“زيا” الكردية: “شارلي إيبدو” في سوريا؟/ وليد بركسية
لطالما كان فن الإعلام الساخر مفقوداً في سوريا، طوال عقود، لصالح الإعلام الرسمي الجاف المتخشب. ومنذ أيام الثورة السورية الأولى في 2011، ظهرت عدة محاولات متفاوتة المستوى بين الجيد والرديء لخلق بذور إعلام ساخر ولو بشكل بسيط، قبل أن تأتي صحيفة “زيا” الساخرة في المناطق الكردية السورية ضمن هذا الإطار كتجربة مثيرة للاهتمام.
السخرية التي تميز المجلة هي نقطة جدلية بحد ذاتها، فهي خيار تبتعد عنه معظم وسائل الإعلام البديل في سوريا، وإن وجدت، فإنها تظهر على شكل فقرات ضمن برامج إذاعية مثلاً أو كصفحات ضمن الصحف والمجلات الجديدة لا أكثر. ويمكن النظر إلى السخرية من منطلقين، فهي إما خيار بديل لعدم القدرة على التعبير بشكل مباشر بسبب قيود سياسية، أو تكون خيار أكثر جرأة في تحدي الأنظمة السياسية والاجتماعية القائمة.
تصدر الصحيفة بشكل شهري من مدينة عامودا شمال شرق سوريا كأول صحيفة ساخرة في المنطقة، وأبصر عددها الأول النور في تشرين الثاني/نوفمبر على يد مجموعة من الإعلاميين هناك، ويتولى رئاسة تحريرها رودي حمة، من غير أن تكون هناك تفاصيل كثيرة متوافرة عن فريق العمل. وتوزع “زيا” ورقياً في القامشلي وعامودا ومجموعة من المناطق المجاورة، كما يمكن تتبعها على مواقع التواصل الاجتماعي وقراءتها إلكترونياً عبر حسابها على موقع Issue للنشر.
تتخصص “زيا” في النقد الاجتماعي الساخر من الأوضاع الحياتية والظروف الاقتصادية للمواطنين في سوريا عموماً، وفي الجزء الكردي من سوريا خصوصاً، مع تواجد خجول للمواضيع السياسية بشكل خفيف غير قادر على إشباع حاجة المتلقي تجاه الأوضاع السياسية والأمنية الآنية، وبالتحديد بالنسبة لأكراد سوريا الذين تضعهم المجلة بمثابة جمهور أول لها.
وعن خيار السخرية بدل الالتزام بالجدية، كتب جوان تتر من فريق “زيا” في العدد صفر: “الثورة السورية ومنذ اندلاعها كانت مجرد سخرية قاسية من الوضع القائم آنذاك، واليوم وضع الكرد كشعب وكقضية بات مصدر سخرية بسبب حجم الاختلافات السياسية الكبيرة الحاصلة في الوقت الراهن والكم الهائل من التناقضات الذي يرمينا في حالة من الذهول”، مضيفاً أن أهداف السخرية في “زيا” تتلخص في أنها في الجوهر إنماء للقدرة على التهكم والفكاهة السوداء على التصرفات الخاطئة لأجل إيقافها والحد منها، وليس فقط لأجل الضحك المجاني والخاسر، قبل أن يعزو قلة السخرية في النتاج الكردي عموماً للقمع الشديد الذي تعرض له الأكراد في سوريا لفترات طويلة.
وهنا يجب القول أن نوع السخرية التي تقدمها الصحيفة لا يأتي عميقاً بالقدر الكافي، ويبدو أقرب للتعليقات الساخرة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي منه للإعلام الساخر الاحترافي. فتلجأ الصحيفة كثيراً إلى النكات السريعة لتعبئة الصفحات. ومع تعدد الموضوعات وقصرها، يبدو كل ما تقدمه مشتتاً ومتباعداً دون وجود ما يجمع المواد المتلاصقة من ناحية الموضوع على الأقل، ويتعزز هذا بعمومية كبيرة في الطرح والإكثار من المواراة والابتعاد عن الأفكار المثيرة للجدل بحثاً عن مزيد من الاستقرار وهرباً من أي صدامات مع الواقع الاجتماعي أو مع القوى الفاعلة على الأرض في المنطقة كما يبدو.
كمية النصوص المكتوبة في “زيا” كبيرة جداً، مقارنة بالصور والرسوم الكاريكاتورية التي يتوقع المتابع وجودها في صحيفة ساخرة. حتى الصور الموجودة إلى جوار النصوص، تبدو بدائية وشديدة البساطة، والصحيفة كلها تبدو في المجمل غير جذابة بصرياً وأقرب للمجلات الصغيرة من حقبة الثمانينيات. كما تحتوي صفحة للتسلية والأبراج بصورة هزلية، علماً أنها تصدر باللغة العربية باستثناء الصفحة الأخيرة المكتوبة باللغة الكردية.
الجرأة التي يتطلبها الإعلام الساخر هي عنصر مفقود في الصحيفة. خفة الظل والدعابة وحدهما عنصران غير كافيان لإنتاج إعلام ساخر. وعند مقارنة الصحيفة برموز الإعلام الساخر في المنطقة العربية والعالم بدءاً من شارلي إيبدو الفرنسية وصولاً إلى النتاجات الساخرة عربياً، نجد أن الصحيفة لا تقدم شيئاً يذكر للأسف، لكن وجودها بحد ذاته يعتبر مهماً طالما أن هامش التغيير والتطور فيها موجود.
المدن