سوريا: الانقلاب الاسلامي/ ساطع نور الدين
من الان فصاعدا، دخل السيناريو العراقي حيز التنفيذ في سوريا. ما سبق كان مجرد تجارب ومناورات واستعدادات اجراها الاسلاميون الذين باتوا يسيطرون الان على المعارضة السورية وعملياتها وقراراتها، ويتعاملون مع الهلال الخصيب بصفته جبهة قتال واحدة.. يشكل لبنان فناءها الخلفي.
ما كان يُخشى منه، وما كان المعارضون السوريون غير الاسلاميين يحذرون منه طوال عامين ونصف العام صار امرا واقعا. كان واضحا منذ البداية ان عنف النظام سيؤدي الى انتاج المظاهر والرموز والبرامج الاشد تطرفا لدى الجانبين، والى عزل او حتى تصفية اي معتدل، أكان مواليا او معارضا، رفع صوته مناديا بحل سلمي. هذا بالتحديد هو الوضع الان في سوريا، التي تتجه كما يبدو نحو صراع اكثر وحشية ودموية من ذي قبل، حيث لم يعد من المستبعد ان تنفذ خلية واحدة من تنظيم اسلامي واحد تفجيرات متزامنة ضد اهداف عراقية وسورية..
الانقلاب الذي نفذه تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام”(داعش) اخيرا على فصائل معارضة غير اسلامية اهمها الجيش الحر، في مناطق الشرق والشمال السورية، كان ناجحا بكل المعايير العسكرية والامنية وحتى السياسية، من دون الحاجة الى اعلان امارة اسلامية، يبدو انها تنتظر ثلاثة امور داخلية، اهمها صدور الفتوى بجواز اقامتها على جزء من التراب السوري، او تأجيلها الى ما بعد “تحرير” ذلك التراب بالكامل، وثانيها التحاق بقية الفصائل الاسلامية المقاتلة بتنظيم “داعش”، وآخرها حسم الخلاف مع زعيم تنظيم “القاعدة”الدكتور ايمن الظواهري حول رسالته الاخيرة التي نصح فيها بعدم قتال ابناء الطوائف السورية الاخرى الا دفاعا عن النفس.
تحول “داعش” الى اسطورة تنسج حولها الخرافات،التي يطلقها الموالون والمعارضون على حد سواء، استنادا الى ادلة واهية، منها انه صنيعة النظام، او انه ربيب ايران، او انه منتج سعودي، ويستبعد الجميع الحقيقة الاهم وهي ان تنظيم القاعدة يعاد بناؤه من جديد اليوم، وهو يستعد مع حليفته حركة طالبان للظفر مرة اخرى بافغانستان التي سيغادرها الاميركيون نهائيا خلال الاشهر القليلة المقبلة، ولتحويل دول الهلال الخصيب الثلاث او الاربع ، الى ارض الجهاد الرئيسي، من دون ان يستثني هذه المرة ايران نفسها التي لن تكون قادرة على ابقاء المعركة خارج حدودها، في ضوء طوفان النازحين الافغان المرتقب إثر عودة طالبان الى الحكم في كابول.
لن يكون الامر مجرد خيار اعتمده تنظيم القاعدة وشبكاته. ثمة قرار دولي عام ، اميركي روسي خاصة، بالافادة من وحشية النظام السوري من اجل تحويل سوريا الى مسرح جديد للمواجهة العالمية مع الارهاب، يتجمع فيه الاسلاميون المتشددون، بدلا من ان يتفرقوا في دول لا ترغب في قتالهم على اراضيها، في القوقاز او موسكو نفسها او حتى واشنطن بالذات.. في اعقاب اعلانهم النصر الوشيك في الحرب الافغانية، الذي ستكون الاحتفالات به العام المقبل واحدا من اهم واخطر ما شهده العالم الاسلامي في تاريخه الحديث.
اعتبارا من اليوم، صار لكل كلمة تصدر عن الظواهري حول الصراع في سوريا والعراق وقع اشد من اي موقف يصدر عن الائتلاف الوطني او المجلس الوطني او الجيش الحر، وبات السجال الدائر بين زعيمي داعش والنصرة ابو محمد الجولاني وابو عمر البغدادي اهم من الجدل الدائر حول مؤتمر جنيف 2.. او حول السلاح الكيماوي الذي يجري الان اخراجه بسرعة من الصراع السوري لهذا السبب بالتحديد.
هو خيار النظام السوري، منذ البداية، وهي مسؤوليته: ان يبطش بالمعارضة التي كانت تنادي بالاصلاح والتغيير السلمي، وان ينكل بجمهورها بما يفوق التصور، على أمل ان يكسب دورا في الحرب العالمية على الارهاب.. ولو الى حين!
المدن