سوريا والمفارقة الروسية-الإيرانية/ إياد الجعفري
دعنا نتصور السيناريو الآتي: روسيا تدعم نظام الأسد والميليشيات الشيعية – الإيرانية، إلى أن يُتما نصرهما العسكري المُؤزر، والمُطلق، على عموم سوريا.. بما فيها، إدلب، ودرعا، ومناطق ريف حمص الشمالي وريف حماه، وصولاً إلى استعادة مواقع سيطرة “داعش” كاملة، تقريباً..
بمعنى آخر، حسب السيناريو المُتخيل أعلاه، تدعم روسيا نظام الأسد وإيران في تحقيق الحسم العسكري الكامل، لصالحهما، على معظم التراب السوري.
بطبيعة الحال، فإن هذا السيناريو، مُفرط في التخيل، ذلك أن الروس ذاتهم، غير مستعدين، كما يتضح من محاولتهم السياسية الراهنة، أن يذهبوا بعيداً في سيناريوهات “الحسم العسكري” المُطلق. كي لا تتحول سوريا إلى “أفغانستان” أخرى، بالنسبة لهم.
لكن دعنا نتصور أن الروس، أرادوا ذلك.. ونجحوا في ذلك.. أقصد، نجحوا في دعم الأسد وحلفائه الإيرانيين في تحقيق “الحسم العسكري” الكامل.. ما هي الحصيلة بالنسبة للروس؟
ما هو حجم قدرتهم على التحكم في صنع القرار بدمشق، في حال نجح الأسد في استعادة معظم التراب السوري، بدعم برّي إيراني، بحيث ينعدم أي تحدٍ حقيقي لسلطته في العاصمة؟
الإجابة قد تكون بعيدة جداً عن أذهان الكثيرين.. ذلك أنه مع انتفاء وجود أطراف ميدانية تشكل تهديداً حقيقياً لنظام الأسد، فإن صاحب السطوة على الأرض، سيكون صاحب الكلمة العليا المسموعة في دمشق. بمعنى آخر، ستكون إيران هي صاحبة الكلمة العليا في دمشق حينها. وسيكون ربيبها الأسد، طيع بنانها، إن صح التعبير.
وبخلاف السيناريو السابق، وبوضعية معكوسة تماماً.. ومع وجود أطراف ميدانية تستطيع تهديد نظام الأسد جدياً، فإن الكلمة العليا في دمشق، تصبح لصاحب السطوة في السماء، وليس على الأرض، لأنه الكفيل بتأمين الغطاء الجوي القادر على حماية نظام الأسد، وتدعيم قدراته على الصمود.
لذلك، يمكن أن نفهم، لماذا يفضّل الإيرانيون سيناريو الحسم العسكري.. لأنه في نهاية المطاف، يحقق لهم الكفة الراجحة في حكم دمشق.. بخلاف سيناريو الحل السياسي الذي ترسمه موسكو حالياً، والذي يعني وجود قوى ميدانية راسخة على الأرض، قادرة على تهديد نظام الأسد حالما يُرفع الغطاء الجوي الروسي عنه.
بمعنى آخر.. للروس مصلحة مباشرة في حالة توزع النفوذ في سوريا، بين نظام الأسد في دمشق، وبين فصائل معارضة في عموم سوريا.. وليس لهم مصلحة في أن يسترد الأسد، بدعم إيراني، حالة تمركز النفوذ في كامل سوريا، لصالحه. لأن ذلك يعني أن هذا النفوذ سيؤول في نهاية المطاف، إلى الطرف الميداني الأقوى، المُتبقي في الساحة، وهو فعلياً، إيران، عبر مليشياتها.
وهكذا يمكن أن نفهم مفارقة غريبة بين دعائم النفوذ الروسي، وبين دعائم النفوذ الإيراني في سوريا.. فالمصلحة الروسية تكمن في تعدد القوى السورية الفاعلة في سوريا، وتقاسمها للنفوذ، بصورة يمكن للروسي أن يلعب عليها.. فيما المصلحة الإيرانية تكمن في أن يكون نظام الأسد هو الفاعل الوحيد في سوريا، من جديد، كما كان قبل العام 2011، لكن هذه المرة، فإن هذا الفاعل يرتكز ميدانياً، على الإيرانيين أنفسهم، ما يجعلهم أصحاب الكلمة العليا في سوريا.
بطبيعة الحال، فإن تحقق المصلحة الروسية تعني حالة من عدم الاستقرار الفعلي في سوريا، وبقاء الميدان السوري قابلاً للاشتعال، من حين لآخر، بصورة تُبقي الغطاء الجوي الروسي صاحب الكلمة العليا والحاسمة في أي تطور ميداني على الأرض. لكن ذلك يعني أيضاً، انفتاح المشهد السوري على حالة أقرب إلى “اللبننة”، التي تُتيح للعامل الخارجي القدرة على التأثير، عبر حالة توزع النفوذ بين النخب والقوى الفاعلة في سوريا، التي تمثل انعكاساً لحالة القوة الميدانية القائمة.
وإذا دققنا أكثر في سيناريوهات المستقبل.. فإنه كلما تراجع الجانب الميداني في المشهد السوري، لصالح السياسي، مع “لبننة” الوضع السوري، كلما تراجع النفوذ الروسي، لصالح نفوذ خارجي آخر، ربما أوروبي وخليجي، عبر القوة الناعمة، المُـتمثلة تحديداً، بالسيولة المالية القادرة على إعادة الإعمار في سوريا.
على الجانب الآخر.. فإن تحقق المصلحة الإيرانية، تُعيد عملياً سوريا إلى ما قبل العام 2011، من حالة الاستقرار الميداني والسياسي، القهري.. لكن مع فارق وحيد وجوهري، أن صاحب الكلمة العليا في دمشق، هم الإيرانيون هذه المرة، وليس السوريين حتى من النظام ذاته.
بالنسبة لنظام الأسد، سواء تحققت المصلحة الروسية أو المصلحة الإيرانية، فإنه فقد نفوذه لصالح صاحب السطوة البرية، إيران، والجوية، روسيا. لكن يبقى أن السيناريو الإيراني أفضل نسبياً، بالنسبة لنظام الأسد، لجهة تفضيل الإيرانيين للأسد كواجهة لحالة سيطرتهم على المشهد السوري. لذلك نجد نظام الأسد يفضّل سيناريو الحسم العسكري الكامل، بالتنسيق مع شركائه الإيرانيين.
أما بالنسبة لفصائل المعارضة، فربما يبدو أن تحقق المصلحة الروسية، على مثالبها، هي الأنسب بالنسبة لهم، لذلك نجد أنهم رضخوا للاتفاق الروسي – التركي، فذلك أفضل ما هو مُتاح بالنسبة لهم، لانتفاء وجود داعم إقليمي أو دولي قادر على دعمهم لتحقيق “حسم عسكري” كُلي، خاص بهم.
وبناء على ما سبق، يبدو أن مستقبل سوريا في الفترة القادمة سيتحدد في ضوء نتائج حالة المنازلة غير المعلنة بين الإيرانيين والروس على التراب السوري. والتي ستُحددها محددات أبرزها، مدى قدرة الإيرانيين على الخروج عن المسار الروسي المرسوم للمشهد السوري، اليوم. وذلك بدوره يتوقف على محددات أخرى أبرزها، طبيعة الموقف والسياسات التي سيتبناها الرئيس الأمريكي المُنتخب، دونالد ترامب، تجاه إيران. فإن فعّل ما سبق وأعلنه، عن رغبته في تحجيم القوة الإيرانية في المنطقة، فإن الإيرانيين سيخنعون للإرادة الروسية في سوريا، والعكس صحيح.
المدن