سوريا هي الصفقة ‘السرية’ القادمة بين السعودية وروسيا
زيارة الأمير بندر بن سلطان الى روسيا ومفاوضاته ‘السرية’ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم تتناول مناقشة أية صفقة، بحسب مساعد الرئيس الروسي يوري اوشاكوف، ولم تكن غير ‘مباحثات ترتدي الطابع الفلسفي’!
تصريح اوشاكوف الطريف يجعلنا نفهم لماذا اختارت المملكة العربية السعودية رئيس مجلس أمنها الوطني ورئيس استخباراتها للقاء رئيس تخرّج من مؤسسة الاستخبارات الروسية ‘الكي جي بي’ وعرف عنه حبّه للاستعراض وقيادة الغواصات والطائرات الحربية ولعب الجودو، فجهازا استخبارات السعودية وروسيا يدرّسان الفلسفة واحترام حقوق الانسان والبوذية واليوغا ولا يعقدان الصفقات السرية بالتأكيد!
ويبدو ان الاستفاضة في المباحثات تركت بعض الوقت للرئيس الروسي والأمير السعودي لترك الحوار الافلاطوني ومناقشة ‘المسائل المحورية الخاصة بتطور الوضع في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها البرنامج النووي الايراني، وتسوية النزاع السوري (…) مع التركيز على ضرورة حل القضايا الاقليمية’ بحسب وكالة الانباء الروسية (نوفوستي).
زيارة الأمير بندر الثانية خلال 4 أشهر لموسكو تستند الى تغيّرين اقليميين كبيرين، الأول هو ازاحة الرئيس المصري محمد مرسي في 3 تموز/يوليو الماضي، والثاني هو الاتفاق النووي الايراني في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، واذا ادت المباحثات ‘الفلسفية’ الى صفقة، فستنعكس تغيّراً اقليمياً في مكان ثالث: سوريا.
مهّد استيلاء المؤسسة العسكرية المصرية على السلطة مجدداً وحملة الاعتقالات والمطاردات التي بدأت ضد جماعة الاخوان المسلمين لتحالف موضوعي بين طرفين متنافرين: روسيا والسعودية، فكل من الرياض وموسكو تملكان استراتيجية سياسية، كل لأسبابه الخاصة، معادية لأحزاب الاسلام السياسي.
لعبت السعودية دوراً مالياً وسياسياً واعلامياً في تحريض وترتيب الانقلاب على الاخوان المسلمين، لا في مصر وحدها، بل كذلك في قيادة المعارضة السورية، وهو ما فتح الصفحة لترتيبات سياسية عميقة في المنطقة العربية.
واجهت المؤسسة العسكرية المصرية انتقادات عالمية لقمعها العنيف للمتظاهرين ولانقلابها على الشرعية الانتخابية، فاذا لم تكن هذه المؤسسة قادرة على رؤية الطريق المسدود الذي تدخل مصر فيه، فان اوروبا والاقليم معاً سيدفعان أثماناً باهظة لانسداد الآفاق امام المجتمع المصري مع عودة نظام الاستبداد القديم الذي فقد صلاحيته التاريخية والزمنية ولم يعد قادراً على تلبية مصالح الاقتصاد والاجتماع والسياسة المصرية، ما شكّل فرصة للروس للاندفاع لتقديم التغطية الدولية للانقلاب، وهو أمر أصبح يطبع السياسة الروسية كمدافع عن أنظمة الاستبداد في العالم.
فتح التحالف غير المتوقع في مصر بين السعودية وروسيا الباب أيضاً لاتفاق ممكن بينهما في الملفّ السوري، لكنّ احتمال ‘الصفقة’ في سوريا ما كان يمكن أن يحصل دون موافقة ايران، حليف روسيا وحامي النظام السوري الأكبر.
كانت الساحة السورية، وستبقى لفترة طويلة، مجال التصعيد العسكري الايراني الأهم الذي تضغط طهران به على اعدائها (وحلفائها!)؛ وكان تأجيج الجبهات هناك وتحشيد الفصائل الشيعية العراقية واللبنانية للقتال فيها أهم أوراقها التي تذكّر الجميع بوزنها الكبير في المنطقة والعالم.
مع الاتفاق الايراني الغربي وانخفاض حاجة طهران لاستمرار التصعيد في سوريا، انفتح الباب لاتفاق الأطراف الثلاثة: روسيا وايران من جهة، والسعودية وحلفاؤها الاقليميون من جهة أخرى.
فتحت ظاهرة ‘الربيع العربي’ باب التغيير في العالم العربي وكشفت العورة البشعة للأنظمة العربية وانتهاء صلاحيتها المزمن لكنّها أثبتت أيضاً قوّة الاستبداد المتنوع الأشكال والنظم والأديان واستشراسه في اعادة عقارب الساعة الى الوراء، وجاء التراجع الأمريكي والاوروبي الكبير بعد الفشل الهائل في افغانستان والعراق ليعطي هذا الاستبداد فرصة جديدة للانقضاض.
اتفاق روسيا وايران والسعودية سينعكس تسوية في سوريا على طريقة روسيا في الشيشان لا طريقة اوروبا وامريكا في البوسنة، فمصلحة هذه الدول أن تتجاهل التسوية أسباب النزاع الأساسية وهي الطغيان والفساد، وان يتم التركيز على محاربة الاسلام السياسي، وهي وصفة لحرب مؤبدة لا لسلام، والشعب السوري، مجدداً، سيدفع الثمن.
القدس العربي