سباق حواجز سياسي/ علي العبدالله
إستبق وزيرا خارجية الولايات المتحدة جون كيري والاتحاد الروسي سيرغي لافروف اجتماع مجموعة ما يوصف بـ “النواة الصلبة” لأصدقاء الشعب السوري في باريس بإصدار بيان حول وقف الأعمال العدائية لتحقيق هدفين متكاملين: إبقاء رعاية المفاوضات أميركية روسية، وقطع الطريق على أية مطالب خارج دائرة توافقاتهما.
كرر البيان التزام الدولتين بـ “التوصل الى تسوية سياسية للنزاع السوري” و”توسيع نطاق وقف الأعمال العدائية ليشمل كل أنحاء البلاد”، و “مطالبة كل الأطراف بوقف الهجمات على المدنيين والبنية الأساسية المدنية”، وفق إعلان وزارة الخارجية الروسية، التي أبرزت طلب وزير خارجيتها “اتخاذ إجراءات لمنع وصول إمدادات “للمتطرفين” في سورية عبر الأراضي التركية”.
جاء البيان الأميركي الروسي لامتصاص غضب الرأي العام الذي هاله استهداف المدنيين والمؤسسات الصحية والخدمية، وحدة تنقية المياه والاسواق الشعبية، بالقصف الوحشي، والتخفيف من امتعاض دول أوروبية(ألمانيا وبريطانيا، اللتين استقبلتا المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات خلال فترة قصف حلب، وفرنسا التي عقدت اجتماعا مع السعودية والإمارات وتركيا وقطر ووفد المعارضة السورية لتنسيق المواقف، ودعت لعقد اجتماع “النواة الصلبة” لأصدقاء الشعب السوري، لبحث دعم المعارضة وللتعبير عن رفضها للموقفين الأميركي والروسي) ولاحتواء أي تصعيد سياسي أو عسكري من قبل دول إقليمية، وخاصة السعودية وتركيا، الأخيرة اعتبرت “اتفاقيات وقف إطلاق النار مجرد حبر على ورق” وغمزت من قناة البيان الأميركي الروسي داعية الى وقف حقيقي لإطلاق النار وليس تضليل الرأي العام، على خلفية تحاشي البيان المشترك “الإشارة إلى وقف الغارات نهائياً، واستخدامه عبارة التقليل من استخدام الطيران إلى الحد الأدنى”، وتعهد واشنطن في البيان بتكثيف جهودها لمنع حصول تنظيم “الدولة الإسلامية”، و”جبهة النصرة”، على التمويل، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2253. تعهد فُسر على أنه اتهام غير معلن لتركيا بتمويل جماعات إرهابية في سوريا، حيث ورد في البيان “أن الولايات المتحدة ستقوم بزيادة الدعم لحلفائها الإقليميين، لمساندتهم في منع نقل المسلحين، والأسلحة، والأموال، إلى التنظيمات المتطرفة عبر الحدود المشتركة للدول المجاورة لسوريا”. علما أن كتابا مقربين من النظام السوري قد شككوا في جدية هذا التعهد، لأن واشنطن ذاتها عملت على ترميم قدرات فصائل المعارضة المسلحة، بعد القصف الروسي الذي دمر 80 في المائة من هذه القدرات، بعد وقف إطلاق النار مباشرة بإرسالها شحنات أسلحة الى ميناء العقبة الأردني ومنه الى سوريا وفق ما نشرته مجلة “جينز” المتخصصة بشؤون الدفاع، وعابوا على روسيا الذهاب الى الهدنة في توقيت سيء كانت قوات النظام وحلفاؤها على وشك قلب التوازن العسكري بشكل كامل، ودون ضمانات صارمة بتنفيذ القرار الدولي رقم 2253، وخاصة إغلاق الحدود التركية.
أرادت دول المجموعة من عقد اجتماعها إسماع صوتها ورؤيتها للوزير الأميركي، تلكأ في اعطاء موافقة على المشاركة في الاجتماع، وتأكيد حضورها ودورها في الملف السوري، وتحفظها على إدارته من قبل الثنائي كيري لافروف٬ واستياءها من المسار الحالي للعملية السياسية، في ضوء سكوت واشنطن على انتهاكات النظام المتكررة للهدنة في حين ضغطت على المعارضة لاحترامها في الوقت الذي غطت فيه روسيا انتهاكات النظام، وتخوفها(المجموعة) من عدم انخراط أميركي كاف في مآل هذا الملف وغياب الحزم في التعاطي مع الطرف الروسي، الذي ليس لم يقدم مساهمة ايجابية للحل بل ويعمل على فرض حل مع معارضة أخرى غير الهيئة العليا للمفاوضات، باستثمار الحاحه على التوافق وانجاز اتفاق نهائي قبل دخول الولايات المتحدة في مرحلة الانتخابات الرئاسية وكف يد الادارة الحالية عن السياسة الخارجية. والوقوف إلى جانب المعارضة السورية وشد أزرها وتوفير الشروط والأسباب التي تجعلها تعود إلى طاولة المحادثات في جنيف٬ بعد أن علقت مشاركتها في الجولة الثالثة منها بسبب انتهاكات الهدنة٬ وندرة وصول المساعدات الإنسانية٬ ورفض وفد النظام البحث في عملية الانتقال السياسي.
غير أنها(المجموعة) اكتشفت أن البيان المشترك، الذي أعلن قبل ساعة واحدة من اجتماعها، طالب بما كانت تنوي المطالبة به، كي تخترق جدار الثنائية وتدخل شريكا في رعاية العملية السياسية، وهذا دفعها الى الإشادة بالبيان ووصفه بـ “الايجابي جدا”، وفق تصريح وزير خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، والتعاطي ايجابيا مع طلب روسي بإبعاد مقاتلي المعارضة المعتدلة عن مواقع “النصرة” ومطالبتها المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب بالعمل على تنفيذه، وتأكيدها على تنفيذ محتوى البيان و”أن لا يبقى حبرا على ورق”، كما قال وزير خارجية الدولة المضيفة، الذي طالب بـ “ضمانات ملموسة” للمحافظة على الهدنة٬ وسلامة المدنيين٬ و”إيصال المساعدات الإنسانية”٬ و”الانطلاق في المسار السياسي”، لأهمية ذلك لوفد المعارضة كي يعود الى مفاوضات جنيف، وانتقد إدارة كيري للملف ثنائيا مع لافروف بقوله:”أن كيري يعي تماما أننا في طريق مسدود، وأن المفاوضات لا يمكن أن تستمر ما دام النظام ينتهك الهدنة ويقصف المستشفيات ومخيمات اللاجئين٬ وأن المعارضة هي التي تُستهدف في حلب وليس (داعش)”، ولخص رؤية المجموعة للحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي ينص على “مرحلة انتقالية”، من أجل تجنب تكرار حالة العراق، وربطها بـ “تقاسم للسلطات”، بما في ذلك القوات المسلحة وأجهزة المخابرات، وكتابة دستور جديد، وإجراء انتخابات، ثم بالطبع رحيل الأسد عن السلطة”.
حسم سباق الحواجز، مُدد اتفاق الهدنة، وكُرر الحديث عن جدية العمل من أجل الوصول الى حل سياسي، “لكن دولا اقليمية، كإيران وتركيا والسعودية، لا تريد التسليم بالوقائع الحديدة التي خلقها الانخراط الروسي في سوريا والتفاهم مع الأميركيين” وفق قول مسؤول روسي.
المدن