سوريا الأسد وتركيا الإسلامية
سركيس نعوم
أثار موقف “حزب العدالة والتنمية الاسلامي”، الحاكم تركيا منذ اكثر من عشر سنوات، من سوريا والإنتفاضة الشعبية المتصاعدة فيها منذ 15 آذار الماضي، الكثير من التساؤلات في اوساط عربية وإسلامية ودولية عدة. ففي عهده تحسّنت العلاقة بين انقرة ودمشق بحيث تحوّلت تحالفاً او ربما شركة وعلى اكثر من صعيد. وبدا للوهلة الاولى ان سوريا وتركيا طوتا صفحة التوتّر والخلافات التي طبعت علاقاتهما خلال العقود الماضية، وخصوصاً بعدما رعت الاولى اكراد الثانية الثائرين عليها بقيادة عبدالله اوجلان رغم انكارها ذلك رسمياً. وهي لم تتوقّف عن هذه الرعاية إلا بعدما هدّدت الحكومة التركية الرئيس الراحل حافظ الاسد بغزو سوريا في حال امتنعت عن تسليمها اوجلان. وقرنت تهديدها بحشد جيشها على طول الحدود. ولم تعد عنه إلا بعدما تأكد الاسد المؤسس من امرين. الاول، عدم وجود من يقنع تركيا بعدم الغزو، في المنطقة والعالم. وجاء التأكيد النهائي عبر احد الناشطين الاميركيين بين دمشق وواشنطن. والثاني، حصول تركيا ومعها اميركا على ادلة حسّية من داخل سوريا تؤكد وجود اوجلان على اراضيها، او بالأحرى على اراضي البقاع اللبناني الذي “تعتبره” جزءاً منها. وبدا للوهلة الثانية ان العلاقة السورية – التركية توثّقت الى درجة جعلت انقرة الاسلامية وسيطاً بين دمشق واسرائيل مهمته التمهيد لاستئناف مفاوضات سورية – اسرائيلية مباشرة تسفر عن تسوية سلمية ثابتة ودائمة.
وعندما بدأ “الربيع العربي” بثورة تونس التي فجّرها احراق مواطنها البوعزيزي نفسه احتجاجاً على مظالم كثيرة، وعندما غطّت روائحه مصر، وكادت ان تشمل البحرين، راح كل من دول المنطقة يبحث في اوضاعه ومصيره كما في اوضاع الآخرين ومصائرهم. وكانت تركيا الاسلامية واحدة منها، وتوصّلت الى استنتاج يفيد اولاً انها تعيش ربيعها الخاص منذ نحو عشر سنوات. وثانياً، ان حليفتها الجديدة او صديقتها سوريا لن يشملها هذا الربيع. وكانت سوريا بشار الأسد واحدة من الدول المشار اليها ايضاً. وتوصّلت بنتيجة البحث الى ان لا موجب لـ”ربيع” عندها مماثل لربيع تونس ومصر وغيرهما. والاثنتان كانتا مخطئتين في استنتاجاتهما “السورية” اذا جاز التعبير على هذا النحو، إذ أن اهالي درعا انتفضوا فجأة قرابة منتصف آذار الماضي. وعندما قُمِعوا انتفض آخرون في مناطق اخرى، وثم توسّعت الانتفاضات وتتالت بحيث بقيت مدينتان فقط غير متجاوبتين كلياً مع التحرّك الشعبي هما حلب والعاصمة دمشق. علماً ان انضمامهما الى الانتفاضة يحوّلها ثورة شعبية عارمة، وإن عاجزة ربما عن إسقاط النظام، وإن عجز النظام أيضاً عن اسقاطها، قد تتحوّل في مراحل لاحقة حرباً أهلية.
في هذه المرحلة ظنّت تركيا ان في استطاعتها “المَوْنة” على حليفها بشار الاسد للقيام بالاصلاحات اللازمة الجدية وليس التجميلية. فتوالت الاتصالات والاجتماعات بين رئيس وزرائها اردوغان ورئيس جمهوريتها غل وبين الاسد كما بين المسؤولين السياسيين والعسكريين والامنيين الاتراك والسوريين. وسرعان ما خاب أمل الاتراك. فالرئيس الاسد وعد بالكثير. لكنه لم يفِ إلا بالقليل، وتصاعدت الاحتجاجات الشعبية، فانزعجت انقرة و”قوّت” لهجتها حيال ما يجري في سوريا وحيال قيادتها. فبدا أن التوتر سيعود الى العلاقة بين الدولتين وخصوصاً بعدما استعمل وزير الخارجية السوري وليد المعلم لهجة تهديدية مغلفة بالديبلوماسية في آخر مؤتمر صحافي عقده في دمشق. علماً ان القادة الاتراك ورغم تصاعد لهجتهم استمروا داعمين لأن يقوم الاسد بنفسه بالاصلاح وواثقين بأنه يستطيع ذلك. بعد ذلك عادت الاتصالات بين انقرة ودمشق وعادت “الطراوة” الى لهجة المسؤولين الاتراك رغم عدم تخلّيهم عن دعوة زملائهم السوريين الى التزام الاصلاح الجدي وبدء تنفيذه.
كل التطورات المذكورة اعلاه اثارت تساؤلات عند مؤيدي “الربيع” السوري واي ربيع عربي آخر، واحياناً شكوكاً ومخاوف، ولا سيما في ظل اقتناع هؤلاء والجماعات السياسية والدينية التي ينتمون اليها بأن تركيا الجديدة الاسلامية هي التي ستحمي السنّة العرب بعدما ضعف كبارهم، سواء من الانظمة التي تحكمهم بالقمع، او من ايران الشيعية ذات الطموحات الاقليمية الواسعة جداً. وقد عبّر هؤلاء عن المخاوف في لقاء مع ديبلوماسيين اتراك اعربوا خلاله عن انزعاجهم من عودة تركيا عن لهجتها القوية والحازمة مع سوريا. وقد يكونون لوّحوا بمواقف “إعلامية” سلبية منها.
ماذا كان الموقف الفعلي لتركيا من سوريا منذ 15 آذار الماضي؟
النهار