سوريا: الجدل حول التدخل العسكري
أمير طاهري
ردا على هذا السؤال، فقد تم تطوير نظام إشارة، على مدار السنين، من ثلاث مراحل؛ في المرحلة الأولى تستخدم الإدارة وسائل الإعلام والخبراء والوسط الأكاديمي لإنكار وجود أزمة، بينما يتم نشر وثائق تثبت أن ما يصفه الصحافيون بالأزمة ما هو إلا زوبعة في فنجان، أو زوبعة بعيدة لا تمس المصالح الأميركية.
تم استخدام هذا المنهج في تغطية التراخي تجاه الإبادة الجماعية المنظمة التي قامت بها منظمة الخمير الحمر الحاكمة في كمبوديا في السبعينات. وفي عام 1991 تم استخدام هذا المنهج من أجل ازدراء الآراء الداعية إلى التدخل الأميركي لوقف المذابح في يوغوسلافيا، حيث صرح وزير الخارجية جيمس بيكر في ذلك الوقت: «لا يعنينا الأمر في شيء».
تقوم المرحلة الثانية على تقليل الاختيارات إلى اثنين: عدم القيام بأي عمل، أو اجتياح على نطاق واسع لبلد يبعد عن الولايات المتحدة ويستطيع القليل من الأميركيين تحديد مكانه على الخريطة. يسأل رجال الدين على التلفزيون: «هل نريد عراقا ثانية؟»، عندما يعتقدون أنهم بذلك يحسمون الجدل.
على مدار ثلاثة عقود، تم استخدام هذه الأساليب في الإمامة الخمينية في طهران.. حيث يتم اللجوء للمرحلة الثالثة عندما يصبح من الواضح أن الأزمة محل التساؤل لا يتوقع أن تنفجر فقط، وأن استمرارها يمكن أن يدمر مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
في هذه المرحلة تخبر مصادر سرية «في البنتاغون» أو «من الجيش» المراسلين الصحافيين عن «الصعاب» و«المخاطر» المترتبة على تدخل الجيش.
وفي ما يتعلق بالأزمة السورية، نستطيع أن نقول إننا في المرحلة الثالثة، ولذلك تملأ الصحف الأميركية تقارير بها تصريحات «مصادر عسكرية بارزة» مناهضة لأي تدخل عسكري لوقف مذابح بشار الأسد في سوريا.
نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن «مصادر بارزة» تأكيدها أن محاربة الجيش السوري «يمكن أن تكون صعبة». (إذا لم يكن باستطاعة «قوة خارقة» التعامل مع طاغية قليل النفوذ، من يمكنه ذلك إذن؟).
السبب الأول الذي تم التدليل به على تلك «الصعوبة» هو أن الأسد يمتلك طيرانا حربيا قويا. بالتأكيد، فبفضل حافظ الأسد كرست سوريا، منذ عام 1970، النصيب الأكبر من الميزانية العسكرية للطيران الحربي. ومع ذلك، تظهر التجربة أن تلك الاستثمارات الواسعة قد لا تكون أثمرت بالضرورة النتائج المرغوبة. ففي الفترة بين عامي 1973 و2006، اخترقت قوات الطيران الإسرائيلي قوات الدفاع السورية على نطاق واسع ما لا يقل عن ثلاث مرات، حيث وجدت مقاومة ضعيفة. وفي عام 2007، هاجمت الطائرات الإسرائيلية البرنامج النووي السوري ودمرته في منطقة «الكبار» دون أي مقاومة تذكر من قبل القوات الجوية التابعة للأسد.
وخلال حقبة التسعينات في العراق، فرضت الولايات المتحدة منطقة حظر الطيران لحماية الأكراد من غارات صدام حسين القاتلة، وعلى الرغم من التجهيزات الأفضل نوعا ما التي تتمتع بها القوات الجوية بجيش صدام حسين من الطائرات الحربية فرنسية الصنع، فإنه لم يكن باستطاعة القوات الحربية التابعة لصدام أن ترد الاعتداء.
وعلى الرغم من التجهيزات التي يتمتع بها سلاح الطيران السوري التي جاءت في أغلبها من روسيا وكوريا الشمالية، فإن القوات الجوية لا تستطيع أن ترد تدخلا عسكريا أميركيا.
صعوبة أخرى ذكرتها المصادر؛ أن الأسد يمتلك جيشا قويا قوامه 350.000 جندي. مجددا تبدو تجربة العراق واضحة هنا. تذكر كيف زعمت وسائل الإعلام الأميركية أن صدام حسين يقود «رابع أكبر جيش على مستوى العالم».
وعلى الرغم من ذلك، فإنه في عام 2003 قرر الجيش العراقي الذي يتكون من 500.000 رجل أن لا يخوض حربا بجانب صدام. اليوم، يحدث الشيء نفسه مع الجيش السوري؛ فهناك قوة من المجندين إلزاميا، كتلك التي كانت بالعراق في زمن صدام، والجيش ليس متحمسا لقتل الشعب بالنيابة عن طاغية ينتمي إلى الأقلية حيث يعتمد الأسد على القوات الخاصة التي لا تتعدى 40.000 رجل، من أجل الاستمرار في المذبحة.
أما السبب الأخير ضد التدخل العسكري الذي تم ذكره، فهو قد يكون الأكثر فكاهة؛ حيث تزعم «المصادر» أن التدخل العسكري في سوريا قد يؤدي إلى تدخل «قوى أخرى» ويتسبب في حرب مع روسيا وإيران.
وللرد على ذلك، فهناك قوى أخرى تدخلت بالفعل في سوريا؛ حيث تقوم روسيا وإيران بشحن أسلحة للأسد، في الوقت الذي ربما تكون فيه إيران قد نشرت بعض وحدات حزب الله اللبناني لدعم الطاغية. ومن جانبها، انحازت تركيا إلى صفوف المعارضة.
هل يصدق أحد بالفعل ما يصرح به البنتاغون عن إعلان روسيا وإيران الحرب على الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين لإنقاذ الأسد؟ الحقيقة أن موسكو وطهران لن تتخطيا حدودا معينة لدعم الحليف السوري في السلطة، فعندما يصبح من الواضح أن الأسد قد سقط، فسوف تتخلصان منه بأسرع ما يمكن.
يجب ألا يتم تفسير تلك التحليلات على أنها دعوة للتدخل العسكري في سوريا سواء من قبل الولايات المتحدة أو غيرها؛ فسوريا اليوم ليست كالعراق عام 2003، ففي عصر صدام حسين لم تكن هناك آلية داخلية للتغيير في العراق، فقد كان التدخل الخارجي ضروريا ليس لفرض الديمقراطية بالقوة كما أشار البعض بسخرية، ولكن للتخلص من السبب الذي يعوق حدوث الديمقراطية؛ حيث يتمثل في نظام صدام. من جهة أخرى، فإن الآلية الداخلية للتغيير موجودة بالفعل في سوريا في شكل احتجاجات شعبية مع قدرة ملحوظة للتغلب على الصعاب تدعمها جميع الفئات العرقية والدينية تقريبا. وربما يكون أي تدخل أجنبي ضروريا من أجل توفير ملجأ آمن بعيدا عن آلة القتل التابعة للأسد.
يجب أن يقتنع الأسد أنه لن يفوز بالمذابح التي يقوم بها تجاه شعبه. وفي النهاية، يجب أن توضح الولايات المتحدة الأميركية والحلفاء الأوروبيون والعرب أنهم لن يتورعوا عن استخدام أي أساليب عسكرية من أجل حماية السوريين.
ولكن للمفارقة، فإن احتمالية التدخل العسكري الخارجي هي السبيل المؤكد لوقف ما يحدث. ككل الجبناء في التاريخ، سيتوقف الأسد عن قتل شعبه إذا اقتنع أن هناك قوة خارجية هناك، بعيدة عن الصراع الحالي تنوي إيقافه وقادرة على ذلك.
الشرق الأوسط