سوريا ودورها في المنطقة
فايز سارة
تحتل سوريا مكانة مميزة في فضاء الشرق الأوسط، وهي مكانة لا تعود إلى موقعها فقط، إنما إلى ما كرسته في العقود الماضية من دور في الفضاء الإقليمي المحيط من جهة، وتأثيرات الدور على علاقات المنطقة بالمحيط الدولي من جهة ثانية.
إن الأهم في دور سوريا، بما يتصل بمحيطها الإقليمي لعقود طويلة من السنوات، ارتبط بالقضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي، حيث كانت سوريا طرفا في الصراع من جهة، وقوة تأثير على أطراف أخرى، ومنها الطرف الفلسطيني من جهة ثانية، مما جعل الدور السوري في هذا الصراع وتداعياته أكثر بروزا من دور أطراف عربية وإقليمية ذات صلة بالموضوع، بما فيها الدول المحيطة بفلسطين.
كما عززت سوريا دورها في لبنان منذ بداية السبعينات عبر دخولها على خط الصراعات الداخلية، وعلاقة الأطراف الداخلية بالموضوعات الإقليمية، ثم عززت هذا الدور بدخول عسكري مباشر إلى لبنان منذ أواسط السبعينات، لتصبح اللاعب الرئيسي في السياسة اللبنانية وامتداداتها الخارجية، وهو دور لم يتغير جوهريا بعد انسحاب القوات السورية عام 2005 إثر اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، إنما تبدل شكله بتبدل أدوات الحضور السوري وانتقاله مما يقوم به الجيش إلى ما يقوم به حلفاء سوريا هناك، وخاصة حزب الله.
ورغم أن الحضور السوري المباشر وغير المباشر في السياسة العراقية كان موجودا على مدار عقود مضت، فإن هذا الحضور تعزز بعد احتلال العراق عام 2003 عبر سلسلة معقدة من العلاقات، لدرجة بدت متناقضة، إذ إضافة إلى علاقات سوريا القديمة مع أطراف المعارضة العراقية لنظام صدام حسين ومنها المعارضة الكردية، فقد أقامت علاقات مع الجماعات المناهضة للاحتلال، ومنها الجماعات المسلحة وبقايا النظام السابق، ووصلت خيوط العلاقة السورية، ولا سيما في المجال الأمني، إلى الأميركيين في العراق، وكله يضاف إلى تعزيز علاقات سوريا مع إيران صاحبة النفوذ والتأثير الكبيرين في عراق اليوم، وكله جعل من سوريا ذات تأثير قوي في الحاضر العراقي.
ولا يقل أهمية عما سبق، في الدور الإقليمي لسوريا، علاقة الأخيرة مع إيران، وهي علاقة جرى اختبار قوتها وفعاليتها مرات بصورة جدية، ولا سيما خلال الحرب الإيرانية – العراقية في ثمانينات القرن الماضي، حيث أكدت متانة تلك العلاقات واستمرارها، وتأثيرات الحلف السوري – الإيراني على مجمل السياسات الإقليمية، ولا سيما في موضوعين شديدي الحساسية، أولهما سياسة إيران العربية وخاصة في الخليج، والثاني ملف إيران النووي، وكلاهما يترك ظلاله القاتمة على المنطقة وعلاقاتها.
لقد خلق الدور السوري أدوات وعلاقات وتأثيرات إقليمية كثيرة، جعلت من سوريا قوة مؤثرة وظاهرة في عموم المنطقة، وقد يفسر ذلك في الأهم من جوانبه وهو الحذر والتخوف من الاشتباك مع سياسة دمشق، وانعكس ذلك على بطء التفاعل الإيجابي مع الحراك الشعبي السوري المطالب بالحرية والكرامة والتغيير، وقد مضت أشهر قبل أن تتحول السياسات العربية والأجنبية في المنطقة باتجاه إعلانها رفض سياسة العلاجات الأمنية – العسكرية للأزمة السياسية في سوريا بدل الانخراط في عملية سياسية إصلاحية ووقف الإجراءات الأمنية، وتبع ذلك الانتقال اللاحق إلى مطالب مباشرة أو غير مباشرة تقود إلى تغيير النظام، ومن ذلك بيان مجلس الأمن، ومبادرة الجامعة العربية الأخيرة.
ومما لا شك فيه أن انتقال السياسات العربية والإقليمية باتجاه تغيير النظام في سوريا بالتوازي مع موقف الحراك السوري المطالب بالتغيير يعني، في أحد جوانبه، أن التغيير حاصل، وأن خطوات إجرائية في المستويين الإقليمي والدولي سوف تتواصل في سياق زمني محدد، تؤدي إلى التبدل في النظام السوري، وتاليا تبدل في مكانته ودوره الإقليمي اللذين تكرسا وتعززا على مدار العقود السابقة.
ولعله لا يحتاج إلى تأكيد قول بأن من نتائج التحول السابق ما سوف ينعكس سلبا على مكانة سوريا المميزة في فضاء الشرق الأوسط، كما سيصيب دورها وتأثيرها في الفضاء الإقليمي المحيط بالتراجع، ويترك تأثيره على علاقات المنطقة بالمحيط الدولي، وكلها أمور ستفتح مجالا لتوزيع حدود الدور السوري الإقليمي الذي انتهى، أو سوف يتم التخلي عنه، وهذا يطرح بدوره السؤال عمن يمكن أن يرث هذا الدور بكليته أو بأجزاء منه. والمرشحون للوراثة كثر بينهم النظام المقبل في سوريا، ودول صاعدة مثل تركيا، وأخرى تستعد للصعود مثل مصر، ودول تقليدية، مثل المملكة العربية السعودية والأردن، يمكن أن تكون من بين ورثة ذلك الدور، لكن دون أن يكون لتلك الدول ملامح التدخل المباشر والأدوات العنيفة، بل ملامح الدور السياسي فحسب!
الشرق الأوسط