحلفاء قبل الاعداء لنظام دمشق تستدعي شعورهم بالعار- لا بالاثارة- من مجرد سماع إسم: رستم غزالة.
المدن
إشكال فردي/ سناء الجاك
مات. لم يمت. أأقاله النظام الأسدي أم اكتفى بإحالته على تقاعد مبكر بسبب وضعه الصحي؟ الأسباب الممهدة للوفاة المرتقبة تعود الى مرض ما، أم الى الاعتداء الذي ادخله المستشفى في إشكال فردي مع أحد المسؤولين العسكريين؟
كل هذه الأسئلة لن تُبَتّ لا اليوم ولا بعد اليوم. ولا لزوم لبتّها. كل الجهود تنصبّ حالياً على السيناريو الأفضل لإخراج نهاية حكاية اللواء رستم غزالي، أو “أبو عبدو”، أو حاكم لبنان الفعلي منذ توليه رئاسة الاستخبارات العسكرية السورية التي أنهتها جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
المهم ان ورقة غزالي سقطت، وأصبحت أداة أخرى من أدوات النظام التي يجب أن تصمت الى الأبد. وعلى رغم غياب المعلومات المدعومة بأدلتها ومصادرها، الظاهر أن عودة اسم الرجل الى التداول، سواء في أروقة المحكمة الدولية أو في الإعلام، عجّل إسقاط ورقته. ربما كان عليه أن ينجو بجلده ويتكلم عندما بدأت مرحلة تصفيات أدوات النظام الممسكين بملفات ساخنة كما هي حاله. كان عليه أن يعرف أن إخراسه مسألة وقت، وربما اذا انشق وتكلم قد يصبح بطلاً وينجو من مصيره.
كان عليه أن يتكلم عندما أُرغم غازي كنعان على الانتحار، أو عندما تمّت تصفية عماد مغنية، لتلبية حاجة اسرائيلية- اميركية ولحذف مصدر مهم للمعلومات في المرحلة المتعلقة بجرائم الاغتيال اللبنانية. أو مع اغتيال العميد محمد سليمان في اللاذقية، ناهيك بجامع الجامع وآصف شوكت، عدا السهو والخطأ.
لم يدع انشاء محكمة دولية لمن يسيّرون النظام، أي تهاون باستمرار أدواته الاستخباراتية لتلك الحقبة، ما يدل على ان الجريمة اقليمية، مروحتها واسعة وجسدها لبّيس. لذا لم يكن مسموحاً للنظام بأن يتحكم وحده بأدواته وبوسائل إخراسها. تبدو هائلة التكاليف المالية التي يستوجبها التملص من هذه المحكمة، والتي لا علاقة للنظام الأسدي بها، وانما بمرجعيته الكبرى التي أصبحت تملك أسهمه كاملة، سواء بافتعال الحروب والحوادث الأمنية المتنقلة، أو بتوكيل محامين عالميين، أو بشراء شهود زور ومؤسسات إعلامية بأمها وأبيها، أو بتمويل كل من يمكن استخدامه ليشوّه المحكمة، والضحايا، او من يؤيدهم، او بشراء أدلة لتضليل مسار العدالة، وما الى ذلك من حملات مبرمجة، تؤدي ربما الى إطالة المحاكمات عسى ان يخلق الله ما لا نعلم ويعلمون.
في الانتظار جاءت تقنية “الإشكال الفردي” لتلبي متطلبات المرحلة وتحدياتها، وتكرس وسيلة جديدة من وسائل التسخيف التي تلجأ اليها الأنظمة القمعية للقيام بعمليات تنظيف بيتها الداخلي وامتداداته الخارجية. عادةً، لم تكن هذه الأنظمة لتهتم كثيراً بإبعاد الشبهة عنها عندما ترتكب جرائمها، مظللةً إياها بمثل هذه العبارة. فالعادة جرت على تنفيذ الجريمة وعدم السماح بأي تعليقات، واحياناً من دون خبر رسمي يعلم بما حصل.
المعروف أن أحداً لم يكن يجرؤ على الاستفسار عن وجهة التحقيق في أي جريمة، سواء في لبنان او سوريا، او عن الادلة الجنائية والشهود والقرائن وما الى ذلك من رفاهيات قانونية او بدع عدالة تؤدي الى محكمة تؤكد التهم أو تنفيها.
اليوم مع حالة أبو عبدو، ظهر مصطلح “إشكال فردي” أشبه ببتر كل تطور يوضح ليس فقط ملابسات جريمة إزاحته وانما دفن أسراره معه، على أمل أن يقود هذا “الإشكال الفردي” الى ختم الملف بالشمع الأحمر مع إحداث فجوة بين أرض الجريمة وبيّناتها، ومَن نفذها، ومَن خطط وأعطى الأوامر.
غزالي ليس الأول على لائحة تصفيات الشخصيات من النظام الأمني السوري، ولن يكون الأخير. لكن يبدو أن الدنيا مقامات، فمن يفترض التخلص منهم مع تجميل صورهم، لن يسقطوا ضحايا إشكالات فردية يمكن ان تودي بهم، لأن الإخراج يجد أن واجبه الشرعي يقتضي ترقيتهم الى مرتبة الشهادة.
أما غزالي وأمثاله فيمكن الاستهانة بهم في هذه المرحلة، والتعامل مع إزاحتهم باستخفاف وملفات شائعات جاهزة، كالحزام الناسف أو الفساد، وكأنه كان قدوة في الشفافية والرزق الحلال. لذا لم يجد صاحب قرار إخراسه موجباً لجهود تتجاوز “الاشكال الفردي” مع زميل له أخطأ وتجاوز حدّه فعوقب بالعزل من منصبه. هذا حجم المسألة، ولا لزوم للتضخيم.
وإلى أن يأخذ الله أمانته الرابضة في المستشفى من دون أمل بالشفاء أو القيامة، لا تزال الإشكالات الفردية في ديار العرب زاخرة.
النهار