سوريا: دوامة الحوار… والمبادرات
أجواء تفاؤل تُخيّم هذه الأيام من سوريا، بعد أشهر من الاضطرابات الدامية. النظام يبشّر بعودة وشيكة للاستقرار، والمعارضة تردّ عليه بموافقة مشروطة على عقد حوار وطني، لطالما اعتبرت السلطة أنه المدخل الوحيد للحل وليس ضغط الشارع. في المقابل، تتسارع المبادرات الإقليمية والدولية في محاولة لإيجاد مخرج من الأزمة، لكنها تبدو كمن يذهب إلى الحج فيما الحجّاج عائدون
إيلي شلهوب
بعد نحو ستة أشهر على اندلاع الاحتجاجات في سوريا، تبدو الصورة أكثر وضوحاً لناحية عجز المعارضة عن إسقاط النظام بنفسها، أو حتى بدعم قوى إقليمية ودولية، بينما يحفظ النظام تماسكه بفعل أمور كثيرة من بينها أسلوبه الأمني في الحل وعدم تخلّي مؤيّديه من الناس عنه، كذلك بفعل أن الدعم الخارجي للنظام يربك خصومه الإقليميين والدوليين ويعوق حركتهم، ما جعل الجميع أمام معادلة واضحة: كلما ثبتت سيطرة النظام على الأرض، جرى تسعير الحملة الإقليمية والدولية عليه. وأبرز دليل على ذلك ما جرى في أعقاب اقتحام مدينة حماة. أما المخرج فيبدو أن الجميع توافق على أنه ينحصر في الحوار الذي يعطي غيابه السلطة حجة للاستمرار في عمليات القمع، كما يعطي المشروعية للمجموعات المسلحة التي تنمو على أطراف المطالب الشعبية المحقّة بالحرية والعدالة والازدهار.
قريبون من النظام يتحدثون عن تشرين الأول المقبل موعداً مرتقباً لإعادة الاستقرار على نحو كامل إلى سوريا، حيث الحملة الأمنية لا تزال جارية، ومعها استعدادات لعقد جولة ثانية من اللقاء التشاوري خلال النصف الأول من الشهر المقبل (عقد اللقاء جلسته الأولى برئاسة نائب الرئيس فاروق الشرع في 10 تموز الماضي). ويقول القيّمون على هذه الاستعدادات إن الجولة الثانية ستشهد مشاركة أوسع بكثير من الأولى، مشيرين على وجه الخصوص إلى أن الأحزاب الكردية كلها التي تعمل على الأراضي السورية قد أعطت موافقتها على الحضور.
ولعل من أبرز الإشارات إلى مشاركة واسعة كهذه ما حصل أول من أمس، عندما توافقت أطراف المعارضة في الداخل والخارج، للمرة الأولى، على رفض التدخل الخارجي والوصاية الأجنبية، وفتح حوار جدّي مع السلطة على قاعدة وقف العنف وتعليق الحل الأمني وإطلاق المعتقلين.
في هذا الوقت، يستمر العمل على مناقشة سلسلة من المبادرات الخارجية التي تبدو في سباق مع الحل السوري، لعل أهمها تلك التي يحملها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان معه إلى طهران، في زيارة يفترض أن تحصل هذا الأسبوع، على ما أفادت به مصادر إيرانية رفيعة المستوى أوضحت أن الرئيس محمود أحمدي نجاد يعمل هو أيضاً على مبادرة يريدها أن تصدر عن إطار إسلامي، إضافة إلى مبادرة يعدّ لها الروس وتقوم أساساً على تأليف حكومة وحدة وطنية تُبقي وزارات الداخلية والخارجية والدفاع والمال في أيدي السلطة الحالية، على أن ترعى هذه الحكومة عملية الإصلاح التي تعهّد بها الرئيس بشار الأسد.
مبادرة تركية
مبادرة أردوغان لن تكون الأولى في هذا السياق، وإن كانت تبدو كمن يصل إلى حفلة الزفاف متأخراً مع تقدم الحل الداخلي السوري. الحديث توقف عنها خلال اليومين الماضيين، بسبب حال من الاستياء تنتاب كلاً من طهران ودمشق جرّاء المواقف التي يعلنها الزعيم التركي على نحو شبه يومي.
سبق لوزير الخارجية أحمد داوود أوغلو أن طالب الرئيس بشار الأسد بإشراك الإخوان المسلمين في الحكومة، على قاعدة أن خطوة كهذه تنهي الأزمة. وقتها كان الردّ السوري أن «الفلسطيني أولى بالمعروف، وإذا كان لا بد من أمر كهذا لكنا قدمنا الهدية إلى الفلسطينيين، وعلى وجه الخصوص إلى حركة حماس التي سعت جاهدة للتوسط في حل مقابل إطلاق سراح بعض المعتقلين». كان داوود أوغلو قد بدأ محادثاته في دمشق بالحديث عن العنف الذي يمارسه الجيش، مطالباً بإعادة الجنود إلى الثكنات، وناقلاً بذلك رسالة من هيلاري كلينتون. وهنا ردّ السوريون بحزم «نحن لا نتلقى تعليمات من أحد. إن كان لديك أي جديد عن حلول تفضّل بطرحها، لكننا لسنا في وارد سماع أي كلام مصدره حلف شمالي الأطلسي، ولا سيما أنه يردّ أيضاً بهذه الطريقة الاستعلائية مع فرض جداول مواعيد وأزمنة»، على ما أفادت به مصادر قريبة من الزيارة.
وإذا كان من غير المعروف كيفية تعاطي دمشق مع أي مبادرة تركية، فذلك يعود إلى «أجواء الغضب لدى أركان النظام بسبب الدور التركي التخريبي خلال الأشهر الماضية»، على ما يقول المقرّبون من النظام. ويقول أحدهم «لقد أدركنا، متأخرين، أن تركيا التي حاربت الاتحاد السوفياتي 44 عاماً نيابة عن الولايات المتحدة، لا تزال حليفاً وفيّاً لهذه الأخيرة، ولن تغيّر من أجل عيون سوريا. وأدركنا أيضاً أن تركيا دولة أطلسية وستبقى. كذلك فإن ما حصل في دافوس، وحكاية سفينة آفي مرمرة، لم يكونا سوى تمثيلية أجاد أردوغان استخدامها لولوج العالم العربي. هو يريد زعامة العالم السنّي».
…. ومبادرة روسية
ورغم حديث مستشارة الرئيس السوري، بثينة شعبان، عن عدم وجود وساطة روسية بين السلطة والمعارضة في دمشق، تؤكد مصادر قريبة من موسكو وجود مبادرة كهذه تُبحث حالياً، علماً بأن الموقف السوري الرسمي يقضي بعدم الاستماع أو القبول بأي وساطة من خارج المنطقة. وتقول مصادر إيرانية رفيعة المستوى أن طهران «استدرجت دوراً روسياً في الأزمة لكبح الجموح التركي وموازنة الدور الأطلسي»، مشيرة إلى أن «موسكو، في سياق محادثاتها مع طهران، طلبت من هذه الأخيرة المشاركة والتورّط دبلوماسياً من أجل إيجاد مخرج للأزمة السورية».
… وثالثة إيرانية
أما مبادرة الرئيس الإيراني فلا تزال غير واضحة المعالم، وإن كانت مشروطة بقبول أطراف الحراك الداخلي السوري غير المرتبط بالخارج بها. وتقول مصادر وثيقة الصلة بأروقة صناعة القرار في طهران إن «سلطات طهران أخذت قرارها بالتعجيل في إيفاد نائب وزير الخارجية الحالي محمد رضا شيباني سفيراً لها إلى دمشق، تقديراً منها لحساسية الوضع في هذا البلد وتأثيره على الوضع في المنطقة». وتضيف أن «تسلّم شيباني لمنصبه الجديد في دمشق سيكون مقدمة لرفع مستوى التواصل مع سوريا، لكن بعد لجم جموح المتهوّرين الإقليميين والدوليين»، مشيرة إلى «زيارات محتملة للعاصمة السورية يقوم بها وزير الخارجية علي أكبر صالحي، وربما الرئيس نجاد». وتكشف هذه المصادر عن مشاورات هاتفية مكثّفة بين أردوغان ونجاد وبين داوود أوغلو وصالحي خلال الفترة الماضية. وتضيف أن «الأتراك يتخبّطون وغير مستقرين على رأي، وإذا أرادوا أن يكون لديهم دور ونفوذ فعليهم أن يحترموا أدوار الجميع في المنطقة والجهد الهائل الذي بُذل لوصول المنطقة إلى هذه الدرجة من المناعة والعزة».
وتتحدث المصادر نفسها عن زيارة قام بها أخيراً وفد من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين إلى إيران من أجل الدفع باتجاه حل في سوريا.
وتقول مصادر قريبة من النظام السوري إن «الإخوان» يبحثون عن «قناة للدخول إلى سلة المبادرات، لكن حظوظهم ليست كبيرة بما يكفي، لأن الصورة لا تزال غير واضحة بالنسبة إليهم. أفقهم محدود، وهم غير قادرين على فهم الأطراف الداخلية في سوريا، ولا على فهم المعادلة الإقليمية».
«غرام» إيراني ــ قطري
كل ذلك يجري في وقت لا تزال الحملة القطرية تزداد شراسة على النظام السوري، وجرى آخر فصولها في اجتماع الوزراء العرب في القاهرة الأسبوع الماضي. دور تؤكد أجهزة الأمن السورية أنه لا يقتصر على التحريض الدبلوماسي بل يتعداه إلى توزيع أموال وتهريب سلاح إلى داخل سوريا، بالاشتراك مع أطراف سعودية. وتوضح مصادر متابعة لمسلسل «الربيع العربي» أن التنسيق السعودي ــــ القطري على أوجه في الشأن السوري، وأن «قطر، وإن كانت هي التي تتصدّر المشهد، إلا أن الدور السعودي حاسم في هذا الملف». وتضيف أن «قطر والسعودية تشعران بانسداد، لكنهما لا تريدان التنازل بطريقة تبدوان فيها كأنهما خسرتا المعركة. وما القمة السعودية القطرية الأخيرة إلا محاولة للتفاهم على خطة جديدة في أعقاب الانزعاج الذي أصاب قطر بعد زيارة أميرها لطهران» في 25 آب، حيث بدا أن الشيخ حمد بن خليفة «يستنجد بطهران لعله يفتح كوّة لإعادة وصل ما انقطع مع سوريا بعدما سُدّت كل الطرق لمحاصرة النظام السوري دولياً وإقليمياً»، على ما تفيد مصادر إيرانية وثيقة الاطلاع.
تضيف المصادر نفسها أن «أمير قطر سمع كلاماً مهذّباً لكن حازماً وفيه:
1ــــ إن الصدق في الدفاع عن شعارات الحرية والعدالة وحقوق الإنسان يكون من خلال ربطها بمحاربة الكيان الصهيوني وأميركا. وعدا ذلك، نحن نشكّ في كل من يريد أن يضع النظام السوري بين السلة والذلة، بمعنى إما القبول بالتغيير أو إسقاط النظام. الخلاصة أن لا مشروعية لمن يطالب بالإصلاح ولا يدعم المقاومة.
2 ــــ ثمة خطر جدّي تستشعره إيران، وهو تصيّد الصحوة الإسلامية بالحراك العربي من خلال مشاريع الأطلسي والغرب. ونرى في تحريض الشعوب على الاقتتال القبلي والمناطقي والمذهبي أو حتى الاقتتال بين حكومات وشعوب كما يحصل في سوريا جزءاً من المشروع الغربي. كذلك نرى أنه لا يمكن أي حرية وعدالة أن تخرج من فوهات بنادق الأطلسي، ولدينا اعتقاد راسخ بأن ما سيبقى في ذاكرة التاريخ ليس سوى وصمة عار على جبين هؤلاء، والأخطر أن الأميركيين لن يرحموهم بعد أن ينجزوا المهمة، ولن يوفروهم سواء كان اسمهم قطر أو تركيا.
3ــــ إن إيران لن تفرّط بسوريا بأي حال وبأي نحو. وإذا أردتم جهودنا فهي تصالحية بين النظام والمعارضة. أيّ شيء مطلوب ضمن هذا الإطار نحن جاهزون له، لكننا سنتصدى لأي مشاريع مشبوهة.
4ــــ نكنّ لكم كل محبة أنتم كعرب، قطريين وسعوديين، ومستعدون أن نجلس معكم ونتحاور ونساعد إذا كانت هناك مشاريع غير ثنائية. لا شرط لجلوس مع أي طرف سوى أن يكون يعرف أننا سنقول له ما قلناه لكم».
…….
السمفونية الإيرانية
توضح مصادر قريبة من القيادة الإيرانية، في رد على سؤال عما يتردد عن تعديل في الموقف الإيراني خلال الأيام الماضية حيال الأزمة في سوريا، أنه «لا نزال على موقفنا بأن المرشد علي خامنئي هو القائد وليس الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي يلعب في داخل مربع المرشدية». وتضيف إن «الشعب السوري بالنسبة إلينا مثله مثل باقي الشعوب، ولطالما أكدنا أن الشعوب محقة في مطالبها المشروعة بالإصلاح. لكن بما أن سوريا جزء من محور الممانعة، وبما أن ما يجري الغلبة فيه للحرب التي تُشن على هذا البلد وليس الحراك الداخلي السوري، فنحن لا نتعامل مع سوريا كما فعلنا مع مصر وتونس. نرى أن هناك حرباً تُشن لإخراج سوريا من محور الممانعة». وتختم بالقول إن «الجرعة تتغير من وقت إلى آخر، ترتفع أو تنخفض، لكننا لا نزال نعزف السمفونية نفسها».
…….
استراتيجية الأسد للمواجهة: أنا والعسكر والشعب … والأصدقاء
دخلت الاضطرابات في سوريا شهرها السابع والنظام لا يزال متماسكاً على الصعيد الداخلي، وهو يتّكل على تحالفاته الإقليمية والدولية لمنع تكرار السيناريو الليبي، فيما يقتصر الأمل على تحريك الجمود على طاولة الحوار التي تأمل السلطة أن ينضم الجميع إليها. في المقابل تبدو المعارضة متّفقة على مبدأ الحوار، ولكنها منقسمة بشأن شروطه، كذلك الأمر من مبدأ استدراج تدخّل دولي أو رفضه، وإن صار الجميع مقرّين بوجود مجموعات مسلحة تضرب أجهزة النظام.
إلا أن وضوح الرؤية لدى الطرفين لم يمنع أياً منهما من إجراء مراجعة لما جرى خلال الفترة الماضية، خاصة في صفوف السلطة، حيث يعيد البعض ما حصل إلى سنوات مضت، إلى احتلال العراق وتهديدات كولن باول بتغيير النظام. وقتها انقسم السوريون بين قائل بقدرة الأميركي على بلوغ دمشق خلال ساعتين، حتى قبل أن تصل النجدة من المحافظات الأخرى، وبين مؤكد أن الدخول الأميركي لن يحصل إلا عبر «حصان طروادة». أصحاب الرأي الثاني يرون أن «النظام أخفق في التحوّط من حصان كهذا، رغم الفرص العديدة التي توافرت لتحصين الوضع الداخلي. كان النظام يراهن على ما يمتلكه من أوراق خارجية، مثل لبنان وحماس والعلاقة الحميمة مع تركيا والعراق حيث يؤدي السوري دور الوكيل للإيراني. أوراق ثبت أن نزعها من دمشق سهل جداً». يضيفون أن «النظام ارتكب خطأً جسيماً خلال السنوات الست أو السبع الماضية؛ بدلاً من أن يعزز وضعه كدولة راعية تحضن مواطنيها ويحسّن علاقته بالشعب، بدأ ينزع منه هذه المكاسب من خلال سياسات اقتصادية اجتماعية، ما وسّع الهوّة بين الشعب والنظام»، مشيرين إلى «رفع الدعم عن المازوت والبنزين، وإلى القطاعين التربوي والصحي اللذين دخلا حقل الخصخصة»، قبل أن يوضحوا «كان ذلك نتاج سياسة خارجية دخلت سوريا بطريقة منظّمة. لم يكن أمراً عبثياً ولا اعتباطياً ولا عفوياً، كان إعداداً للأرضية لما يجري اليوم».
وما زاد الطين بلّة تلك الأخطاء التي ارتكبت في تقدير الوضع منذ اندلاع الثورة في تونس. وقتها غلب القول بأن هذه الموجة لن تصل سوريا لأنها «محصّنة ومسوّرة، ووضعها مختلف، وسياستنا الخارجية تشفع لنا»، في مقابل رأي آخر، لكن بصوت أخف، قال بحتمية هذا الانتقال، وإن كان سيصل متأخراً، ما يعطي الفرصة للقيام بخطوات وقائية. ولما بدأت الاضطرابات في درعا، احتار القيّمون في كيفية التعاطي مع الأمر: هل هي مشكلة مناطقية، أم انها ستنتشر في باقي سوريا؟ وبالتالي هل يُتعامل معها كأزمة معزولة أم كجزء من حراك عام؟ «وانتشرت الإضرابات في كل سوريا في وقت كان فيه أركان النظام لا يزالون يناقشون إن كانت هذه الموجة ستصل أم لا»، على ما يفيد مقرّبون من النظام أوضحوا «أنه بعد نحو شهر من أحداث درعا، فهم النظام أن المسألة ليست عفوية، وفق احتمالين: إما أن المحتجّين بدأوا تنظيم أنفسهم على الأرض، وإما أنه تجري إدارتهم من الخارج. في الحالين، بات واضحاً أن هناك هيكلية تسيطر على الحركة الاحتجاجية في عموم سوريا».
ومع تراكم الدلائل والإشارات إلى وجود مشروع غربي، انقسم القيّمون على الوضع في دمشق بين قائل إن هذا المشروع يريد تغيير سلوك النظام، في تكرار لسيناريو عام 2005، وبالتالي هي معركة عضّ أصابع يربح فيها من يستطيع الصمود فترة أطول، وقائل إنه يستهدف تغيير النظام نفسه، على ما كان عليه الوضع مع احتلال العراق، وبالتالي تصبح المعركة معركة وجود، مع ما يتطلبه ذلك من أدوات وأساليب للمواجهة.
في كل الأحوال، ومع اتضاح المشهد في عيون النظام في سوريا، انقسم المعنيون فيه إلى أربع فئات: أولى محسوبة على الرئيس الأسد نادت بالتفريق بين معارضة وطنية وأخرى ذات ارتباطات خارجية، على أن يجري إشراك الأولى في الحكم وقمع الأخرى. وثانية تعرف بالحرس القديم تنادي بحل أمني صرف. وثالثة من قيادات البعث تقول بتظاهرات موازية أضخم عدداً في مواجهة كل تظاهرة للمعارضة. أما الفئة الرابعة فتخصّ أجهزة الأمن، وتقول بالتعامل مع كل حالة أمنية على حدة.
خيار الرئيس الأسد جاء مختلفاً. قرر إدارة الأزمة بنفسه، على قاعدة أن الأجهزة الأمنية صاحبة مصلحة وتنحو دائماً نحو الحل الأسهل، ألا وهو إطلاق النار، ثم على قاعدة أن الشعب يحبه ويثق به، والعمل على التواصل المباشر مع الناس ليعرف حاجاتهم ومطالبهم ومعالجة ما أمكن من مشكلات فوراً. وذلك بالتوازي مع إطلاق عملية عسكرية في مواجهة المجموعات المسلحة، والاستعانة بالأصدقاء، تارة لإبرام اتفاقات كاملة مع شيوخ العشائر (كما حصل في دير الزور حيث جرى اقتحام المدينة بطلب من هذه العشائر لقمع متمردين على شيوخها) وطوراً لتحييد الأكراد عن الأزمة (بمساعدة من مسعود البرزاني وجلال الطالباني)، فضلاً عن المساعدات المالية من العراق (150 ألف برميل نفط يومياً) ومن إيران حيث «العلاقة علاقة أخوة ولا حاجة إلى الإعلان عمّا يدور في ثناياها» على ما يفيد مصدر سوري.
كانت هناك طبعاً حربان موازيتان تدوران في سوريا وعليها، الأولى إعلامية قادتها «الجزيرة» و«العربية» وكتب عنها الكثير، وأخرى مالية ظلت تستعر تحت الرماد. في هذه المعركة الأخيرة، عمد رجال أعمال معارضون يكتنزون أموالاً سعودية ضخمة، إلى استخدام هذه الأخيرة لشراء كميات كبيرة من الدولارات ما إن تقفل بورصة دمشق ظهيرة كل جمعة، ما يرفع سعر العملة الصعبة في السوق السوداء في عطلة نهاية الأسبوع. ولكن مع فتح هذه البورصة لأبوابها مجدداً، يعمد رجال الأعمال الموالون للنظام إلى ضخّ كميات كبيرة من الدولارات في السوق، وبأسعار أقل ممّا كانت عليه في الأسبوع السابق، من أجل الحفاظ على استقرار العملة والحؤول دون انهيار مالي.
…….
قالوا
يستشعر السعوديون وجود فرصة استراتيجية في سوريا، فرصة فريدة لتوجيه ضربة قاتلة إلى أحد أعدائها، مجموعة حزب الله الشيعية الإرهابية، وتوجيه ضربة جدية إلى خصمها الإقليمي، إيران.
حسين أبيش
«ذي أتلانتيك»
السعودية تضخ المال إلى المقاتلين السنّة في سوريا.
ديفيد إيغناتيوس
«واشنطن بوست»
سوريا لا تشبه ليبيا. النظام السوري ليس معزولاً في المنطقة. إنه جزء من كتلة تضم إيران، وهي قوة إقليمية أساسية، وحزب الله اللبناني الذي يضم مقاتلين أشداء، والذي لديه ترسانة ضخمة من الأسلحة الحديثة.
نيكولاس نوي ووليد رعد
«بلومبرغ»
يعتقد الغرب أن إيران وحزب الله لن يقدما على خطوة انتحارية حيال سوريا، ولربما بدآ يخططان لخطواتهما في أعقاب انهيار النظام، حتى ولو كانت التصريحات الصادرة عنهما تفيد بغير ذلك.
«رانتبورغ»
فيما المجتمع الدولي يتوقع أن سقوط الأسد ليس سوى مسألة وقت، لن يكون خامنئي القائد الوحيد الذي يدعم رئيساً خاسراً. لكن من غير المرجح أن يعلن التغيير الذي يختلج في قلبه على الملأ؛ لأن ذلك سيجعل الجمهورية الإسلامية تبدو كأنها حليف غير موثوق.
جايمس دورسيه
«أورازيا ريفيو»
السماح للأسد بالبقاء في السلطة ستكون له تداعيات كارثية على الجبهتين الداخلية والإقليمية
علي حسين باكير
«ميدل إيست أونلاين»
بصراحة، يبدو أن مستقبل سوريا يقع على أكتاف جنرال لا يزال غير معروف، بدلاً من المتظاهرين الذين يجتاحون شوارع البلد كل يوم. الانقلاب العسكري هو الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تجنب سوريا دوامة العنف والموت التي دخلت فيها.
جون كرياكو
«هوفينغتون بوست»
عندما يعترف اثنان من الحلفاء الأكثر قرباً من سوريا في العالم، إيران وحزب الله، علناً بأن المشاكل في هذا البلد عميقة ولا يمكن حلها بالإجراءات الأمنية القاسية المستخدمة حالياً، فهذه إشارة إلى أن سوريا في مشكلة جدية.
طوني كارون
«تايم ماغازين»
إن الدعم السوري لعملية الإصلاح التي يقودها الأسد كان نتاج الثقة المطلقة بقدرته على بناء سوريا حديثة يمكنها مماشاة البلدان المتحضرة.
جو كوسكاريللي
«نيويورك ماغازين»
الأخبار