سوريا الاسود تتحدى بشار الفأر
رزاق عبود
صدام حسين اطلق على العراق عراق البعث، وعراق صدام. وحافظ الاسد سمى سوريا باسمه. حول الوطن كله الى اقطاعية لعائلته، واورثها لابنه. 50 عاما من حكم الطوارئ، وتكميم الافواه، ومحاربة الراي الاخر، وقمع المعارضين، واملاء السجون بالرافضين لافكار البعث، ونظامه الشمولي. المادة الثامنة من الدستور السوري احتكرت السلطة لحزب البعث. سنوات طوال، والشعب السوري يعاني الفقر، والفساد، والكبت، وحكم العائلة، التي سيطرت على الحزب، والدولة مثلما فعل صدام باسم البعث ايضا. المخابرات المتعددة تحصي انفاس الناس تمهيدا “لتحرير” الجولان المحتلة، و”المواجهة” مع العدو الصهيوني. شعب ثلث مواطنيه تحت خط الفقر، والنظام ينفق المليارات على الامن والمخابرات. منذ عام 1969 ومحكمة امن الدولة، والقضاء التابع كليا للسلطة يوزع الاحكام الجائرة على المعارضين. وقومية كبيرة من الاكراد محرومة من حق المواطنة، وتعاني التمييز، والاضطهاد. وعندما ثار الشعب السوري ذي التاريخ النضالي العريق سلميا جوبه بالرصاص الحي، والغاز، والاعتقالات، واساءة معاملة السجناء، وقتل، وتعذيب الاطفال. واطلقت ايدي الاجهزة الامنية ذات الصيت السئ، والمعفاة من كل محاسبة حتى لوصفت نصف الشعب السوري. يتهمون المعارضة بتجييش الشارع، ويرسلون الدبابات والمصفحات لمواجهة المتظاهرين العزل، وتصيدهم عبر القناصة.
رغم التعتيم الاعلامي، والسيطرة الكاملة على الاعلام في البلد، واتهام المطالبين بالحرية بالتامر، ووصفهم بالعصابات المسلحة، ومجموعات جاءت من الخارج، ومندسين هتفوا ضد النظام. فان عدد المساهمين في التظاهرات يزداد ويتسع يوميا. فكم عدد المندسين يا ترى؟ فكل المدن السورية انتفضت القريبة، والبعيدة عن الحدود. ومن اين تسللت العصابات، التي اطلقت النار على نفسها؟ فكل الدول المجاورة بما فيها اسرائيل لا تريد للنظام ان يسقط. ان شعوب المنطقة قررت، ان ترسم خارطة اخرى لبدانها، ومستقبلها، وسوريا ليست مستثاة من هذا الاتجاه. 6 اسابيع من الثورة الشعبية المستمرة رافقها مئات الضحايا من الشهداء، والجرحى، ومئات المعتقلين، وعشرات الاستقالات، والاقالات. أكل هذا مؤامرة وتدخل خارجي؟ النظام يقر، يوميا، بضرورة الاصلاح، ويحاول ترقيع النظام باجراءات، وقرارات فوقية، وكانه وصي على الجماهير، التي لاتثق، لا بوعوده، ولا اصلاحاته! الجماهير تريد التغيير الكامل والجذري! والنظام السوري، لا يفهم طبعا لماذا تستمر المظاهرات طالما ان الرئيس اصدر كذا، وكذا، وانه قال كذا، وكذا. انهم لا يستوعبون، ان الشعب السوري مثل بقية الشعوب يريد ان يقرر الامور بنفسه، وان ينتخب رئيسه، بنفسه، ويغيره بنفسه، ويختار ممثليه، والناطقين باسمه بنفسه. الجماهير تتظاهر يوميا، وتطالب باسقاطه، وهو يستمر بمناته، وعطائه، واصلاحاته، ووعوده! هؤلاء الطغاة لا يتحملون، ان الجماهير، لا تهتف لهم، بل تهتف ضدهم! مثل ماري انطوانيت، التي استغربت لماذا ثار الشعب الفرنسي؟ ولماذا لا يكتفي الجياع بتوزيع البسكويت عليهم؟ دكتور العيون اصابه العمى، وصح عليه المثل: “طبيب يداوي الناس وهو عليل”! كل هذه الجماهير متأمرة، وعميلة، ومندسة، وطائفية، وعصابات مسلحة، وان السلطات لم تطلق الرصاص، القتلى يموتون لوحدهم! هو لا يفهم مثل انطوانيت، ان الشعب لم يثر من اجل رفع الرواتب، او اقالة محافظ، وان تهم الاندساس، والتسلل، والسلفية لاترقع الفتق الكبير في رداء النظام، وان اعلامه، ومرتزقته، واجهزة امنه ستتعب قريبا، وتتخلى عنه! حتى هؤلاء الذين يصفقون لخطاباته في مجلس الشعب “مجلس البعث” قد حزموا حقائهم، وحجزوا بطاقات سفرهم. بدا التخلي عن النظام، والتنكرله يزداد يوميا للحفاظ على موقع في سوريا القادمة. بدأت الجرذان تغادر السفينة الغارقة. وسفينة النظام كثر قباطنتها من المخابرات، والاجهزة الامنية، والحزبية، والحرس القديم. واذا كان في السفينة اكثر من قبطان تغرق. وان كان المغفل بشار يظن انه من يقود السفينة ويحدد اتجاهها. 72 قتيل في يوم واحد يوم الجمعة العظيمة الدامية، واطلاق الرصاص على المشيعين والمتظاهرين. ومحاولة بث الفتنة كما فعل حلفائه العراقيين رغم ان الشعب اجاب بانه واحد.
ان القيادة البعثية المتحجرة في سوريا لاتعي، ان العالم تغير، وان الانظمة التي سبقته بالسقوط استخدمت كل حيله، والاعيبه، وادعاءاته وباءت بالفشل.ان تسونامي الغضب في دول المنطقة عام ومستمر. سوريا اول دولة مستقلة في المنطقة، وصاحبة اول تجربة ديمقراطية في المنطقة لن تتخلف جماهيرها، ان ترسل مظهديها الى مزبلة التاريخ، مهما ادعوا، ان الوضع خاص، ومختلف، وان سوريا ليست مصر وليست تونس. نحن نقول له ان للشعب السوري، ايضا، تاريخ خاص غني بالنضال، وان صبره نفد وموعد رحيل وحساب جلاديه قد حل. وهو موعد يحدده الثوار في الشارع، وليس في خطابات الرئيس، او دبابات جيشه. ان وضع بشار ونظامه حرج، فصدام اعدم، وبن علي هرب، ومبارك سيحاكم، والقذافي محاصر، ومهرج اليمن تنازل للجماهير المطالبة برحيله. وسيلتحق بقافلة الراحلين ليس بشار الفأر وحده، بل كل المصابين بعمى السلطة، التي لا ترى في شعوبها طاقات جبارة، ان تحركت لن يوقفها الارهاب، او القتل، او التعذيب، او التهديد، فلقد عايشت كل هذا، وذاك وتريد الان ان تذوق طعم ارادتها الحرة. لقد قال بشار في خطابه الاول متحديا شعبه:”اذا ارادوا المواجهة فنحن مستعدون”! ويبدو ان الشعب السوري البطل قبل تحدي الحرب التي اعلنها بشار. ان الشعب هو السيد، وهو من سيحسم التحدي!
24/4/2011