سوريا جرائم النظام وعدم وجود بديل
محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ
في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، استخدم أمين عام هيئة الأمم المتحدة بان كي مون لغة نارية في تقريره عن أحداث سوريا، لم تكن معهودة في بيانات الأمم المتحدة في تاريخها. غير أن الأمين العام الوديع لم يجد لغة على ما يبدو تواكب جرائم نظام الأسد إلا هذه اللغة؛ فالنظام بعد أن حماه الروس والصينيون تعامل وكأنه أعطي الضوء الأخضر لكي يفتك بشعبه، وينتقم منهم، وفي الوقت ذاته فرض الأمر الواقع على الأرض.
لا أريد أن أحمّل هذا النظام السفاح المسؤولية، فهو وشبّيحته، وقادته، مجموعة عصابات محترفة، لا تعرف إلا القتل والسحل والتدمير، وكذلك سرقة الشعوب ونهبها وتجويعها؛ ولا تُلام الوحوش إذا مارست طبيعتها، إنما ألوم هاتين القوتين العظميين روسيا والصين، اللتين تشتركان مع هذا النظام المجرم في كل ما تنقله إلينا شاشات التلفزيون من مناظر تحصل من نظام وصل به الحقد على شعبه إلى هذه الدرجة المروّعة والفظيعة.
التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تغفر، والثورات إذا اشتعلت جذوتها فلن يُطفئها إلا إسقاط النظام رغم أنف الجميع.
ولا أعتقد أن الشعب السوري سيحقد على نظام مثلما سيحقد على النظامين الروسي والصيني؛ فهما من وفَّرا لبشار ونظامه الحماية من المجتمع الدولي، فعاث في بلاده قتلاً وذبحاً وتدميرا.
يقول المحلِّلون في محاولة لقراءة الأسباب التي دعت روسيا لأن تتخذ قرار (الفيتو) في مجلس الأمن لحماية سوريا: هي آخر ما تبقى للروس من قلاع نفوذ في المنطقة، فإذا سقطت فسوف لن يثق فيها أحد، لذلك لم يكن أمامها إلا أن تقف مع نظام الأسد حتى النهاية.
أما الصين فلديها أجندات إستراتيجية أخرى، فهي تتصرَّف وعيناها على أمريكا وأوروبا، ولن تمرر إسقاط الأسد إلا بثمن كما يقولون؛ ويبدو أنها لم تقبض الثمن المناسب.
قد أقبل مثل هذه التحليلات لو أن الأسد قادرٌ على البقاء والصمود، والنفاذ من جرائمه منتصراً على شعبه، غير أن الذي لا مفر منه أن الأسد ساقط لا محالة، سيذهب وسيذهب نظامه حتماً، وسينوء بمسؤوليات ما اقترف من جرائم هاتان الدولتان؛ فالذي يراهن على الأنظمة يسقط إذا سقطت الأنظمة، والذي يراهن على الشعوب يبقى؛ هكذا علَّمنا التاريخ، وهذا هو السبب الأول الذي جعل الولايات المتحدة وأوربا تتخلَّى عن نظام حسني مبارك حليفهم التاريخي مرغمين لا مختارين؛ فمن يقف ضد إرادات الشعوب هو مثل من يقف أمام الطوفان الجارف، سيجرفه الطوفان مع من جرف؛ فاستشرفوا المستقبل، وواكبوا التيار، لأن العقلانية والموضوعية والظروف على الأرض تحتم عليهم أن يواكبوها.
حتى إسرائيل التي كان يحرص الأب المقبور وكذلك الابن الوارث على إرضائها للبقاء في حكم سوريا، لن تستطيع أن توقف هذا المد الجارف من الغضب الشعبي المتفجّر؛ وليس أمامها في نهاية المطاف إلا القبول برحيله والتعامل مع من سيخلفه؛ فالإسرائيليون يدركون تماماً أن الإصرار عليه، والتشبث بإبقائه كما يفعل الروس والصينيون، هو كمن يراهن على حمار أعرج معلول في سباق للخيول.
وهناك من يجعل عدم وجود بديل للأسد سبباً للإبقاء عليه خوفاً من فراغ السلطة والحرب الأهلية، وفي رأي هؤلاء أن البديل لو توفر لتخلّى عنه الجميع، بمن فيهم روسيا والصين.
ولا أرى وجاهة لهذا الرأي؛ فابن علي تم إسقاطه من حكم تونس ولم يكن له بديل حينذاك، وكذلك حسني مبارك في مصر؛ فالذي تريده الشعوب ليس استبدال شخص بشخص، وإنما استبدال دولة الأشخاص بدولة المؤسسات؛ وطالما أن هناك شبه اتفاق على أن (البديل) هي الديمقراطية، ومن تأتي به صناديق الانتخابات، فهذا يعني أن البديل جاهز متى ما سقط الأسد، وزال هذا الكابوس عن أنفاس السوريين.
وهذا ما سيكون حتماً طال الزمن أو قصر.
الجزيرة السعودية