سوريا: النزاع على مناطق النفوذ/ سلام السعدي
رغم ما يبدو من تصعيد في الأعمال العسكرية في سوريا خلال الشهر الماضي، إلا أن رقعة الحرب تقلصت وباتت محصورة في مناطق محددة وتخضع لاحتياجات تأمين مناطق النفوذ الإقليمي والدولي التي ارتسمت خلال العامين الماضيين.
هنالك ثلاث مناطق نفوذ رئيسية من المنتظر أن تحظى بقدر من الاستقرار، أو اللاحرب، في وقت قريب. أنشئت تلك المناطق تحت مسمى مناطق خفض التصعيد بعد اتفاق أستانة بين روسيا وتركيا وإيران.
تخضع أولى المناطق لسيطرة النظام السوري وحلفائه، وقد بدأت بالتوسع منذ نحو عامين بوتيرة ثابتة وسريعة. وتبدو منطقة النفوذ تلك بعد اكتمال حدودها متماسكة وآمنة، ولا تواجه تحديات خطيرة كما هو حال بقية المناطق.
بموجب اتفاق أستانة، تخلت تركيا عن دعم المعارضة السورية المسلحة في كل المناطق التي اتفق على أن تكون تحت سيطرة النظام السوري، مقابل سيطرتها على مناطق شمال سوريا المحاذية لحدودها فضلا عن مدينة إدلب في حال نجحت بإخراج التنظيمات الجهادية منها. سار العمل في كلا الاتجاهين خلال العامين الماضيين بوتيرة سريعة لم تعرفها الحرب السورية منذ العام 2014 عندما دخلت في استعصاء عسكري منع تحقيق تقدم عسكري هام من قبل أي طرف.
سيطر النظام وحلفاؤه بسهولة على حلب ومناطق واسعة في محيطها، كما سيطروا على مناطق ريف اللاذقية وحمص وانتقلوا خلال الشهر الماضي لمناطق محيط دمشق. أطلقت تركيا بدورها حملتها في شمال سوريا لطرد تنظيم الدولة الإسلامية والحلول مكانه، كما سمحت لها روسيا بإطلاق الحملة العسكرية على مدينة عفرين والتي انتهت بالسيطرة عليها في وقت سريع نسبياً.
في الأسابيع والأشهر القادمة، يستكمل النظام السوري وحلفاؤه رسم معالم منطقة نفوذهم وذلك بإخراج المعارضة المسلحة من عدد من الجيوب والمدن، ويشمل ذلك مناطق ريف دمشق وريف حماة وحمص. يواجه النظام السوري تحديا خاصا في مدينة درعا، إذ على الرغم من اعتبارها جزءا من مناطق نفوذ النظام بحسب الاتفاق الروسي – التركي، ولكنها تخضع لحسابات سياسية وعسكرية مختلفة بسبب الدور المتزايد الذي تلعبه إسرائيل في تلك الجبهة والمخاوف التي تتشاركها مع أميركا والأردن من كون هزيمة المعارضة سوف تجعل من المنطقة نقطة تجمّع لميليشيات حزب الله وميليشيات شيعية أخرى تابعة لإيران. قد تتوسط روسيا ويتعهد النظام بمنع حصول ذلك وبضمان هدوء الجبهة مع إسرائيل، كما فعل طيلة حكم آل الأسد لأربعين عاماً. ولكن ضعف مركزية النظام والنفوذ الذي باتت تحظى به طهران وميليشياتها داخل سوريا يثير مخاوف أميركا وإسرائيل وقد يدفعهما لدعم المعارضة.
المنطقة الآمنة الثالثة هي المنطقة الأميركية التي تديرها وحدات حماية الشعب الكردية في الشمال وصولا إلى دير الزور شرق البلاد. من الناحية النظرية، تبدو تلك المنطقة مستقرة وآمنة، ويعود ذلك إلى الحماية الأميركية. أبدت أميركا في وقت سابق تصميما على التمسك بتلك المناطق وحمايتها ضد هجمات قوات النظام والميليشيات المساندة له. ولكن من جهة أخرى، تفتقد تلك المنطقة للعمق الاستراتيجي المطلوب لتأمين استقرار طويل الأمد كما تأمل واشنطن، إذ لا تحظى بعلاقات عسكرية وسياسية مع أي من الأطراف الرئيسية وهو ما يجعلها تهيمن على جزيرة في بحر من الأعداء.
من المتوقع أن يواصل النظام السوري وإيران وروسيا وحتى تركيا، تحدي المناطق الخاضعة للنفوذ الأميركي وتهديدها. وقد بدا ذلك بصورة واضحة من محاولات الهجوم العسكري من جهة، ومن تهديد تركيا بتوسيع حملتها العسكرية ضد الأكراد لتلك المناطق وتحذير واشنطن من “صفعة عثمانية” (على حدّ وصف الرئيس التركي) من جهة أخرى.
هكذا، قد تضطر الولايات المتحدة إلى اتخاذ خطوات إضافية لتعزيز أمن تلك المنطقة على المدى الاستراتيجي البعيد، ويشمل ذلك توجيه ضربات محددة للميليشيات الشيعية في بعض المناطق والتوسع نحو مناطق جديدة. ويشمل أيضا الضغط على القوات الكردية وتوسيع المشاركة السياسية والعسكرية العربية في تلك المناطق، بما يجعلها أكثر من مجرد دعاية للتنوع تستخدمها القوات الكردية في خطابها السياسي، وهو ما سيؤمن شرعية وعمقا شعبيا للقوى المهيمنة في تلك المناطق.
صحيح أن أنقرة تبدو في حالة توافق وتنسيق تام مع روسيا، ولكنها تعلم أن مناطقها تشكل الحلقة الأضعف في مناطق النفوذ الجديدة، إذ لم تسيطر عليها بالقوة وكأمر واقع كما فعلت الولايات المتحدة، بل باتفاق مع روسيا تحديدا.
بالنسبة لإيران والنظام السوري فإن التواجد التركي مؤقت حيث يعتقدان بإمكانية كسب الحرب واستعادة كل المناطق التابعة للمعارضة. ولكن لروسيا رأي آخر يقوم إما على رؤية استراتيجية مختلفة لكيفية تسوية الصراع في سوريا، وإما على رؤية تكتيكية تجعلها تنقلب على تركيا في وقت لاحق.
كاتب فلسطيني سوري
العرب