سوريا…اختبار حقيقي لأوباما
لم تعكس ليبيا مظهراً قوياً لقناعة دولية ليبرالية، ذلك أن العامل الأهم والوحيد وراء التدخل المسلح للغرب كان هو سريالية معمر القذافي. ولو أن “العقيد” لم يكن بالتهور الذي أظهره، ولو أنه كلف نفسه عناء الإبقاء على القوات المسلحة، التي أهدر عليها ثروة بلاده النفطية، لكن القلق الغربي بشأن الشعب الليبي أقل بكثير ربما.
ومع ذلك، فقد استعمل أوباما القوة الأميركية لتحرير شعب مسلم. وعلى غرار بوش، وصل أوباما إلى الرئاسة بتصور محدود وأكثر “تواضعاً” لمصالح أميركا في الخارج. وإذا كان الحادي عشر من سبتمبر 2001 قد غيَّر بوش، فعلينا أن ننتظر لنرى ما إن كانت الثورة العربية الكبرى قد غيَّرت أوباما بشكل دائم.
ومما لا شك فيه أن سوريا ستشكل اختباره الحقيقي، لاسيما أن الحجج المؤيدة لضرورة دعم المحتجين السوريين باتت تزداد قوة على غرار تلك التي تم الدفع بها من أجل إنقاذ سكان بنغازي. فبعد أشهر من مواجهة رشاشات قناصة النظام ودباباته والتعذيب على يديه، بدأ المحتجون اليوم يدعون صراحة إلى تدخل خارجي. هذا مع العلم بأن خطايا النظام الاستراتيجية ضد الولايات المتحدة أكبر بكثير من تلك التي ارتكبها القذافي؛ ذلك أن إيران و”حزب الله” اللبناني (اللذين يمثلان مصدر توتر في الشرق الأوسط) هما صديقا دمشق المقربان. كما أن كل منظمة إرهابية عربية، نشأت في الحركات الدينية المتشددة والقومية العربية لديها وجود في دمشق. وعلاوة على ذلك، فإن النظام السوري هو الداعم والمساعد للسياسات المناهضة للولايات المتحدة.
والواقع أنه منذ عقود و”واقعيو” السياسة الخارجية يحلمون بعزل آل الأسد وطائفة العلويين الشيعة الحاكمة عن إيران ودفعهم نحو عملية السلام؛ غير هذا التطلع الواهم – الذي تجاهل الواقع الديني والطائفي للحياة السياسية السورية – يبدو أنه مات اليوم. وقد ينظر أوباما أخيراً، هو المدمن على النظر إلى المنطقة عبر منظار فلسطيني- إسرائيلي – إلى سوريا على نحو استراتيجي.
وخلافاً لإيران، يمكن للنظام السوري أن يتأثر بسرعة من العقوبات، وذلك لأن النظام لا يملك ربما الكثير من العملة الصعبة – والذي يبدو أنه يتوق إلى الحفاظ على عملته والأجهزة الأمنية من خلال احتياطه من الدولار. ومن دون ضخ مستمر للمال من إيران، الذي قد يكون بطيئاً بالنظر إلى صعوبات طهرن الاقتصادية، فإن التضخم المفرط في سوريا يمثل إمكانية حقيقية.
والواقع أنه لن يكون على أوباما بالضرورة أن يقود من الخلف. فالاتحاد الأوروبي يقوم بتطوير عقوبات أشد على سوريا، ببطء وثبات؛ ذلك أن الاتحاد، الذي يشتري معظم النفط السوري، مرر للتو حظراً، سيصبح ساري المفعول اعتباراً من الخامس عشر من نوفمبر المقبل، على استيراد الخام السوري. وقد يتطلب تطبيق مزيد من التدابير الشاملة ضد قطاع الطاقة والبنك المركزي السوريين والمؤسسات التجارية الإيرانية المستثمرة بقوة في سوريا قراراً من الرئيس وبعض الضغط على الحلفاء الأوروبيين والأتراك. ولكن القمع الدموي للمحتجين من قبل نظام بشار الأسد يمنح واشنطن الأسباب والمبررات للتحرك. وبذلك يمكن القول إن ما كان يبدو مستحيلا قبل خمسة أشهر أخذ يتحول إلى شيء قابل للتنفيذ اليوم.
وعلاوة على ذلك، فإن المعارضة السورية وحدت صفوفها على نحو كاف يسمح بتلقيها المساعدات الغربية.
على واشنطن ألا تكون “فاضلة” في وقت يموت فيه الشعب. والواقع أن حتى الأمر الذي كان لا يمكن تصوره (عمل عسكري غربي) أصبح مرجحاً أكثر بسبب ليبيا. وإذا ازداد الانقسام السني- العلوي وتفاقم في سوريا، فليس من الصعب تخيل سيناريو تضطر فيه تركيا السُنية إلى توفير ملاذ آمن للاجئين على الجانب الآخر من الحدود. ويمكن أن يتلو ذلك فرض منطقة حظر للطيران وللتنقل وللإبحار مدعومة من قبل “الناتو” ثم إن إعادة اصطفاف تركيا، التي كانت منشغلة تحت قيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان بمغازلة دمشق وطهران، مع أوروبا والولايات المتحدة، سيشكل أيضاً شيئاً جيداً ومفيداً بالنسبة للمنطقة.
ومعلوم أن أوباما هو ابن مسلم أفريقي وامرأة أميركية كرسا حياتهما للعالم الثالث. ولذلك، فهو مناسب تماماً ليقود الولايات المتحدة بخصوص توسيع الديمقراطية وإيصالها إلى أكثر منطقة اضطرابا وسلطوية وتشدداً دينياً على الأرض. ومن الواضح أن الرئيس يعتبر نفسه “صديقاً للمسلمين” من ذلك النوع؛ غير أن الثورة العربية الكبرى بدأت تغيّر الطريقة التي ينظر بها المسلمون العرب إلى أنفسهم؛ وقد تفعل الشيء نفسه بالنسبة لأوباما.
رويل مارك جيريكت
زميل مؤسسة “الدفاع عن الديمقراطيات”
مارك دوبوفيتز
المدير التنفيذي لمؤسسة “الدفاع عن الديمقراطيات”
ينشر بترتيب خاص مع خدمة “واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس”
الاتحاد