سوريا: هل خسر النظام المبادرة الاستراتيجية؟/ سعد محيو
– I –
هل فقد نظام الرئيس الأسد المبادرة الاستراتيجية في الحرب الأهلية- الإقليمية السورية؟
كل المؤشرات تدل على ذلك.
فقبل أربعة أشهر، كان النظام يزج كل أوراقه الاستراتيجية تقريباً في أتون المعركة: من مشاركة حزب الله اللبناني (مابين 5 إلى 7 آلاف مقاتل وفق تقديرات رسمية فرنسية) في المعارك، إلى دخول وحدات كاملة من الحرس الثوري الإيراني (كقوات تدريب ودعم ولوجيستيك) إلى الخدمة الفعلية والمباشرة مع الجيش النظامي السوري، مروراً بتدفق آلاف الشيعة العراقيين والباكستانيين وغيرهم للمشاركة في القتال إلى جانب الميليشيات المذهبية التي شكّلها النظام.
وفوق هذا وذاك، كان النظام يوظّف كل الطاقات التكنولوجية العسكرية والأمنية الروسية والإيرانية ( التخطيط العسكري، واستخدام المدافع المدارة الكترونياً والطائرات من دون طيار، وتطوير عمليات القيادة والربط والاتصالات.. ألخ) في عمليات الهجوم الواسعة التي تم تنفيذها على مدى الشهور الأخيرة.
كل هذه التوظيفات أثمرت انتصارات واضحة للنظام وحلفائه. فبلدة القصير الاستراتيجية على الحدود مع لبنان، والتي تشكِّل عقدة الوصل بين مثلث حمص ودمشق والساحل، سقطت خلال عملية عسكرية منسّقة بشكل جيد. كما سقط أيضاً حي الخالدية المحوري في حمص، الأمر الذي جعل احتمال سقوط الأحياء القديمة في هذه المدينة التاريخية التي شكّلت مركز المقاومة المسلحة السورية قبل نحو ثلاثة أعوام، أمراً ممكناً وواردا.
كما بات وارداً أيضاً فرص إعادة فرض السيطرة على ريف دمشق الذي اتجهت نحوه جهود قوات النظام وحزب الله، بهدف استكمال الحزام الأمني الذي أُريد منه حماية معاقل النظام غرب سورية في المناطق الساحلية ذات الأغلبية العلوية.
– II –
تبدد اليوفوريا
هذه الانجازات العسكرية كانت وراء النبرة التفاؤلية التي اجتاحت كبار المسؤولين السوريين في الآونة الأخيرة. فالرئيس بشار الأسد خرج ليعلن أن “النصر بات وشيكا”، فيما كان وزراء وقادة عسكريون سوريون يدعون إلى توقُّع انتصارات عسكرية جديدة من شأنها حسم حصيلة الحرب الراهنة.
بيد أن هذه اليوفوريا (الفرح الغامر) تبددت بين ليلة وضحاها.
نقطة البداية كانت مع نجاح المعارضة المسلحة في السيطرة على مطار منغ الاستراتيجي، في إطار عملية عسكرية كبرى ستكون لها مضاعفات استراتيجية على كل من قدرة المعارضة على تحرير أقسام من وحداتها لاستكمال معارك مدينة حلب والشمال، وعلى شيعة سورية الذين قال حزب الله اللبناني أنه دخل لحمياتهم، لأن مطار مينغ يشرف على قرى تعج بعشرات آلاف المواطنين الشيعة.
بيد أن المفاجأة الأكبر تمثّلت في الهجوم الكاسح الذي شنته قوات المعارضة في ريف اللاذقية واحتلت خلاله 11 قرية علوية. كما اعتقلت أكثر من 400 مواطن من الطائفة العلوية لم يتمكنوا من الفرار من أرض المعركةن وباتت على بعد 20 كيلومتراً فقط من بلدة القرداحة مسقط رأس آل الأسد.
هذه العمليات قد لاتغيّر موازين القوى العسكرية في الساحل السوري، وربما يتمكن النظام لاحقاً من استعادة السيطرة على القرى الـ11. إلا أن الضربة المعنوية له كانت قاسية للغاية. فهي ستثير الشك في أوساط الطائفة العلوية نفسها حول مدى قدرته على حمايتها كما كان يدّعي منذ اندلاع الانتفاضة. كما أنها (الضربة) ربما تدفع قطاعات من المؤسسة الأمنية- العسكرية النظامية إلى بدء الاقتناع بأن آل الأسد غير قادرين على حسم المعركة لصالحهم، وبالتالي لابد من البحث عن حلول سياسية بمنأى عنهم.
تحولات دولية
بيد أن التطورات السلبية بالنسبة إلى النظام لاتقتصر على الأمور الميدانية وحدها. ففيما كانت المعارضة تسجّل هذه النجاحات وتعكس التقدم الذي أحرزه النظام، كان البيئة الدولية الحاضنة له تشهد هزة عنيفة تمثلت في انفجار الخلافات بين روسيا والولايات المتحدة علناً وبشكل حاد.
صحيح أن سورية لم تكن السبب الوحيد لانفجار الصراع، حيث لعب التقارب الروسي مع الصين ومنح موسكو حق اللجوء للموظف الأمني الأميركي سنودن الدور الرئيس في دفع واشنطن إلى قرع أجراس الإنذار بقوة، إلا أنه يتوقع الآن أن تعمد الولايات المتحدة إلى مجابهة روسيا على الأرض السورية، من خلال رمي ثقلها إلى جانب العناصر الإسلامية المعتدلة في المعارضة.
الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الذي كان قد عارض قبل أسبوعين فقط أي تدخل أميركي في سورية، غيّر موقفه أمس الأول خلال زيارته للشرق الأوسط، وألمح بقوة إلى أن بلاده مستعدة لدعم المعارضة المعتدلة السورية، مُبدياً في الوقت نفسه تفهمه للحاجة التكتيكية لهذه المعارضة لشن عمليات عسكرية مشتركة ضد قوات النظام.
وفيما كانت هذه الضربات العسكرية والدولية تنهال على رأس النظام السوري، كان مدير المخابرات السعودي بندر بن سلطان يحط الرحال في موسكو لإقناعها بتغيير موقفها من الحرب السورية.
وعلى رغم أن روسيا نفت أن يكون بندر عرض عليها شراء صفقة أسلحة ضخمة بقيمة 13 مليار دولار لقاء ذلك، إلا أن مصادر دبلوماسية عربية في بيروت قالت لنا أن بندر عرض في الواقع على موسكو تسوية سياسية يتم في إطارها الحفاظ على النظام مع تطويره، بما يحفظ المصالح الروسية، على أن يغادر الأسد السلطة العام 2014 حين انتهاء ولايته الحالية.
كما أشارت المصادر إلى أن سورية لم تكُ الموضوع الوحيد في محادثات بندر مع المسؤولين الروس، حيث أن القادة السعوديين يشعرون بالقلق من استراتيجية الاستدارة شرقاً نحو آسيا التي تنتهجها إدارة أوباما، ويريدون تنويع داعمي نظامهم الدوليين، وفي مقدمهم روسيا وربما لاحقاً الصين.
وبالتالي، صفقة الأسلحة المحتملة قد تكون مدخلاً لعلاقات سعودية- روسية أكثر عمقاً وتطورا. وهذا بدوره سيقود في خاتمة المطاف إلى تغيّر ما في التوجهات الروسية الراهنة إزاء آل الأسد.
– III –
حصان خاسر
بالطبع، لاتعني كل هذه المعطيات أن نظام الأسد بات على قاب قوسين من التهاوي. بيد أن خسارته للمبادرة الاستراتيجية، على رغم كل الأوراق التي حشدها لكسب المعركة، يمكن أن تحفز على القول أن الوقت من الآن فصاعداً لم يعد يعمل لصالح بقاء آل الأسد في الأسد. وهذا صحيح على المستوى الداخلي، وقد يكون صحيحاً قريباً أيضاً في الخارج، حين تدرك القوى الدولية والإقليمية الداعمة للنظام أنه غير قادر على حسم المعركة لصالحه، وأنها بالتالي تراهن على حصان خاسر.