سوريا.. ترشيد الاستيراد يتحكم بسوق السلع.. والعملة/ رولا عطار
لم تعمد الحكومة السورية إلى إيقاف حركة الاستيراد نهائياً خلال الحرب، لكنّها اتبعت سياسة أسمتها “ترشيد الاستيراد”، أي قصر الإستيراد على المواد الأساسية، لاسيما الغذائية منها دون الكماليات. وأحد أسباب هذا الترشيد هو الحفاظ على القطع الأجنبي الموجود، خاصة وأن مصرف سوريا المركزي هو من قام بتمويل المستوردات لفترة معينة. والسبب الآخر هو منع التجار من الحصول على إجازات استيراد لسلع لا تحتاجها الأسواق، وذلك خشية هدر القطع الأجنبي.
ولفترة طويلة سبقت سنوات الأزمة شكلت بعض المستوردات، لاسيما المستوردات التركية منافساً حقيقياً للصناعة السورية، فكان أن أضرت ببعض المنتجات المحلية، قبل أن تقضي الأزمة على جزء كبير جداً من القطاع الصناعي السوري.
وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر بها الصناعة الوطنية، اتخذ قرار ترشيد الاستيراد بهدف دعم تلك الصناعة وحمايتها، خصوصاً بعد عودة بعض المنشآت للانتاج مؤخراً، وبالتالي فإن مغزى الترشيد يكمن في فكرة أنه طالما هناك منتجات محلية تغطي حاجة الأسواق، يمكن الأستغناء عن استيراد بعض المواد لمدة أسبوع أو حتى أشهر، ويبقى التركيز على استيراد المواد الأولية، كمستلزمات الإنتاج الزراعي، الأدوية، المواد الغذائية، وذلك بحسب ما يقول معاون وزير الإقتصاد والتجارة الخارجية السوري عبد السلام علي لـ “المدن”. ويُضيف، أنّ “توقيف استيراد أي مادة لا يؤثر على الأسواق ونحن لدينا دراسات متوازنة حول هذا الأمر نقوم بها مع التجار والصناعيين، وارتفاع سعر أي مادة لا علاقة له بوقف الاستيراد إنما يعود لعوامل أخرى”.
من جهته، يوضح رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية محمد كشتو لـ”المدن”، أنّ قرارات منع الاستيراد لبعض السلع ليست نهائية، إنما هي متناسبة مع حركة العرض والطلب في الأسواق، بناءاً على رؤية وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية الخاصة بترشيد الاستيراد، ولضرورة أخذ موافقة أولية من الوزارة عند طلب استيراد أي سلعة، بما يؤدي إلى الحفاظ على سعر الصرف. ويتابع: “لكننا عقدنا اجتماعات مع الوزارة، طرحنا فيها وجهة نظرنا حول وجوب ايجاد نوع من التوازن بين حركتي العرض والطلب في الأسواق. فايقاف الاستيراد يؤدي إلى ارتفاع سعر المادة في السوق كما حصل بالنسبة لمادة البطاطا التي وصل سعرها إلى 150 ليرة للكيلوغرام الواحد، أي أقل من دولار، بسبب قلة الانتاج السوري، لذلك كان التوجه لعدم استيراد أي سلعة غير مطلوبة، أو في حال كانت متوفرة في أسواقنا”.
وأشار كشتو إلى أن “الترشيد يكون بالنسبة للسلع الكمالية بحيث لا يتم إغراق الأسواق بالمنتوجات المستوردة، أي بشكل تغطي هذه المنتجات العجز ولا يحدث ارتفاع في الأسعار، خاصة وأننا نتحمل أعباءً إضافية في الوقت الحالي لنقل البضائع”.
ولم ترض سياسة ترشيد الاستيراد نسبة كبيرة من التجار، فبرأي هؤلاء، فإن السوق قادرة على تحقيق التوازن بين العرض والطلب على أي مادة، من دون اللجوء إلى سياسات محددة تربك المستوردين في التعامل، كما حصل في الفترة التي تولى فيها المصرف المركزي مهمة تحديد المستوردات التي سيقوم بتمويلها للتجار المحليين. وكثيراً ما أخذ هذا الحديث جدلاً واسعاً بين المصرف المركزي والتجار الراغبين بالحصول على القطع الأجنبي لتمويل مستورداتهم، وفق سعر الصرف الرسمي المحدد من قبل المصرف.
وأدت سياسات المصرف المتغيرة في طرق تمويل المستوردات، إلى تذمر التجار بسبب التأخير في منحهم التمويل لمستورداتهم بالسعر الرسمي، ما جعل قسماً منهم يلجأ إلى شراء القطع الأجنبي من السوق بطرقه الخاصة، ما انعكس على سعر المنتج النهائي الذي أصبح يباع للمستهلك بأسعار مضاعفة.
ويرى غسان، الذي يعمل في مجال الشحن والتخليص الجمركي، بأن صدور قرارات تمنع استيراد بعض السلع، كان له تأثير سلبي على الأسواق، إضافة إلى أن تأزم العلاقات بين سوريا وبعض الدول العربية أثر سلباً، ليس على حركة الاستيراد والتصدير فقط، بل على النقل البري والبحري والجوي أيضاً. وكمثال على ذلك، العلاقات مع السعودية ودول الخليج الأخرى التي تعتبر سوقاً مهمة وكبيرة، “حيث كنا نصدر إليها كل شئ تقريباً من لحوم وخضراوات وفواكه ومحاصيل زراعية، وملابس وقطنيات ومعلبات ومنتجات البلاستيك ومنتجات صناعية كثيرة، وبالتالي كنا نستورد الكثير من المواد والمنتجات الصناعية والتي كان لها الأثر في تخفيض أسعار السوق، نظراً لقرب السعودية وسهولة النقل منها وقتا وتكلفة، إضافة إلى أن السعودية تدعم صناعتها، لذلك نرى أن المنتجات السعودية تتمتع بميزة سعرية تنافسية، ولذلك فإن تأزم العلاقة معها أدى إلى خسارتنا للسوق السعودية”. ويؤكد غسان انه “ضد تحكم القرار السياسي بالعلاقات بين الدول وبين الشعوب، فلا بد من الاستمرار بالعمل بالإتفاقيات التجارية مع الدول جميعاً”.
المدن