سوريا: الجميع في لجّة المستنقع!: روزا ياسين حسن
روزا ياسين حسن
أعتقد بأن جزءاً ضئيلاً من السوريين كان يتخيّل أن يصل الحال بالبلاد، بعد سنتين من بدء الثورة السورية في 15 آذار 2011، إلى ما هي عليه الآن! ذاك الجزء الضئيل هو الذي استطاع تقدير البنية الفاشية للنظام السوري، والمدى الذي من الممكن أن تصل إليه ردود أفعاله!
ففي الوقت الذي بدأت فيه الثورة كان يحدو السوريين أمل بسيناريوهات وردية مشرقة، بنهاية للطغاة وقيام للدولة الديمقراطية وإعلاء لراية الحرية، وبالفعل فقد كان الأداء العالي للشارع السوري وقتذاك يغذّي هذه الأحلام. لكن التطورات راحت تتجه باتجاهات مغايرة، اتجاهات لم يتخيّل أغلب السوريين، حتى في أسوأ كوابيسهم، أن تنحو تلك المناحي!
عيد الثورة، الذي يصادف يوم 15 آذار، تعيشه سوريا كأنها أُسرت في لجّة مستنقع نتن، لا هي قادرة على الخروج منه، ولا هناك من يساعدها على الخروج. تتبدى تفاصيل هذا المستنقع، أولاً، بعنف شرس من قبل النظام السوري على مناطق الثورة، يزداد باضطراد وتتغير أشكاله فحسب ولكن ليس آلياته، وصلت إلى حدّ استخدام صواريخ سكود في مناطق الشمال! وكما وعد النظام منذ البداية فقد وفّى: وعد بتدمير شامل (الأسد أو نحرق البلد) وفعلها، ثمة اليوم مدن وقرى مدمرة بشكل تام لا يسكنها إلا الخراب تركها ساكنوها إلى الحقول والأراضي البعيدة المهجورة. وكما بدأ منذ اللحظة الأولى باتهام الثورة بأنها ثورة إرهابيين طائفيين على ألسنة الناطقين باسمه، كما على ألسنة حلفائه، ظل يزكي ويزكي هذا الطرح، ميدانياً وإعلامياً وسياسياً وعسكرياً، حتى نجح أخيراً في جعل قسم من الثورة يشبهه، وذلك بعد سنتين من العنف الوحشي. وهاهي جماعات من الثورة تجهر بميولها الطائفية وبجهاديتها السلفية. ينذر كل ذلك بكارثة تتجلّى في إمكانية تقسيم سوريا جغرافياً/ طائفياً، الأمر الذي عمل النظام عليه بمنهجية مخطط لها، كمحاولات التهجير والتطهير الطائفي وبناء جيش طائفي موالي له وما إلى ذلك، وذلك بتأييد من حلفائه الذين لم يتخلّوا عنه يوماً. وكما هو واضح فهو ماضٍ في خططه لا يحيد عنها، حتى لو ادعى العكس مما أعلنه مؤخراً عن استعداده للحوار “غير المشروط” مع المعارضة، فيما هو في حقيقة الأمر لا يكلّ من اللعب لكسب الوقت، وفي الآن عينه ماضٍ في حله العسكري الأمني الذي لم ينتهج غيره وآخر همه وحدة البلاد وازدهارها.
ثانياً، تمعن المعارضة السياسية في ضعفها وتشظّيها، يحكمها تاريخ طويل معطّل وغير فاعل لحقها إلى حاضرها، فظهرت ملامح من أخلاقيات النظام في سلوكها، كالشخصنة والاستعراضية واللاسياسة واللاعقلانية، ولكنها لا تملك إصراره وهمجيته وخبرته الطويلة من القمع، فلم تستطع أن تنفّذ أي وعد من وعودها للثورة، فلا هي استطاعت استجلاب التدخل العسكري الدولي، ولا هي استطاعت فرض الحظر الجوي، ويبدو وضعها اليوم أشبه بحفلات اقتسام غنائم وتصفية حسابات شخصية. حلفاء المعارضة السياسية بالمقابل يشبهونها، فلا هم نفّذوا ما وعدوا به، لا عسكرياً ولا سياسياً ولا حتى مادياً، حتى لو بدا العكس، ومازالت أمريكا تندد، والاتحاد الأوروبي يتخوّف، ودول الخليج تتباهى بالمال الذي تبعثه لمخيمات اللجوء والمعارضة المسلحة، الأمر الذي جعل سيطرتها على شارع الثورة المسلحة صعباً ويتضاءل باطراد، فلا هي استطاعت نيل ثقته واحترامه، ولا هي استطاعت ضبطه وتنظيمه بقوتها، ولا هي استطاعت فرض كلمتها على المجتمع الدولي.
أما شارع الثورة الذي قاسى الويلات منذ سنتين وحتى اليوم، ودفع الأثمان الغالية مقابل حريته، فقد راحت الأمراض تغزوه أيضاً، خصوصاً بعد أن تُركت البلاد لتكون أشبه بحلبة يخوض الجميع حربهم فيها، كل طرف يأتي بعتاده ليحارب في سوريا، تصفية حسابات وألعاب مصالح، وكل طرف يدعم طرفاً، الأمر الذي مهّد لدخول عناصر غريبة إلى شارع الثورة، كجبهة النصرة وأشباهها، نسبة أولئك قليلة كماً ولكنهم مدعومون مالياً وعسكرياً أكثر بكثير من الكتائب الوطنية. كل ما سلف أدى إلى تجلّي التخطيط السيء واللامركزية في عمل تلك القوات، فالقيادات العسكرية غير موحدة، مما أودى إلى فوضى السلاح كما الفوضى الأمنية، الأمر الذي أدى بدوره إلى دخول أي كان إلى كتائب الثوار، فصارت الأخطاء والتجاوزات تظهر يوماً بعد يوم كما يظهر المنحى الطائفي. هذا كله جعل الحاضنة الشعبية للثورة، التي عانت الأمرين ودفعت أثمان احتضانها للثوار قتلاً ومجازر وتدميراً ممنهجاً لمناطقها، تفقد إيمانها بالثوار وبكتائبهم المقاتلة!!
وسط كل ذلك يبدو صوت العقل واهناً ضعيفاً، وحينما تحضر لغة الدم تغيب لغة العقل، ويكاد لا يملّ طرف من الأطراف في اللعب على الوتر الغريزي، الأمر الذي يهدد بنشوب حرب أهلية حقيقية ما زالت حتى اليوم في بداياتها. وحده الشعب السوري الأعزل من يدفع الأثمان من كل الأطراف، ولو اختلفت نسبتها: فمناطق الموالاة لا تدمّر كما حصل مع مناطق المعارضة، ولا يتعرّض أهلها للمجازر على يد شبيحة النظام، ولو أنهم تعرضوا للقمع والترهيب منهم، ولا يُقتل أطفالها بالجملة، ولا تُهان أسرهم في مخيمات اللجوء وتبرد وتجوع، لكن قوافل شهداء الجيش النظامي تتوافد كل يوم بالعشرات، وأحياناً بالمئات، إلى مناطق الموالاة، ويعيش سكانها رعب النفير العام للالتحاق بـالحرب، حيث لا رحمة إما أن تَقتَل أو تُقتُل أو تحاول الانشقاق فتنجح أو لا تنجح!! كما يعيشون رعب الانتقام الطائفي الذي عمل النظام على تغذيته واللعب على وتره منذ اللحظة الاولى للثورة. وثمة جيل كامل من أطفال سوريا من كل المناطق مهدد بضياع حقيقي في خضم حرب تتحوّل يوماً إثر يوم إلى حرب أهلية.
ونحن ندخل السنة الثالثة من عمر الثورة يتمدد المستنقع السوري ويزداد عمقاً، ينذر بتغيير جذري وشامل لحال سوريا يحدوه التفكك والتقسيم والتشظي، وكيف سيكون المستقبل؟! لا أحد يعرف، لكن التكهنات والقراءات والتحليلات لا تبشّر بالأفضل.
http://www.24.ae/Article.aspx?ArticleId=9526