سنحاريب ميرزا ممثل الآشوريين في سوريا: نزلنا قسرا إلى ساحات المعارك
باسل العودات
أكّد سنحاريب ميرزا، مسؤول المنظمة الآشورية الديمقراطية في أوروبا، وعضو ائتلاف المعارضة السورية، على عدم وجود إمكانية لتخلي المعارضة السورية عن مطالبها الثورية الأساسية، ودعا إلى تحويل استهداف النظام للمدنيين لقضية تفقده أي مصداقية في المسار التفاوضي، وأكّد أن مشكلة المعارضة المسلحة ذات التوجه الإسلامي ليست في درجة الاعتدال على المستوى العقائدي والأيديولوجي وإنما في محاولتها فرض رؤيتها بالقوة على المجتمع السوري.
لا مفر من لغة السلاح
غيّرت الحرب السورية المستمرة منذ خمس سنوات، وبما حملته من خطر على الوجود السرياني الآشوري والمسيحي عامة في سوريا، الكثير من المفاهيم والقناعات الدينية واللاهوتية لدى بعض المسيحيين، وصارت لأول مرة لمسيحيي سوريا ذراع عسكرية أسوة بالقوى والتيارات والقوميات السورية الأخرى التي تمتلك ميليشيات خاصة بها.
يرجع انخراط المسيحيين باللعبة العسكرية في سوريا وفق سنحاريب ميرزا، مسؤول المنظمة الآشورية الديمقراطية في أوروبا، وعضو ائتلاف المعارضة السورية، إلى طبيعة الصراع التي فرضت حمل السلاح للدفاع عن النفس كحق مشروع في ظل التهديد الوجودي.
ويوضّح ميرزا، في حوار مع “العرب”، قائلا “كان بروز تشكيلات مسلحة سريانية آشورية حتميّا في ظل تسلح بقية المكونات في مجتمع الجزيرة السورية، وتحت تسميات مختلفة، الأمر الذي يدفعنا إلى التأكيد بأن ظاهرة التسلح لدى السريان الآشوريين لم تعكس موقفا أو اصطفافا سياسيا مع هذا الطرف أو ذاك بقدر ما جاءت كحتمية ونتيجة لتعقيدات الصراع وطبيعته”.
لكن، وكما فرض الواقع تشكيل ميليشيات آشورية عسكرية، التي تأسست تحت مسمى (سوتورو ـ مكتب الحماية)، فقد فرض أيضا انقسام هذه الميليشيات. ويرجع المعارض السوري الآشوري هذا الانقسام في الموقف والارتباط إلى وقائع لها علاقة بطبيعة القوى المسلحة المتواجدة في منطقة الجزيرة، فالمنطقة خاضعة لسيطرة قوات النظام ووحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.
وبالتالي فإن أي حالة مسلحة لا بد وأنها ستكون مرتبطة بإحدى هاتين القوتين، وهذا هو حال قوات السوتورو بشقيها الأول المرتبط بالنظام والثاني بالأكراد، يُضاف له ما مثّلته سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات كبيرة في ريف محافظة الحسكة لمدة طويلة واجتياحه لقرى الخابور ومحاولاته اجتياح مدينة الحسكة من تهديد وجودي لمعظم مكونات المجتمع وخاصة السريان الآشوريين.
وأضاف ميرزا “لقد حاولت المنظمة الآشورية الديمقراطية مع بداية تشكيل قوات السوتورو أن تُبقي هذه القوات في مستوى قوات أمن داخلية لحماية أحياء المسيحيين من اعتداءات على خلفيات جنائية مع غياب قدرة النظام على حمايتها، وللحيلولة دون فرض وصاية أو اصطفاف سياسي لهذه القوات، إلا أن تنامي التنظيمات الإسلامية المتطرفة وفشلها في تقديم نموذج ناجح في مناطق سيطرتها، ودور أجهزة أمن النظام في خلق وتوفير كل المناخات التي تدفع بالمزيد من المسيحيين للالتصاق أكثر بالنظام بحثا عن حماية، كل ذلك ساهم في تشكيل هذا المشهد العسكري لدى المسيحيين”.
لدينا شكوك في جدية الائتلاف والهيئة العليا للتفاوض في تحقيق تمثيل عادل للسوريين وتوجهات المعارضة حيال مسألة التنوع القومي في المرحلة المقبلة
القلق من الإسلاميين
انتقد سنحاريب ميرزا كتائب المعارضة ذات التوجه الإسلامي، وأكّد أن المشكلة ليست في درجة الاعتدال على المستوى العقائدي أو الأيديولوجي وإنما في محاولتها فرض رؤيتها بالقوة على المجتمع السوري. وقال “النتائج تشير إلى خلو كل المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام من المسيحيين، وما شاب الثورة من انحرافات تمثلت في رفع رايات وشعارات ومصطلحات وخطابات دينية طائفية من قبل العديد من الفصائل المسلحة (المعارضة) وضعف أداء المعارضة السياسية في المستوى الإعلامي وفشل استقطاب الأقليات، كل ذلك زاد من مخاوف السريان وعموم المسيحيين من المستقبل”.
واستطرد “لا نخشى المعارضة السورية المسلحة ذات التوجه الوطني المدني كالجيش الحر، الذي أُسس لحماية المدنيين ولتحقيق أهداف الثورة، لكننا قلقون جدا من توجه الفصائل المسلحة الإسلامية التي تتعارض أهدافها مع أهداف الثورة، وطالبنا من خلال أطر المعارضة بتشكيل قوة وطنية سورية تعبر عن وحدة السوريين تحت قيادة هيئة حاكمة انتقالية بصلاحيات كاملة وفق محددات بيان جنيف وقرارات الشرعية الدولية وآخرها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.
وشدّد ميرزا “نحن ندافع عن الحقوق القومية للشعب الآشوري كمكون أساسي وأصيل في وطنه ضمن وحدة سوريا الجغرافية، وندعو إلى نظام وطني بإدارة لامركزية يسمح لنا بتدريس لغتنا القومية واعتبارها لغة رسمية وطنية تُدرّس في المناهج الدراسية لمن يرغب، وتحظى بدعم مؤسسات الدولة التربوية والتعليمية والإعلامية والثقافية، ونعمل من أجل بناء دولة ديمقراطية علمانية مدنية تعددية للجميع”.
واستطرد موضّحا “على الرغم من أننا ندعو إلى لامركزية موسعة الصلاحيات تمنح الأطراف أوسع سلطات ممكنة لإدارة شؤون مناطقها، فإننا في الوقت نفسه نسعى لأن ينتج ذلك عن قناعة السوريين بجدوى هذا المقترح وفوائده، ونهتم بفتح نقاشات معمقة حول درجة اللامركزية، باعتبارها قضية لم تتح لعموم السوريين مناقشتها وبلورة موقف حيالها بعيدا عن تعقيدات وتنوع الصراع الدائر في سوريا”.
لكنه، أضاف “نعتقد أنه من السابق لأوانه طرح مشاريع لا تحظى بالتوافق والقبول من كل المكونات خصوصا في منطقة شديدة التنوع القومي والديني كالجزيرة السورية، كما أن أي إطار دستوري أو قانوني يجب أن ينبثق من الإرادة الوطنية للشعب السوري”.
وحول استخدام النظام السوري للأقليات لتبرير جزء من حربه، قال ميرزا “لقد دأب نظام الأسد على إظهار نفسه كمدافع عن الأقليات وحريص عليها، والبديل عنه هم المتطرفون، لكن نتحمل نحن أيضا كمعارضة سورية جزءا من المسؤولية في مساعدة النظام على تبرير ما يرتكبه لأننا لم نتمكن من حماية مسار ثورتنا من الانحرافات ولا من التدخلات الخارجية التي لم تكن بريئة في استثمار الوضع لخدمة أجنداتها”.
سنحاريب ميرزا: لا نخشى المعارضة السورية المسلحة ذات التوجه الوطني المدني كالجيش الحر لكننا قلقون جدا من توجه الفصائل الإسلامية المسلحة
وأضاف أن النظام الحاكم عمل طوال أربعين عاما على تغذية الاعتقاد بأنّه حامي الأقليات وأنه بزواله ستلجأ الأغلبية السنية لتصفية حساباتها التاريخية مع تلك الأقليات لكن هذا التخويف فاقد للمصداقية وذلك لأسباب عدّة، ففي البداية عاش المسيحيون في سوريا ولقرون عدة دون نظام الأسد وفي ظل أكثرية سنية حيث كان لهم موقع متميّز في مجالات عدّة، أما فترة سيطرة نظام الأسد على السلطة فكانت أسوأ فترة عرفوها؛ حيث فقدوا امتيازاتهم وتدنّت نسبتهم”.
تشريك في المعارضة
نفى القيادي السرياني وجود أي مشاريع انفصالية أو رغبة جماعية في الهجرة و”رغم ما تعرض له السريان الآشوريون، والوجود المسيحي عامة، من انتهاكات، فإنهم مازالوا متمسكين بالبقاء على أرضهم للحفاظ على وجودهم”.
وأكد أنهم “لم يتلقوا عروضا مباشرة من دول أوروبية للهجرة، لكن بعض الدول الأوروبية عملت بطريقة غير مباشرة على ذلك عبر تصريحات إعلامية، وهو ما شجع الكثير من المسيحيين بشكل عام والسريان الآشوريين بشكل خاص على الهجرة إلى الدول الأوروبية”.
ورغم أنه انتقد عدم وجود أي تمثيل للسريان الآشوريين في الهيئة العليا للمفاوضات إلا أن مسؤول المنظمة الآشورية الديمقراطية في أوروبا، أكّد على دعمها كجهة مُكلّفة بالتفاوض مع النظام.
وقال “للأسف لا يوجد تمثيل للسريان الآشوريين في الهيئة العليا للمفاوضات، وكذلك ضمن الوفد التفاوضي رغم أن المنظمة الآشورية الديمقراطية عضو مؤسس في كل من إعلان دمشق والمجلس الوطني والائتلاف الوطني”.
واستطرد مؤكّدا “على الرغم من شعورنا بالخذلان والشكوك في جدية الائتلاف والهيئة العليا للتفاوض في تحقيق تمثيل عادل للسوريين، وحول طبيعة توجهات المعارضة حيال مسألة التنوع القومي في المرحلة المقبلة، إلا أن ذلك لم يثننا عن الاستمرار في دعم مواقف الهيئة العليا للتفاوض والمشاركة في معظم الفعاليات التي أقيمت على هامش المسار التفاوضي في جنيف”.
ودعا سنحاريب ميرزا كل المكونات السورية إلى “الالتفاف حول أهداف الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وبناء دولة القانون والمواطنة، بالإضافة إلى بناء نظام ديمقراطي مدني تعددي”، مشيرا إلى أن ذلك لن يتم إلا بوجود معارضة مؤثرة وقادرة على التفاوض من منطق القوة والوحدة بعيدا عن الإملاءات الخارجية.
وتطرّق في هذا السياق إلى قرار تعليق المعارضة السورية للمفاوضات الذي انتقده واعتبره خسارة على أكثر من مستوى، وقال “في ظل غياب أي قدرة على تحقيق حسم عسكري، وبعد التحولات في موازين القوى التي فرضها التدخل الروسي المباشر، ليس أمام المعارضة السورية من خيارات خارج إطار الحل السياسي المستند إلى قرارات الشرعية الدولية”.
ويرى ميرزا أن معركة المفاوضات انعكاس لموازين القوى على الأرض، مشيرا إلى أن عملية تعليق المشاركة بالمفاوضات مثلت خسارة ليس فقط على المستوى السياسي بل أيضا على المستوى الشعبي والإنساني”. واستبعد امتلاك المعارضة السورية لأوراق ضغط تساعدها على الصمود في قرارها هذا.
وقال “إن تصريحات موسكو والمبعوث الدولي ستيفان دي مستورا تؤكد على استمرار المسار التفاوضي على الرغم من تعليق المفاوضات من جانب الهيئة العليا، بمعنى أنها ستتعرض لضغوط كبيرة للتراجع عن قرارها “.
مع ذلك، أعرب ميرزا عن قناعته بعدم وجود إمكانية لتخلي المعارضة السورية عن مطالبها الثورية الأساسية، وقال “تؤكد الوثائق التي قدمتها الهيئة العليا للمفاوضات للمبعوث الدولي خلال الجولات السابقة على أن الانتقال السياسي هو الهدف والغاية من العملية التفاوضية، وما عدا ذلك هو خروج عن جوهر قرارات الشرعية الدولية”.
باسل العودات
العرب