سوريا: الحرب لم تترك تعليماً ولا من يعلّمون/ مروان أبو خالد
جذبت مهنة التعليم في سوريا قبل الحرب، مئات الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد، إذ قدّر عدد المعلمين في البلاد عام 2010 بنحو 352108 معلمين، وفق الإحصاءات الرسمية، ولم يكن ذلك دليلاً على تقدم علمي، بل لأن السياسات التربوية للحكومات المتعاقبة اعتمدت على التخريج الكمي لا النوعي للطلاب، وبسبب ضيق فرص العمل وعدم قدرة السوق على استيعاب أصحاب الاختصاصات، وغياب مراكز الدراسات والأبحاث في مختلف المجالات، ما دفع كثيرين نحو مهنة التعليم لأنها الوحيدة المتاحة أمامهم للحصول على وظيفة.
وإذا كان ما أوردته وكالة الأنباء الرسمية “سانا” عن أنّ عدد العاملين في القطاع التربوي بلغ مطلع العام الدراسي الحالي 301032 عاملاً، صحيحاً، فهذا يعني أن عشرات الآلاف من المعلمين السوريين، قد خرجوا من العملية التربوية على امتداد سنوات الأزمة، نظراً لتعرضهم للموت أو الاعتقال أو الطرد من الوظيفة.
وبالرغم من إدّعاء الحكومة أنها ما زالت ملتزمة بدفع الرواتب للمعلمين في “المناطق الساخنة” حتى من دون أن يمارسوا عملهم، فإنّ الواقع يكذب ذلك، والمثال على ذلك ما جرى مطلع هذا الشهر من وقف لرواتب 250 مدرساً في ريف حمص، تمهيداً لفصلهم بحجة تغيبهم عن مراجعة مديرية التربية في المدينة، في حين أن ذلك تم نظراً لانتمائهم لمناطق معارضة.
والحقيقة أنّ قيام الحكومة بدفع رواتب المعلمين حتى من دون قيامهم بأي عمل هو ضرورة لها وليس منّة منها، فهي لا تقوم بذلك رأفة بحال المعلمين، بل للمحافظة على ما تبقى لها من قاعدة اجتماعية يشكل موظفو الدولة عمادها الأساسي. وفي نهاية المطاف فإن هذه الرواتب تسهم في تحريك السوق، لأن كتلة هذه الرواتب ستذهب كلها للاستهلاك لا للادخار، مما يصب في صالح جيوب التجار المرتبطين بالحكومة.
والجدير بالذكر أنّ رواتب المعلمين لا تكفي للحد الأدنى من المعيشة، إذ تتراوح رواتب المثبّتين منهم تبعاً لسنوات الخبرة بين 22 و40 ألف ليرة (88- 160 دولاراً). ويروي نضال أحد مدرسي العلوم لـ “المدن”، انه “بعد 14 سنة خدمة في سلك التعليم، لا يتجاوز راتبي المقطوع 33 ألف ليرة (132 دولاراً)، وذلك لقاء 80 ساعة تدريس في الشهر، أي بمعدل تقريبي يبلغ 400 ليرة (1.6 دولاراً) عن كل ساعة تدريس، وهذا لا يكفيني لإعالة أسرتي لأكثر من 15 يوماً”. أما أحمد وهو مدرس لغة عربية، فيعتبر أنّ الحوافز التي يتلقاها المعلمون لقاء أعمالهم الإضافية في موسم الامتحانات “لا تستحق الذكر، إذ يحصل المدرس على قرابة 4 آلاف ليرة (16 دولاراً) خلال مراقبته لامتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة، بمعدل تقريبي يبلغ 500 ليرة (2 دولار) عن كل 3 ساعات مراقبة، وهذا لا يكفي أحياناً تكلفة النقل لوصول المعلم إلى المكان الذي سيقوم بالمراقبة فيه”. تضاف إلى ذلك الظروف الصعبة التي انعكست سلباً على معيشة المعلمين، فسابقاً كان بإمكان المعلم تقسيط أدوات منزلية وكهربائية عن طريق نقابة المعلمين مقابل زيادة على سعر السلعة بمقدار يبلغ 30% تقريباً، تعود لصالح النقابة، ولكن هذا الأمر توقف حالياً. كما ألقت أزمة المواصلات بظلالها على المعلمين، إذ يدفع بعضهم قرابة 5 آلاف ليرة (20 دولاراً) شهرياً للوصول إلى أماكن عملهم، وفي حال عدم وصولهم في الوقت المحدد، فإنهم يخضعون لاستجواب من قبل إدارة المدرسة. ووفقاً للقانون فإن كل ثلاثة استجوابات يخضع لها المعلم يترتب عليها خصم 5% من راتبه، ولكن كغيره من القوانين فإنه لا يطبق إلا على المعلمين البسطاء والذين لا يملكون واسطة”.
هذه الرواتب المتدنية والتي لا تكفي حتى للحد الأدنى من المعيشة، تدفع بالمعلمين للعمل في أعمال أخرى بعد انتهاء دوامهم الرسمي، إذ ليس من المستغرب أن نجد بينهم من يعمل سائق تاكسي، أو عاملاً في ورش البناء أو في المطاعم، وهذا ينعكس سلباً على سير العملية التعليمية برمتها. كما أن الراتب لا يحفز المدرس لبذل مزيد من الجهد لتعليم طلابه، ناهيك أيضاً عن الازدحام الشديد في الصفوف إذ لا يقل عدد الطلاب في الصف الواحد عن الـ50 طالباً، وقد يرتفع العدد إلى 100 طالب في الشعبة الواحدة، كما في اللاذقية، وهذا ما يتعبه ويعيق استيعاب الطلاب الذين بات كثيرون منهم يتوجهون للاعتماد على الدروس الخصوصية أو التسجيل في المعاهد. وحالياً يبلغ وسطي سعر الدرس الخصوصي ما بين 1000 و1500 ليرة (4 – 6 دولارات)، وأما أقساط المعاهد الخاصة فتتراوح ما بين 35 و50 ألف ليرة سنوياً (40 – 200 دولار). وقد دخلت نقابات المعلمين على خط المتاجرة بالتعليم، إذ تقوم بتنظيم دورات في المدارس الحكومية بعد انتهاء الدوام الرسمي، لقاء مبالغ مالية تقارب تلك التي تتلقاها المعاهد الخاصة، مع فارق أنّ المعلمين الذين يتولون التدريس في هذه الدورات لا يتم اختيارهم بناء على الكفاءة، بل بناء على عاملي المحسوبية والولاء للسلطة.
إن الوضع الكارثي الذي يواجه المعلمين ليس إلا صورة مصغرة عن الدمار الكبير الذي يحيط بقطاع التعليم في سوريا، فقرابة 3 مليون طالب يواجهون صعوبات مختلفة في إكمال دراستهم، كما يوجد حوالي 5 آلاف مدرسة مدمرة بفعل الحرب، وقد وصلت خسائر القطاع التربوي لقرابة 170 مليار ليرة (680 مليون دولار) حسب الأرقام الحكومية، في حين أن حصة التربية والتعليم في موازنة العام 2015 لم تتجاوز 8.650 مليار ليرة (34.6 مليون دولار).
المدن