سهير الأتاسي آخر الاعتقال السياسي؟
ياسر أبو هلالة
الأكثر قلقا من الثورة العربية الكبرى إسرائيل وأميركا والغرب عموما. فالأنظمة العربية المستبدة تعتمد بشكل أساسي لحماية نفسها على منظومة الأمن تلك. وعندما يصرح القذافي بأنه ضامن أمن إسرائيل وأوروبا وأميركا، وأن بديله القاعدة والإسلاميون، فهو يكرر أسطوانة رددها من قبله مبارك وزين العابدين بن علي، ولم تنفعهما.
ومقابل تلك الاتهامات ثمة خطاب مزدوج، يتهم الشباب بأنهم عملاء لأميركا. وشجع تلك الاتهامات استخدام الثوار للأسلحة الأميركية المعتمدة على الإنترنت من “فيسبوك” و”يوتيوب” وغيرهما.. وخطابهم غير الصارخ في انتقاد أميركا. المفاجأة كانت في الموقف الصلب والمتماسك والعقلاني في التعامل مع زيارة هيلاري كلينتون لمصر. فائتلاف شباب الثورة رفض استقبالها، ليس لموقفها السلبي في بداية الثورة، وإنما بحسب بيان الشباب سياستها “في المنطقة”. فأولئك الشباب أبناء المنطقة وليسوا شوفينيين مصريين. وبنفس الوقت، ليس الآن وقت فتح معركة مع أميركا ومصر لم تتعاف من جراحها بعد. وهو ما تكرر في زيارة هيلاري كلينتون لتونس.
وسورية التي تقف موقفا أصيلا من قضية فلسطين والعراق نظاما وشعبا، هللت لانتصار ثورة مصر بوصفها هزيمة “لنظام كامب ديفيد”. لكن الموقف اختلف مع ثورة شعب ليبيا، وبدا الموقف السوري معزولا في نصرته لنظام العقيد الذي بشّع في أبناء شعبنا العربي في ليبيا. والأغرب تعامله مع تظاهرة الحميدية ووزارة الداخلية في دمشق. فأولئك لا يطالبون النظام بتغيير سياسته في العراق وفلسطين، وإنما بتغيير سياسته تجاههم. ولا عاقل في سورية يقول إن الوضع السياسي في سورية يليق بشعب ديمقراطي وحدوي بالفطرة.
السوريون اختاروا أن يكونوا وطنا عربيا، ولم ينعزلوا في طوائف. وتنازلوا عن القُطر طواعية ليندمج مع مصر. وحلت الأحزاب نفسها، بما فيها الإخوان المسلمون، تنفيذا لشروط الزعيم عبدالناصر الذي حُملت سيارته على الأكتاف. وعندما يحصلون على حقوقهم في الحرية اليوم، فلن تكون خيارتهم في خدمة العدو الصهيوني، بل في خدمة سورية. والكرامة لا تتجزأ في مواجهة الاستبداد والفساد أم في مواجهة الاحتلال.
جاء الرد قاسيا من خلال اعتقال الناشطة سهير الأتاسي، وربما تتهم بالعمالة للموساد والـ”سي. آي. إيه” والقاعدة والإخوان المسلمين، وغير ذلك من تهم لا يصدقها أحد. كتبت من قبل نداء حارا للإفراج عن المدونة طل الملوحي، وعلى ما يبدو فإن أحدا لا يقرأ، ومن أنا حتى أنادي؟ وهل يحق لي مناداة الرئيس بشار الأسد؟ لا نملك إلا أن ننادي ونرجو، لعل وعسى أذنا تصغي.
لم يفت وقت الإصلاح في سورية. وبإمكان الرئيس السوري أن يقود مرحلة التحول، فالإصلاح يتحقق دائما بالثورة. في إسبانيا قتل مليون في الحرب الأهلية، ولم ينجح الإصلاح إلا عقب تولي خوان كارلوس الحكم العام 1975، ومن صلب النظام المستبد تحقق التحول الديمقراطي الذي نقل إسبانيا من بلد متخلف إلى واحد من أكثر بلدان العالم تطورا. إن أولى خطوات الإصلاح الإفراج عن سجناء الرأي الذين يؤمل أن تكون سهير الأتاسي آخرهم.
صحيفة الغد الأردنية