سوريا ما بعد الحرب: جيل جديد مكبّل بالديون/ رشا أبو زكي
يوماً ما ستنتهي الحرب في سوريا. ستتوقف براميل النظام التي يرميها على رؤوس شعبه. ستنتقل الطائرات الحربية من الجو إلى أرض الدمار، وستسكت صواريخ الموت.
كثيرون يحاولون تصوّر المشهد. مشهد سوريا حين يعلن الموت أنه اكتفى من الأجساد الهالكة. البعض يتجه مباشرة الى إحصاء حجم الدمار، فيضع سيناريوهات إعادة الإعمار. البعض يذهب نحو البنية الاجتماعية ويحلل أحوال تفككها.
ولكن، بين الدمار الذي محا المدن والقرى والأجساد، وبين مجتمع يعيش التشرد وذله، ينشأ جيل جديد من السوريين، عايش الحرب وعاشها بدلاً من طفولته، وتعلم دروس البقاء حياً بدلاً من ارتياد المدارس، واستعاض عن التفكير بمستقبله بالتفكير باللحظات التي ستلي سقوط القذيفة قرب منزله، أو عليه.
ترى، ماذا تبقى للجيل الجديد من السوريين من موارد؟ .
ماذا تبقى له من مكتسبات اقتصادية واجتماعية؟ .
ماذا تبقى لهذا الجيل من حياة؟.
لم يبق الكثير، فإن محاولة إحصاء أبرز التكاليف التي سيتحملها الجيل الجديد في سوريا تُظهر أن الجيل الجديد من السوريين سيعاني من الأمية والفقر والبطالة، لا، بل إن كل مولود سوري سيكون مديناً بقيمة 6115 دولاراً لإعادة إعمار بلده وإطفاء الدين العام المتراكم.
ما يعني أنه سيتم فرض ضرائب ورسوم كبيرة، وسيتم حصر الإنفاق الاجتماعي بسبب استخدام الأموال في إعادة الإعمار.
وفي ظل عدم تخصيص الأموال في كل تجارب الحروب العربية لإعادة ترميم ما تشوه في حياة الأجيال الجديدة الناشئة، فإن مستقبل سوريا سيكون كارثة على جيلها الجديد، خصوصاً إذا استمر النظام بحربه ودماره لسنوات مقبلة.
جيل إعادة الإعمار
يبلغ عدد السوريين قبل بدء الثورة السورية وقبل المجازر الجماعية المستمرة بحق المواطنين حوالي 22.4 مليون نسمة.
وتقول الأرقام الصادرة عن مركز “إحصائيات الثورة السورية” أنه منذ انطلاقة الثورة في آذار/ مارس من العام 2011 حتى نهاية شباط الماضي، “وصل عدد الشهداء الى حوالي 107 آلاف شهيد، بينهم حوالي 10 آلاف امرأة و11 ألف طفل”. كذلك، تسببت الحرب “بوقوع حوالي 168 ألف جريح، واعتقال 253 ألف سوري.
أما عدد اللاجئين خارج سوريا فوصل إلى 3 ملايين و365 ألف لاجىء، وعدد اللاجئين داخل سوريا إلى 7 ملايين و220 ألف لاجىء”.
هذه الأرقام ليست مجرد تعداد لبشر يعانون من أزمة إنسانية ضخمة، لا ، بل هي أرقام تشير إلى مستقبل أسود يحوم في أفق سوريا.
إذ إن عدد الجرحى والمعتقلين الذي يصل إلى 421 ألفاً، يعني اقتصادياً أن الجيل الجديد من السوريين سيتكبد كلفة ارتفاع الإنفاق الاجتماعي على تأمين العلاج الجسدي والنفسي، وانخفاض حجم القوى العاملة لأن معظم المصابين والمعتقلين، وفق الإحصائيات، هم من الفئة الشابة.
أما عدد اللاجئين خارج سوريا فيعني اقتصادياً ارتفاعات في مؤشرات الهجرة الدائمة، في حين أن عدد النازحين داخل الأراضي السورية يعني أن عدداً كبيراً من السوريين سيقع تحت ديون ضخمة لترميم أو إعادة بناء منازله.
هذا بالإضافة إلى ضعف الإنتاج الاقتصادي نتيجة الدمار الذي لحق بعدد ضخم من المحال الصغيرة والمؤسسات الصناعية والأراضي الزراعية.
ضرائب ودين عام
فوق هذه التأثيرات الكبيرة التي تضرب البنية الإنتاجية في البلاد، سيكون أمام الجيل الجديد من السوريين تحمّل الضرائب والرسوم التي سيتم فرضها لتمويل إعادة إعمار ما هدمه النظام.
إذ إن خسائر الاقتصاد السوري، وفق تقرير “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” الصادر في نهاية العام الماضي، بلغت 103 مليارات دولار.
وفي حال تم توزيع هذه الخسائر على عموم السوريين يتبيّن أن كل سوري مهما كان عمره يجب أن يدفع ضرائب بما يوازي 4 آلاف و598 دولاراً لتغطية كلفة تمويل الدمار.
وفي حال لجوء النظام السوري الجديد بعد انتهاء الحرب إلى الدول المانحة، فسيحصل على قروض طويلة الأمد، وبالتالي سيضاف فوق هذا المبلغ مبالغ إضافية، وهي الفوائد التي تحصّلها الصناديق الدولية في مقابل القروض التي تقدمها للدول.
كذلك، بلغ الدين العام لسوريا حتى تشرين الأول/ أكتوبر الماضي (وفق تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والأونروا والمركز السوري لبحوث السياسات) ما نسبته 73% من الناتج القومي، وبالتالي وصل حجم الدين إلى حوالي 34 مليار دولار، منها حوالي 17 مليار دولار ديونا داخلية ونحو 7 مليارات دولار ديون خارجية.
ووفق معادلة بسيطة يتبين أن كل طفل مولود حديثاً في سوريا سيأتي إلى الحياة مديوناً بقيمة 1517 دولاراً.
وبالتالي، في حال تمت إضافة حجم الضرائب لإعادة الإعمار وكلفة سداد الدين العام، يتبين أن كل سوري سيكون مديوناً بـ 6115 دولاراً مهما كان عمره.
جيل الجوع والبطالة
تقول تقديرات “لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا” (الاسكوا) إن عدد السوريين الذين تحولوا إلى ما دون خط الفقر هو 18 مليون مواطن، بينهم حوالي 8 ملايين مواطن تحت خط الفقر الغذائي. ما يعني أن الجيل الجديد من السوريين سيعيش الفقر والجوع، ما سيخلق اختلالاً في الأمن الاجتماعي والغذائي.
كذلك، قدّر تقرير الإسكوا في نهاية العام الماضي، أن معدلات البطالة ووفقاً للأرقام الرسمية السورية (غير الدقيقة كونها تخفض من النسب الإحصائية)، ستسجل في حال انتهى الصراع في العام 2015 نسبة 58.1%.
أي أن الجيل الجديد سيعيش في كنف عائلات خارج سوق العمل، ما سيدفع الكثير من الأطفال والشباب إلى العمل بدلاً من الدخول إلى المدارس.
الأميّة ستكون غالبة
تقول الإسكوا أيضاً في ندوة نظمتها نهاية العام 2013، أن “سوريا خسرت 37 عاماً من التنمية بسبب الحرب الدائرة فيها، ومع كل سنة تستمر فيها الأزمة تتراجع سوريا 8 سنوات إلى الخلف في المؤشرات الاقتصادية والتنموية. ويعني كل يوم إضافي في هذه الأزمة خسارة 109 ملايين دولار من الناتج المحلي”.
هذه المؤشرات تعني إن الجيل الجديد من السوريين سيصبح في عمر الـ 37 عاماً ليعود ويعيش في ظل نسب التنمية السيئة والمهينة التي ثار ضدها الجيل الذي سبقه.
وأيضاً، وصل التسرب المدرسي إلى نسبة 38 في المئة في نهاية العام 2013، وفق تقارير الإسكوا. إلا أن هذا الرقم مرشح للمزيد من الارتفاع في ظل استمرار الدمار والقصف والموت. وهذه النسبة لا تعني سوى أن الجيل الجديد من السوريين سيكون غير متعلم وغير قادر على تحقيق نهضة اقتصادية أو اجتماعية تتحقق عادة بعد الحروب.
من جهة أخرى، تشير دراسة أعدها الباحث في الاقتصاد العقاري عمار يوسف إلى إن مليوني وحدة سكنية أصبحت في عداد المساكن المدمرة كلياً أو جزئياً، في حين قدرت إدارة معلومات الطاقة الاميركية، في تقريرها الصادر عن سوريا، خسائر قطاع الطاقة السوري بنحو 12 مليار دولار.
وتضررت شبكات المياه والصرف الصحي، بالإضافة إلى تضرر المرافق الصحية والاستشفائية.
الجيل الجديد في سوريا سيضيع وسط الدمار، لن يمتلك القدرة على إعادة بناء ما يدمره النظام السوري يومياً، سيكون اقتصاده رهينة مؤسسات التمويل الدولية، ستتكالب الدول الكبرى مؤسساته ونفطه ومقدرات أرضه. وكلما طال أمد المعركة، كلما تضاءل الأمل.