سوريا وما ينتظرها
خليفة راشد الشعالي
يثير المشهد السوري فزعاً لدى المواطن العربي، وكذلك فَعَل المشهد اليمني، غير أن المشهد السوري في أيامه الأخيرة أدخل كل العرب في نفق مظلم يشبه إلى حد كبير ذلك النفق الذي افتتح بغزو العراق للكويت ولم يغلق حتى الآن، حيث الشرخ في العلاقات العربية – العربية لم يتم ردمه، وعواطف وأحاسيس بعض العرب ممن انكووا بتلك الصدمة مازالت محمّلة بكثير من الآلام والشجون والغصة والحرقة، ذلك لأن العربي يتألم أكثر من ظلم ذوي القربى، ويراه أشد فتكاً، فظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند . . .إذا ما رأيت الشر يبعث أهله وقام جناة الشر بالشر فاقعد .
دونما استهانة بالوقائع اليومية التي يشاهد فيها المواطن العربي دماء تسفك، وخسائر مادية لا حصر لها في سوريا، وحيث بدأت العقوبات الاقتصادية تؤثر في حياة المواطن السوري العادي، دونما تأثير يذكر في نخبة النظام وأعوانه و”شبيحته” . المشهد الأخير كان محزناً إلى درجة كبيرة، حيث كان اللقاء عربياً عربياً في مجلس الأمن، وتحت مرأى ومسمع من كل العالم، مشهد كان الخصمان فيه عرباً، أحدهما يدافع عن النظام السوري وفريق آخر يمثل أكثرية العرب، ويحاول إيجاد مخرج للأزمة السورية، ويمثل هذا الفريق رئيس الدورة الحالية للجامعة العربية وأمينها العام .
في هذا المشهد المحزن والمخزي، كال كلا الطرفين للآخر بمكاييل المصلحة، وكذب بعضهم مستدراً عطف وشفقة الآخرين، وعلى غير عادة في مثل هذه المنابر العالمية، ظهر العرب وهم ينشرون فضائحهم و”غسيلهم” الوسخ معتقدين أن هذا النوع من القصص و”الحواديث” تؤثر في قرارات الدول، دونما تطرق للموضوع الأهم المتمثل في كرامة الإنسان السوري وقدسية دمه وماله وعرضه .
وكلا الطرفين مفلس في عرض مسألته، فالحقوق لا تنال بمجرد السرد المجرد في عالم تحكمه المصالح ويعتمد على الأرقام الموثوقة، والمشاهدون في تلك القاعة المهيبة وفي كل بقاع العالم لا تهز مشاعرهم حركات الراوي الذي تبرّع “بخرجيته” لتحرير بلدان الخليج العربي من الاستعمار البريطاني، وإذا صحت هذه الرواية إان المتبرع ضُحِكَ عليه، وتبرعاته ذهبت لجيوب زعاماته ولم تأت للمقاومين أو صندوق المقاومة أو التطوير في الخليج العربي الذي كان وقتها يفتقر إلى مقومات الحياة البسيطة .
ومن مفارقات التاريخ وعجائب الزمان أن ينتظم صف أكثرية العرب ومعه وزراء خارجية أمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرهم، بينما ينتظم صف النظام السوري ومعه مندوب الاتحاد الروسي والصين وجنوب إفريقيا والهند وإيران، وبالعودة بكل هؤلاء إلى خمسينات وستينات القرن الماضي يظهر مدى استبدال القيم والفضائل، وتبدل الرؤى لدى هؤلاء الفرقاء، وتغير مواقفهم من مبادئ أساسية تتمثل في حق تقرير المصير وحرية التعبير ومناهضة الاستعمار .
في هذا المشهد، رفعت كثير من شعارات وكلمات الحق التي يراد بها باطل، وتنادى الجميع -تقريباً- لإبعاد شبح التدخل الخارجي عن سوريا، بينما جميع الدول الغربية وروسيا والصين وإيران والهند وغيرها تلهث طمعاً في السيطرة على سوريا وقرارها وخيراتها . وإذا كان تدويل القضية السورية شبحاً يخيف النظام السوري وجميع العرب، فإن التدويل أمر واقع في حقيقة المشهد السوري، حيث البوارج الروسية والعناصر والمدد العسكري الإيراني للنظام السوري لم يعد خافياً على أحد .
لهذا، فإن للنظام السوري حساباته، وللغرب وأمريكا حساباتهم، وللمعارضة السورية حساباتها، إلا أن الشعب السوري المقاوم الذي يضحي بأغلى ما يملك، حسابات أخرى، ومن غير الممكن استغفال الرأي الجمعي للثورة السورية، واختصار مقاومتها في المعارضة التي تستجدي العون من الغرب وأمريكا، ولن تنفع النظام أساطيل روسيا والصين والقوات الإيرانية، ولن يفيد المعارضة مواقف الغرب وأمريكا، فهذه مواقف يحاولون بها الالتفاف على هذه الثورة، وهي لا شك مواقف محسوبة، ولها ثمن باهظ . الثورة السورية أذكى من أن تلتف عليها استخبارات الغرب والشرق، والنصر لها إذا ما التفت حول الجيش السوري الحر، وتكثيف عدد المنشقين عن النظام من عسكريين ومدنيين، فهؤلاء هم صناّع مستقبل سوريا
الخليج