سوريا: تدمير 535 ألف منزل/ نائل حريري
نائل حريري
خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، يدمر يومياً 1200 منزل بالكامل. هكذا صرّح خبير اقتصادي سوري مستقل في دراسةٍ نشرها أخيراً، محاولاً تقييم إمكانات إنقاذ العمران السوري.
عمار يوسف الذي قام بنشر دراستين إحداهما أواخر العام الفائت، والثانية في نيسان هذا العام، أكد أن عدد المنازل المدمرة بالكامل ارتفع في أربعة أشهر من 390 ألف منزل في دراسته الأولى إلى 535 ألف منزل حتى نيسان الماضي. واعتمدت الدراسة على مجموعة من المصادر منها تقارير يومية أسهم فيها نشطاء مدنيون في أعمال الإغاثة وشؤون اللاجئين، بالإضافة إلى مصادر يصفها يوسف بـ”الخاصة”.
بنظرةٍ مفصلة إلى الجداول والأرقام التي تضمنتها الدراسة، ينحو الرسم البياني للخراب العمراني نحو الأفقر كما هو متوقع. حوالي 2000 – 3000 فيلا ومسكناً فاخراً دمّرت من أصل 535 ألف منزل أغلبها يقع في مناطق العشوائيات السكنية، حيث يتم الخراب بالجملة، والتي نالها ما يزيد عن 90% من الدمار . أما المساكن التي تضررت جزئياً والتي بلغ عددها نحو 475 ألف مسكن، فتتضمن الأضرار التي لا تخرج المسكن من الخدمة وتسمح بترميمه واستعماله مجدداً، ولو ضمن ظروف غير مثالية مع حساب دور الأمان.
ونتيجة الأحداث الإستثنائية، ثمة مناطق لم يطلها الخراب العمراني لكنّ الضرر الأكبر طال الخدمات اليومية والحياتية الأساسية، وقدرت الدراسة عددها بنحو 850 ألف مسكن على الأقل في غالبية المدن السورية، وخصوصاً مراكز المدن. وما زال فيها العدد الأكبر من قاطنيها، إضافة إلى بعض المهجرين من المناطق الأخرى التي تضررت بنيتها التحتية.
الدراسة التي إطلع عليها عدد من الخبراء الاقتصاديين واصفين إياها “بجودة التصميم والأقرب إلى الدقة”، تخلص إلى رقم ضخم يقدّر بنحو 68 مليار دولار، يشمل ما تم تهديمه وكلفة إعادة إعماره بطريقة جيدة ولائقة وصالحة لسكن السوريين. وتؤكد أن ثمة مراحل متتابعة ينبغي أن يأخذها الإعمار بالإعتبار، أولها تأمين 250 ألف مسكن على الأقل، بشكل إسعافي.
لم تعد هذه الأرقام صادمة أو مفاجئة في ظل تتابع التقديرات المتشابهة عن الخراب العمراني في سوريا. فقد كان رئيس مكتب لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) عبد الله الدردري قد قدّر في نيسان الماضي الخراب العمراني بنحو 400 ألف منزل مدمرة كلياً و300 ألف منزل مهدمة جزئياً، بالإضافة إلى نصف مليون منزل يفتقد البنية التحتية الأساسية، ما يتطلب حوالي 80 مليار دولار لتلافي آثار الدمار الحاصل.
ويشرح يوسف أن التقدير المذكور يتضمن خسائر البناء من مواد وتكاليف البناء وكهربائيات وفرش وتمديدات مياه وكهرباء وغيرها من المواد والتجهيزات الموجودة في أي منزل. ومع أخذ نتيجته بالإعتبار فإن 90% من المساكن المدمرة، عبارة عن مساكن تقع في مناطق السكن العشوائي يمكن تفسير اختلاف تقديراته عن تقديرات الدردري بما يعادل 12 مليار دولار، فمناطق السكن العشوائي لا تتضمن بنية تحتية متينة أو أثاثاً عالي الكلفة، وهي تشكل 90% من مناطق الخراب السوري. وتعتبر الدراسة أن هدف إعادة الإعمار فيها، هو جعلها قابلة للعيش، لا العمل على صعيد التنمية فحسب.
لم تنسَ الدراسة تأكيد أهمية دراسة العشوائيات بشكل مفصل، حيث أن تقدير الكثافة السكانية في تلك المناطق يشير إلى وجود مساكن تضم 2-3 عائلات، مع حساب الأسر التي تم تهجيرها إلى تلك المناطق. ما يجعل العائلات المشردة، أو التي لم يعد لديها مسكن، يزيد على 700 ألف عائلة، وإذا اعتبرنا متوسط عدد أفراد العائلة 5 أشخاص يصل العدد إلى ثلاثة ملايين ونصف مشرد ونازح بين الداخل والخارج، عدا عن المقيمين لدى الأقارب، واللاجئين في مراكز الإيواء والسكن بالإيجار في مناطق بعيدة عن التوتر نسبياً. كما نزحت بعض العائلات أكثر من مرتين أو ثلاث مع توسع رقعة التوتر أفقياً أو عمودياً.
برغم محاولات التقييم المستمرة، يبدو أن الخراب لا ينتظر، وأن هذه الأرقام كلها ستبقى بلا قيمة مع استمرار العنف الذي يسبق أي محاولات لتحديث البيانات. مع معدلاتٍ يومية للخراب بهذا الحجم يبدو أن أي دراسة قد تستغرق من الوقت ما يكفي لإنهاء صلاحيتها لحظة نشرها. بعد أن وصلنا إلى مرحلةٍ يدمّر فيها حوالي 40 ألف مسكن شهرياً، يبقى الأمل البعيد هو توقف العنف لإعادة التقييم بشكل نهائي، الأمر الذي يستبعد حدوثه في هذا العام على الأقل.
المدن