سنة الأحلام الخطيرة/ سلافوي جيجيك
الكتاب يتناول كل الأحداث السياسية الصاخبة تلك التي قامت بالعالم في 2011، ويخص بالدراسة والبحث كل الثورات في العديد من الدول العربية، ومظاهر التمرد في أوروبا والولايات المتحدة، إلى جانب تصاعد الميول العنصرية في أوروبا، التي بلغت ذروتها في قيام النرويجي أندري برايفيك بقتل 77 شخصا.وحلًل «جيجيك» كل هذه الأحداث مستعينا بالأيديولوجيا اليسارية، التي يعتنقها، بالإضافة إلى تقنيات التحليل النفسي.ويضم محتوي الكتاب عشرة فصول خصص منها الكاتب فصلا كاملا عن ثورات الربيع العربي ، مشيرا إلى أن الطبيعة الثورية كامنة في الثقافة الإسلامية على خلاف المعتقد الشائع، محتفيا بثورات الربيع العربي، وينتقد الكاتب فى كتابة كل الحكومات الغربية، التى شككت فى كل هذة الثورات، لأنها تحمل طابعا يستهدف العدالة الاجتماعية، إلى جانب الرغبات التحررية.
هناك تعبيرٌ رائعٌ بالفارسية: «ور نام نهادن»، ذلك الذي يعني: «أن تقتُلَ شخصًا، وتدفن جثَّته، ثم تنمي زهورًا حول جثَّته لتُخفيَها»(1). في 2011 شهدنا (وشاركنا في) سلسلةٍ من الأحداث الصاخبة، من الربيع العربي إلى حركة احتلّوا وول ستريت، من اضطرابات المملكة المتّحدة لجنون برايفيك(i) الأيدولوجي. لقد كانت سنة الأحلام الخطيرة في اتِّجاهين: أحلام متحرِّرة تُحرِّك المتظاهرين في نيويورك وميدان التحرير، في لندن وأثينا؛ وأحلام هدَّامةٍ غامضةٍ تدفع برايفيك والشعبويّين العنصريِّين تجاه أوروبَّا من هولندا وحتَّى المجر. المَهمَّة الأوَّلية للأيدولوجيا المُهيمِنة كانت تحييد البُعد الحقيقي لهذه الأحداث: ألم يكن ردُّ الفعل المُسيطر على الإعلام بالضبط نوعًا من الـ«ور نام نهادن»؟ الإعلام قتل التحرُّر الجذريَّ الكامن في الأحداث، أو شتَّت تهديدَها نحو الديمقراطية، ثم نمى الزهور حول الجثَّة المدفونة. لهذا يكون من المُهمِّ أن نصحِّح الأمور، ونضعَ أحداثَ 2011 في السياق الشامل للموقف العالمي؛ لنُظهر كيف ترتبط بالعداء المركزي للرأسمالية المعاصرة.
ناقش فريدريك جيمسون(ii) ذلك، ففي لحظة تاريخية مُحدَّدة؛ يمكن أن يتحوَّل حَشْدُ الأساليب الفنيّة والحجج النظرية إلى نزعات تشكِّل معًا نَسَقًا. لتوضيح مثل هذا النَسَق، يعتمد جيمسون عادةً على مربّع جريماس السيميوطيقي(iii)، وهذا لسببٍ معقول: هذا المربّع ليس مجرَّدَ منظومةٍ بنائية شكلية وإن كان دائمًا ما يبدأ بتعارُض (تضاد أو تناقض) أساسيٍّ ما، ثم يبحث عن طرق ليحلَّ محلَّ و/أو يتوسّط النقطتين المتضادّتين. نسق الأوضاع الممكنة هو خطَّة دينامكية تتعلَّق بكلِّ الإجابات أو ردود الفعل الممكنة لتضادّ أو استعصاءٍ(iv) ما. هذا النسقُ لا يحصر ببساطة منظور حرِّيَّة الذات: إنَّه بالأحرى يفتح فضاءً؛ بكلماتٍ أخرى، فهو: «في الوقت نفسِه وذاته الحرِّيَّة والحتمية: إنّه يفتح منظومةً من الإمكانات الخلَّاقة (التي تكون ممكنةً فقط كردودٍ على الموقف الذي تُوضِّحه) كما يقتفي أثرَ الحدود العليا للبراكسيس(v) التي هي أيضًا حدود الفكر وإسقاطات المخيّلة»(2). سأل جيمسون أيضًا السؤال الإبستمولوجي(vi) الرئيسي: هذا النظام الذي يحمل كلَّ الأوضاع الممكنة:
«يريد أن يكون موضوعيًّا، ولكنَّه لا يمكن أن يكون أيَّ شيءٍ سوى أيدولوجي: (على سبيل المثال في العمارة) يصبح من الصعب في الحقيقة أن نفكِّر كيف يمكننا تمييز الوجود الواقعي للفئات المختلفة التي تصنّف تحتها المباني الحديثة عن الاختراع المعروف للنُّظُم المختلفة لهذه الفئات في ذهننا. في الحقيقة هناك شيءٌ من الإشكال الزائف هنا: القلقُ المستمرُّ عن إن كنَّا في الحقيقة نرسم أعيننا، يمكنه أن يُخفَّف إلى مستوًى محدَّدٍ بتذكُّر أنَّ أعينَنا في ذاتها جزءٌ من النظام المُحدَّد للوجود الذي هو موضوعٌ للتحقُّق».(3)
هنا، نصير مُحقِّين تمامًا في اتِّباع هيجل: فلو لم يناسب الواقع مفهومَنا، فهذا أمرٌ سيِّئ جدًّا بالنسبة للواقع. خطّتُنا، إن كانت ملائمةً، تحدِّد المنظومة الرسمية التي يتبعها الواقع (بشكل غير كامل). وكما وضَّح ماركس بالفعل؛ فالمُحدَّدات الموضوعية للواقع الاجتماعي هي في الوقت نفسه مُحدَّداتٌ فكريةٌ ذاتية (للذّات المرتبطة بالواقع)، و في نقطة عدم التحدُّد (التي فيها تكون حدود فكرنا؛ استعصاءاته وتناقضاته، هي نفسها التناحُرات مع الواقع الاجتماعي الموضوعي ذاته) «التشخيص هو أيضًا عَرَضه»(4). تشخيصنا (تفسيرنا «الموضوعي» للنظام المُتعلّق بكلِّ الأوضاع المُمكنة الذي يُحدِّد منظور نشاطنا) هو نفسه «ذاتي»، إنَّه مُخطّط ردود الفعل الذاتية تجاه الاستعصاء الذي نواجهه في تطبيقنا، و بهذا المعنى، هو عَرَضٌ بالنسبة لهذا الاستعصاء غير المحلول ذاته: أمّا ما علينا، مع ذلك، أن نختلف فيه مع جيمسون، فهو تشكيلُه لعدم التحديد هذا بين الذاتية والموضوعية كـ«أيدولوجيا»: هو أيدولوجيا فقط إن عرّفنا «غير الأيدولوجي» بسذاجة بمصطلحات الوصف «الموضوعي» المجرَّد؛ الوصف المُتحرِّر من كلّ التورُّط الذاتي. ولكن ألَا يكونُ من الملائم أكثر أن نصف كـ«أيدولوجيا» أيَّ وجهة نظر تتجاهل ـ ليس بعض الواقع «الموضوعي» غير المشوَّه بتورُّطنا الذاتي ولكنَّ ـ «السبب التامَّ للتشوُّه الذي لا يمكن تجنُّبه»، واقع هذا الاستعصاء الذي نتحرَّك بسببه في ظواهرنا وارتباطاتنا؟
لتحميل الكتاب من الرابط التالي
سنة الأحلام الخطيرة/ سلافوي جيجيك
صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت
كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية.